عناصر الخطبة
1/عظم مخططات الأعداء ضد المرأة 2/بيئات مهيئة لفساد المرأة 3/البيئة الصالحة لصلاح المرأة 4/من هدي النبي في إكرام المرأةاقتباس
لا يمكنُ لهذهِ الدَّعواتِ التي تحاولُ خِداعَ المرأةِ أن تنجحَ إلا في بيئتينِ لا ثالثَ لهما، هما المستنقعُ الذي يُمكنُ أن تنبتَ فيه طحالبُ الشُّبهاتُ، وتنتشرَ حولَه أسرابُ النَّسوياتِ, البيئةُ الأولى: بيتٌ فيهِ بنتٌ تُهانُ، أو زوجةٌ تُظلمُ، أو أمٌّ تُعَقُّ، أو أختٌ تُذَّلُّ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْد للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يَضْلُلُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهُ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة،ٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً كَيْداً، وَيَمْكُرُونَ مَكْرًا مَكْرًا، مَكْرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، في الخَفاءِ وفي الجِّهَارِ، مَكراً يفوقُ عن وصفِ اللّسانِ والخيالِ، وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ؛ تخطيطاتٌ، مؤتمراتٌ، قَنواتٌ، اجتماعاتٌ، قراراتٌ، كلُّ ذلكَ لضربِ الأسرةِ التي هي نواةُ المُجتمعِ؛ وذلكَ بكسرِ عمودِها الفَقريِّ والذي هو المرأةُ.
اليوم لن يكونَ حديثي عن الخطرِ الذي يُداهمُ المرأةَ المُسلمةَ، ولا عن التَّغييراتِ التي فَعلتْها بها الأيدي الآثمةُ، وليسَ كلامي عن حقوقِ المرأةِ في بلادِ الإسلامِ، ولا عن حالِها التَّعيسِ في بلادِ الحُريَّةِ والآثامِ، ولا نريدُ أن نتعرَّفَ على طُرقِ إغواءِ المرأةِ؛ لتتمرَّدَ على الدِّينِ والمجتمعِ، ولا نحتاجُ أن نذكرَ أمثلةً لمن خُدعنَّ بالشُّبهاتِ البَّراقةِ التي تخطفُ البَّصرَ والسَّمعَ، ولكن حديثي هو لكَ أنتَ أيَّها الرِّجلُ، اسألْ نفسَكَ: هل أنتَ جِدارٌ متينٌ أمامَ هَجماتِ الفُّجارِ؟، أم أنتَ عضوٌّ فعَّالٌ في تسهيلِ مُهمةِ الأشرارِ؟.
ولتوضيحِ هذا الأمرِ؛ اعلموا أنَّه لا يمكنُ لهذهِ الدَّعواتِ التي تحاولُ خِداعَ المرأةِ أن تنجحَ إلا في بيئتينِ لا ثالثَ لهما، هما المستنقعُ الذي يُمكنُ أن تنبتَ فيه طحالبُ الشُّبهاتُ، وتنتشرَ حولَه أسرابُ النَّسوياتِ.
البيئةُ الأولى: بيتٌ فيهِ بنتٌ تُهانُ، أو زوجةٌ تُظلمُ، أو أمٌّ تُعَقُّ، أو أختٌ تُذَّلُّ، لا يعرفونَ للمرأةِ قَدرَها، ولا يُعطونَها حقَّها، إذا جاءتْ احتقروها، وإذا تكلمتْ انتقصوها، لا يرونَ أنَّها مَخلوقٌ يستحقُّ التَّقديرَ والاحترامَ؛ بل ليسَ لها إلا الخضوعَ لممارساتِ الظُّلمِ والإجرامِ!.
فيا فرحَ أهلَ الفسادِ بهذه المرأةِ التي قد بلغَ بها الانتقاصُ؛ لتطلبَ أيَّ لونٍ من ألوانِ الهُروبِ والخلاصِ!، فهي لا ترى إلا الخروجَ من هذهِ البيتِ الذي سامَها سوءَ العذابِ، حتى ولو كانَ لطريقٍ مُظلمٍ كئيبٍ نهايتُهُ سَرابٌ، فهي بينَ أمرينِ أَحلاهما مرٌّ، ويصدقُ عليها قولُ الشَّاعرِ:
المُستجيرُ بعمروٍ عِندَ كُربتِهِ *** كالمستجيرِ من الرَّمضاءِ بالنَّارِ
وأما البيئةُ الثَّانيةُ: بيتٌ لا يُقالُ فيه للمرأةِ: لا، ولا تتعلَّمُ فيهِ ديناً أو تقاليدَ أو حياءً، ليسَ لها أمٌّ تسترُ لباسَها وهي صغيرةٌ، وليسَ لها أبٌّ يغارُ عليها وهي كبيرةٌ، تفعلُ ما تشاءُ، وتلبسُ ما تشاءُ، وتخرجُ متى تشاءُ، مع من تشاءُ، تبرجٌ واختلاطٌ، وتفريطٌ وإفراطٌ، ولا أبٌّ يردعُ، ولا زوجٌ يمنعُ!.
فهنا حُقَّ لهذهِ العائلةِ أن تُكرَّمَ من أعداءِ الفَضيلةِ؛ لِقيامِهم بتسهيلِ المُهمةِ على أفضلِ وجهٍ ووسيلةٍ.
ضدَّانِ يا أُختاهُ ما اجتمعا *** دينُ الهُدى والفِسقُ والصَّدُّ
واللهِ مَا أَزْرَى بأُمَّتِنَا *** إلا ازدواجٌ ما لَهُ حدُّ
نفعني اللهُ وإيَّاكم بالقرآنِ العظيمِ، وبما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ ما تَسمعونَ وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي كَرَّمَ النساءَ أَعظمَ تَكريمٍ، وأَعلى مَنزلتَهُنَّ في دِينِهِ القَويمِ، أَحمدُه حَمداً يَليقُ بجَلالِ وَجهِه وعَظيمِ سُلطانِه، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له، وأَشهدُ أن سيدَنا ونبيَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولِه، اللهمَّ صلِّ وسَلمْ عليهِ وعلى آلِه وصَحبِه ومن تَبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعدُ: والآن تخيَّلوا بيئةً تصانُ فيها المرأةُ؛ فهي الأمُّ المُعظَّمةُ، وهي الأختُّ المُكرَّمةُ، وهي الزَّوجةُ الحبيبةُ، وهي البنتُ الغاليةُ، هي تلكَ الأمُّ التي استأذنَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- في زيارةِ قبرِها، فبكى شَوقاً لها ورحمةً وأبكى من حولَه، وتلكَ الأختُ التي رحَّبَ بها، وبسط لها رداءَه، فجلست عليه، ودَمعتْ عيناهُ، وهي تلكَ الزَّوجةُ التي كانتْ تَشربُ منَ القدَحِ فتناولُهُ إيَّاهُ، فيضعُ فاهُ على موضعِ فِيها، فيشربُ منْهُ، وهي تلكَ البنتُ التي كانَ يَقومُ لها، ويَأخذُ بيدِها، ويُقَبِّلُها ويُجلسُها في مَكانِه الذي كَانَ يَجلسُ فيه.
فأنَّى لأهلِ الفسادِ أن يَعثَوا في بيئةٍ كهذهِ؟؛ وقد أُكرمتْ فيه المرأةُ، ومُنعتْ مما يضُرُّها، وأحاط بها الرِّجالُ الغيورونَ، فهي بينَ أبٍّ رحيمٍ، وزوجٍ كريمٍ، وأخٍ رَقيقٍ، وابنٍ شفيقٍ، يصدقُ على أحدِهم:
جـوادٌ إذا الأيْـدي كفَفْنَ عن النَّـدى *** ومن دونِ عَوْراتِ النِّساءِ غَيُورُ
فكونوا -أيَّها الأحبَّةُ- جِداراً في وجهِ النَّسوياتِ والأشرارِ، تتحطمُ عليهِ سِهامُ مكائدِ الأعداءِ والفُّجارِ.
اللهمَّ احفظ نساءَ المسلمينَ من كَيدِ الكَائدينَ، وتَربصِ المتربصينَ، اللهمَّ اجعلهنَّ هَادياتٍ مَهدِّياتٍ، بالصحابياتِ مُقتدياتٌ، وعن الضلالِ مُعرضاتٌ، وللكتابِ والسنةِ مُقتفياتٌ، اللهمَّ من أرادَ بنسائنا سُوءاً وفتنةً ومَكيدةً وتَبرجاً وسُفوراً، اللهمَّ فأشغله بنفسِه، واجعل كيدَه في نَحرِه، واجعل تَدبيرَه تَدميراً عليهِ يا سميعَ الدعاءِ، اللهم اجعل هذا البلدَ آمناً مطمئناً وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهم ارفع عنا الغلاءَ والوباءَ، والزلازلَ والمحنَ، وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بَطنَ، عن بلدِنا هذا خَاصةً وعن سَائرِ بلادِ المسلمينَ عَامةً يا ربَّ العالمينَ، اللهم اغفر للمسلمينَ والمسلماتِ، والمؤمنينَ والمؤمناتِ، الأحياءِ منهم والأمواتِ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ، ربنا آتنا في الدنيا حَسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عَذابَ النَّارِ.
التعليقات