عناصر الخطبة
1/ صراع أهل الخير والشر على المرأة وقدمه 2/ حرص الإسلام وأهله على طهارة المجتمع ونقائه وبعض صور ذلك 3/ حرص المفسدين على إفساد المرأة وبعض مجالات ذلك 4/ أهداف ومقاصد المنادين باختلاط المرأة بالرجال 5/ ثبات المرأة وتمسكها بدينها رغم الهجمة الشرسة عليها 6/ وسائل حفظ المجتمع وصيانته من أصحاب الشهوات
اهداف الخطبة

اقتباس

إن إضعاف أي مجتمع, سيكون عبر بوابة إفساده، وإلهائه بالشهوات, وإن بوابة المرأة كانت المدخل لإشاعة الفحشاء في كثير من بلاد الإسلام, بل إن المرأة الكافرة في بلاد الغرب كانت إلى ما قبل قرنين من الزمان محتشمة بلباسها, وانظر في الصور القديمة لنساء الغرب تجد ذلك, حتى...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

يظل الصراع بين الخير والشر أزلي ما بقيا, والموفق من كان في زمرة أهل الخير، لا في حيز الشر, والله بحكمته ورحمته شرع للعباد ما يصلح أمرهم, وتستقيم به حياتهم, ولكن بعض العباد يعارض أمر ربه, ويريد ما يبغضه.

 

ومن حلبات الصراع ومجالات النزاع بين أهل الشر والخير منذ القدم: قضية المرأة وتوابعها, فأهل الشر يريدون ما يخالف شرع الله, وأهل الخير يريدون البقاء على تعاليم دين الله, وفي القرآن آية تفصل النزاع: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27].

 

قال ابن جرير عن تفسيرها: "معنى ذلك، ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم أن تميلوا ميلاً عظيماً عن الحق، وعما أذن الله لكم فيه، فتجوروا عن طاعته إلى معصيته، وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسكم فيما حرم الله وترك طاعته.

 

ولعمري إنها لآية تحكي واقعاً, وترسم لنا حقيقة النزاع بين الدعاة إلى الفضيلة، والدعاة إلى الرذيلة.

 

هما مرادان, مراد إلهي رباني, ومراد من أرباب الشهوات, فالله يريد العفاف والحياء, يريد الستر والطهر, يريد من المجتمع أن يبقى نقياً سليماً, قوياً على طاعة مولاه, منتصراً على هواه, ولذا شرع كل ما من شأنه أن يلجم الشهوات الآثمة، والنزوات المحرمة, وأطلق العنان في المباح, وما ذاك إلا لأنه العليم -سبحانه- بما يجره انفلات زمام الشهوة من ويلات.

 

وانظر في أوامر الله توقن أن المجتمع حين يطبقها يسعد أفراده, وتستقيم حياته, ليس في الآخرة فحسب, بل وتستقيم معيشته في الدنيا كذلك.

 

فحرم الله الخلوة بالمرأة الأجنية, ونهى عن سفر المرأة بلا محرم, ومنع من النظر للأجنبية, وأمر بغض البصر عنها, ونهى عن خضوع المرأة بالقول للرجال, وقال: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) [الأحزاب: 32].

 

بل ونهى المرأة حتى عن الضرب بالأرجل عند المشي، وإن كان ذلك جائزاً في نفسه، وإنما لئلا يكون سبباً إلى سماع الرجال صوت الخلخال، فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن.

 

ولأن الله يريد لنا الستر والفضيلة, نهى عن مصافحة المرأة للرجل الأجنبي عنها, وقال صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ".

 

ولأن ربنا يريد لنا الطهر أمر النساء بالقرار في البيوت، وعدم مخالطة الرجال، فقال: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب: 33].

 

وقال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة الله وهي في قعر بيتها" [رواه الترمذي].

 

وانبنى على كل ذلك أن كل وسيلة تفضي إلى الزنا والافتتان بالنساء فهي حرام؛ لأن الوسيلة لها حكم المقاصد.

 

كل هذا السياج شرعه الله ورسوله, لكي يبقى للمجتمع طهره ونقاءه, وتظلَ حشمته ولا يتهتكَ حياءه, وجِماعه أن الله يريد أن يتوب علينا, وتبقى الفضيلة لدينا.

 

ولكن ذلك لم ولن يعجبَ الذين يتبعون الشهوات, الذين همّهم أن يطلقوا الغرائز من كل عقالٍ ديني, أو أخلاقي, أو اجتماعي.

 

يريدون أن يميل الناس ميلاً عظيماً -كما عبر القرآن- حين تثارُ الشهوات بلا ضابط, ويهتكُ السياج الذي جعله الله, بحجة حرية المرأة تارة, وبحجة نبذ التقاليد تارة, وبحجة المساواة بين الرجل والمرأة تارة, وبهذه الحجج الثلاث كم روجوا لمنكر, وكم سعوا لإحلال محرم, ويجمع ذلك ويختصره قول الله: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27].

 

وهل ثمة ميلٌ أعظمَ من أن تتشبه المجتمعات المسلمة بالمجتمعات الكافرة؟! وهذا ما يريده الذين يتبعون الشهوات.

 

وهنا, فكم نسمع بين الفينة والأخرى الدعوةَ إلى خلع الحجاب, والتخلصِ من الجلباب, ونرى تهميش دور المرأة في بيتها والسعيَ الحثيث إلى جرّها لتخالط الرجال, في كل مجال؟

 

ونرى الدعوة كما يقال إلى دمجها في جميع مجالات التنمية, وتلك كلمة لها ما ورائها, نراهم يدعون إلى مشاركتها في الاجتماعات، واللجان، والمؤتمرات، والندوات مع الرجال, ونرى الدعوة للتساهل في أمر المَحرم, وجعلِ اشتراطه تخلفاً وانتقاصاً للمرأة، وسوءَ ظنٍ بها, ونرى المطالبة بفتح أبواب الرياضة النسائية, وإيجاد فرق نسائية, وفتح المدرجات للنساء, وتلميع كل من خرجت عن الطوق, وجعلِها مضرب المثل ورافعة لواء التقدم.

 

وأما في مجال التعليم، فلم تفتأ دعوات البعض من هؤلاء إلى المطالبة بالتعليم المختلط, بحجج متعددة, مع أن العالم من حولنا بدأت دراساته تصدر، وتقول: بأن ذلك طريق خاطئ تربوياً وأخلاقياً, وأن أنجح طرق التعلم ما كان الذكر فيها بعيداً عن الأنثى, لكن الذين يتبعون الشهوات لا يعنيهم ذلك؛ لأنهم لا يهمهم تقدم بقدر ما يهمهم إمالة المجتمع عن أوامر ربه.

 

كل هذه الأمور مما تراه أو تسمعه منهم بيّنه لنا ربنا في القرآن, ويبقى القول: ما مراد هؤلاء القوم بهذه الجهود؟ وما الذي يجعلهم يستميتون في إقرار الفحشاء, وإشاعة الاختلاط؟

 

إن إضعاف أي مجتمع, سيكون عبر بوابة إفساده، وإلهائه بالشهوات, وإن بوابة المرأة كانت المدخل لإشاعة الفحشاء في كثير من بلاد الإسلام, بل إن المرأة الكافرة في بلاد الغرب كانت إلى ما قبل قرنين من الزمان محتشمة بلباسها, وانظر في الصور القديمة لنساء الغرب تجد ذلك, حتى جاء اليهود في زمن الثورة الفرنسية قبل قرابة القرنين, وأرادوا إشاعة الفحشاء وإفساد المرأة، فكانت البدايات بالمطالبة بإشراك المرأة في المجالس والانتخابات, وخلط الذكور بالإناث في التعليم, وحينما هب عقلاء النصارى لمنع ذلك, ظل الإعلام الذي كان بيد اليهود يَسِمُ من عارض هذا بأنهم ضد المرأة, وهو مصطلح يهودي أشيع من قبل اليهود لتمرير مخططهم لإفساد المجتمع من قبل المرأة, فوقعت المنكرات والزنا وتعالت صيحات الغيورين هناك, ولكن بعد فوات الأوان.

 

ومنذ ذلك الحين وأعداء الدين يريدون الكيد للمسلمين, وأَخَذ هذا عنهم قومٌ من بني الإسلام, بحجة جلب التقدم تارة, وبحجة نبذ التقاليد تارة, وبحجة الحرية والتحرر تارات, تأثر انبهر هؤلاء  بالغرب, فأخذوا أسوأ ما عندهم وهو الانحلال الأخلاقي والانفلات الاجتماعي, وتركوا التقدم التقني والمعرفي, وقد نجح أعداء الإسلام في جعل هؤلاء أبواقاً له لإضعاف الأمة, وإشاعة الفحشاء في بلاد المسلمين كما شاعت في بلاد الكفار.

 

صار هؤلاء مرادهم إطلاقَ الزِمام للشهوات المحرمة.

 

مرادهم أن تحذوا الأمة حذو أمم الكافرين، وأن يبتعد الناس عن شرع رب العالمين, ليحدث الميل العظيم الذي ذكره الله.

 

مراد أهل الشهوات أن يخلع الحجاب, وإذا خُلع الحجاب عن الوجه، فلا تسأل عن انكسار عيون أهل الغيرة، وتقلص ظلِّ الفضيلة، وانتشار الرذيلة، والتحلل من الدين، وشيوع التبرج، والسفور والتهتك.

 

جُلّ حديث هؤلاء في الصحف والإعلام عن قضية الاختلاط والمرأة، وما دار في فلكها, لا يتفأون يتحدثون في هذه الأمور, ويتلونون في العبارات, وإذا قالوا ربما أعجب البعض قولهم, وصدق الله فيهم: (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة: 47]، خيب الله مساعيهم.

 

إذا تحدثوا قالوا لم الشك؟ ولم التخوف من المرأة؟ ها هي بنت البلد خرجت بالأمس في مدرجات الكرة في لندن, وما سمعنا أن أحداً تحرش بها, ولا أن أحداً تهجم عليها, -وكأن القضية أنه  لا يحدث تحرش فقط-.

 

ثم يقولون: كيف سينظر الغرب إلينا ونحن ما زلنا نمنع المرأة من حقوقها, فلا مباراةً تحضر, ولا سيارة تقود, ولا في رياضة تشارك, ولا مناصب قيادة تتسنم؟ لحنُ قول أريد به باطل, فما أراد القوم إلا شهواتهم.

 

وإن المرء ليتساءل: أذكور اليوم المنادين بالاختلاط أتقى وأدين؟ أم رجال الصحابة الذين يبقون في المسجد حتى تصل النساء لبيوتهن؟! أذكور اليوم أدين أم أولئك القوم الذين أمر رجالهم إذا طلبوا حاجة أن يطلبوها من وراء حجاب؟ أذكور اليوم أورع أم أولئك الرعيل الذين تؤمر نساؤهم بلزوم حافات الطريق عند المرور بالرجال, وأمروا حتى في أوان العبادة في الصلاة بأن تكون النساء في آخر المسجد والرجال في أوله كي لا تحصل المقاربة؟ أذكور اليوم أطهر أم أولئكم الجيل الذين قالوا: لا تخلون بامرأة ولو كنت تعلمها القرآن؟

 

لا سواء, لكنه الهوى, ولبس الحق بالباطل.

 

ومع كل هذا الجهد ظلت المرأة في هذه البلاد صامدة بحجابها, متمسكة بعفتها, وبرغم ضراوة الهجمة ضد مظاهر الحشمة، فالخير في نسائنا كبير, وما كسبه متبعوا الشهوات بالنسبة لتخطيطهم قليل, وإننا وإن كنا سمعنا عما يسوء في حدث الأسبوع الجاري من خروج نساء سافرات في مبارة, وذاك نذير شر إن لم يتدارك, ويؤخذ على يد من جرأ له وجر, إلا أن في المجتمع الخير الكبير, وما زالت نساء هذا البلد ينبذن السفور, ويحاربن المنكر والشرور, وذاك أمر يحتاج تعاهداً من كل مصلح, وغرساً من كل أب وولي.

 

نسأل الله أن يحمي بلادنا ونسائنا ونساء المسلمين من كل شر وسوء.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده...

 

وبعد:

 

معشر الكرام: أمام المكر الكبار الذي ينادي به متبعوا الشهوات في الليل والنهار، فإن من واجب الجميع القيام بالدور، ليُرأب الصدع, ويُغلق الباب, ويتَعاون الجميع على إحلال الطهر في المجتمع, ومحاربة خطى الذين يريدون إشاعة الشهوات.

 

إنه لا بد أن يشهر أننا إذ نحارب الاختلاط، فإنما بهذا نسعى للحفاظ على أمن المجتمعات, أما إرهابيوا الفكر الشهواني فهم الذين يجرون المجتمع للفجور والفحش, واسمع لمقالة ابن القيم -رحمه الله- إذ يقول: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.

 

وقال: فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعاً لذلك.

 

انتهى كلام من خبر أسباب هلاك الأمم، وأعطاك خلاصة ذلك, فما ذا عسانا سنفعل؟

 

عباد الله: إن تحصين البيت ذكورِه وإناثه ضد هذه الشرور, أمر من أهم الأمور, والأبناء والبنات عليهم الرهان.

 

أيها الولي: أبناءك وبناتك أمانة في عنقك, وكما أن عليك أن تقيهم من الغلو وأفكاره, فمهم أيضاً أن تغرس في نفوسهم الفضيلة والبعد عن دروب متبعي الشهوات.

 

لتغرس -أيها الولي- في نفوسهم الانقياد لأمر الله وإن خالف الهوى, جميلٌ أن يعملوا بما أمر الله, وأجمل من ذلك أن نطلعهم على حكمة الله في ذلك, ليكون أداؤهم برضا وتسليم, هل جلست من بناتك يوماً وحدثتهن لماذا أمر الله بالحجاب؟ ولم تمنع المرأة من مخالطة الرجال؟ ولم يؤمر الذكر والأنثى بغض الأبصار؟ وما الحكمة من  مباعدة المرأة عن الرجال؟

 

وإننا حين نرى من تخلع جلبابها بمجرد مجازوتها حدود البلاد, فإنما ذلك لأن الأمر لديها صار عادة, والحق أنه عبادة وقربة, فمن استشعرت ذلك تمسكت به.

 

ومع تعدد وتنوع سائل نقل صور المرأة المتبرجة في بلاد الغرب أو غيرها, فمهم -أيها الولي- أيما مهم أن نذكر الجيل بالقدوات النسائية الرائعة, وأن ما تراه من صور لهذه المجتمعات, ما هو إلا انتكاس للفطرة السوية, وسير في طريق الشيطان, وأن الأمر إن شق ففي طاعة الله ورسوله الخير كله, وأن الحجاب إن أتعب فهو بوابة لرضا الرب, وسلم لنيل الجنة.

 

عباد الله: ويبقى دعاء الله أن يحفظ المسلمين من شرور المفسدين, ومن رغبات المنافقين, وأن يرد كيدهم في نحورهم, أمرٌ من آكد الأمور.

 

وبعد -يا كرام-: فعزة الإسلام وتقدم المسلمين، لن يتحققا إلا بما كان عليه الرعيل الأول, الذين نصرهم الله وأعزهم حين تمسكوا بدينهم, وتجمل بالطهر رجالهم, وتحلت بالحشمة نساؤهم, وتعلق القوم بربهم, وحين تحلّ الفضيلة والعفاف في قوم  فهم إلى خير, وحين تشيع الفحشاء في قومٍ فهم إلى الذل والخسران أقرب.

 

 

المرفقات
الميل العظيم.doc
التعليقات
زائر
17-06-2022

شكرا

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life