عناصر الخطبة
1/ معنى خشوع القلب في الصلاة 2/ أول ما يرفع الخشوع 3/ كيف نتخلص من الوساوس في الصلاةاهداف الخطبة
اقتباس
فإذا صليتَ -يا عبدَ الله- ووجدتَ في قلبك خضوعاً وإقبالاً على صلاتك، إذا صليتَ وأحسستَ في نفسك طمأنينةً وانشراحاً وسعادةً بصلاتك، إذا صليتَ ورأيت في فؤادك ذلاً وانكساراً وخشيةً في صلاتك، إذا صليتَ ووجدتَ تدبراً وفهماً وتأثراً بصلاتك، إذا صليتً وشعرت بالإجلال لله والمهابة والحياء منه، إذا وجدتَ ذلك كله فاحمد الله، واسأله أن يجعل ذلك من الخشوع بين يديه –عز وجل-، وداوم عليه.
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد:
أسأل الله العظيم أن يجعلني وإياكم ممن قال -جل وعلا- فيهم: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون: 1 : 3].
فإذا صليتَ -يا عبدَ الله- ووجدتَ في قلبك خضوعاً وإقبالاً على صلاتك، إذا صليتَ وأحسستَ في نفسك طمأنينةً وانشراحاً وسعادةً بصلاتك، إذا صليتَ ورأيت في فؤادك ذلاً وانكساراً وخشيةً في صلاتك، إذا صليتَ ووجدتَ تدبراً وفهماً وتأثراً بصلاتك، إذا صليتً وشعرت بالإجلال لله والمهابة والحياء منه، إذا وجدتَ ذلك كله فاحمد الله، واسأله أن يجعل ذلك من الخشوع بين يديه –عز وجل-، وداوم عليه.
إن الخشوع في الصلاة: طمأنينة في القلب، وإجلال في الفؤاد، وتعظيم في النفس، ومهابة وخشية بالجنان، يظهر أثرها على البدن والجوارح. وليس الخشوع مجرد سكون يبدو على الجوارح تصنعاً وتكلفاً والقلب غير خاشع.
يا أهل الصلاة: انظروا في مساجدنا، وابحثوا عمن تنطبق عليهم تلك الخصال، ابحثوا فيها عن الخاشعين، تجدون مصداق ما جاء في حديث عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ -رضي الله عنه-: "إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ؛ الخُشُوعُ، يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعًا". رواه الترمذي.
وفي رواية عند الطبراني عَن أبي الدرداء -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أوَّلُ شَيْءٍ يُرْفَعُ مِنْ هذِهِ الأمّةِ الْخُشُوع، حَتَّى لاَ تَرَى فِيها خاشِعاً".
فكن حريصاً -أخي الحبيب- على الخشوع في صلاتك، والسكينة فيها، والإقبال عليها، واجتهد في ذلك وجاهد نفسك، فإن المصلِّي ليس له من أجر صلاته إلا ما عقِلَه منها، روى الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لهُ إلاّ عُشْرُ صلاتِهِ، تُسْعُها، ثُمنها، سُبعُها، سُدسُها، خُمسُها، رُبعُها، ثُلثُها، نِصفُها". رواه أحمد وأبو داود.
عباد الله: إنا ندخل في صلاتنا مقبلين عليها، حريصين على تمامها، راغبين في كمالها، مجتهدين أن لا يضيع منها شيء، لكنه إذا كبَّر أحدنا تكبيرة الإحرام اشتغل قلبُهُ وفكره بأمور كثيرة، حتى إنه ليخرج من صلاته لا يدري ما صلى، ولا ما قرأ، فما سبب ذلك؟!
جاء في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَان وَلَهُ ضُرَاطٌ؛ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ؛ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى".
فالشيطان حريص أن لا يدَعنا نصلِّي صلاة كاملة خاشعة، فيأتي أحدنا فيشغله عن الصلاة بأمور بعيدة، فإن سَلَّم المصلِّي نفسه للشيطان سَلَبَه الشيطان صلاته، وضيَّعها عليه، وحَرَمَه من أجرها وثوابها، وإنْ العبدُ جَاهَدَه، واجتهد في إتمام صلاته وإكمالها، سَلِم له ما وَعَاه منها.
ولا يسلم من وسوسة الشيطان في الصلاة إمام ولا مأموم، ولا كبير ولا صغير، وكلنا يشكو من هذا البلاء، كيف تكون محاربته؟! وكيف نتخلص من تلك الوساوس؟!
عباد الله: قد شكى مما نشكو منه بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ -رضي الله عنه- إذ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ، فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا". قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَأَذْهَبَه اللَّهُ عَنِّي. رواه مسلم.
فعلينا -عباد الله- أن نعي خطر الوساوس في الصلاة، ولا نستسلم لها فيسرق الشيطان بها من صلاتنا، علينا أن نجاهده بالإقبال على صلاتنا بوعيٍ وإدراك، وطرد الأفكار والوساوس عنا، والدخول في الصلاة بحرصٍ وانتباه، حتى نحقق القدر الأكبر من الخشوع فيها، ونعالج وسواس الشيطان بالمجاهدة في طردها عنا، والاستعاذة بالله منها.
أسأل الله أن يتقبل منا جميعاً صلاتنا، وأن يجعلنا من الخاشعين: (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون: 11].
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده حمد العبد الفقير إليه، واشكره شكر الذليل بين يديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولا مثيل ولا شبيه له، خضعت له الأكوان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أدى أمانة ربه، وبلَّغ رسالته، ونَصَح لأُمَّتِه، فصلِّ اللهم وسلِّم عليه وعلى آله الكرام، وأزواجه الأطهار، وصحابته الأبرار، وإخوانه الذين اتبعوه بإحسان، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فانظر -أخي الحبيب- إلى حالنا لو دُعي أحدنا للمثول أمام عظيم من عظماء الدنيا أو أمير من أمرائها، أو ملك من ملوكها، كيف يكون تهيؤنا لملاقاته!! وكيف يكون حضورنا بين يديه!! وكيف يكون لقاؤنا به!! وكيف يكون حديثنا معه!!
وكن على يقين تامٍ -يا عبد الله- أنك إذا قمتَ للصلاة فإنك تقف بين يدي ملك الملوك، ربِّ العالمين، وتقابله -عز وجل- في كل يوم خمسَ مراتٍ في الفرائض التي افترضها، فقد جاء في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أحدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، وَإنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبيْنَ القِبلْةِ".
فانظر -يا عبد الله- كيف يكون وقوفك بين يدي الملك الجبار! العزيز المتعال، وانظر -أخي الحبيب- بم تناجي ربك؟! وبم تقف بين يديه؟! وكيف تخاطبه؟! وكيف تهيؤك للمثول بين يديه.
أحبتي: إذا صَدَقَ شعورنا بهَوْل الموْقِف، وصَدَق إحساسُنا بعظَمَة من نقف بين يديه، وصَدَق إقبالنا عليه -جلَّ وعلا-، لخَشَعَت له -عز وجل- قلوبُنا خوفاً وإجلالاً، وخَضَعت له أبدانُنا تعظيماً ومهابة، وسَكَنَت له جوارحنا رَهْبَة وخَشْيَة منه، وأقبلت إليه أفئدتنا حباً وَشَوْقاً إليه وتَزَلُّفاً.
فاقبِلوا -أحبتي- على ربكم ضارعين مخبتين، واخضعوا بين يديه، وادعوه بدعاء إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) [إبراهيم: 40 : 41].
التعليقات