بورما المنسية .. تبحث عن ربيع ينقذ مسلميها
تشهد بورما المعروفة بـ"ميانمار" وهي إحدى دول جنوب شرق آسيا منذ أسابيع، عدة خطوات إصلاحية من جانب المجموعة العسكرية الحاكمة؛ لإظهار تخفيف قبضتها على البلد ذي التنوع العرقي الكبير، والذي يضم ثلاثة ملايين مسلم على الأقل تم اضطهادهم وتشريد مئات الآلاف منهم على مدار ستة عقود.
فعلى المستوى السياسي: زار البلاد خلال الشهر الماضي كل من وزير خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا، في زيارتين تاريخيتين، والتقت "هيلاري كلينتون" بزعماء الأقليات البورمية، ومن بينهم ممثلون لعرقية "روهينجيا" المسلمة الذين يتمركزون في إقليم "أراكان"، كما تم الإعلان عن إجراء انتخابات برلمانية في إبريل المقبل، وعقد سفير الصين لدى بورما اجتماعًا نادرًا مع الناشطة السياسية "أونج سان سوكي" وهي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، والأمين العام للرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، وهي أهم أحزاب المعارضة في بورما.
وعلى مستوى الحريات: فقد تم الإفراج عن مجموعة من المعتقلين السياسيين، وتخفيف الرقابة نسبيًّا، ورفع الإقامة الجبرية عن الناشطة السياسية "أونج سان سوكي"، كما تم التوقيع يوم الخميس الماضي على اتفاق لوقف إطلاق النار مع متمردين من أقلية "الكارين"، وذلك في محاولات حكومية لإنهاء واحد من أطول الصراعات في العالم.
وتأتي تلك الخطوات المحدودة لرفع العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة على بورما منذ نحو 20 عامًا، حيث اشترطت تلك الدول أربعة شروط لمراجعة الموقف من العقوبات، وهي الإفراج عن المعتقلين السياسيين والبالغ عددهم 1700 على الأقل، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الجيش، وبذل جهود لحل الصراعات العرقية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
وفي خضم هذا التطور الحقوقي في بلد عانى لأكثر من ستة عقود من القهر والاستبداد تطفو على السطح مطالبات لوقف معاناة مسلمي بورما، الذين تعرضوا لألوان مريعة من الانتهاكات، دون أن يجدوا من يتبنى قضيتهم.
فقد طالبت المنظمة الوطنية للروهينجيا في أراكان -وهي إحدى المنظمات المدافعة عن حقوق مسلمي بورما ومقرها لندن- حكومة "يو ثين سين" الحالية بمعاملة شعب روهينجيا بشكل آدمي، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان، ومنح الحقوق المدنية والسياسية للروهينجيا بلا تأجيل، بما في ذلك حقوق المواطنة والحقوق العرقية في بورما، كما دعت المنظمة كلاًّ من الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوربي ودول ومنظمات أخرى لأخذ تلك المتطلبات بعين الاعتبار.
شعب منسي
والروهينجيا أو الرُّوَينجية اسم يطلق على المسلمين المواطنين الأصليين في إقليم أراكان، الذي يقع في الجنوب الغربي لبورما، وينحدرون من الأصول العربية والمور والأتراك والفرس والمغول والباتان والبنغاليين، ويبلغ عددهم ثلاثة ملايين، ويمثلون 5 % من سكان بورما، وذلك بعدما ضمت بورما إقليمهم المسمى "أراكان"، حيث تم حرمان المسلمين من جنسيتهم، وتم إغراق الإقليم بالمستوطنين البوذيين الذين قاموا على حكمه.
ولا يزال مسلمو بورما متمسكين بالإسلام رغم الانتهاكات الصارخة التي جرت ضدهم خلال عشرة قرون، ويعمل معظم رجال الروينجية في الزراعة والرعي والتجارة ومهن أخرى، كما تساعدهم نساؤهم في أعمال الزراعة، ويعملن في الحقول وتربية الماشية، أما الأطفال فيتجه جزء كبير منهم نحو المدارس الدينية البسيطة المتاحة.
ويبلغ عدد المدن في أراكان نحو 17 مدينة أكبرها العاصمة مدينة "أكياب" التي تقع في شمال أركان، ولا توجد خطوط للسكك الحديدية بعد توقف الخط الذي أنشأه الاستعمار البريطاني، وكان يربط مدينة "شيتاجونج" في جنوب بنجلاديش ومدينة بوسيدونغ في شمال أراكان.
انتهاكات بالجملة
مارست السلطة العسكرية البورمية المستبدة، كل أشكال الانتهاكات ضد مسلمي بورما؛ لدفعهم لترك أراضيهم أو لتحويلهم عن دينهم، فكانت عمليات القتل والاغتصاب والتعذيب ومصادرة الأراضي تتم بشكل ممنهج وبأقسى الصور، وقد زادت الانتهاكات مع الحملات التي شنتها السلطات بدعوى فرض النظام في عامي 1978 و1991م.
وقد منع النظام البوذي القمعي مسلمي بورما من الالتحاق بالوظائف الحكومية، كما تم إجبار النسبة الضئيلة التي حصلت على وظائف على تغيير أسمائهم الإسلامية، وهو الأمر الذي تكرر فيما يخص التعليم بسبب التمييز العنصري، وعليه فقد تخلف الروهينيجيون في مجالات العلوم بشكل عام، ولم تكتف السلطات بذلك، بل وقفت بالمرصاد أمام التعليم الديني والمدارس الدينية والعلماء القائمين عليها والذين يبثون في الطلاب الفهم الصحيح للإسلام.
ووصل التضييق عليهم لدرجة عدم السماح لهم بالتنقل من قراهم إلى القرى داخل الولاية دون تصريح مسبق، كما أنهم ممنوعون من الزواج دون تصريح.
وقد اضطر مئات الآلاف من مسلمي بورما إلى الفرار بحياتهم من جراء تلك الممارسات إلى بنجلاديش وتايلاند، حيث يعيشون في معسكرات على الحدود، إلى أن تم قبولهم "مهاجرين لأسباب اقتصادية"، وهي صفة تطلق عليهم لتجعلهم في النهاية لا يتمتعون بأي جنسية، فلا النظام الحاكم يعترف بهم، كما لا تعترف بهم الدول المضيفة إلا فيما ندر.
وقد فرَّ عشرات الآلاف من المسلمين البورميين إلى تايلاند المجاورة عن طريق البحر، لكن السلطات التايلاندية كانت تعاملهم بشكل بالغ السوء، فقد وصف شهود عيان -من السائحين الأجانب في تايلاند- ممارسات مفجعة يقوم بها الجيش التايلاندي على الشواطئ التايلاندية مع اللاجئين الروهينجيين.
وحاليًّا، يعيش كثير من مسلمي بورما في المنافي، مثل بنجلاديش وتايلاند وماليزيا واليابان وباكستان والسعودية والإمارات، لكن بشكل عام ظهر تقصير واضح من جانب البلاد الإسلامية تجاه قضية مسلمي بورما، وذلك على الرغم من بعض الخطوات من منظمة التعاون الإسلامي، التي سعت لتوحيد جاليات الروهينجيا.
التعليقات