عناصر الخطبة
1/حقيقة الميزان 2/مما يوضع في الميزان 3/ما يثقل الميزان 4/الناجي من الميزان 5/أثر صغار الطاعات وصغار المعاصياقتباس
والطَّرِيْقُ لِلْتَّخَلُّصِ مِنْ جَمِيْعِ الشُّرُوْر: أَنْ يُعَلِّقَ الإِنْسَانُ قَلْبَهُ بِرَبِّ البَرِيَّة، وَيَسْتَعْمِلَ الأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّة، وَيَبْتَعِدَ عَنِ الأُمُوْرِ المُحَرَّمَةِ وَالشِّرْكِيَّة...
الْخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)[البقرة:281].
عِبَادَ الله: إِنَّهُ وَقْتُ الحَقِيْقَة، وَإِعْلانُ النَّتِيْجَة: إِنَّهُ مِيْزَانُ الأَعْمَال، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ؛ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا: عِنْدَ الْمِيزَانِ: حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَوْ يَثْقُلُ؟ وَعِنْدَ الْكِتَابِ: حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ؟ وَعِنْدَ الصِّرَاطِ: إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ!"(رواه أبو داود).
وَمَنْ ثَقُلَ مِيْزَانُهُ فَقَدْ أَفْلَحَ وأَنْجَحَ، وَمَنْ خَفَّ مِيْزَانُهُ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، قال تعالى: (والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)[المؤمنون:102-103].
وَمِيْزَانُ الآخِرَة مِيْزَانٌ حَقِيْقِيٌّ، لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَان، تُوْزَنُ بِهِ أَعْمَالُ العِبَاد، وَهُوَ مِيْزَانٌ عَظِيم، لا يَعْلَمُ قَدْرَهُ إِلَّا الله.
وَأَعْظَمُ مَا يُوْضَعُ في المِيْزَانِ تَوْحِيْدُ الرَّحْمَن؛ فَفِي الحَدِيث: أنَّ رَجُلًا يَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ، (ثم) تَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ؛ فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ (رواه الترمذي، وصحّحه الألباني).
وَذِكْرُ الرَّحْمَن يَمْلأُ المِيْزَان، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ"(رواه البخاري). وَفِي الحَدِيْثِ الآخَر: "بَخٍ بَخٍ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ بِخَمْسٍ- مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَر،ُ وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ؛ فَيَحْتَسِبُهُ!"(رواه ابن حبان، وصحّحه الألباني).
وَالأَخْلاقُ الحِسَان مِنْ أَثْقَلِ مَا يُوْضَعُ في المِيْزَان! يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ؛ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ"(رواه الترمذي، وصحّحه الألباني).
وَمِعْيَارُ المُفَاضَلَةِ في مِيْزَانِ الآخِرَةِ بِحَسَبِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَلَيْسَ بِالمَظَاهِرِ الخَادِعَةِ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ! اقْرَءُوا: (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)[الكهف:105]"(رواه البخاري).
وَيَثْقُلُ المِيْزَانُ بِكَثْرَةِ الحَسَنَاتِ، والمُسَارَعَةِ في الخَيْرَات، وَلَيْسَ بِكَثْرَةِ الأَمْوَالِ، وَلَا بِضَخَامَةِ الأَبْدَان؛ فَقَدْ كانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ! فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مِمَّ تَضْحَكُونَ؟"، قالوا: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ!"، فقال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ"(رواه أحمد).
وَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ؛ فَمَنْ تَحَمَّلَ ثِقَلَ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ثَقُلَ مِيزَانُهُ في الآخِرَة، وَمَنْ خَفَّ عَلَيْهِ البَاطِلُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، خَفَّ مِيزَانُه في الآخِرَة، قالَ بَعْضُ السَّلَف: "الْحَسَنَةُ حَضَرَتْ مَرَارَتُهَا، وَغَابَتْ حَلَاوَتُهَا، فَثَقُلَتْ، وَالسَّيِّئَةُ حَضَرَتْ حَلَاوَتُهَا، وَغَابَتْ مَرَارَتُهَا؛ فَلِذَلِكَ خَفَّتْ!".
وَلا يَنْجُو مِنْ خَطَرِ الْمِيزَانِ إِلَّا مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ في الدُّنْيَا، وَوَزَنَها بِمِيْزَانِ الشَّرْع، قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْه: "حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوْهَا قَبْلَ أَنْ تُوْزَنُوا، وَإِنَّما خَفَّ الحِسَابُ في الآخِرَةِ: على قَوْمٍ حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ في الدُّنْيا، وَثَقُلَتْ مَوَازِينُ قَوْمٍ في الآخِرَةِ: وَزَنُوا أَنْفُسَهُمْ في الدُّنْيا".
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.
عِبَادَ الله: الْمِيزَانُ يَثْقُلُ بِمِقْدَارِ حَبَّةٍ، وَيَخِفُّ بِمِقْدَارِ حَبَّةٍ، قالَ ابْنُ الجَوْزِيّ: "لَا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ حَسَنَةً، فَرُبّمَا ثَقَّلَتِ الْمِيزَان! وَلَا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ سَيِّئَة، فَرُبَّمَا خَفَّفَتِ الْمِيزَان! فَقَدِّمُوا لِلْمِيْزَان، بِلُزُوْمِ طَاعَةِ الرَّحْمَن". (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة:7-8].
اللَّهُمَّ ثَقِّلْ مَوَازِيْنَنَا، وَثَبِّتْ على الصِّرَاطِ أَقْدَامَنَا، وَاجْعَلِ الجَنَّةَ هِيَ دَارَنَا وَقَرَارَنَا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
التعليقات