عناصر الخطبة
1/اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بجوامع الكلم 2/أهمية النية قبل العمل 3/أساس صلاح العمل وفساده 4/وجوب معالجة النية والاهتمام بها 5/شروط قبول العمل الصالح 6/ أفضل ما يتقرَّب به العبد إلى الله تعالى.اقتباس
معالجة النية والاهتمام بها، أمر مهم جدًّا، كيف وعليها مدار صلاح العمل وفساده.. أخْلِصُوا لله الأعمال، فإنه لا يقبل منا إلا ما كان خالصًا، وابتُغِيَ به وجهه، فلنحتسب ثواب العمل دائمًا من الله وإن قلَّ، وليكن على ما شرعه لنا...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا نِعَمه، وجعل أُمّتنا خير أمة، فبعَث فينا رسولاً تلا علينا آياته، وعلَّمنا الكتاب والحكمة، أحمده -تعالى- على نِعَمه الكثيرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله للعالمين رحمة، وفرض عليه تبيين ما أنزل، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن الله -سبحانه وتعالى- بعث محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بجوامع الكلم، وخصَّه ببدائع الحِكَم، ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بُعثت بجوامع الكلم"؛ قَالَ النووي -رحمه الله-: "يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تُكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد وفي الأمرين".
وأخرج الإمام أحمد من حديث عمرو بن العاص، وفيه: قال -صلى الله عليه وسلم-: "أُوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه".
أيها المسلمون: إن من الكلمات الجامعة التي قالها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ بل التي عليها مدار الدين، ما رواه الشيخان عن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإن لكل امرئ ما نوى"، أي: فصلاح العمل وفساده بحسب النية، وثواب العامل على عمله بحسب نيته الصالحة، وعقابه عليه بحسب نيته الفاسدة.
فالنية نوع من القصد والإرادة، وقد يقصد بها التمييز بين العبادات، وقد يقصد بها تمييز المقصود بالعمل، وهل هو لله وحده لا شريك له أم لله وغيره؟ وجاء التعبير عن هذه النية في القرآن الكريم بلفظ الإرادة؛ قَالَ -تعالى-: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ)[سورة آل عمران:152]، وقال -تعالى-: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ)[سورة الأنفال:67].
وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنك لن تنفق نفقة تبغي بها وجه الله، إلا أُثِبْتَ عليها، حتى اللقمة تجعلها في فم امرأتك".
معشر المسلمين: إن معالجة النية والاهتمام بها، أمر مهم جدًّا، كيف وعليها مدار صلاح العمل وفساده، فعن سفيان الثوري -رحمه الله- قال: "ما عالجتُ شيئًا أشد عليَّ من نيتي لأنها تنقلب عليَّ"، وعن مطرف بن عبد الله؛ قَالَ: "صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية".
وقال الفضيل في قوله -تعالى-: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[سورة الملك:2]؛ قَالَ: "أخلصه وأصوبه"، وقال -رحمه الله-: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقْبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقْبَل، حتى يكون خالصًا صوابًا"؛ قَالَ: "والخالص إذا كان لله -عز وجل-، والصواب إذا كان على السُّنَّة"، وقد دلَّ على ذلك قول الله -عز وجل-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[سورة الكهف:110].
عباد الله: لقد تبيَّن لنا أن الأعمال بحسب النيات، وأن حظّ العامل من عمله نيته من خير أو شر، ولقد ضرب لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثلاً في حديث عمر من الأمثال التي صورتها واحدة، ويختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
فأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الهجرة تختلف باختلاف المقاصد والنيات، فمن هاجَر إلى دار الإسلام حبًّا لله ورسوله، ورغبةً في تعلُّم دين الإسلام، وإظهار دينه؛ حيث كان يعجز عنه في دار الشرك، فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله، ثم بيَّن -صلى الله عليه وسلم- من هاجر لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، وأن هجرته لذلك الشيء الذي أراده، الدنيا أو الزوجة فلا حظ له في ثواب المهاجرين إلى الله ورسوله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)[سورة البينة:5].
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله العفو الغفور، وفَّق من أرد هدايته لمحاسن الأمور، ومكاسب الأجور، فعملوا في حياتهم أعمالاً صالحة، يرجون بها تجارة لن تبور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العالم بالظواهر وما في الصدور.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى كل عمل مبرور، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى-، وأخْلِصُوا له الأعمال، فإنه لا يقبل منا إلا ما كان خالصًا، وابتُغِيَ به وجهه، فلنحتسب ثواب العمل دائمًا من الله وإن قلَّ، وليكن على ما شرعه لنا، وشرطه أن يكون خالصًا لله، وأن يكون صوابًا على سُنّة رسول الله.
عباد الله: إن من أفضل ما يتقرَّب به العبد إلى الله ما افترضه الله -تعالى- من الفرائض، فإذا تقرَّب بالفرائض والنوافل أحبَّه الله، ووضع له القبول في الأرض، وحينئذٍ يقع له التمييز في العمل، ويجد لذة الطاعة.
وفي الحديث القدسي وصَف لنا الربُّ -جل وعلا- حالة وليّه بعد بيان مقامه عنده: "وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته"؛ الحديث.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا أرحم الراحمين.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات