بيان أسباب النصر والتمكين من القرآن الكريم

د محمد بن علي بن جميل المطري

2023-10-23 - 1445/04/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

جعل الله للنَّصر والتمكين أسبابًا متى أخذ بها المسلمون، نصرَهم اللهُ على أعدائهم، وهذه الأسباب كلها في كتاب الله؛..

الحق والباطل في صراع مستمر، وقد أخبرنا الله عن استمرار الكافرين في قتال المسلمين ليصرفوهم عن دينهم الحق في قوله: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 217]، وبيَّن الله لنا في كتابه أن الكافرين يكيدون بالمسلمين، ويمكرون بهم في كل حين؛ فقال عز شأنه: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا) [الطارق: 15، 16]، وقال تبارك وتعالى: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم: 46].

 

ومن حكمة الله أنه يدفع شرَّ بعض الناس ببعض؛ كما قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج: 40]، ففرض الله الجهاد على هذه الأمة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد بأنه ذِروة سَنام الإسلام؛ قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216]، وقال سبحانه: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 142].

 

وقد جعل الله للنَّصر والتمكين أسبابًا متى أخذ بها المسلمون، نصرَهم اللهُ على أعدائهم، وهذه الأسباب كلها في كتاب الله؛ قال الله تعالى: (إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 9]؛ أي: يهدي للخَصلة التي هي أحسن الخِصال، فالقرآن تبيان لكل شيء، ومن أعظم ما بيَّنه القرآن أسباب النصر والتمكين؛ قال الله تعالى: (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأنبياء:10]؛ قال المفسرون: أي: في القرآن عزكم وشرفكم ورفعتكم في الدنيا والآخرة.

 

وفيما يلي بيان أسباب النصر والتمكين من القرآن الكريم:

1- الإيمان والعمل الصالح: قال الله سبحانه: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47]، وقال الله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر: 51]، وقال عز وجل: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء: 141]، وقال تبارك وتعالى: (إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج: 38]، وقال جل شأنه: (وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْـمُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 19]، فالله سبحانه مع المؤمنين الصالحين بالنصر والتأييد، وقد وعدهم بالدفاع عنهم، وضمِن لهم إن حقَّقوا الإيمان اعتقادًا وقولًا وعملًا ألَّا يجعل للكافرين عليهم سبيلًا مستمرة في كل حين، فقد ينتصر الكفار في بعض المواطن والأوقات بسبب تفريط المؤمنين في بعض أسباب النصر، وسنة الله التي لا تتخلف أن ينصر المؤمنين كاملي الإيمان في الحياة الدنيا على أعدائهم بالغلبة إن قاتلوهم، وبالحُجة إن ناظروهم، وبالانتقام منهم إن قتلوهم وظلموهم.

 

فالصحابة رضي الله عنهم حين حققوا الإيمان والعمل الصالح بطاعة الله ورسوله، نصرهم الله على جميع أعدائهم، فهزموا جيوش المرتدين، وفتحوا فارس، وغلبوا الروم، ولم يستطع أحد أن يقف أمامهم، وتحقق وعد الله لهم؛ في قوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55]، وقوله سبحانه: (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الفتح: 22، 23].

 

قال ابن تيمية رحمه الله: "سُنة الله وعادته في نصر عباده المؤمنين إذا قاموا بالواجب على الكافرين، وانتقامه وعقوبته للكافرين الذين بلغتهم الرسل بعذابٍ من عنده، أو بأيدي المؤمنين، هي سُنة الله التي لا توجد منتقضة قط"؛ [الرد على المنطقيين (ص: 390).

 

فإذا حقق المؤمنون الإيمانَ والعمل الصالح في أي زمان ومكان، فتمسكوا بالقرآن والسنة، وأطاعوا الله ورسوله، فإنه يرحمهم، وينصرهم الله على أعدائهم؛ قال الله تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام: 155]، وقال عز وجل: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: 132]، وعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يزال طائفة من أمتي على الحق منصورين، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله عز وجل”(رواه ابن ماجه (10) بإسناد صحيح، وأصله في صحيح مسلم (1920).

 

ما أمرهم الله ورسوله؛ كما قال سبحانه للصحابة في غزوة أحد: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران: 165]، فالله لا يجامل أحدًا، فمن وفَّى بما أمره الله وفَّاه الله ما وعده؛ كما قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [البقرة: 40].

 

قال ابن تيمية: "الله تعالى قد يُديل الكافرين على المؤمنين تارة كما يديل المؤمنين على الكافرين، كما كان يكون لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع عدوهم لكن العاقبة للمتقين... وإذا كان في المسلمين ضعفٌ، وكان عدوهم مستظهرًا عليهم، كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم؛ إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنًا وظاهرًا، وإما لعدوانهم بتعدي الحدود باطنًا وظاهرًا"؛ [مجموع الفتاوى (11/ 645).

 

وقال ابن القيم رحمه الله: "النصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل، فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد، ولهذا إذا أُصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله، أو بإدالة عدوه عليه، فإنما هي بذنوبه؛ إما بترك واجب، أو فعل محرم، وهو من نقص إيمانه... والله سبحانه قد بيَّن في كتابه أنه ناصر المؤمنين في الدنيا والآخرة، وهذا كثير في القرآن، وقد بيَّن سبحانه فيه أن ما أصاب العبد من مصيبة، أو إدالة عدو، أو كسر، وغير ذلك فبذنوبه"؛ (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/ 182، 183).

 

2- تقوى الله والإخلاص: تقوى الله هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأعظم ما أمر الله به التوحيد والإخلاص، وأعظم ما نهى الله عنه الشرك، ومنه الرياء، وإرادة الدنيا بعمل الآخرة؛ قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء: 36]، وتقوى الله والإخلاص في الجهاد من أعظم أسباب النصر؛ قال الله سبحانه: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْـمُتَّقِينَ) [البقرة: 194]، وقال جل وعز: (إنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128]، ولا يكون الجهاد عملًا صالحًا مقبولًا إلا إذا كان خالصًا لله، وإلا كان رياء وسمعة؛ قال الله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110]، وقال سبحانه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنفال: 47].

 

وقد أكَّد الله على الإخلاص في الجهاد في آيات كثيرة، فلا بد أن يكون الجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله؛ قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 244]، وقال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [النساء: 76]، وقال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [الصف: 10 - 13]، وقال عز وجل: (إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْـجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 111]، وقال تبارك وتعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24]، وروى البخاري (2810) ومسلم (1904) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حَمِيَّة، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله”.

 

فالمخلص في جهاده يريد رضا الله، ويريد بجهاده ثواب الله في الآخرة، فهو يضحِّي بنفسه وأمواله وأوقاته في سبيل الله؛ قال الله تعالى: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْـحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ) [النساء: 74]؛ أي: يبيعون الحياة الدنيا ومتاعها القليل الزائل بالآخرة الباقية، وقال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة: 38].

 

فإذا كان المجاهدون من المؤمنين المتقين الصادقين، وأخلصوا في جهادهم لله رب العالمين، وأخذوا بأسباب النصر التي بيَّنها الله في كتابه بقدر الاستطاعة؛ فعاقبتهم النصر بإذن الله.

 

3- نصرة الله: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7]، وقال سبحانه: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْـمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْـمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج: 40 - 41]، فمن أعظم أسباب النصر نصرة الله؛ وذلك بإقامة الدين الحق علمًا وعملًا وحكمًا، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبذلك وصى الله جميع الأمم؛ كما قال سبحانه: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ * وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ * فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) [الشورى: 13 - 15]، فواجبٌ على المسلمين حكَّامًا ومحكومين أن يعملوا بالأسباب المشروعة لإقامة دين الإسلام ونشره، والدفاع عن حرماته، والسعي في دفع الظلم عن أهله، وإزالة الفساد بأنواعه، ونصر المستضعفين في الأرض بقدر الاستطاعة؛ قال الله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة: 251].

 

4- اجتـماع الكلـمة على الحق، وإصلاح ذات البين، وعدم التــنازع والتـفرُّق، والقتال تحت راية واحدة بقيادة واحدة: قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103]، وقال عز وجل في أول سورة الجهاد وهي سورة الأنفال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال: 1]، فأول طريق التمكين للأمة تقوى الله وإصلاح ذات البين، فهما أول الوصايا في سورة الجهاد، فإذا لم يحقق المسلمون تقوى الله بطاعة الله ورسوله، وتنازعوا واختلفوا، زالت قوتهم، وتسلَّط عليهم أعداؤهم؛ كما قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46]، ومعنى ريحكم: أي: نصركم وقوَّتكم ودولتكم؛ وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59]، وقال عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إلَى الْـمَلأِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [البقرة: 246]، فلا بد في الجهاد من قائد واحد يُقاتَل في سبيل الله تحت قيادته؛ لينظِّم الصفوف، ويضع الخطط، وينسق الجهود؛ كما قال الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ) [آل عمران: 121]، وقال سبحانه: (إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف: 4].

 

وإن من الأمور المهمة التي يؤكد عليها الإسلام لأجل مصلحة اجتـماع الكلـمة، ودفع مفسدة التـفرُّق والاختلاف: ألَّا يُنازِع الناسُ من ولَّاه الله أمرهم، فالملك لله يؤتيه من يشاء؛ كما قال تعالى: (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة: 247]، وقال سبحانه: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26].

 

وفي صحيح البخاري (7142) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمِل عليكم عبدٌ حبشي، كأن رأسه زبيبة”.

 

وفي صحيح البخاري (7056) ومسلم (1709) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عليهم البيعة فكان فيما أخذ علينا: “بايَعْنَا على السمع والطاعة في مَنْشَطِنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثَرَةٍ علينا، وألَّا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تَرَوا كفرًا بَواحًا عندكم من الله فيه برهان”.

 

وإن كثيرًا من الناس يسعَون في تغيير حكَّامهم، ولا يحرصون على إصلاحهم والتعاون معهم على الخير، بدعوى أنهم أحق بالملك منهم؛ كما قالت بنو إسرائيل عن طالوت: (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) [البقرة: 247]، فتقع الفتن العظيمة من أجل الملك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القتال في الفتنة، وعن القتال تحت كل راية عِمِّيَّةٍ وعصبية، وأمر عليه الصلاة والسلام باعتزال القتال عند اختلاف الأمة، ففي صحيح البخاري (3606) ومسلم (1847) من حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن أئمة يكونون بعده فيهم خير وشر وصفهم بقوله: “قوم يهدون بغير هَدْيِي، تَعرِف منهم وتُنكِر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله، صِفْهم لنا، فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعَضَّ بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك”، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم وإن كان فيه خير وشر، ولم يأمر بالسعي في تغييره وخلعه والخروج عليه ما دام مسلمًا يحكم الناس بشرع الله، وإن كان فيه دَخَنٌ، وعلى العلماء والدعاة مسؤولية دعوة الحكَّام إلى توحيد الله وطاعته، ونصحهم بإقامة العدل وترك الظلم، وترغيبهم في إصلاح دين الناس ودنياهم، وحثهم على الحكم بما أنزل الله، وتحذيرهم من الحكم بغير ما أنزل الله، والبيان الواضح لهم بأن تبديل شرع الله كفرٌ صُراح، وفاعله مرتد عن الدين؛ وفي الحديث المشهور: “أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر”.

 

فعلى أهل العلم أن يناصحوا ولاة الأمر، ويحثوهم على الخير، ولا يجاملوهم بالسكوت عن المنكر، ولا يعينوهم على الظلم، ولا يبرروا لهم الفساد، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه؛ فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنها ستكون بعدي أمراء يكذِبون ويظلمون، فمن دخل عليهم، فصدَّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولستُ منه، وليس بواردٍ عليَّ الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ويُعِنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وهو وارد عليَّ الحوض”(رواه أحمد (18126) وغيره، وصححه الألباني والأرنؤوط].

 

وإن الناظر في سِيَر علماء الأمة الراسخين يجدهم على منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومناصحة ولاة الأمر، وحثِّهم على الجهاد في سبيل الله، مع عدم السعي للسلطة، ومن ذلك ما ذكره المؤرخون عن ابن تيمية رحمه الله من الاجتهاد العظيم في حث السلطان وأمراء زمانه على قتال التتار، وتشجيعه لهم، وغلظته عليهم أحيانًا إن رأى منهم إعراضًا، حتى ظن بعضهم أنه يسعى لخلع السلطان؛ ففي كتاب (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية لعمر البزار ص: 72، 73) أن ابن تيمية وُشِي به إلى السلطان المعظَّم الملك الناصر محمد بن قلاوون بأن في نفسه أخْذَ الملك، فصارحه السلطان بذلك ليتثبت من الخبر، فقال له ابن تيمية بنفس مطمئنة، وقلب ثابت، وصوت عالٍ: أنا أفعل ذلك؟! والله إنَّ مُلكَك ومُلك المغول لا يساوي عندي فِلسين، فتبسم السلطان وقال: إنك والله لَصادق، وإن الذي وشى بك إليَّ كاذب.

 

فمن أعظم أسباب النصر اجتـماع الكلـمة، وإصلاح ذات البين، وعدم التــنازع والتـفرُّق، والقتال تحت راية واحدة بقيادة واحدة، فيجب على جميع المسلمين حكَّامًا ومحكومين أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يصلحوا ما يقع من خلاف بين حكام المسلمين، أو بين الحكام مع شعوبهم، أو بين العلماء والدعاة وطلاب العلم فيما بينهم، فقد صار حال كثير من المسلمين؛ كما قال الله عن اليهود: (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) [الحشر: 14]، فإذا لم نُصلح ذات بيننا فنحن لا نعقل مصالحنا، ولا نفهم ديننا، فالصلح خير كما أخبر الله، وهو سبب لرحمة الله لنا؛ كما قال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10]، فيجب أن نسعى للإصلاح بين المسلمين، وأن تتسع صدورنا في مسائل الاجتهاد، وأن ينصح بعضنا بعضًا، وأن يستغفر بعضنا لبعض، وأن تتضافر جهود جميع المسلمين على هدف واحد وهو الجهاد في سبيل الله؛ كما قال تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) [التوبة: 36]، كلٌّ يجاهد في ثَغْرِهِ، بقدر ما يستطيع بنفسه أو بماله أو لسانه، ولو بالدعاء، فقد علمنا الله أن ندعوه أن يغفر لنا وأن ينصرنا على القوم الكافرين؛ في قوله: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 286]، فيكون همُّنا جميعًا حكَّامًا ومحكومين أن ينصرنا الله على القوم الكافرين، فيكون الجهاد جهاد الأمة لا جهاد بعض الأفراد من الأمة، لا سيما في جهاد الدفع، وقد قرر العلماء أن من أعظم واجبات الحاكم المسلم أن يسعى في إقامة الجهاد بجميع وسائله، وأن يحث المسلمين على الاستعداد له، ففي الجهاد عزهم، وصلاح أمورهم في دينهم ودنياهم؛ كما قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216]، وقرَّر العلماء أنه لا يجوز للحاكم المسلم أن يُبْطِلَ الجهاد ويعرض عنه مطلقًا، فالصراع مستمر بين الحق والباطل؛ قال الله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة: 251]، وقال سبحانه: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة: 217، 218]؛ (يُنظر: المغني لابن قدامة (9/ 298)، السيل الجرار للشوكاني (ص: 950، 951)، أجوبة التسولي عن مسائل الأمير عبدالقادر في الجهاد (ص: 265 - 285)، فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (12/ 12).

 

5- إعداد ما يُستطاع من قوَّة: القوة مطلب شرعي؛ فالإسلام دين القوة والعزة، وقِوام الإسلام بكتابٍ يهدي، وسيفٍ ينصر، فليس كل الناس تنفعه الموعظة والحكمة، فمن الناس من لا يرتدع عن غيِّه إلا بالقوة والشدة؛ قال الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد: 25]، ولذلك أمر الله المؤمنين بتحصيل القوة بجميع معانيها وأنواعها بقدر الاستطاعة؛ قال الله سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال: 60]، فالإسلام ينهى عن الضعف والمهانة، وموالاة الأعداء والتبعية لهم، ويأمر بتحصيل جميع أسباب القوة المادية والمعنوية بقدر الإمكان، ولا عزة للمسلمين إلا بالإسلام، ومهما ابتغَوا العزة في غيره أذلَّهم الله؛ قال الله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]، وقال سبحانه: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8].

 

6- الصبـر في الجهاد، والثبات عند اللقاء: قـال الله تعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عـمــران: 120]، وقال سبحانه: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]، وقــال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُــوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِــحُونَ) [آل عمران: 200]، وقــال تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 45]، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد بن حنبل (2803) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا”.

 

7- إقامة الصلاة والإكـثـار مـــن ذكر الله واستغفاره ودعـاؤه والاستغاثة به: لا بد أن تكون صلة المجاهدين بالله عظيمة لتحقيق النصر؛ ولذلك أمرهم الله بالمحافظة على الصلاة وإقامتها، ولم يرخِّص لهم في تركها حتى في حال الخوف والقتال؛ قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 238، 239]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153]، فمن أسباب النصر: إقامة الصلاة، فهي عمود الدين، ومن أسباب النصر: الإكـثـار مـــن ذكر الله واستغفاره ودعـاؤه والاستغاثة به؛ قـــال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 45]، وقال سبحانه: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 146 - 148]، وقال عز وجل: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْـمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ) [النمل: 62]، وقال سبحانه مُثنيًا على نبيه وأصحابه يوم بدر: (إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْـمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال: 9]، فالنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه كانوا يستغيثون بالله يوم بدر استغاثة عظيمة مع وعد الله لهم بالنصر في تلك الغزوة بعينها، فعلى غيرهم الاستغاثة العظيمة بالله من باب أولى.

 

8- التوكل على الله: يجب على المسلمين أن تتعلق قلوبهم بالله وحده في طلب تحقيق النصر، ويتبرؤوا من حولهم وقوتهم؛ قال الله تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 160]، وقال سبحانه: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران: 126]، فالتوكل من أعظم أسباب النصر؛ لأن المتوكلين يفوِّضون أمورهم إلى الله القادر على كل شيء، فيعتمدون على الله وحده في جلب ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم، مع أخذهم بالأسباب الشرعية المتيسرة لهم؛ قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 3]، وقال عز وجل: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 49]، وحكى الله قول الرجلين اللذين نصحا بني إسرائيل بالتوكل؛ فقالا: (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة: 23].

 

وإن من الواجبات الشرعية على الأمة أن تتوكل على الله في جلب ما ينفعها في دينها ودنياها، وفي دفع ما يضرها في دينها ودنياها، وأن تسعى في إصلاح أمورها كلها، الاقتصادية والزراعية، والصناعية والتجارية، والاجتماعية والطبية، والسياسية والحربية، وغير ذلك.

 

9- وضوح الغاية من الجهاد: من أسباب النصر أن يكون هدف المسلمين من الجهاد واضحًا؛ وهو إعلاء كلمة الله، وإنقاذ الكافرين من عذاب الله في جهاد الغزو، والدفاع عن المسلمين وحماية دينهم ومقدساتهم وأعراضهم، وأموالهم وأرضهم في جهاد الدفع، فالجهاد في الإسلام ليس لأطماع دنيوية، ولا لمنافع مادية، وإنما هو لإعلاء كلمة الله، ولإنقاذ الكافرين من عذاب الله؛ ولذلك كان الجهاد من أساليب الدعوة إلى الله، وعلى المسلمين أن يحثوا أعداءهم على التوبة إلى الله، ويقبلوا توبة التائبين منهم؛ قال الله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفال: 38، 39]، وقال سبحانه: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [التوبة: 11]، وكان من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أمَّر أميرًا قال له: “إذا لقيتَ عدوَّك من المشركين فادْعُهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك، فاقبل منهم، وكُفَّ عنهم”، وهذه الثلاث الخصال التي يُدعى إليها الكفار قبل القتال؛ هي:

أ- الإسلام، فيكونوا مسلمين، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم.

 

ب- الجزية، وهي مال يدفعونه للمسلمين مع بقائهم على دينهم.

 

ج- القتال، فيقاتلهم المسلمون إن استكبروا عن قبول دين الله، وأبَوا أن يدفعوا الجزية.

 

10- موالاة المؤمنين، والبراءة من الكافرين والظالمين: قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة: 56]، وقال سبحانه: (وَلَا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [هود: 113]، فمن أعظم أسباب النصر: الولاء للمؤمنين المتقين، أينما كانوا، من غير تعصب لبعضهم على بعض، والبراءة من الكافرين والظالمين؛ قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة: 22]، فإن لم يحقق المسلمون الولاءَ والبراء كما أمرهم الله، وصاروا أحزابًا متفرقين، وصارت لهم ولاءات ضيقة، فستكون فتنة في الأرض وفساد كبير؛ كما قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال: 73]، وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام: 159].

 

11- الحكمة في الجهاد: قال الله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [البقرة: 269]، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، والإسلام دين القوة والحكمة، والحكمة في الجهاد لها صور كثيرة:

فمن الحكمة في الجهاد: التثبُّت، والمشاورة، والرجوع إلى المتخصصين في كل أمر؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) [النساء: 94]، وقال سبحانه: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [الشورى: 38]، وقال عز وجل: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83]، وأولو الأمر هم الأمراء والعلماء، ويدخل في العلماء كل متخصص في أي علم نافع، من العلوم العسكرية والهندسية والسياسية والطبية وغيرها.

 

ومن الحكمة: التعامل بحكمة وحزم في قضايا النوازل، بلا عنف ولا ضعف، والرجوع في حلِّ كل خلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله، والرضا بحكم الشرع؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59].

 

ومن الحكمة: المحافظة على سيادة الدولة المسلمة وعزتها، وعدم الرضا بالذِّلة والمهانة، وترك التبعية في السياسة لأي دولة من الدول الكافرة، وعدم اتخاذ أولياء من غير المسلمين؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران: 118].

 

ومن الحكمة في الجهاد: الحذر من كيد الكافرين ومكرهم؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) [النساء: 71].

 

ومن الحكمة في الجهاد: الكيد بالكافرين في الحرب، فالحرب خُدعة؛ كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ومن الآيات التي فيها دلالة على الكيد في الحرب قوله تعالى: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ) [الأنفال: 16]، وقوله سبحانه: (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) [التوبة: 5].

 

ومن الحكمة في الجهاد: قبول الصلح والهدنة مع الكفار إن كان في ذلك مصلحة راجحة للمسلمين؛ قال تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) [الأنفال: 61].

 

ومن الحكمة في الجهاد: تحييد الأعداء، وترك من لم يقاتل المسلمين؛ كما قال تعالى: (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا) [النساء: 90].

 

ومن الحكمة: مدافعة الغزو الثقافي والفكري، وصدُّ الشائعات، وكشف الشُّبُهات، وتسمية الأشياء بأسمائها الشرعية، وتبيين المصطلحات على حقيقتها، فمن كيد أعداء الدين تلاعبهم بالمصطلحات لتلبيس الحق بالباطل، فحرب المصطلحات معركة خطيرة، شديدة الفاعلية، قوية التأثير، تتسلل كالخلية السرطانية إلى عقول الناس لتسكنها، وتبدأ في تخريب ما حولها، وذلك بعد أن يمكَّن لها عن طريق الإلحاح الإعلامي، والمتأمل في القرآن الكريم يجد كثيرًا من الآيات في إبطال دعاوى المشركين في القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، وكشف شبهاتهم، وتسمية الأشياء على حقيقتها بوضوح؛ كالإيمان والكفر والنفاق، وتصنيف الناس بحسب عقائدهم وأعمالهم إلى مؤمنين ويهود ونصارى ومجوس ومشركين، وذكر حقيقة الجهاد والمجاهدين ونحو ذلك من المصطلحات.

 

ومن الحكمة: تحريض المؤمنين على الجهاد، والاهتمام الكبير بالتوجيه المعنوي، والإعلام الحربي، والحرب النفسية على الأعداء؛ قال الله تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [النساء: 84]، وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 65، 66]، وقال تبارك وتعالى: (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ) [الأنفال: 12 - 14]، وقال عز وجل: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ * إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 17 - 19].

 

ومن الحكمة في الجهاد: وجود البيئة الحاضنة للمجاهدين في سبيل الله، فالله آوى نبيه صلى الله عليه وسلم والمهاجرين في المدينة، ثم أيَّدهم بنصره في غزوة بدر الكبرى، ثم ما تلاها من فتوحات في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وخلفائه الراشدين؛ قال الله تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال: 26]، فالمأوى المناسب للمجاهدين أمر مهم في قواعد الحرب والسلم، في الماضي والحاضر والمستقبل.

ومن الحكمة: تنقية صف المجاهدين من الْمُرْجِفين والمخذِّلين والمنافقين والمفسدين؛ قال الله عن المنافقين: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [التوبة: 47]، وقال سبحانه: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 60 - 62]، وقال الله عن طالوت: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) [البقرة: 249]، فاختبر جيشه ليعلم من يصبر ومن لا يصبر، ومن يطيعه ومن يعصيه، ولم يبقَ معه بعد هذا الاختبار إلا ثلاثمائة وبضعة عشر كما في الحديث، فنصرهم الله بقدرته، (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران: 126].

 

ومن الحكمة: تشجيع من خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا على التوبة، وقبول توبة التائبين، واحتضانهم، وعدم الاستغناء عنهم؛ قال الله تعالى: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 102]، وقال سبحانه: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 110].

 

ومن الحكمة: عذر من أخطأ الطريق من العاملين للإسلام في بعض الأمور من غير قصد للمخالفة، أو باجتهاد خاطئ أو تقدير مصلحة مرجوحة، والثناء على كل من عمل للإسلام فيما أصاب فيه، والاستغفار له فيما أخطأ فيه، وإلى هذا هدى الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أصحابه الذين أخطؤوا في غزوة أحد، وتسبَّبوا في هزيمة المسلمين؛ قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [آل عمران: 159]، فهذه سُنة نبي الرحمة، ونبي التوبة، وليس من سنته التنفير والتعسير، وقد أمر الله بالعدل والإحسان في معاملة الخلق؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8]، وما أحسن قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرِض ردِّه على بعض أهل البدع: "ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له مساعٍ مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين، ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف... والله يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات، ويتجاوز لهم عن السيئات: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10]"؛ (درء تعارض العقل والنقل (2/102، 103).

 

فمن غلب خيرُه شرَّه فهو على خير، سواء كان سلطانًا أو أميرًا، أو وزيرًا أو عالمًا، أو مفتيًا أو مصنفًا، أو عابدًا أو مجاهدًا، أو طبيبًا، أو جماعة أو دولة، أو غير ذلك؛ قال ابن القيم رحمه الله: "من قواعد الشرع والحكمة أيضًا أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يُحتمل له ما لا يُحتمل لغيره، ويُعفى عنه ما لا يُعفى عن غيره؛ فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث"؛ (مفتاح دار السعادة (1/ 176)، فكل مسلم تحرَّى الحق بقدر استطاعته، واجتهد فيما يقربه إلى الله، ثم أخطأ فينبغي عذره، والاستغفار له، مع التناصح والتواصي بالحق؛ قال الله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 286]، قال الله: “قد فعلت”؛ كما في الحديث الصحيح، وقد أمر الله بالاستغفار لأهل الإسلام المذنبين؛ فقال سبحانه: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد: 19]، فمن حق المسلم على جميع المسلمين أن يستغفروا الله له، فمن باب أولى من أخطأ من غير تعمُّدٍ للخطأ؛ قال الله سبحانه: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [الأحزاب: 5]، وهذا من رحمة الله بعباده، وقد نص العلماء رحمهم الله تعالى على أن من أقدم على أمر مفسِّقٍ متأولًا لشبهة عنده أنه لا يأثم، وأنه عَدْلٌ لا تُجرح عدالته بوقوعه في ذلك الفسق ما دام تأويله سائغًا؛ (يُنظر: الأحكام للآمدي (2/ 118)، المسودة في الأصول لابن تيمية (ص: 265)، حاشية العطار على شرح جمع الجوامع (2/178)، شرح روضة الناظر لعبدالكريم النملة (3/ 212)، والخطأ المرفوع عن هذه الأمة المرحومة يعم الخطأ في العلم والخطأ في العمل؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن المتأول الذي قصد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُكفَّر ولا يُفسَّق إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كفَّر المخطئين فيها، وهذا القول لا يُعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويُكفِّرون من خالفهم"؛ (منهاج السنة النبوية (5/239)، وقال سلطان العلماء العز بن عبدالسلام رحمه الله: "من فعل فعلًا يظنه قُربة أو مباحًا وهو من المفاسد المحرمة في نفس الأمر؛ كالحاكم إذا حكم بما يظنه حقًّا بناء على الحجج الشرعية، وكالمصلِّي صلى على ظن أنه متطهر، أو كمن يصلي على مرتدٍّ يعتقده مسلمًا، وكالشاهد يشهد بحق عرفه بناء على استصحاب بقائه فظهر كذب الظن في ذلك كله؛ فهذا خطأ معفوٌّ عنه، ويُثاب فاعله على قصده دون فعله"؛ (قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/ 27).

 

12- حسن الأخلاق: الإسلام دين الأخلاق الكريمة، فهو يأمر بكل خُلُق حسن، وينهى عن كل خلق سيئ؛ وقد قال الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد في مسنده (8951) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق”، وإن من أسباب النصر التحلي بالأخلاق الفاضلة مع الأعداء، وهذا مما يدعوهم إلى الإسلام، ويرغبهم في التوبة إلى الله؛ واعلم أن الكفار أربعة أقسام:

 

أ- محاربون: وهم الذين يقاتِلون المسلمين.

 

ب- مستأمَنون: والمستأمن هو: الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان دون نية الاستيطان بها.

 

ج- معاهِدون: والمعاهَد هو الذي له عهد مع المسلمين إما بأمان من مسلم، أو هدنة من حاكم، أو عقد جزية.

 

د- ذِمِّيُّون: والذمي هو: المعاهد الذي أُعطي عهدًا يأمن به على ماله وعرضه ودينه.

 

فالذين يقاتلهم المسلمون هم المحاربون فقط الذين يصدون عن سبيل الله، ويمنعون المسلمين عن تبليغ دين الله، أما من عداهم من المعاهدين والمستأمنين والذميين فلا يجوز قتالهم؛ قال الله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) [التوبة: 4]، وقال الله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ) [التوبة: 6]، وقال الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة: 8، 9]، فالأصل في الكفار غير المحاربين أن يعاملوا بالحسنى؛ قال الله تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت: 46]، فالإسلام دين الأخلاق والسماحة والرحمة، حتى في حال قتال الكفار المحاربين؛ كما قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190]، وفي صحيح مسلم (1731) عن بريدة رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرًا ثم قال: اغزوا، ولا تغُلُّوا - أي: لا تأخذوا من الغنيمة قبل قسمتها - ولا تغدروا، ولا تُمثِّلوا - أي: بجثث قتلى المشركين - ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادْعُهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك، فاقبل منهم وكُفَّ عنهم”.

 

هذه أهم أسباب النصر والتمكين كما بيَّنها الله لنا في القرآن الكريم، فإذا اتقى اللهَ المسلمون فأخذوا بها بقدر استطاعتهم، فسينصرهم الله، ولن يخلف الله وعده، وإن ظلموا أنفسهم فقصَّروا في الأخذ بها، فلا يلوموا إلا أنفسهم، وسينصر الله دينه بغيرهم؛ قال الله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63]، وقال عز وجل: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38].

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life