عناصر الخطبة
1/ وجوب الاستسلام لأوامر الشرع 2/ رد دعاوى حرية المرأة واستقلالها 3/ الحكمة من ولاية الرجل على المرأة 4/ الجرأة على الفتوى والحرب على ثوابت الشريعة.اهداف الخطبة
اقتباس
أتعجب ممن يرضى بسلطة رئيسه في العمل، ويلتزم بأنظمة مديره، ويحترم الغرب، ويتغنى بحضارتهم، ويتشدق بحقوق الإنسان وحرية الأخلاق، ثم يطعن في التشريع، ويهزأ من تعاليم الدين، وينادي بتفكك الأسر وتحرر النساء، ويصف ولاية الرجل على أهله بالقيد والذل والإهانة، وهل يرضى أحدهم أن يلقي ماله أمام المارة، ويحتج بديانتهم وأمانتهم، بل هو أحرص على ماله من حرصه على عِرضه.. يطلب من الولي ترك...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب كل شيء والمليك المقتدر خلاق كل نعمة وهو الولي المنتصر، ما قدر الله فواقع لا بد أمر قد قدر في كلمة كن علامة وآية فهل من مدكر، نجا نبيه لدعوة فانفتح الغيث بماء منهمر، وأهلك الباغي بريح صَرْصَر في يوم نحس مستمر فتنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر، ويسر القرآن للذكر فهل من مدكر.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من يرجو شفاعتها يوم يقوم الأشهاد، فاللهم اجعل شهادتنا وتوحيدنا شافعًا وشاهدًا لعبادك يوم يقوم الناس إليه.
وأشهد أن محمدًا بن عبد الله عبدك ورسولك، رسولك للخلائق أجمعين، رسولك يا إله العالمين، فصلِّ الله صل الله دومًا عليك أيا إمام المتقين وللصحب الكرام ومن يليهم وآل محمد والتابعين.
اللهم صلِّ عليه وصلِّ اللهم على آله وصحبه أجمعين وعمنا والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
استسلام.. اللهم لا اعتراض على أقدارك ولا إعراض عن قضائك، بل طوعًا طوعًا تعبدًا ورِقًّا، ونحن الذين نرجي أن نقول: إذا ما قلت قولاً بتسليم فبها يستسلمون، إذا ما أنت تأمرهم وإن نهيت أشاحوا عنه التنزيه.
استسلام.. من أعظم الأشياء التي سما بها هذا الدين العظيم أن معناه مستلَهم من اسمه، فالإسلام هو الاستسلام وتلك المفردة العظيمة هي حالة وجدانية مرهَفة تقول لأي خطاب يرد من الله (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)، بينما حالة الكافر والمنافق عند سماع الخطاب كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرًا.
استسلام.. هو المحك الحقيقي لاختبار الترجيحات الفكرية والفقهية مع أهوائنا، نرجح هذه الأهواء أم نرجح أمر رب السماء..
استسلام.. هو المحك الحقيقي لانكشاف ما في هذه القلوب، هل تسمو باسم علام الغيوب، أم تسف خاوية بأهواء الشيطان.
لا أظن برجال ولا نساء بلدي إلا أنهم يقولون: مستسلمون لربنا إليه دومًا آيبون مستسلمون طائعون، مسلمون إن مالت الأهواء يومًا فيهما لا مائلون، أو يجنح الشيطان في غيرنا لا جانحون مسلمون مسلمون.
ولكن أعذب هذه الخطابات خطاب قرآني يتنزل من السماء لنقول له: إنا سمعنا وأطعنا فمهما يأمر الله نذعن ومهما نجابه أمرك اللهم نؤمن.
خطاب يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: 36].
رسالة معلنة (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51].
عظيمات جليلات أكابر *** نواهٍ زاجرات والأوامر
إذا قال المهمين أي قول *** كفى بالله من رب وقاهر
إذا قال الشرع: "استوصوا بالنساء خيرًا" قال رجال بلدي: إنا سمعنا وأطعنا.
إذا قال الشرع: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء: 34]، قالت نساء بلدي: إنا سمعنا وأطعنا.
إذا قال الشرع: "اتقوا الله في النساء! فإنهن عوان عندكم"، قال رجال بلدي: إنا سمعنا وأطعنا.
إذا قال الشرع: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33]، قالت نساء بلدي: إنا سمعنا وأطعنا.
مشاهد من الاستسلام رائعة وبذائخ من التسليم لامعة أبطالها رجال ونساء وجيل يحوط عليها الإباء شواهق جبل سابح بالثناء، نساء تقول إذا رتلت آي ربي سمعنا أطعنا ونحن بهذا الخطاب شمخنا وبالأمر نحن ارتفعنا وقد سقط الآخرون.
وهل يكون المرء المسلم مسلمًا إلا بهذه الاستسلاميات العالية؟!.. استسلام
استسلامات يبعثها نحو السماء، وأما الشهب فتسقط نحو الشياطين، وقد تكفل الله بكل شيطان له شهاب راصد من الحق يسقطه ويعلوه.
استسلام.. وهل تكون المرأة المسلمة مستسلمة إلا وهي تعد خطاها بالاستسلام أرشيفًا تفخر به يوم يقوم الناس لرب العالمين.
استسلام.. وهل تكون المرأة المسلمة مستسلمة، وأوامر السماء حين تُتلى عليها إلا وهي ترتفع فخارًا بها وتقول:
أمرك اللهم أمر نافذ *** فلترد بي يا إلهي ما تريد
ما يقول الحق نمشي معه*** قد سمعنا وبحق لن نحيد
أم هل تكون المرأة المسلمة مستسلمة حين تُقاد لسراديب الاسترقاق الحديث، وأسواق النخاسة المعاصرة، وهي تزيد رقًّا وعبودية مستعارة في زمن يسلع جسدها ويسرق نسبتها ويضعها تحت مناحيت الشهوة مندوبًا مؤقتًا.
هل تكون المرأة مستسلمة إلا بالتعالي على هذه الأوبئة الرديئة والأزمنة العجلى التي تجعل من عباءتها خيمة، ومن طهرها تزمتًا، ومن قرارها توحشًا، ومن ولاية الرجل عليها عبودية واستطالة!!
أنت في زمن يعيش فلاتانًا انقلابيًّا هائلاً كفيلاً أن يجعل من الثوابت أمرًا يمكن أن يتغير، ومن المتغير أمرًا يمكن أن يكون ثابتًا.
أصبحت المرأة في هذا الزمن مرمى لحلائب السباع والذئاب لا تتهارش على رأسها، بل على الجزء الأسفل منها.
في زمن استبدل فكرة بيع النساء في أسواق النخاسة إلى فكرة بيع أعراض النساء في أسواق الخساسة.
الولاية على المرأة في الإسلام...
يؤسفك أن تكون في زمن انتهى من حضانة الأقوال الفقهية المختلف فيها، وبدأ ينهش في أكناف الثوابت، ويوشك إذا انتهت الأكناف أن يستولي على الأطراف، ويوشك إذا انتهت الأطراف أن يحز الرأس جميعه.
وهل دخلوا من بوابة الاختلاف إلا للعبث بنوافذ التسليم تمهيدًا لاقتحام الحمى الكبير.
الولاية على المرأة في الإسلام..
مخطئ من يظن أن شرف الاستسلام لله ولأوامره هو ضياع شخصية أو فقد هوية، بل استسلام، بل الاستسلام هو الهوية الكبرى وهو الشخصية الباذخة وضياعها هو استرقاق روحي جديد.
هربوا من الرق الذي خُلقوا له *** وبلوا برق النفس والشيطان
الرجال قوامون على النساء.. هي رسالة تكليفية واضحة أن يا أيها الرجل قوامتك على المرأة هو أمر رباني لا عُرف إنساني وهو تكليف لا تشريف، ورعاية وعناية لا تسلط وغواية.
الرجال قوامون على النساء.. هي نتيجة لعلم رباني دقيق بوظائف الرجل والمرأة، الله الذي خلق الرجل هو أعلم بما يصلُح له، والذي خلق المرأة هو عالم بما يصلح لها، والعبث بالتغاضي عن الفوارق الجسدية والنفسية هو عبث معاصر وهو أوهى من الوهى، ومن خيط لبيت العنكبوت.
الرجال قوامون على النساء.. ليس صوتًا تجلد به المرأة، ولكن إكليلاً تحفظ به حقوقها، الرجل الذي هو أقدر على الكد والمد، وفتح سبل العيش مهماته الكبرى واضحة، والمرأة التي هي أصبر وأرأف وأرحم لها مهمات كبرى واضحة برعاية الناشئة والصبر على صناعة الأجيال.
فلماذا هذه المعركة المفترضة بين الوظيفتين؟!
إن من العبث باسم الشريعة، والعبث باسم الدين والفطرة والقياس والمنطق أن تجعل هذه المسائل مفتعلة التناقض ومهوى أفئدة المتراشقين.
أيها المفتعلون! إذا جاء نهر الله غرقت فيه الوديان، وطفت فيه الغربان، والقرآن شهاب الرحمن ونور للناس وبرهان.
سبيل ربك والقرآن منهجنا نورا *** من الله لم يحجب ولم يغب
يقولون لا ولاية على المرأة، أما لماذا الله يقول: (قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) فهم قوامون؛ لأن الله فضَّل جنسهم بصفات، وقوامون لأنهم أنفقوا من أموالهم، فالواو في هذه الآية للمغايرة.
لا ولاية على المرأة أما لماذا الله يقول (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ).
لا ولاية على المرأة أما لماذا نبي الأمة يقول "الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته".
لا ولاية على المرأة أما لماذا الله يقول (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ) إلى قوله (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) أتراه يرتب عقوبة على ترك مباح أم هذه الآية صريحة في وجوب طاعة الولي.
لا ولاية على المرأة في الإسلام، أما لماذا نبي الأمة يقول: "لا نكاح إلا بولي"، أما لماذا نبي الأمة يقول: "إذا استأذنكم نساءكم إلى المساجد فأذنوا لهن" إلا لتحقيق الولاية والقوامة وذلك بوجوب طلب الإذن من الولي.
لا ولاية على المرأة؟ أما لماذا رسول الأمة يقول كما في الصحيح: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه"؛ كيف تؤمر المرأة أن تستأذن زوجها في عبادة من عبادات التطوع، ونافلة من النوافل إلا لعظيم حق الزوج ووجوب طاعته بالمعروف "لا يحل للمرأة أن تأذن في بيته إلا بإذنه" (رواه البخاري من حديث أبي هريرة).
كل هذه النصوص المستفيضة وغيرها أكثر مما تضيق به هذه المقامات، ولا ولاية أو قوامة وما انتفاع أخ الدنيا بناظره *** إلا استوت عنده الأنوار والظلم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد *** وينكر الفم طعم الماء من سقم
أستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. وسلم تسليمًا كثيرًا..
أما بعد: لما ختم الله آيات القوامة والولاية ختمها بأربعة أسماء حسنى عليًّا كبيرًا وعليمًا خبيرًا، لتكون دلالة بينة على عظمة التشريع.
ويا أيها الإنسان إن اختفت عنك بعض الأسرار والأحكام، فالله هو العليم الخبير وهو العلي الكبير، ولو استسلم الإنسان وهو يتلو هذه المحكَمات بعلم الله وخبرته وعلوه وكبير علمه وشأنه لارتاح عن كثير من هذا الجدل، ومن هذا التعنت في التأويل والتعسف في التفسير.
تقول الدكتورة أميرة الصاعدي: "من التشريعات الربانية ولاية الرجل على المرأة، ولاية رعاية وصيانة، وحماية وإكرام، فولي المرأة هو قيمها والقائم على أمرها، والمسئول عنها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا..." الحديث.
فهذا الحديث أصل في تحمل المسئولية التي سوف يحاسب الإنسان عنها يوم القيامة، والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه فولاية الرجل على مولايته شرع حكيم، ونظام عادل، وتكريم وتقدير لا امتهان وإذلال كما يفهمه البعض ويفسره الجهلة ويدعيه المنافقون تعطيلاً للنصوص الشرعية وطعنًا في الشريعة الإسلامية".
ثم تواصل فتقول:
"وأتعجب ممن يرضى بسلطة رئيسه في العمل، ويلتزم بأنظمة مديره، ويحترم الغرب، ويتغنى بحضارتهم، ويتشدق بحقوق الإنسان وحرية الأخلاق، ثم يطعن في التشريع، ويهزأ من تعاليم الدين، وينادي بتفكك الأسر وتحرر النساء، ويصف ولاية الرجل على أهله بالقيد والذل والإهانة، وهل يرضى أحدهم أن يلقي ماله أمام المارة، ويحتج بديانتهم وأمانتهم، بل هو أحرص على ماله من حرصه على عِرضه.
ولنتصور شركة بلا رئيس، ومدرسة بلا مدير، ودولة بلا حاكم، وطريق سير بلا ضبط، فكل حر بلا قيد، وسائر بلا نظام، فهل ينتظم أمر العباد، فكيف يعاب على مسئول يحافظ على رعيته، وولي يهمه استقرار أسرته، فيطلب من الولي ترك الحبل على الغارب، وسقوط الولاية، واستقلال المرأة بحياتها، بعيدًا عن رعاية وليها، حيث تخرج متى ما شاءت، وتسافر أين شاءت، بدون إذن ولا أمر، ويعدون ذلك تمكينًا للمرأة، وتحررًا لها من قيد الولي واشتراط المحرم، وهم بذلك يُرضون دعاة الحرية، وينفِّذون توصيات الاتفاقيات الدولية، ويخالفون التشريعات الربانية والأنظمة الدستورية الحاكمة بالكتاب والسنة".
ثم تختم قولها: "وولاية الرجل على المرأة في الإسلام، ولاية توجيه وتسديد وصيانة، لا ولاية استبداد وتسلط، وهي ولاية ثابتة لا تتغير بتغير الزمان، ولا بتقدم السن واستقلال النساء بمعاشهن، فطبيعة المرأة لا تختلف، وحاجتها للولي لا تتغير" انتهى كلامها.
وماذا بعد؟
يناقشونك في حكم صلاة الجماعة، وهم لا يصلون في الأصل، ويجادلونك في تغطية وجه المرأة وهم يقولون بالتعري قولاً واحدًا، ويناقشونك فقيهًا في حكم الولاية وهم لا يحفظون آية.
تعبنا ونحن نقول: إن ملعب الفقه الإسلامي في هذه الأزمنة لذوي الأغراض المنحرفة هو ملعب مليء بالوحل، أسهل شيء أن يجادلوك فقهيًّا في أي مسألة ومستعدون أن يواكبوا حملاتهم بكل قول شاذ غير مأثور وكل مفتٍ مأزور غير مأجور، ثم إذا حميت أوطاس الحملات لم ينظروا إلى فقه ولا إلى حديث أو قرآن.
يجعلنا نعلم علم اليقين ونفهم فهمًا لا شائبة فيه أن كل نداء فقهيًّا أو عرض للخلاف المذهبي بعيدًا عن سياق الواقع هو ضرب من ضرب الغرب وطعن في أسفل الظهر.
يكفي هذه الأمة ما عاشته من تهريج على مذاهبها بحجج عنكبوتية لا تزيدها إلا طولاً في الصراع لو أنفقته في صراعات أخرى لانتصرت بها.
يكفي هذه الأمة وعلماءها وطلاب علمها ومثقفيها وعامتها أن يكون مرمى لأفاعي الحديقة، فالسم ليس يباع للتجريب.
وماذا بعد؟
هذه المسائل ما نُكبت المجتمعات الإسلامية أخلاقيًّا واجتماعيًّا إلا حين صارت الفتوى ركوبًا لأهل السكر بدلاً من أهل الذكر، ما مسألة أرادوها وجعلوا ستار الفقه مرمى لأغراضهم وسواد هؤلاء الضلال لو خُيل بينهم وبين أصول الإيمان لكسروا معاولهم على صخراتها.
ثم يستطيلون على الفتوى ويعتدون على كلمتها الواحدة، وأسوأ الأزمنة لديهم أن يروا أعضاء الأمة المتفرقة قد اجتمعت على أمر واحد ومنهج واحد ومورد واحد قول واحد وقائد واحد لا اختلال ولا ضلال، ولا تطرف العيون حتى يفرقوا ما اجتمع ويشتتوا ما التأم ويكسروا من شعب.
ضلال وخزي واختلال طوية *** ومركب دين الله أدنى المراكب
انظروا كيف يفترون على الله الكذب، وكفى به إثما مبينًا، والله قد حرم التزوير واللعب في دينه، ونفى التدليس والكذب، وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة.
إن أخطر معركة عُقدت ألويتها بعد زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي معركة الاقتحامات على دين الإسلام من غير معروف بالفقه ولا بالديانة.
تهون كل الغزوات على هذه الأمة، وتهون كل مصيبة جلى تبيد العالم المسكين، يهون القتل والتجريح يهون الموت والتذبيح يهون الطعن والتشبيح، وتصغر كل مذبحة يموت بها الشعور ويولد الأيتام.
يهون كل ذاك ولكن دين الله لا يهون، كل مصيبة قد ترجى جراحتها إلا مصيبة مقحوم على الدين (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ) [يونس: 69- 70].
الحرب على دين الله ليست كأي حرب، والحيلة عليه بئست الحيلة، والقلاع تتهاوى، فكل يوم قلعة، فطوبى لمن خرج من هذه الدنيا وليست على ظهره صخرة تحاجّه يوم القيامة، وطوبى لمن كانت له قلاع إيمان أنبتها فأثمرت حواضن تربوية لنساء الأمة ولرجالها.
الولاية على المرأة في الإسلام..
اللهم احفظ بيضة الأخلاق بعزك وطولك وحولك..
التعليقات