عناصر الخطبة
1/ طبيعة المرض النفسي 2/ أسباب انتشار السحر 3/ مفهوم الشعوذة 4/ أمارات المشعوذاهداف الخطبة
اقتباس
خطبة هذا اليوم تدور حول السحر: ما أسباب انتشاره؟ ولماذا هو بازدياد الآن؟ وما الفرق بينه وبين الشعوذة؟ وما أنواع السحر باعتبار نتائجه؟ ولماذا يعمد بعض العمال والخادمات في البيوت إلى سَحر كفيلهم؟...
الخطبة الأولى:
أما بعد: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: أيها الناس، فإن الأمراض التي تصيب الإنسان، إما عضوية وإما نفسية، والنفسية يكون لها تأثير وانعكاسات بحيث يتألم المريض عضوياً، فإذا زال السبب النفسي سكن المرض تلقائياً.
والأمراض النفسية أنواع: منها ما يكون بسبب الحسد، ومنها بسبب السحر، ومنها بسبب العين، ومنها ما يسمى في عيادات الطب الحديث بالأمراض النفسية، وهذه الأخيرة معناها أن الإنسان يتألم ويتضايق من وضع من الأوضاع أو المواقف والمصائب التي تنـزل في نفسه أو في أهله أو ولده أو ماله فيصاب بصدمة تظهر أعراض آلامها على أحد أعضائه، ويكون نتيجتها أرقاً، وقلقاً، وضيق صدر، واكتئابا، فيتوهم أن مرضه عضوي، وليس كذلك؛ وإنما الذي فيه ما يصطلح عليه بالمرض النفسي، فإذا زال ذلك المؤثر شفي من مرضه بإذن الله -تعالى-.
أيها المسلمون: خطبة هذا اليوم تدور حول السحر: ما أسباب انتشاره؟ ولماذا هو بازدياد الآن؟ وما الفرق بينه وبين الشعوذة؟ وما أنواع السحر باعتبار نتائجه؟ ولماذا يعمد بعض العمال والخادمات في البيوت إلى سَحر كفيلهم؟ وما أضرار السحر؟ وهل هناك جهود على الصعيد الرسمي في مكافحته ومكافحة المشعوذين؟ وهل من مخرج لمن ابتلي به؟ وكيف يُقاوم ويُتوقى؟ وأخيراً: ما حكم الساحر؟.
عباد الله: لئن كان السحر في السنين الماضية لا يذكر إلا قليلاً، والحالاتُ المسحورة تكاد تُعد بالأصابع، إلا أن أعداده أخذت تتزايد مؤخراً، ولم يعد ضرره قاصراً على فئة من الناس، بل تجاوز ذلك ليشمل أعداداً أكبر. وصار السحر مع العين والحسد ومع الشعوذة يشكل ثالوثاً يهدد خطره أغلب شرائح مجتمعنا الآمن المطمئن.
إن الإعلام المهترئ، والصحافة المشوشة، والإلحاد المنتشر من خلال قنوات السحر، سببٌ مباشر وقوي من أسباب رواج سوق السحرة. كما أن ضعف الإيمان بالله، وقلة اليقين بقدرته، ثم الإعراض عن ذكره، وقلة الدعاء والتضرع، وكثرة الصور والتماثيل في البيوت، وضجيج الموسيقى والغناء، وأكل الربا، فتحت الباب على مصراعيه لدخول الشياطين، فجملة من البيوت متلبسة بالمعاصي من كل جانب: مأكلاً ومشرباً، وملبساً ومركباً، ليلاً ونهاراً، وهذه الفئة من الناس غدت بيوتهم مسرحاً للشياطين؛ وهم زبائن السحرة والمشعوذين، لأن الساحر لا يمكن أن يكون ساحراً ويؤثر سحره إلا إذا قرب قرباناً للشيطان، وخرج عن ملة الإسلام، فإذا انصاع لأمر الشيطان تماماً دلَّه الشيطان على المواقع الملائمة لممارسة نشاطه السحري، وهي تلك البيوت الخربة الغافلة اللاهية، نسأل الله السلامة والعافية.
من أسباب ازدهار سوق السحر -عباد الله- الجهل بشرع الله، فإذا مرض ذلك الإنسان التمس العلاج من أي جهة كانت ولو حتى بالوسائل المحرمة، لأنه لا يعلم الآثار المترتبة على ذلك.
لم يعلم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" رواه مسلم. والعراف من يدعي معرفة الأحوال في المستقبل، وهذا الوعيد من الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيمن أتى العراف وسأله، وأما إن صدقه بما يقول فهو كافر بدين محمد -صلى الله عليه وسلم- لما ثبت في الصحيح، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" رواه أهل السنن.
والكاهن: من يدعي معرفة الأحوال الماضية. وفي مسند البزار بسند صحيح قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى كاهناً أو ساحراً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-".
وجاء في حديث عمران بن حصين أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس منا من تَطيرَّ أو تُطيرِّ له، أو تكهن أو تُكهن له، أو سحر أو سحر له. ومن أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوماً" أخرجه البزار بإسناد جيد.
أيها المؤمنون بالله ورسوله: إن من أوسع القنوات التي تنقل السحر وتروجه في مجتمعنا قناة العمالة الأجنبية، وخاصة الخادمات داخل البيوت، ليسوا كلهم، وإنما أعنى منهم الكفار، أو فسقة المسلمين ممن لا يشهدون الصلاة، ولا يذكرون الله إلا قليلاً، يأوي الواحد منهم إلى منزله بعد كَدِّ النهار كاملاً من أجل لقمة العيش، وبراتب متواضع وفيه ما فيه، فيستفتح ليله ويختتمه بالعكوف أمام شاشات القنوات الفضائية، لا يخرج إلى الصلاة مع الجماعة، بل إن بعضهم يجمع الصلوات الخمس في وقت واحد، أو ربما أخر ذلك أيضاً إلى يوم الجمعة، وصنف رابع يتركون بعض الفروض، أولا يصلون أبداً؛ فماذا يُظن بمثل هؤلاء؟.
بعض الخدم أو الخادمات كافر، (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة:254]، انطوت نفسه على كره المسلمين، وحب الإضرار بهم حتى لو أُحسن إليه، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من إبقاء الكفار في جزيرة العرب، فكيف بمن يجلبهم، ويستقدمهم بمحض إرادته؟ قال -صلى الله عليه وسلم- وهو يودع هذه الدنيا، ويلفظ أنفاسه الأخيرة: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب".
وثمة سبب بليغ من أسباب وقوع السحر من العمال والخادمات: المظالم التي تقع عليهم من عنف الكفيل أو ربة البيت، والقسوة التي يلاقونها، والنظر إليهم وكأنهم ليسوا ناسا، وعدم رحمة غربتهم وبعدهم عن أوطانهم وأهلهم وأولادهم، وتأخير رواتبهم أو إنقاصها، وتكليفهم من الأعمال فوق ما يطيقون، والسخرية بهم واحتقارهم، هذا اللون من المعاملة لا يوجد حقداً واحداً فقط لديهم، بل خزاناً من الأحقاد ومشاعرِ الكره وحب الانتقام، يلجأ حينها إلى أسهل وسيلة لإيقاع الضرر بكفيله أو ربة البيت أو أحد الأولاد، فلا يجد أمامه إلا السحر، فإما أن يسحر هو بنفسه، أو يذهب إلى سوق السحرة ليجد تجَّاره فاتحين دكاكينهم على مدار الساعة.
والسبب الثالث من أسباب وقوع السحر من خادمات البيوت؛ ما يقوم من الصِّلات الحميمة بين ربة المنـزل وبين الخادمة، فتقوم الخادمة بعمل السحر بغية الإبقاء على هذه العلاقة واستمرارها، أو أن يقع من خادمة أخرى غيرة من زميلتها لتوقع الخلاف بين المرأة وخادمتها ونحو ذلك.
وسبب هام أيضاً من أسباب كثرة السحر والسحرة: الخلافات الزوجية، وظلم الزوج لزوجته أو إحدى زوجاته، فمع ضعف إيمانها بالله تعمد إلى الانتقام منه عن طريق السحر، أو أن يتزوج أحدهم زوجة ثانية، فيلعب الشيطان بالأولى ويوغر صدرها على ضرتها الجديدة فتقصد أحد السحرة ليصرف محبته عن الثانية أو ليتعلق بالأولى، وربما وقع العكس بأن يأتي السحرُ من الجديدة لتستأثر بمحبة زوجها.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، والشكر له على نعمه الظاهرة والباطنة، وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه خير صحب ومعشر.
أما بعد: أيها المسلمون، إن طغيان المادة على حياة الأكثر من الناس اليوم فتحت أمام السحرة آفاقاً رحبة لتوسيع نشاطهم، يظن بعض التجار أن السحرة يملكون القدرة على جلب الزبائن وكسب العملاء وازدهار الاقتصاد، بل إن بعضاً من أرباب الأموال الطائلة من له ساحر متخصص يجلبه من مجالس السحر العالمية المتخصصة ليخبره عما يحدث الآن في الأسواق العالمية أو بما سيحدث للاقتصاد العالمي مستقبلاً، ليتخذ التدابير اللازمة التي يغتنم بها الفرص، أو يتوقى بها حدوث كساد سيحل في السوق. هكذا يعتقد البعض من التجار ويظنون أنهم يحسنون صنعاً، فليس للشرع في تجارتهم مكان؛ لهذا لا تسأل عما يعانون من الأمراض النفسية أو العصرية المزمنة، أو كليهما، نسوا الله فنسيهم! كما لا تسأل عن محق بركة تجارتهم، وكثرة تعرضها للكوارث، يملك الشخص منهم الملايين أو المليارات لكنه يحس بالحاجة، وتتوق نفسه إلى المزيد، ويتخوف من شبح الفقر الذي يطارده. فماذا استفاد من تجارته؟ ينفق الأموال الطائلة في العلاج، وخاصة عيادات السحَرة التي تستنزف أمواله ولا تزيده إلا رهقاً.
ليس الأمر -عباد الله- قاصراً على بعض كبار التجار، بل إن بعضاً من عامة الناس ممن أعمى الطمع بصيرته حينما يعرض عليه أحد السحرة إمكانية مضاعفة المال مقابل أجرٍ يدفعه للساحر، يسارع إلى ذلك، حتى وجد عدد من هذا النوع -كما صرح بذلك أحد كبار المسؤولين الأمنيين في هذا البلد- وجد عدد من أولئك الناس باعوا بيوتهم، أو استدانوا لغرض مضاعفة المال بواسطة السحرة، وكان نتيجة ذلك هروب الساحر، وإفلاس ذلك المسكين الطماع، ولو كان الساحر صادقاً لضاعف أمواله هو شخصياً دون اللجوء إلى أمثال أولئك!.
تلكم -أيها المسلمون- أبرز أسباب فشو السحر في أوساط المسلمين الذين يؤدون الصلاة، ويؤتون الزكاة، فلا حول ولا قوة إلا بالله!.
أما الشعوذة -عباد الله- فضررها لا يقل خطراً عن السحر، والمشعوذ هو من يتمتم بكلمات غير مفهومة، ويطلب من المريض قطعةً من ملابس أو خصلةً من شعر، أو أي شيء آخر من المريض، فإما أن يكون ذلك مجرد دجل، ويتظاهر بهذه المطالب ليُوهم المريض أن لديه - أي المشعوذ - علماً ومعرفةً، وبإمكانه علاجُ الأمراض، وإما أن يكون المشعوذ هو أصلاً من السحرة، ولكن بإخراج آخر مقنَّع، وإما أن يزعم ويدعي أنه ساحر مع أنه ليس كذلك، لكن لأنه وجد بضاعة السحر رائجة، وسوقها قائمة، فتظاهر بأنه يفك السحر ويحله عمن ابتلي به، أو أنه هو نفسه يعمل السحر.
ونظراً لأن مجتمعاتنا هنا تغلب عليها المحافظة والبساطة من حيث العموم، فكثير من المشعوذين لمح هذا فامتطى صهوة الرقية وأعلن عن نفسه أنه يرقي المرضى، أي يقرأ عليهم، ويؤكد هذا أن معظمهم لم يُعرف عنهم سَبْقٌ في علم، كما لم يشتهر ورعهم بين الناس، وإنما هم عوام الناس علماً وتديناً، أو من في حكمهم.
ومما يؤكد شعوذتهم -أيضاً- شرههم ونهمهم في أخذ المال والأجرة مقابل رقياهم، فليتق الله أولئك الراقون، وليستحوا من ربهم ومجتمعهم، وليخافوا على أنفسهم أن يبتليهم الله -تعالى- بمرض أو أمراض تأتي على صحتهم وراحتهم وكل ما جمعوا من أموال.
ولا زال للحديث بقية نأتي عليها الجمعة القادمة إن شاء الله -تعالى-.
اللهم...
التعليقات