عناصر الخطبة
1/موقف يقطر عذوبةً ولطفًا 2/منهج نبوي في التعامل مع البنات 3/أهمية التعبير عن الحب للبنات والأخوات 4/خطورة ضعف العلاقة بين الأب وبناته 5/رسالة لمن له أخت أو بنت.

اقتباس

اللهَ اللهَ في أَخَوَاتِكُم، فليسَ من الرجولةِ ولا من الحِجَا أن تَظُنَّ أن تَسَلُّطَكَ على أَخَوَاتِك هي إثباتُ رُجُولَتِكَ، كَلَّا واللهِ. وإنما بمحبتِهِنَّ واحْتِرَامِهِنَّ، وقضاءِ حوائجِهِنَّ بلا تضجُرٍ. وإن في المجتمعِ لَرجالاً وشبابًا أهلَ شهامةٍ ورحمةٍ، يُصادِقون أَخَوَاتِهِمْ ويَزورونَهن ويَرعَونَهن، وربما ويُنفِقونَ عليهِن....

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحَمْدُ للهِ الذي لا خَيْرَ إلا مِنهُ، ولا فَضْلَ إلا مِن لَدُنْهُ. وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ له، الحَقُّ المُبِينُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ اَلأمِينُ. صَلَّى اللهُ وسلَّمَ علَيهِ.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ.

 

اسمعْ هذا الموقفَ الذي يَقطرُ عذوبةً ولطفًا، ويَذوبُ رقةً وعطفًا. كانَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- إذا زارتْه ابنتُه فاطمةُ قامَ إليها يَتلقَاها ويُرحِّبُ بها قائلاً: "مَرْحَبًا بِابْنَتِي"(متفق عليه).

 

ثم يأخذُ بيدِها ويُقبِّلُها، ويُجْلِسُها في مكانهِ الذي كان جالسًا فيه؛ مبالغةً في الحفاوةِ والمحبةِ والإكرامِ. وكانَ يُعلنُ حُبَّها والدفاعَ عنها قائلاً: "فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي"(متفق عليه). إنه الحُبُّ الأَبويُّ النبويُّ، والتعاملُ العاطفيُّ مع البناتِ الرقيقاتِ على أرقى وأرقِّ المستوياتِ.

 

فلما مرِضَ مَرَضَه الذي تُوفِّيَ فيه أرسلَ إلى البَضعةِ النبويةِ يَدْعُوها، فأقبلَتْ تمشِي، لا تُخطئ مِشيتُها مِشيةَ أبِيها -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، ولكنهُ هذه المرّةَ لم يَقُم لها كما كان يقومُ؛ لأن العافيةَ قد انهزمتْ في بدنِهِ الشريفِ، فقد أنهكتْه الحُمَّى، وإذ بفاطمةَ تَنكَبُّ عليه تُقبّلُه، وقد كان هوَ الذي يبادِرُ بتقبيلِها.

 

بقيَ أن نعرفَ أعجَبَ ما في هذا الموقفِ، وهوَ أن هذا التدفقَ العاطفيَّ النبويَّ والحُبَّ المحمديَّ الأبويَّ كان لفاطمةَ وهيَ في الخامسةِ والعشرينَ من عُمُرِها زوجةً وأُمًّا لخمسةِ أولادٍ.

 

فلنسألْ أنفسَنا: هل نحنُ واضحونَ في تعبيرِنا عن مشاعرِ الحبِ لأبنائِنا وبناتِنا الكبارِ، أم نظنُّ أنهم استغنَوا عن تصريحِنا لهم بالحُبِّ لما كبُرُوا؟ ألا فلنوقِن أن الأولادَ يَكبرونَ ويَكبُرُ حُبُّهم معهم، وليسوا لُعَبًا يُلهَى بهم صغارًا، ويُهْمَلونَ كبارًا.

 

أيُّها الآباءُ والأمهاتُ: إن اللهَ -تعالى- أوصانا وصيةً خَصَّنا بها، فقال -سبحانَهُ-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)[النساء:11]. وجميعُنا يَرَى فتنَ الشبهاتِ وفتنَ الشهواتِ التي تَعرِضُ لبناتِنا وأخواتِنا، وكثيرٌ منا مُنشغلونَ عن نسائِهم في تَحْصِيلِ مكاسِبِهم تِجَاريًّا، أو تَرْوِيحًا في الاستراحاتِ والسَّفراتِ، ثم بعدَ ذلكَ نَتلاوَمُ ونَتألمُ لِوَاقِعِنا.

 

وبينَ حينٍ لآخرَ نَسمعُ فاجعةً عن فتاةٍ وقعتْ ضحيةً لذئبٍ من ذئابِ البشرِ، وتَتَضاعَفُ المصيبةُ إن كانت البنتُ صغيرةً في المرحلةِ الثانويةِ، والأَدْهَى والأَمَرُّ حينما تكونُ من بيتٍ مُحافِظٍ معَظِّمٍ للأَعْرَاضِ، ففي وسائلِ التواصلِ التقنيِّ تستطيعُ البنتُ أن تُكَلِّمَ الشابَّ بالصوتِ والصورةِ، ويُخادِعُها هذا الشابُّ بمعسولِ الكلامِ والتَّوَدُّدِ؛ حتى يوقعَها في السيئ من الأفكارِ أو الأفعالِ.   

 

والسؤالُ المهمُ: لِمَ تَفْعَلُ البنتُ هذا؟ لِمَ تَبْحَثُ البنتُ عن علاقةٍ نهايتُها مأساويةٌ؟ والجوابُ الذي أثبتتْهُ الدراساتُ التربويةُ والنفسيةُ -وتأَمَّلُوا الجوابَ جيدًا: وهو ضعفُ العِلاقةِ بين الأبِ وبناتِه، والأخِ وأخواتِه، مِن الملاطَفةِ والمحادَثةِ والمجالَسةِ.

 

ومِنَ الخَطَأِ أن تَعْتَقِدَ أن البنتَ تَبحثُ عن شهوةٍ مُحَرَّمَةٍ في أوَّل أَمْرِها، كَلَّا، بخِلَافِ الشابِ المعاكِسِ، فهو مَن يُضمِرُ ذلكَ، أمَّا البنتُ فخِلْقَتُها بحاجةٍ إلى عاطِفَةٍ مِن أَيِّ رَجُلٍ، فتُحِبُّ أن تَتَحَدَّثَ مع أبِيها أو أخِيها، ولكن ماذا تفعلُ وهيَ تَرَى أباها وأخاها يَفْرِضُونَ عليها تعامُلاً جافًّا، وصَرَامَةً في الحديثِ، وجِدِّيَّةً في المجْلِسِ؟!

 

والأبُ يقول: "ابْنَتِي خَجولةٌ"، كلَّا، لكنها حُرِمَتْ من عاطفةٍ أنثويةٍ، فصارتِ العِلاقةُ صامتةً، فلا حِوَارَ ولا ابتسامةَ ولا ممازحةَ، فإن لم تُشْبِعها أُسرتُها من هذه العاطفةِ اسْتَغِلَّها متسوِرُّو أسوارِنا، من لصوصِ وسائلِ التواصلِ.

 

ثم تجِدُها تبتعدُ عن والِدَيها، وتَمِيلُ إلى العُزْلةِ، وربما تَتحايلُ للخروجِ من البيتِ، إلى مجتمعاتٍ مريبةٍ. فافْتَحُوا قُلُوبَكم لهنَّ، وحاوِرُوهُنَّ، وعِيشُوا مشاكلَهُنَّ، وأَسمِعوهُنَّ دومًا كلمةَ: أحبكِ، وكونُوا الحِضْنَ الدافئَ، والحِصْنَ الآمنَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ خيرِ محمودٍ، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ حامدٍ.

 

أما بعدُ: رسالةٌ إلى كلِّ مَن له أختٌ: اللهَ اللهَ في أَخَوَاتِكُم، فليسَ من الرجولةِ ولا من الحِجَا أن تَظُنَّ أن تَسَلُّطَكَ على أَخَوَاتِك هي إثباتُ رُجُولَتِكَ، كَلَّا واللهِ. وإنما بمحبتِهِنَّ واحْتِرَامِهِنَّ، وقضاءِ حوائجِهِنَّ بلا تضجُرٍ.

 

وإن في المجتمعِ لَرجالاً وشبابًا أهلَ شهامةٍ ورحمةٍ، يُصادِقون أَخَوَاتِهِمْ ويَزورونَهن ويَرعَونَهن، وربما ويُنفِقونَ عليهِن، بل إنهم لَيَعتبِرونَ أولادَ أخواتِهم كأولادِهم. ويُسعِدُونَ أمهاتِهم باجتماعِ بناتِها عندَها. فما أَعْظَمَ تلكَ النفوسَ الشفيقةَ!. أكثَرَ اللهُ من أمثالِها.

 

أَيُّها الآباءُ والأمهاتُ: لا يَشُكُّ في محبَّتِكم لبناتِكم وأبنائِكم، وأنكم تَتمنونَ صلاحَهم، لكن أينَ أنتم مِنَ كثرةِ الدعاءِ لهم بالصلاحِ؟! كم مرةً دعوتَ لأولادِك في وجوهِهم، وفي غيبتِهم؟ فبعضُنا يَغفَلُ كثيرًا عنِ الدعاءِ، والدعاءُ يختصرُ لكَ الطريقَ في تربيتِهم، وحفظِهم، وصلاحِهم.

 

فاللهم احفظْ أهلَنا وأبناءَنا وبناتِنا وبناتِ المسلمينَ من الشرورِ والآثامِ. وارزق نساءَنا مزيدَ التبصرِ بكيدِ متبعِي الشهواتِ، الذين يريدونَ أن نميلَ ميلاً عظيمًا.

 

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُك رَحْمَةً مِنْ عِنْدِك تَهْدِي بهَا قُلُوْبَنَا، وتَجْمَعُ بِهَا أمْرَنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أغنى خَلْقِك بك، وأفْقَرَ خَلْقِك إليْك. اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا.

 

اللهم بارَكْ في عُمُرِ وليِّ أمرِنا وولي عهده وزدهم عزًا وبذلاً في نصرةِ الإسلامِ وخدمةِ المسلمينِ. اللهم واكفِنا وبلادَنا شرَّ الأشرارِ وكيدَ الفجارِ، وانصرْ مجاهدِينا ومرابطِينا. اللهم وانصرْ المستضعفينَ من المسلمينَ في بقاعِ الأرضِ.

 

اللهم صلِّ وسلِم على محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

 

المرفقات
ei56zcjP85RqZExBMNSMVAsY2xd9lGnEi3udjkkr.pdf
ymKTSU1g5GQkUV9LcvrXQHc9TiTQJDXyFKGYQuNR.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life