عناصر الخطبة
1/من أعظم النعم توفر الأمن والغذاء 2/معاناة أهل فلسطين تحت الاحتلال البغيض 3/من مظاهر ظلم الاحتلال لأبناء شعب فلسطين 4/السبيل لتحقيق نعمتي الأمن والغذاء هو التعاون والتكافل والترابط 5/ذكرى الإسراء والمعراج ودلالتها بالنسبة للمسجد الأقصى وأكنافه 6/الوصية بالترابط والصبر والاحتساباقتباس
نقول لكل أبناء شعبنا، لكل قواه الفاعلة، لكل مؤسَّساته، لكل مَنْ له قلبٌ، أو ألقى السمعَ وهو شهيدٌ، آنَ الأوانُ لتكونوا صفًّا واحدًا، وكلمةً واحدةً، ولْتَكُنْ مخرجاتُ كل الاجتماعات وكل اللقاءات مخرجاتٍ من شأنها أن تحمي الوطنَ، وأن تحمي العقيدةَ، وأن تحمي المقدَّسات...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، المنعِم على خلقه بكثير من النعم، وصلى الله على سيدنا محمد، سيد الأنبياء والرُّسُل والأمم، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، قال وقولُه الحقُّ: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قُرَيْشٍ: 1-4]، وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا، وشفيعنا وقدوتنا وأسوتنا، محمد عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرّ الميامين، ومَنْ سار على نهجهم، واقتفى أثرَهم، واتَّبَع سُنَّتَهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومينَ، والأسرى والمعتقلينَ، والمرابطينَ الساجدينَ القائمينَ، في المسجد الأقصى المبارك، وفي أرض فلسطين المقدَّسة.
وبعدُ، أيها المسلمون، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدَّس: نِعَم الله على العباد كثيرة، ومن أجَلِّ هذه النعم الأمن الشخصي، والاجتماعي، والمجتمعي، ومن النعم كذلك أمن الغذاء؛ ولذلك امتن الله -سبحانه وتعالى- على أهل بيت الله الحرام بأن وفَّر لهم هاتين النعمتين؛ نعمة الأمن، ونعمة الغذاء، وهما نعمتان يحتاجهما كل البشر؛ لأن الحياة لا تستقيم إذا اختلَّت إحدى النعمتين، فلا حياة مع الخوف، ولا حياة كذلك مع فقد الغذاء والدواء، وما يلزم لحياة بني الإنسان.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، أيها المرابطون في هذه الديار المقدَّسة: وإذا استعرَضْنا واقعَ هذا الشعب الكريم، هذا الشعب المرابط في المقدَّسات وفي القدس، وفي أرض فلسطين كافةً، لوجدنا أن هذا الشعب الكريم يفتقد هاتين النعمتين، فأين نعمة الأمن مع كل هذه الإجراءات الاحتلالية التي تلاحق أبناء شعبنا في لقمة عيشهم، من خلال قطع الأشجار المثمرة، وفي مقدمتها شجرة الزيتون، ومن خلال تخريب وتجريف وتدمير الأراضي الزراعية التي يعتاش منها أبناء شعبنا من خلال الزراعة، وإيجاد الغذاء الذي لا حياةَ بدون توفُّره، وإذا ما نظرنا أيها الأحباب إلى نعمة الأمن الشخصي والاجتماعي والمجتمعي لَرأينا كذلك ممارَسات مخيفة يُلاحِق بها الاحتلالُ أبناءَ شعبنا الصابر المرابط؛ من اقتحامات ومن هدم للبيوت، وتخريب للمنشآت، وقطع للطرق والمواصلات التي تُوصِلُهم إلى مكان زراعاتهم، وإلى أراضيهم، وإلى مكان أعمالهم، فالاحتلال -أيها الإخوة الكرام- يشنُّ على هذا الشعب الصابر المرابط الذي أعلن للاحتلال أولًا، ولكل العالم ثانيًا، بأنه لن يبرح هذه الديارَ، ولن يغادرَ هذه الأرض المقدَّسة مَهمَا كانت التضحيات، ومَهمَا كان العطاء والفداء، فقد أخَذ هذه الشعبُ الكريمُ على نفسه رجالًا ونساءً، وشيوخًا وأطفالًا، أخَذ على نفسه العهدَ مع الله، ألَّا يبرحَ هذه الديارَ؛ لأنها ديارُ الإسراء والمعراج، ولأنها ديارٌ مقدَّسةٌ بارَك اللهُ في مسجدها، وبارَك حولَه، فهي مبارَكة إلى قيام الساعة.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: وإنها لَسُنَّةُ اللهِ في العالمينَ أن يُبتلى المؤمنون في أنفسهم وفي أموالهم وفي أولادهم، وفي كل مقدَّرات الحياة التي تعينهم على الاستمرار وعلى البقاء وعلى الحياة الكريمة؛ ولذلك قال الله لنا: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)[مُحَمَّدٍ: 31].
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: وحتى تتحقَّق نعمةُ الأمن لكم، ونعمةُ الغذاء كذلك، لابدَّ من التعاون، والترابط، والتكافل، كونوا يدًا واحدةً، على كل ما تتعرَّضون له من إجراءات الاحتلال وعدوانه وانتهاكه لمقدَّساتكم، ومقدَّراتكم، ولأرضكم المبارَكة، نعم -أيها الإخوة المؤمنون-، فبالتعاون تهزمون هذه الإجراءاتِ التعسفيةَ، بالوحدة والتكافل تتغلبون على كل صعوبات الحياة والرباط في هذه الديار، فأنتم الفئةُ الصابرةُ، والجماعةُ المرابطةُ، والجماعةُ المنصورةُ -بإذن الله-تعالى-، أَلَمْ يُبشِّرْنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بأننا سنبقى المرابطينَ في هذه الديار: "لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحقِّ ظاهرينَ، لعَدُوِّهم قاهرينَ، لا يضرُّهم مَنْ خالَفَهم أو خذَلَهم حتى يأتيهم أمرُ الله وهم كذلك"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فيا فوزَ المتقينَ استغفِروا الله، وادعوا اللهَ وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أدَّى الأمانةَ وبلَّغ الرسالةَ ونصَح الأمةَ، وتركَنا على بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
وبعدُ، أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: نحن في شهر رجب الفرد، وهو شهرُ الإسراء والمعراج، إلى هذا البيت المقدَّس؛ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، ومن هذه الرحاب الطاهرة عرج بنبيكم -صلى الله عليه وسلم- إلى السموات العلا، فرأى من آيات ربه الكبرى.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: أنتم طليعة الأمة للرباط في هذه الديار، لحماية مقدَّساتها وقُدسها، وللرباط في أرضه الطاهرة المبارَكة، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، فكونوا أيها المؤمنون، أيها المرابطون، كونوا كما أرادكم الله، وكما وجهكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ طليعة الرباط، طليعة الثبات، طليعة العز والإيمان، والكرامة، لكم ولكل أبناء أمتكم، وأنتم بحول الله كذلك؛ لأنكم تشدُّون الرحال إلى القدس، وإلى المسجد الأقصى المبارَك في جميع الظروف والأحوال، تتحدَّون كلَّ الإجراءات الاحتلالية، وتُعلنون للقاصي والداني، بأنكم أنتم أهل القدس، وأنتم سدنة مقدساتها، حفظكم الله، رعاكم الله، أيَّدَكم اللهُ.
أيها المسلمون: نقول لكل أبناء شعبنا، لكل قواه الفاعلة، لكل مؤسَّساته، لكل مَنْ له قلبٌ، أو ألقى السمعَ وهو شهيدٌ، آنَ الأوانُ لتكونوا صفًّا واحدًا، وكلمةً واحدةً، ولْتَكُنْ مخرجاتُ كل الاجتماعات وكل اللقاءات مخرجاتٍ من شأنها أن تحمي الوطنَ، وأن تحمي العقيدةَ، وأن تحمي المقدَّسات، وأن ترعى هذا الشعب الصابر المرابط المكافح، وأما المسجد الأقصى المبارك، الذي أصبح مستباحًا في هذه الأيام لعصابات المستوطنين والمتطرفين متواطئين مع الجهات الرسمية الاحتلالية، لن نسمح بحال من الأحوال أن تستمر مثلُ هذه الانتهاكات لحُرُمات وقدسيَّة الأقصى المبارَك، فهو مسجدٌ للمسلمين وحدَهم، لا يُشارِكهم فيه أحدٌ، وهو عنوان وحدة المسلمين، في هذه الديار وسائر بقاع العالَم.
اللهم رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيِّئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويجمع شملَنا، وينتصر لنا، اللهم أَرِنا الحقَّ حقًّا وارزقَنا اتباعَه، وأَرِنا الباطلَ باطلًا ووفِّقْنا لاجتنابه، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات، واحفظ المسجد الأقصى بحولك وقوتك يا أكرم الأكرمين.
وأنتَ يا مقيمَ الصلاة أقمِ الصلاةَ.
التعليقات