عناصر الخطبة
1/ الفرح برمضان والهدي النبوي في التبشير به 2/ من خصائص وفضائل شهر رمضان 3/ التهنئة بشهر رمضاناهداف الخطبة
اقتباس
حين يمنّ الله تعالى على المسلم فيعيش أيام هذا الشهر الكريم ولياليه؛ فإنه يجد شعوراً عجيباً يخالج قلبه، ويفيض على مشاعره بروحانية خاصة لا يجدها إلا في هذا الشهر الكريم، ويجد المسلم بردَها وجمالَها ولطائفَها في جوانب حياته كلِها، وهذه الروحانية تصحبه طوالَ هذا الشهر، وتلازم أيامَه كلَها ..
أحبتي: مشهد رمضان من المشاهد الحية في حياة المسلمين، وهذا من توفيق الله تعالى وفضله عليهم، فمشاهد الخير وأيام الطاعة إذا تحقق للمسلم شهودها وجب عليه أن يكون ممتنّاً بنعمة الله تعالى وفضله عليه.
أحبتي: إن فرحتنا بشهود هذا الشهر لا تعدلها فرحة، ومنَّةُ الله علينا ببلوغه أعظم مِنَّة، فشهر رمضان من المشاهد العظيمة في حياتنا، تغمرنا بلقياه عظيمُ الفرحة، ونسر ببلوغه غايةَ السرور، ونغتبطُ بمعايشته أعلى غبطة.
كيف لا تنتابنا تلك المشاعر ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يَعُدُّ شهودَ هذا الشهر من نعم الله العظيمة، يبشر به أصحابه -رضوان الله عليهم- عند قدومه، ويبين لهم ما خصه الله تعالى به من المكانة العظيمة.
فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ به فيقول: "قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" رواه أحمد وهو صحيح.
وفي الحديث الآخر: "إذا كان أَوَّلُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ وَمَرَدَةُ الجنِّ، وَغُلِّقَتْ أبوابُ النارِ فلم يُفْتَحْ منها بابٌ، وَفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغْلَقْ منها بابٌ، وَيُنَادِى مُنَادٍ كلَّ ليلةٍ: يا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، ويا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ. وللهِ عُتَقَاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ" رواه ابن ماجه، والترمذي، وابن حبان، والحاكم وغيرهم وصححه الألباني.
أيها الأحبة: هذه الخصائص التي ذكرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشهر لا تتوفر في غيره، وذلك لمزيد العناية بالعباد، ولإتاحة الفرصة لهم للترقي في منازل الكمال وحسن العمل؛ ولذلك يعتبر هذا الشهر غنيمة عظيمة، وفرصة لا تعوض، مَن حُرِمَ منها حُرم خيراً كثيراً.
الأولى: "فُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغْلَقْ منها بابٌ"، الجنة التي قال عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فيها مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ؛ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)".
أما أبوابها فثمانيةٌ كما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، تفتح هذه الأبواب ولا يغلق منها باب، وهي أبواب ضخمة، وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضخامة مصاريعها -وهي ذرفة الباب- بقوله: "وَمَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ عَامًا، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَإِنَّهُ لَكَظِيظٌ". أي ممتلئ.
نعم، تُفتح أبوابها الثَمَانِيَة في هذا الشهر المبارك فلا يغلق منها باب، تفتح أبوابها تقريباً للرحمة إلى العباد، تفتح أبوابها تنشيطاً للعاملين، وتحفيزاً لهم على مزيد العمل والصبر عليه، تفتح أبوابها احتفاء بهذا الشهر وما يكون فيه من الأعمال الصالحة، فهنيئاً لمن وفق للعمل الصالح، وهنيئاً لمن فاز بالقبول فكان من أهلها. جعلنا الله ووالدينا وأزواجنا وذريتنا منهم.
أيها الإخوة: الثانية من الخصائص: "وَغُلِّقَتْ أبوابُ النارِ فلم يُفْتَحْ منها بابٌ"، تغلق أبواب النار، وهي سبعة، كما قال الله -تعالى-: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) [الحجر:44].
النار، التي لما أُريها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي صلاة الكسوف، تكعكع، أي: تأخر ورجع إلى الوراء، وقال: "وَأُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ"؛ وذلك لما رأى بعضَها يحطمُ بعضاً، أي: يكسر بعضها بعضاً، ومنه: الحُطَمَة، وهي من أسماء النار؛ لأنها تحطم ما يلقى فيها.
هذه النار تغلق أبوابها في رمضان؛ لكثرة الخير فيه، وزيادة الإقبال على أسباب المغفرة والرضوان، تغلق أبوابها تقريباً للرحمة إلى العباد، وتنشيطاً للعاملين، وتحفيزاً لهم على مزيد من العمل والصبر عليه.
الثالثة من الخصائص: "وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ"، وفي الحديث الثاني: "صُفِّدَتِ الشياطينُ وَمَرَدَةُ الجنِّ"، وفي رواية: "وسُلْسِلَت الشياطين"، ومعنى قوله: "صُفِّدَتْ" أي: شُدَّت بالأصفاد، وهي الأغلال، وهو بمعنى سلسلت؛ فلا يصلون إلى ما يريدون من عباد الله الصالحين من الإضلال عن الحق والتثبيط عن الخير، وهذا من معونة الله لهم أن حبس عنهم عدوهم الذي يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير.
وقال شيخنا محمد العثيمين: ومن بركات هذا الشهر -وهي لم تزل مستمرة- أنه تصفد فيه الشياطين، أي: تُغَل؛ وذلك لأن الشياطين هم أعدى عدو للإنسان: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [سورة فاطر: الآية 6].
ولهذا تجد المؤمن في رمضان يزداد حبا ورغبة في الطاعة، وتجد عنده من الإنابة إلى الله -عز وجل- والتوبة إليه والخشوع مالا يكون في غير رمضان، كل هذا من آثار غَلِّ الشياطين، فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من قبل. اهـ.
ولما سئل -رحمه الله تعالى-: كيف يمكن التوفيق بين تصفيد الشياطين في رمضان ووقوع المعاصي من الناس؟ أجاب بقوله: المعاصي التي تقع في رمضان لا تنافي ما ثبت من أن الشياطين تصفد في رمضان، لأن تصفيدها لا يمنع من حركتِها، ولذلك جاء في الحديث: "تصفد فيه الشياطين، فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره"، وليس المراد أن الشياطين لا تتحرك أبداً، بل هي تتحرك، وتضل من تضل، ولكن عملها في رمضان ليس كعملها في غيره.
أيها الأحبة: كل هذه الخصائص التي اختص الله بها رمضان دون غيره من الشهور جعلها توطئة لهذا النداء الجميل المذكور بقوله: "وَيُنَادِى مُنَادٍ"، قيل: يحتمل أنه ملَك، أو المراد أنه يُلقي في قلوب من يريدُ اللهُ إقْبَالَهُ على الخير: "يا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، ويا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ"، قال الطيبي: أي يا طالب الثواب أَقْبِلْ هذا أوانك، فإنك تُعطى ثواباً كثيراً لعمل قليل، وذلك لشرف الشهر،
ويا من يسرع ويسعى في المعاصي تب وارجع إلى الله، فهذا أوان قبولِ التوبة.
أيها الإخوة: ثم يكرم الله من استجاب لهذا النداء وأتاح الفرصة المتكررة لعبادة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وللهِ عُتَقَاءُ من النارِ وذلك كلَّ ليلةٍ"، أي: ولله عتقاء كثيرون من النار، فلعلك تكون من زمرتهم، "وذلك"، أي: المذكور من النداء والعتق، "كل ليلة"، أي: في كل ليلة من ليالي رمضان. فحرِيٌّ بالمؤمن أن يحرص أن يكون ممــَّن يُعْتَقُ من النار، وذلك بحفظ يومه وليلته من المعاصي، وببذل الجهد بالتعبد لله -سبحانه- بما شرع من القيام، والتلاوة، وغيرها من الأعمال الصالحة.
ثم جعل الله فرصة كبرى لعباده، وهي ليلة القدر؛ لكنه أخفاها عنهم ليبذلوا الجهد في طلبها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ". وقد تقرر أنها في العشر الأواخر من رمضان، والمعنى أن العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
"من حُرم خيرها": المحروم: الممنوع، أي: مَن مُنع خيرها بأن لم يوفق لإحيائها والعبادة فيها "فقد حرم"، أي: منع الخير كله، وفيه مبالغة عظيمة. والمراد حرمان الثواب الكامل، أو الغفران الشامل الذي يفوز به القائم في إحياء ليلها. قال الطيبي: اتحد الشرط والجزاء دلالة على فخامة الجزاء، أي: فقد حرم خيراً لا يقدر قدره.
أسأل الله -تعالى- أن يوفقنا للعتق من النيران والفوز بليلة القدر، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله وآله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: حين يمنّ الله تعالى على المسلم فيعيش أيام هذا الشهر الكريم ولياليه؛ فإنه يجد شعوراً عجيباً يخالج قلبه، ويفيض على مشاعره بروحانية خاصة لا يجدها إلا في هذا الشهر الكريم، ويجد المسلم بردَها وجمالَها ولطائفَها في جوانب حياته كلِها، وهذه الروحانية تصحبه طوالَ هذا الشهر، وتلازم أيامَه كلَها.
لذلك -أيها الأحبة- دأب الناس على تبادل التهاني فيه بغبطة وسرور، ويزجي بعضهم بعضاً الدعوات المباركات يرجون قبولها وانتفاعَهم بها.
ولذلك؛ لما سئل الشيخ السعدي -رحمه الله- عن التهاني بشهر رمضان وغيره، أجاب بجواب طويل مؤصل ومفصل، مفاده: جواز الابتداء بالتهنئة، وبوجوب الإجابة على من بُدِئ بها بالجواب المناسب لأنها من العدل، ولأن ترك الإجابة يوغر الصدور، ويشوش الخواطر.
وحينما أرسل له تلميذه الشيخ عبدالله بن عقيل -رحمهما الله- خطاباً في أوائل شهر رمضان، وضمنه التهنئة بالشهر الكريم، رد عليه الشيخ عبد الرحمن -رحمه الله- الجواب فقال: في أسر الساعات وصلني كتابك فتَلَوْتُهُ مسروراً بما فيه من التهنئة بهذا الشهر، نرجو الله أن يجعل لنا ولكم من خيره أوفر الحظ والنصيب، وأن يعيده عليكم أعواماً عديدة مصحوبة بكل خير من الله وصلاح. اهـ. وهذا تأكيدٌ لفتواه.
وأقول لكم أيها الأحبة: هنيئاً لكم بلوغ هذا الشهر، هنيئاً لكم بلوغ هذا الشهر، وأسأل الله أن يجعل لنا ولكم من خيره أوفر الحظ والنصيب، وأن يعيده عليكم أعواماً عديدة مصحوبة بكل خير من الله وصلاح.
اللهم كما مننت علينا ببلوغه مُنَّ علينا بتمامه وقبوله...
التعليقات