عناصر الخطبة
1/منة الله على الأمة ببعثة نبي الأمة 2/حال الأمة حينما طبقت الشريعة وحالها حينما تخلت عنها 3/أهمية العودة إلى الشريعة وتطبيقها 4/شروط قبول العبادات 5/بدعة عيد المولد وبعض الأدلة على ذلك 6/الرد على المحتفلين بعيد المولد تاريخيا 7/ضابط الأعياد والمواسم البدعيةاهداف الخطبة
اقتباس
لما كانت الأمة الإسلامية حريصة على تنفيذ شرع الله متمشية في عباداتها ومعاملاتها وسياستها الداخلية والخارجية على ما كان عليه قائدها وهاديها محمد -صلى الله عليه وسلم-. لما كانت الأمة الإسلامية على هذا الوصف، كانت هي الأمة الظاهرة الظافرة المنصورة. ولما حصل فيها ما حصل من ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي من: (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[آل عمران: 164].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين الذي أسبغ على عباده نعمه ووسعهم برحمته وهو أرحم الراحمين.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أرسله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويكمل لهم به الدين، فلم يترك شيئا يقرب إلى الله وينفع الخلق إلا بينه، وأمر به، ولا شيئا يبعدهم عن ربهم، أو يضرهم، إلا حذر عنه، حتى ترك أمته على ملة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا: أن أعظم منة، وأكبر نعمة، من الله على عباده: أن بعث فيهم الرسل: (مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ)[البقرة:213].
وكان من أعظمهم قدرا، وأبلغهم أثرا، وأعمهم رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي بعثه الله -تعالى- لهداية الخلق أجمعين، وختم به النبيين.
بعثه الله على حين فترة من الرسل، والناس أشد ما يكونون حاجة إلى نور الرسالة، فهدى الله به من الضلالة، وألف به بعد الفرقة، وأغنى به بعد العيلة، فأصبح الناس بنعمة الله إخوانا، وفي دين الله أعوانا، فدانت الأمم لهذا الدين.
وكان المتمسكون به غرة بيضاء في جبين التاريخ.
فلما كانت الأمة الإسلامية حريصة على تنفيذ شرع الله متمشية في عباداتها ومعاملاتها وسياستها الداخلية والخارجية على ما كان عليه قائدها وهاديها محمد -صلى الله عليه وسلم-.
لما كانت الأمة الإسلامية على هذا الوصف، كانت هي الأمة الظاهرة الظافرة المنصورة.
ولما حصل فيها ما حصل من الانحراف عن هذا السبيل؛ تغير الوضع، فجعل بأسهم بينهم، وسلط عليهم الأعداء، وكانوا غثاء كغثاء السيل، فتداعت عليهم الأمم وفرقتهم الأهواء.
ولن يعود لهذه الأمة مجدها الثابت، وعزها المستقر، حتى تعود أفرادا وشعوبا إلى دينها، الذي به عزتها، وتطبق هذا الدين، قولا وعملا وعقيدة، وهدفا، على ما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام.
وإن من تمام تطبيقه: أن لا يشرع شيء من العبادات والمواسم الدينية إلا ما كان ثابتا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن الناس إنما أمروا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.
فمن تعبد لله بما لم يشرعه الله فعمله مردود عليه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"[البخاري (2550) مسلم (1718) أبو داود (4606) ابن ماجة (14) أحمد (6/256)].
وهو في نظر الشارع بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وإن من جملة البدع: ما ابتدعه بعض الناس في شهر ربيع الأول من بدعة عيد المولد النبوي، يجتمعون في الليلة الثانية عشرة منه في المساجد، أو في البيوت، فيصلون على النبي -صلى الله عليه وسلم- بصلوات مبتدعة، ويقرؤون مدائح للنبي -صلى الله عليه وسلم-، تخرج بهم إلى حد الغلو الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وربما صنعوا مع ذلك طعاما يسهرون عليه، فأضاعوا المال والزمان، وأتعبوا الأبدان فيما لم يشرعه الله ولا رسوله، ولا عمله الخلفاء الراشدون، ولا الصحابة ولا المسلمون في القرون الثلاثة المفضلة، ولا التابعون بإحسان.
ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ولو كان خيرا ما حرمه الله -تعالى- سلف هذه الأمة، وفيهم الخلفاء الراشدون والأئمة، وما كان الله -تعالى- ليحرم سلف هذه الأمة ذلك الخير، لو كان خيرا ثم يأتي أناس من القرن الرابع الهجري، فيحدثون تلك البدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه: "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم": "ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى، وإما محبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتعظيما له من اتخاذ مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- عيدا، مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له، وعدم المانع، ولو كان خيرا محضا أو راجحا كان السلف أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كانت محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته ظاهرا وباطنا، ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حرصاء على هذه البدع، تجدهم فاترين في أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، مما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف، ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه، ولا يتبعه" ا. هـ كلامه -رحمه الله تعالى-.
أيها المسلمون: إن بدعة عيد المولد التي تقام في شهر ربيع الأول، في الليلة الثانية عشرة منه، ليس لها أساس من التاريخ؛ لأنه لم يثبت أن ولادة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تلك الليلة.
وقد اضطربت أقوال المؤرخين في ذلك؛ فبعضهم زعم: أن ولادته في اليوم الثاني من الشهر.
وبعضهم في الثامن.
وبعضهم في التاسع.
وبعضهم في العاشر.
وبعضهم في الثاني عشر.
وبعضهم في السابع عشر.
وبعضهم في الثاني والعشرين.
فهذه أقوال سبعة ليس لبعضها ما يدل على رجحانه على الآخر، فيبقى تعيين مولده -صلى الله عليه وسلم- من الشهر مجهولا.
إلا أن بعض المعاصرين حقق أنه كان في اليوم التاسع.
وإذا لم يكن لبدعة عيد مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- أساس من التاريخ، فليس لها أساس من الدين أيضا، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعلها، ولم يأمر بها، ولم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة"[الترمذي (2676) ابن ماجة (44) أحمد (4/126) الدارمي (95)].
وكان يقول في خطبة الجمعة: "أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"[مسلم (867) النسائي (1578) ابن ماجة (45) أحمد (3/311) الدارمي (206)].
والأعياد والمواسم الدينية؛ التي يقصد بها التقرب إلى الله -تعالى- بتعظيمه، وتعظيم نبيه -صلى الله عليه وسلم-، هي من العبادات، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله -تعالى- ورسوله، ولا يتعبد أحد بشيء منها إلا ما جاء عن الله ورسوله.
وفيما شرعه الله -تعالى- من تعظيم رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ووسائل محبته، ما يغني عن كل وسيلة تبتدع وتحدث.
فاتقوا الله -عباد الله-: واستغنوا بما شرعه عما لم يشرعه، وبما سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عما لم يسنه.
أيها المسلمون: إننا لم نتكلم عن هذه البدعة؛ لأنها موجودة في بلادنا، فإنها -ولله الحمد- لم تعرفها ولا تعمل بها اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ولكن لما كان الكثير قد يسمع عنها في الإذاعات أردنا أن نبين أصلها وحكمها، حتى يكون المسلمون على بصيرة منها، وأن يأخذوا من دينهم باللب دون القشور التي لا أصل لها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله -تعالى-: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ)[الأنعام: 153].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات