بشارة وتثبيت لأهل فلسطين المرابطين

الشيخ إياد العباسي

2024-01-01 - 1445/06/19
عناصر الخطبة
1/دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام 2/محبة الله تعالى للمتقين من أهل بيت المقدس 3/عظم الجزاء مع عظم البلاء 4/الله هو المعز المذل 5/إنما النصر من الله تعالى 6/رسائل موجهة لحكام العالم الإسلامي

اقتباس

في أيام المحنة هذه إيَّاكُم أن تنسوا ما قاله الصالحون، فماذا قالوا؟ قالوا: "إن للمحنة أجلًا كما لابنِ آدمَ أجلٌ، فكما أن ابن آدم يموت إذا انقضى أجله، كذلك المحنة تنقضي وتموت إذا انقضى أجلها"...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي جعل غزة هاشم محلًّا للهُدَى والتُّقَى والعِلْم والإيمان، والصلاة والسلام على طِبِّ القلوبِ ودوائِها، محمدِ بنِ عبدِ اللهِ، الذي علَّمَنا أن هذا الدين يحمله أئمة، ومنهم إمام مواليد غزة العزة؛ ألَا وهو الإمام الشافعي، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه -جل في علاه- الذي قال: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غَافِرٍ: 60]، فاللهم إنَّا نمد أيدينا إلى السماء نقول: اللهُمَّ اعصم دماء أهلنا في غزة هاشم، اللهُمَّ كن معهم ولا تكن عليهم، اللهُمَّ احفظ شيبهم وشبانهم ونساءهم وأطفالهم، اللهمَّ آمين.

 

وأشهد أن سيدنا ونبينا وعظيمنا وقائدنا ومعلمنا محمدًا، صلى الله -تعالى- عليه وسلم، أفضل خلق الله أجمعين، الذي قال في الصحيح: "إن الله -تعالى- إذا استُودع شيئًا حَفِظَهُ"، فاللهم إنَّا نستودعك غزة وأهلها، وغزة وقطاعها، اللهُمَّ احفظهم من كل سوء، اللهُمَّ آمين.

 

أمَّا بعدُ، أيها المسلمون: خطبة الجمعة هذا اليوم تبعث الأمل في النفوس، تبعث اليقين في النفوس، تبعث التفاؤل في النفوس.

 

يا عبادَ اللهِ: هل تعلمون أن نبيَّكم -صلى الله تعالى عليه وسلَّم-، أبا القاسم سيد ولد آدم شهد لكم بالإيمان؟ ما هذا الكلام يا شيخ؟ أين هو الدليل؟ أين هي البينة؟ اسمعوني بآذان وقلوب منتبهة، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "بينا -يعني: بينما- أنا نائم إذ جاءتني الملائكة فحملت عمود الكتاب -أساس الدين- من تحت وسادتي فعمدت به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام".

 

فيا أيها المسلمون، يا أيها المصلون، يا أهل بَيْت الْمَقدسِ، يا أهل فلسطين: هنيئًا لكم هذه الشهادة، ممَّنْ؟ من البيت الأبيض؟ خسئ. ممَّنْ؟ من عصبة الأمم؟ خسئت. ممَّنْ؟ من مجلس الأمن؟ خسئوا. من سيد ولد آدم -صلى الله تعالى عليه وسلم-، ولكنَّها تتطلَّب منكم دوام الاستقامة على الكتاب والسُّنَّة.

 

أيها المسلمون، أيها المؤمنون: ومزيدًا من اليقين، النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم غزوة الخندق؛ الأحزاب، والأحزاب محيطون بالمدينة والصحابة لا يستطيعون الذهاب لقضاء حاجتهم -أجلَّكم الله-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يحدثهم عن ماذا؟ عن فتح البلدان، عن بعث اليقين، الأمل في النفوس؛ لذلك اسمعوني، هل تعلمون أيضًا يا أهل الأقصى ويا أهل بَيْت الْمَقدسِ، ويا أهل فلسطين إن الله -تعالى- يحبكم؟ أين الدليل يا شيخ؟ قال عليه الصلاة والسلام: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله -تعالى- إذا أحب قومًا ابتلاهم"، أما ابتلاكم الله -تعالى- بمحنة شديدة، محنة لا تحملها الجبال؟ إذن الله -عز وجل- يحبكم.

 

فيا أهل المسجد الأقصى، يا أهل فلسطين: ألا تقبلون أن كل دموعكم، كل مآسيكم، كل همومكم، كل ما نزل عليكم، من محنة ستأتي يوم القيامة في موازين حسناتكم، وستقودكم إلى جنة قال عنها النبي -عليه الصلاة والسلام-: "خلق الله -تعالى- الجنة بيده، لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها المسك وقال لها تكلمي: فقالت: قد أفلح المؤمنون، فقالت الملائكة: طوبى لك منزل الملوك"، اللهُمَّ اجعل ثواب أهلنا في غزة هاشم الجنة منزل الملوك، اللهُمَّ آمين آمين.

 

أيها المؤمنون، أيها المسلمون: وفي أيام المحنة هذه إيَّاكُم ثم إيَّاكُم أن تنسوا أن من أسماء الله -جل وعلا- المعز المذل، يعز من يشاء، ويذل من يشاء؛ يعز المؤمنين، ويذل أعداء الدين، وينتقم منهم ويهزمهم؛ (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 26].

 

وإني سائلكم -يا عبادَ اللهِ- من الذي أعز محمدًا وصحبه يوم الخندق؟ من الذي أعز سعدا وجنده يوم القادسية؟ من الذي أعز صلاح الدين وجيشه يوم حطين؟ من الذي أعز قطز ومن معه يوم عين جالوت؟ من الذي أعز محمد بن يوسف الثقفي ففتح السند على يديه؟ ومن الذي أعز يوسف بن تاشفين يوم الزلاقة؟ ومن الذي أعز سيد قطب فوفقه عند إعدامه لأن يقول: "إن السبابة التي تشهد لله بالوحدانية لا يمكن أن تكتب كلمة تمدح بها طاغية في حكمه"، يا الله.

 

من الذي أعزهم؟ أجيبوني أيها المؤمنون؟ الله -تعالى- هو الذي أعزهم، وسيعزكم الله -تعالى-، أقولها تحقيقًا قبل أن أقولها تعليقًا، الله -تعالى- سيعزكم عاجلًا قبل أن يكون آجِلًا، قولوا: آمين.

 

أيها المؤمنون: وفي أيام المحنة هذه إيَّاكُم أن تنسوا ما قاله الصالحون، فماذا قالوا؟ قالوا: "إن للمحنة أجلًا كما لابنِ آدمَ أجلٌ، فكما أن ابن آدم يموت إذا انقضى أجله، كذلك المحنة تنقضي وتموت إذا انقضى أجلها".

 

اللهُمَّ عَجِّلْ بزوال محنتنا، اللهمَّ إن ليلنا قد طال، فعجِّلْ بزوالِ محنتِنا، يا غياثَ المستغيثينَ، اللهُمَّ نجِّ المستضعَفينَ من المؤمنين.

 

أيها المؤمنون المسلمون: وفي أيام المحنة هذه لا يغب عن بالكم أن البيت الأبيض، اللهُمَّ جَلّلِ البيتَ الأبيضَ بالسَّوادِ، أن الولايات المتحدة، أن مجلس الأمن الدوليّ، أن جمعيات حقوق الإنسان، أن المنظمات الدوليَّة، أن هيئة الأمم المتحدة لن يسجلوا معك صفحة بيضاء.

شَكَوْنَا إلى مجلسِ الأمنِ الدعِيِّ *** وهَلْ أَشْىَقى الأمةَ إلَّا مجلسُ الْمِحَنِ

 

في أيام المحنة يا عباد الله الذي سيسجل معكم صفحة بيضاء، هو الله، واسمعوا إلى هذه القاعدة، وإلى هذه الفائدة، أما القاعدة فقد قال أهل العلم: "كل لجوء إلى ما سوى الله خذلان".

مَنْ يَتَّقِ اللهَ يُحمَدْ في عواقبِه *** ويَكْفِهِ أذَى مَنْ عزُّوا ومَنْ هَانُوا

مَنْ يَستَعِنْ بالناسِ في طلبٍ *** فإنَّ مُعِينه عجزٌ وخِذلَانُ

 

كل لجوء إلى ما سوى الله -تعالى- خذلان، وما الفائدة؟ أما الفائدة كلمة الشكوى يا عبادَ اللهِ، ما جاءت في كتاب الله -تعالى- إلا في آيتين اثنتين، وفي كلتا الآيتين لمن كانت الشكوى؟ اسمعوا يعقوب، قال: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[يُوسُفَ: 86]، وفي سورة المجادلة: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)[الْمُجَادَلَةِ: 1].

 

فيا شعبنا الفلسطيني: لن تنفعكم الولايات المتحدة، ولا البيت الأبيض، ولا المنظمات الدوليَّة، شكواكم، همومكم، دموعكم، بين يدي الله -تعالى-، الذي يقول للشيء كن فيكون.

 

أيها المؤمنون: أختم الخطبة الأولى، يا أصحاب الوجوه التي ستأتي -بإذن الله تعالى- كما قال تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 106]، يقال: إن خليفةً من خلفاء بني أمية، -اللهُمَّ عَجِّلْ بعودةِ الخلافةِ، فلا عزةَ للمسلمين إلا بها-، خطَب في المسلمين خطبةً بليغةً قويَّةً، ثم قطَعَها وبكى، وبكى الخليفةُ بكاءً شديدًا، ثم مدَّ يديه إلى السماء وقال: "اللهُمَّ إن ذنوبي عظيمة، وإن قليل عفوكَ يمحوها، فامحُ اللهمَّ بقليلِ عفوكَ عظيمَ ذُنُوبِي"، قال أهل العلم: "لو كان كلام يكتب بماء الذهب لكتب هذا الكلام".

 

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على طب القلوب ودوائها، محمد بن عبد الله وبعدُ.

 

أيها المؤمنون: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ)[آلِ عِمْرَانَ: 187]، لا يجوز لنا نحن العلماءَ ألَّا نقولَ كلمةَ الحقِّ، فاسمعوها، وكلمةً أُوَجِّهُها إلى كل حكام العالَم الإسلاميّ، أقول لهم: يا حُكَّامَ العالَمِ الإسلاميِّ اتقوا الله -تعالى-، إنكم لستُم بأفضل من النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي خاطبه الله وقال له: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ)[الْأَحْزَابِ: 1]، فيا حكام العالَم الإسلاميّ، إن الله -تعالى- قال: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)[الصَّافَّاتِ: 24]، فهل أعددتم أيها الحكام للوقوف بين يدي الله جوابًا؟ وهل أعددتم للجواب صوابًا؟

 

يا حكام العالَم الإسلاميّ في كل أنحاء العالَم الإسلامي: إنكم تأكلون، إنكم تتمتعون، إنكم تعيشون، ولكن كل ما تعيشونه لا يعدل هولا واحدًا من أهوال يوم القيامة، يقوم القيامة يوم صعب شديد مهول، يوم القيامة يوم تطيش فيه العقول، يوم القيامة يوم فيه العزيز ذليل.

 

يا حكام العالَم الإسلاميّ: إن الله -تعالى- سائلكم عن فلسطين، عن بيت المقدس، عن المسجد الأقصى، هل حفظتم أم ضيعتم؟ فقبل أن تناموا لا بد أن تسألوا أنفسكم: هل حفظنا أمانة بَيْت الْمَقدسِ أم ضيعناها؟

 

يا حكام العالَم الإسلاميّ: إني والله -تعالى- لكم ناصح أمين، لا عزة لكم، ولا عزة لهذه الأمة إلا يوم أن تُحَكِّمُوا فيها كتابَ الله -تعالى-، وأن تُحَكِّمُوا فيها سُنَّةَ النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 

اللهُمَّ إني قد بلغتُ، اللهمَّ فَاشْهَدْ، اللهمَّ إني داعٍ فأَمِّنُوا: اللهُمَّ يا مَنْ له مِنَ الأسماءِ أجمَلُهَا، وله مِنَ الصفاتِ أَكمَلُها، يا حي يا قيوم، يا عظيم يا حليم، يا من يقول للشيء كن فيكون، اللهُمَّ يَمِّنْ كتابَنا، هَوِّنْ حسابَنا، ثَقِّلْ بالصالحاتِ موازينَ أعمالنا، اللهمَّ اجعلنا ممَّنْ كتبتَ لهم منكَ الحسنى وزيادةً، واجعلنا ممَّنْ تستقبلهم الملائكةُ على أبواب الجِنان.

 

اللهُمَّ إنَّا نعوذ بك من جهنم، وطعامها، وزبانيتها، ونعوذ بك من أن نكون من أهلها، اللهُمَّ كن مع أهلنا في غزة هاشم، اللهُمَّ خفِّفْ عنهم هذا البلاءَ، اللهُمَّ أَزِلْ عنهم هذا البلاءَ.

 

اللهمَّ تقبَّلْ شهداءَنا، واشفِ كلَّ مَنْ أُصِيبَ منا، يا حي يا قيوم، عَجِّلْ في خلاصنا، عَجِّلْ في زوال لَيلِنَا، اللهُمَّ إنَّ لنا أبناء وأبطالًا في سجون الظالمين، اللهُمَّ عَجِّلْ بعودتهم إلى أهلهم سالمينَ غانمينَ.

 

أيها الإخوة الأفاضل الأحباب: سنُصلي -بإذن الله تعالى- صلاةَ الغائب على كل من استُشهد من أبناء المسلمين ولم تُصَلَّ عليه صلاةُ الجنازة، اللهمَّ ما كان مِنْ صوابٍ وتوفيقٍ فمِنَ اللهِ، وما كان مِنْ خطأٍ وزللٍ فمني ومن الشيطان.

 

وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life