عناصر الخطبة
1/وجوب الحج والحكمة من مشروعيته 2/الحكمة في تأخير فرضية الحج عن بقية أركان الإسلام 3/المقصود من الحج والعمرة ووجوبها مرة واحدة في العمر 4/وجوب المبادرة بأداء الحج وشروط ذلك 5/بعض الأحكام المتعلقة بحج الصبي 6/ضابط القادر على الحَج 7/حكم الحج عن الغير وبعض الشروط الواجب توفرها في النائب عن الحج عن الغيراهداف الخطبة
اقتباس
المقصودُ من الحجِّ والعمرة: عبادةُ الله في البقاع التي أمرَ الله بعبادته فيها، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعِلَ رميُ الجمارِ والسعي بينَ الصفا والمروة لإِقامةِ ذكرِ الله". والحجُّ، فرضٌ بإجماع المسلمين، وركْنٌ من أركان الإِسلام، وهو فرضٌ في...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله رب العالمين شَرَعَ لعباده حجَّ بيته الحرام، ليُكَفِّرَ عنهم الذنوبَ والآثام، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنفي جميعَ الشرك والأوهام، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله خير الأنام، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعدُ:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- كما أمرَكَم بتقواه، وحديثُنا إليكم في هذه الخطبة سيكونُ عن مزايا الحجِّ في الإِسلام، وأحكامِهِ العظام، سائلينَ الله لنا ولكم التوفيقَ للعلم النافع، والعمل الصالح والقبول.
فالحجُّ هو أحدُ أركان الإِسلام، ومبانيه العظام، قال الله -تعالى-: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:97].
أي: لله على الناس فرضٌ واجبٌ، وهو حجُّ البيت؛ لأنَّ كلمةَ: (عَلَى) للإيجاب، وقد أتبعه بقولِهِ جلَّ وعلا: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
فسَمَّى -تعالى- تاركَه: كافراً، ولهذا مما يدل على وجوبه وآكديته، فمن لم يعتقدْ وجوبَه، فهو كافرٌ بالإِجماع، وقال تعالى لخليله: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)[الحـج:27].
وللترمذي وغيره وصحَّحه عن علي -رضي الله عنه- مرفوعاً: "مَنْ ملكَ زاداً وراحلة تُبَلِّغُه إلى بيتِ الله ولم يحُجَّ، فلا عليه أن يموتَ يهودياً أو نصرانياً".
وقال صلى الله عليه وسلم: "بُنيَ الإِسلامُ على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وصومِ رمضان، وحجِّ البيت مَنْ استطاع إليه سبيلاً".
والمرادُ بالسبيل: توفُّرُ الزاد، ووسيلة النقلِ التي توصله إلى البيت، ويرجع بها إلى أهله، مع توفير ما يكفي أهلَه إلى أن يرجعَ إليهم بعد سدادِ ما عليه من الديون.
والحكمةُ في مشروعية الحج، هي كما بيَّنها الله -تعالى- بقوله: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) إلى قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج:28 - 29].
فالمنفعةُ من الحجِّ ترجعُ للعباد، ولا ترجع إلى الله -تعالى-؛ لأنه: (غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:97].
فليس به حاجةٌ إلى الحجاج كما يحتاج المخلوق إلى من يقصِدُه ويعظِّمُه، بل العبادُ بحاجة إليه، فهم يَفِدُون إليه لحاجتِهم إليه.
والحكمة في تأخير فرضية الحجِّ عن الصلاة والزكاة والصوم؛ لأنَّ الصلاةَ عمادُ الدين، ولتكرُّرِها في اليوم والليلة خمسَ مرات، ثُمَّ الزكاة، لكونِها قرينة لها في كثيرٍ من المواضع، ثُمَّ الصوم لتكرُّرِه كلَّ سنة.
وقد فُرِضَ الحج في الإِسلام سنةَ تسع من الهجرة، كما هو قولُ الجمهور، ولم يَحُجَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بعدَ الإِسلام إلا حجةً واحدةً، هي حِجَّةُ الوداع.
وكانت سنةَ عشرٍ من الهجرة، واعتمرَ صلى الله عليه وسلم أربعَ عُمَرٍ.
والمقصودُ من الحجِّ والعمرة: عبادةُ الله في البقاع التي أمرَ الله بعبادته فيها، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعِلَ رميُ الجمارِ والسعي بينَ الصفا والمروة لإِقامةِ ذكرِ الله".
والحجُّ، فرضٌ بإجماع المسلمين، وركْنٌ من أركان الإِسلام، وهو فرضٌ في العمر مرةً واحدة على المستطيعِ، وفرضُ كفايةٍ على المسلمين كُلَّ عام، وما زادَ على حج الفريضة في حقِّ أفراد المسلمينَ، فهو تطوُّعٌ.
وأمَّا العمرةُ، فواجبةٌ على قولِ كثير من العلماء، بدليلِ قوله صلى الله عليه وسلم لمَّا سُئِلَ: هلْ على النساءِ من جهادٍ؟ قال: "نعم، عليهن جهادٌ لا قتالَ فيه: الحجُّ والعمرة"[رواه أحمدُ وابن ماجة بإسنادٍ صحيح].
وإذا ثبتَ وجوبُ العمرة على النساء، فالرجالُ أولى، وقالَ صلى الله عليه وسلم للذي سأَله: "إنَّ أبي شيخٌ كبير لا يستطيعُ الحجَّ والعمرة ولا الظَّعْنَ، فقال: "حُجَّ عن أبيك واعتمِرْ" [رواه الخمسة وصحَّحه الترمذي].
فيجبُ الحجُّ والعمرة على المسلم مرةً واحدة في العمر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحجُّ مرةً فمَنْ زادَ فهو تطُّوعٌ" [رواه أحمدُ وغيره].
وفي "صحيح مسلم" وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: "أيها الناسُ: قد فُرِضَ عليكم الحَجُّ فحُجُّوا" فقال رجل: أكلَّ عام؟ فقال: "لو قلتُ: نعم، لوجَبَت، ولما استطعتم".
ويجبُ على المسلم: أن يبادرَ بأداءِ الحجِّ الواجب مع الإِمكان، ويأثَمُ إن أخَّره بلا عُذْرٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "تَعَجَّلوا إلى الحج -يعني الفريضة- فإنَّ أحدَكم لا يَدْري ما يَعْرِضُ له" [رواه أحمد].
وإنَّما يجبُ الحجُّ بشروطٍ خمسة: الإسلامِ، والعقلِ، والبُلوغ، والحرية، والاستطاعة، فمَنْ توفَّرت فيه هذه الشروط، وجب عليه المبادرة بأداءِ الحج.
ويصحّ فعلُ الحجِّ والعمرة من الصبي نفلاً؛ لحديثِ ابن عباس: "إن امرأةً رَفَعَتْ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- صبيّاً، فقالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: "نعم، ولكِ أجرٌ" [رواه مسلم].
وقد أجمعَ أهلُ العلم على أنَّ الصبيَّ إذا حجَّ قبلَ أن يبلُغَ، فعليه الحجُّ إذا بَلَغَ واستطاع، ولا تُجزئُه تلك الحجةُ عن حجَّةِ الإِسلام، وكذا عمرته.
وإن كانَ الصبيُّ دونَ التمييز عَقَدَ عنه الإِحرامَ وليُّه بأنَ ينويَهَ عنه، ويُجنبَهُ المحظوراتِ، ويطوفَ، ويسعى به محمولًا، ويستصحبَه في عرفةَ ومزدلفة ومِنى، ويرمي عنه الجمراتِ.
وإنْ كان الصبيُّ مميزاً نَوَىَ الإِحرام بنفِسه بإذن وليِّه، ويؤدِّي ما قَدَرَ عليه من مناسكِ الحج، وما عَجَزَ عنه يفعلُه عنه وليه، كرمي الجمرات، ويُطافُ ويُسعى به راكباً أو محمولاً إن عَجَزَ عن المشي، وكلُّ ما أمكَن الصغيرَ فِعلَه مميزاً كان أو دونه بنفسِه كالوقوف والمبيت، لَزِمَه فعلُه.
بمعنى: أنه لا يصحُّ أن يُفْعَلَ عنه، لعدمِ الحاجة لذلك.
ويجتنبُ في حَجِّه ما يجتنبُ الكبيرُ من المحظورات.
والقادرُ على الحَجِّ، هو الذي يتمكَّن من أدائه جسمياً ومادياً بأن يمكنَه الركوبُ، ويتحملَ السفر، ويَجِدَ من المال بُلغتَهُ التي تكفيه ذهاباً وإياباً.
ويجدَ أيضاً ما يكفي أولادَه ومَنْ تلزمُهُ نفقتُهُم إلى أن يعودَ إليهم، ولا بُدَّ أن يكون ذلك بعدَ قضاء الديون، والحقوق التي عليه، بشرطِ أن يكونَ طريقه إلى الحج آمناً على نفسِه وماله، وإن قَدَرَ بماله دونَ جسمه بأن كانَ كبيراً هَرِماً أو مريضاً مرضاً مزمناً لا يرجى بُرْؤُه لَزِمَهُ أن يُقيمَ مَنْ يَحُجُّ عنه ويعتمرُ، حجةَ وعمرةَ الإِسلام من بلده، أو من البلد الذي أيسرَ فيه؛ لما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنَّ امرأة من خَثْعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضةُ الله في الحجِّ شيخاً كبيراً لا يستطيعُ أن يثبُتَ على الراحلةِ، أفأحُجُّ عنه؟ قال: "حُجِّي عنه"[متفق عليه].
ويُشترطُ في النائبِ عن غيره في الحجِّ: أَنْ يكونَ قد حَجَّ عن نفسِه حجةَ الإِسلام؛ لحديثِ ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رجلاً يقول: لبَّيْكَ عن شُبرمةَ، قال: "حججتَ عن نفسِك؟" قال: لا، قال: "حُجَّ عن نفسِك"[إسناده جيدٌ، وصحَّحه البيهقي].
وحَجُّ النفل تجوزُ النيابة فيه عن القادرِ وغيره، ويُعطى النائبُ من المال ما يكفيه من تكاليفِ السفر ذهاباً وإياباً.
ولا تجوزُ الإِجازة على الحج، ولا أن يُتَّخَذَ ذريعةً لكسب المال.
وينبغي أن يكونَ مقصودُ النائب: نفعَ أخيه المسلم المنوب عنه، وأن يَحُجَّ بيت الله الحرام، ويزورَ تلك المشاعر العظام، فيكون حَجُّه لله لا لأجل الدنيا، فإنْ حَجَّ لقصد المال فحجُّه غيرُ صحيح ولا يجزئُ عن مستنيبه.
والحمدُ لله ربِّ العالمين، وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
التعليقات