عناصر الخطبة
1/تثمين ومباركة زحف الصائمين المرابطين للمسجد الأقصى المبارك 2/صبرا آل غزة فإن نصر الله قريب 3/الحث على إحياء الليالي الأخيرة من رمضان 4/الوصية بمواصلة الطاعات وفعل الخيرات 5/بعض أحكام زكاة الفطر وآدابهااقتباس
إنَّ زحفَكم الميمون هذا، لَهُوَ دليلٌ واضحٌ على حُبِّكم للمسجد الأقصى المبارَك، وعلى إيمانكم بأنكم أنتم أيها الشعب الفلسطيني الصابر المرابط، في غزة هناك، حيث العزة، وحيث الشهادة، وحيث الجوع ينهش أطفالنا ونساءنا وأبناء شعبنا، فلا حول ولا قوةَ إلَّا باللهِ، ربِّ رمضانَ، وربِّ أشهُرِ السنةِ كلِّها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، أنزَل القرآنَ في شهر رمضان، فقال جلَّ مِنْ قائلٍ: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[الْبَقَرَةِ: 185]، واختصَّ اللهُ -تعالى- من هذا الشهرِ المباركِ ليلةً طيبةً مبارَكةً، ابتدأ فيها نزولَ هذا القرآن الكريم، فقال سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)[الدُّخَانِ: 3]، وقال جلَّ ذِكْرُه: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ)[الْقَدْرِ: 1]، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا، وشفيعنا وقدوتنا وأسوتنا، محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واستن سنتهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والصائمين القائمين، في المسجد الأقصى المبارَك، وفي سائر أرض فلسطين، وفي كل ديار المسلمين.
وبعدُ، أيها المسلمون، أيها الصائمون، أيها الزاحفون إلى المسجد الأقصى المبارَك: إنَّ زحفَكم الميمون هذا، لَهُوَ دليلٌ واضحٌ على حُبِّكم للمسجد الأقصى المبارَك، وعلى إيمانكم بأنكم أنتم أيها الشعب الفلسطيني الصابر المرابط، في غزة هناك، حيث العزة، وحيث الشهادة، وحيث الجوع ينهش أطفالنا ونساءنا وأبناء شعبنا، فلا حول ولا قوةَ إلَّا باللهِ، ربِّ رمضانَ، وربِّ أشهُرِ السنةِ كلِّها، وربِّ العالمينَ جميعًا، نقول لكم -أيها الصابرون المرابطون- في غزة: صبرًا أيها الأحبابُ؛ فالله -سبحانه وتعالى- يبتلي المؤمنَ ليُخرِجَه من هذه الدنيا نظيفًا من الذنوب جميعها، فلكم أجر الثبات والرباط، ولكم أجر الصبر على المصائب كلها، وأنتم تزفون أبناءكم شهداء إلى المعالي والعلا، تضمدون الجراحات وتصبرون على كل الآلام، وتؤكدون للقريب والبعيد وللعدو والصديق بأنكم جديرون بأن تكونوا أهل هذه الديار المبارَكة، وأن تحققوا وصية حبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك".
نعم أنتم كذلك في عهدكم مع الله -تعالى-، ومع أمتكم، ومع مقدساتكم، فصبر جميل، والله -سبحانه وتعالى- المستعان، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: تشدُّون رحالكم في هذه الأيام المباركة، وهذه الليالي العظيمة، من ليالي شهر رمضان الذي شارَف أن يودعنا، وهذه الجمعة هي الجمعة الأخيرة من هذا الشهر المبارك، وهي خصوصية في الزمان والمكان والأشخاص، فهنيئًا لكم يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ، وأكناف بَيْت الْمَقدسِ، من أرض فلسطين الحبيبة الطاهرة المباركة، وأنتم تؤكدون بزحفهم هذا نحو قدسكم ونحو أقصاكم بأنكم أنتم حراسه الأوفياء، وسدنته الأوفياء، وأنتم من تعمرونه في كل الظروف، وفي جميع الأحوال والأوقات، رغم شدة العدوان، وقسوة العالم، لا بل تآمر هذا العالم وتواطؤه على كل ما يرتكب من جرائم بحق أبناء شعبنا الصابر المرابط، فلا حول ولا قوة إلَّا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: من علياء هذا المنبر الشريف، نترحَّم على أرواح شهدائنا الأبرار، ونزفهم -بإذن الله-تعالى-، إلى عليين، هناك في رحمة الله -سبحانه وتعالى-، وندعو لأسرانا البواسل الحرية بإذنه -تعالى-؛ ليعودوا إلى أبناء عائلاتهم، وإلى بيوتهم، وإلى مدنهم وقراهم ومخيماتهم، فصبرًا أيها الأبطال الكرام الأعزاء.
ومن علياء هذا المنبر ندعو الله -تعالى- الثبات لكل أبناء شعبنا، في كل أماكن تواجده، في غزة، وفي القدس، وفي كل القرى والمدن والقرى والأرياف والمخيمات الفلسطينية، وكذلك أيها الأحبابُ، نوجه التحية لكل أبناء هذا الشعب على صبرهم، ورباطهم، وإعمارهم للمسجد الأقصى المبارَك، رغم أنف الحاقدين، ورغم أنف المتربصين، يعلنون بغدوهم ورواحهم وصلواتهم أن المسجد الأقصى المبارَك للمسلمين وحدهم، لا يشاركهم فيه أحد، وكل ما يقال أن ينشر أو يذاع في وسائل الإعلام المعادية، عن مخططات تستهدف المسجد الأقصى المبارَك فهي فاشلة -بإذن الله-تعالى-، وهي بالتأكيد لن تفت في عزيمتكم، ولن تضعف رباطكم، ولن تغير نيتكم في الدفاع عن المسجد الأقصى وسائر المقدسات في هذه الأرض المبارَكة الطاهرة.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: هذا اليوم هو السادس والعشرون من شهر رمضان المبارَك، وكأننا على أبواب ليلة مباركة من لياليه؛ إنها ليلة السابع والعشرين، وهي ليلة كما ورد في القرآن الكريم احتمال أنَّها ليلة القدر المباركة، هذه الليلة التي شرفها الله وأعلى قدرها، فقد ورد في الآثار أن هذه الليلة ذات قدر، وأن هذا القرآن هو ذو قدر، وأن هذه الأمة هي أمة ذات قدر، وأن رسولها الأكرم -صلى الله عليه وسلم- هو رسول ذو قدر؛ ولذلك اجتمع في هذه الليلة الكريمة صفات عظيمة كبيرة؛ فيا فوز من وافقها، يحييها بالعبادة والطاعات، والذكر والصلوات، والابتهال إلى الله -تعالى- أن يفرج كرب المسلمين، وأن يجمع شملهم، وأن يوحد صفهم، وأن ينتصر للمستضعَفين في ديار الإسراء والمعراج، وما ذلك على الله بعزيز؛ (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الْحَجِّ: 40]، (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غَافِرٍ: 51].
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: سُئل النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- عن تحرِّي ليلة القدر، فقال: "تحرَّوْها في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ، وفي الوترِ من العشرِ الأواخرِ من رمضانَ"، فبقي عندنا من ليالي الوتر هذه الليلة؛ ليلة السابع والعشرين، وليلة التاسع والعشرين، قبل أن ينتهي شهر رمضان، فحاولوا -أيها الأحبابُ أيها الكرام، أيها الصائمون، أيها المُعَمِّرُونَ للمسجد الأقصى- أن تستغِلُّوا كل هذه اللحظاتِ المباركةَ، وهذه اللياليَ الكريمةَ، مبتهلينَ إلى الله -تعالى-، داعينَ المولى -عزَّ وجلَّ-، أن يجعلَ هذا الشهرَ الفضيلَ شهرَ رمضانَ، شهرَ عزةٍ ونصرٍ للمسلمينَ، ولأبناء فلسطين، وما ذلك على الله بعزيز.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: سألت سيدتنا عائشة -رضي الله عنها- حبيبَنا الأكرمَ -صلى الله عليه وسلم- قائلةً: "يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إِنْ أدركتُ ليلةَ القدرِ ماذا أقول؟"؛ ليقولَ لها الحبيبُ -صلى الله عليه وسلم-: "قُولِي: اللهُمَّ إنكَ عفوٌّ تُحِبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي".
اللهُمَّ إنك عفو تحب العفو فاعف عَنَّا يا كريم، اللهمَّ اغفر لنا وللمسلمين في المسجد الأقصى وفي كل ديار المسلمين، ونسألك يا ربَّ العالمينَ أن تتقبل صيامنا وقيامنا، وعباداتنا، وأذكارنا، وتسابيحنا، وتراويحنا، وكل فعل من الخير والقول والعمل، إنك يا مولانا على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وَصَلَّى الله على سيدنا محمد، وآله وأصحابه أجمعين، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحدَه، والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمدٍ لا نبيَّ بعدَه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وعلى من سار على نهجهم إلى يوم الدين.
وبعد، أيها المسلمون: سنُقيم صلاةَ الغائبِ على أرواح شهدائنا الأبرار بعد صلاة الجمعة مباشرةً.
ونقول لكم أيها الأحبابُ، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: إنَّ ربَّ رمضان هو في شهر رمضان، وهو في سائر الشهور والأيام والأعوام، فحافِظوا على توبة نصوح، تنجينا من عذاب الله -تعالى-، وحافظوا على شد الرحال إلى المسجد الأقصى لإعماره في جميع الظروف والأحوال والأيام والأوقات؛ لأنكم اليوم أنتم وأنتم الطليعة المتقدِّمة، نيابة عن كل أبناء الأمة الإسلاميَّة، في إعمار المسجد الأقصى، وشد الرحال إليه في جميع الظروف والأحوال والأوقات، ونقول كذلك أيها الأحبابُ، في فضيلة يوم الجمعة، وفضيلة شهر رمضان، وفضيلة الصيام، وفضيلة من شد الرحال إلى المسجد الأقصى، كل هذه الفضائل تجتمع لكم وأنتم في رحاب المسجد الأقصى، فاحرصوا على إحياء هذه الليلة الكريمة، من ليالي شهر رمضان الفرديَّة، عسى أن نوافق ليلة القدر فيها، التي تتنزل فيها الملائكة والروح، يسلمون على عباد الله الصالحين، ويطرحون عليهم التحية، ويخبرون الله -سبحانه وتعالى- وهو أعلم بما يخبرونه أنهم وجدوا عبادك ساجدين، راكعين، داعين، مبتهلين، إليك يا ربَّ العالمينَ.
واحرصوا -أيها الإخوة الأحباب- على نظافة المسجد الأقصى المبارَك والهدوء فيه وعدم الاختلاط بين الصفوف، أثناء صلوات العشاء والتراويح وإحياء هذه الليلة في التهجد.
كما نقول لكم الأحباب، ونُذكِّركم بإخراج صدقات الفطر، فصدقة الفطر لا يصح إخراجها بعد صلاة العيد، فاحرصوا من هذه الأيام الكريمة المباركة على إخراج زكاة أموالكم، وصدقات فطركم، وسائر الأعمال الخيرة؛ لأن ثواب الأعمال يتضاعف في شهر رمضان، كما نذكركم أيها الأحبابُ بأن موعد صلاة عيد الفطر في هذا العام ستكون في الساعة الخامسة وخمسين دقيقة من صباح يوم العيد حسب التوقيت الشتوي للمسجد الأقصى المبارَك.
تقبَّل اللهُ منا ومنكم الطاعاتِ، وتقبَّل صلاتَنا وصيامَنا وركوعَنا وسجودَنا، وجعلنا ممَّن يستمعون القولَ فيتبعون أحسَنَه.
اللهمَّ هيئ للمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّهم، ويَجمَع شملَهم، وينتصر لنا ولكل المظلومين، اللهُمَّ يا ربَّ العالمينَ، اجعل ديار الإسراء والمعراج وأبناء شعب الإسراء والمعراج في كفالتك يا ربَّ العالمينَ، اللهُمَّ احفظهم بحفظك الجميل، واكنفهم بكنفك العظيم، إنك يا مولانا على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وارحم المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات.
وأنتَ يا مقيمَ الصلاةِ: أقمِ الصلاةَ.
التعليقات