عناصر الخطبة
1/عدالة وجمال الشريعة الإسلامية في قسمة المواريث 2/الآثار الحسنة لتقسيم المواريث بالعدل 3/بعض مظاهر الظلم في تقسيم المواريث 4/الآثار السيئة للظلم في تقسيم المواريث 5/الحث على حسن الوفاء والأداء في تقسيم المواريث

اقتباس

وَهَذَا الْغَرِيزَةُ الْجِبِلِّيَّةُ إِذَا أُهْمِلَتْ بَطَشَتْ وَبَغَتْ، وَإِذَا تَفَلَّتَتْ تَعَدَّتْ وَتَجَاوَزَتْ، وَمَتَى تُرِكَتِ الْغَرَائِزُ تَرْتَعُ فِي حَقٍّ وَبَاطِلٍ فَسَتَجْلِبُ لِصَاحِبِهَا وَيْلَاتِ الدُّنْيَا وَصَغَارَ الْآخِرَةِ؛ لِذَلِكَ صَوْنًا لِنَزَوَاتِ الْإِنْسَانِ وَإِحْجَامًا لِنَزَعَاتِهِ جَعَلَ اللَّهُ مَرَدَّ قِسْمَةِ الْمَالِ لَهُ، وَتَوَلَّى أَمْرَ... 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ أَنْزَلَ عَلَيْنَا أَحْسَنَ كُتُبِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا أَفْضَلَ رُسُلِهِ، وَجَعَلَ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ أَجْمَلَ نِظَامٍ لِلْحَيَاةِ عَلَى الدَّوَامِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَقُّ الْعَدْلُ السَّلَامُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَيْرُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ، وَطَافَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَاجْتَنِبُوا مُخَالَفَتَهُ وَاحْذَرُوا مِنْ مَعْصِيَتِهِ؛ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]؛ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

 

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: مَا أَحْسَنَ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ! وَأَجْمَلَ نِظَامَهَا وَأَدَقَّ قَوَانِينَهَا وَأَقْوَى بُنْيَانَهَا!، لِأَنَّ الْمُشَرِّعَ فِيهَا لَطِيفٌ خَبِيرٌ، وَالْمُفَصِّلَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، وَكَوْنُهُ مَنْ خَلَقَ فَهُوَ أَعْرَفُ بِخَلْقِهِ وَنَوَازِعِهِمْ؛ (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الْمُلْكِ: 14]، وَلِأَنَّهُ رَبُّهُمْ فَهُوَ أَدْرَى بِنِقَاطِ ضَعْفِهِمْ وَمَدَاخِلِهِمْ؛ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)[التِّينِ: 8].

 

وَإِنَّ جَمَالَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ يَتَجَلَّى فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ، وَيَبْرُزُ فِي مَظَاهِرَ عَدِيدَةٍ، وَمِنْ أَجْمَلِ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ نِظَامُهَا فِي قَضِيَّةِ الْمِيرَاثِ، وَتَفْصِيلِ أَحْكَامِ التَّرِكَةِ وَأَسْهُمِهَا وَأَنْصِبَتِهَا وَتَحْدِيدِ أَشْخَاصِهِمْ؛ قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ...".

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لَقَدْ كَانَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ وَتَحْقِيقِهَا فِي وَاقِعِ الْبَشَرِ هُوَ مَبْدَأُ الْأُخُوَّةِ، وَالَّذِي يَعْنِي سَلَامَةَ الْقُلُوبِ وَوَحْدَةَ الصُّفُوفِ، وَبَسْطَ التَّآلُفِ وَالتَّآخِي بَيْنَ النَّاسِ، وَتَوْثِيقَ عَلَاقَاتِهِمُ الْمُجْتَمَعِيَّةِ وَتَقْوِيَةَ أَوَاصِرِهِمُ الْأُسَرِيَّةِ، وَهَذِهِ مِنَّةٌ امْتَنَّ اللَّهُ بِهَا عَلَى سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ؛ فَقَالَ -تَعَالَى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[آلِ عِمْرَانَ: 103]، وَبَيَّنَ رَسُولُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنَّ الْأُخُوَّةَ وَالْمَحَبَّةَ تُفْضِي إِلَى الْجَنَّةِ؛ قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا".

 

وَلِأَهَمِّيَّةِ هَذَا الْمَقْصِدِ الْعَظِيمِ حَرَصَتْ شَرِيعَتُنَا أَنْ تَسُدَّ كُلَّ طَرِيقٍ يُفْضِي لِتَقْطِيعِهِ وَتَفْكِيكِهِ، وَأَغْلَقَتْ كُلَّ مَنْفَذٍ يُؤَدِّي لِهَدْمِهِ وَزَعْزَعَتِهِ، وَمَنَعَتْ كُلَّ وَسِيلَةٍ تَتَصَادَمُ مَعَ هَذَا الرَّابِطِ الْقَوِيِّ وَالْبُنْيَانِ الْوَثِيقِ وَالنَّسِيجِ الْمَتِينِ، وَأَوْقَفَتْ مِعْوَلَ الْهَدْمِ الَّذِي يَصْدَعُ بِنَاءَهُ، وَيَتَسَبَّبُ فِي تَقْطِيعِ أَوَاصِرِهِ وَإِضْعَافِ قُوَاهُ؛ قَالَ رَبُّنَا -سَبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الْحُجُرَاتِ: 10].

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ أَهَمِّ عَوَامِلِ التَّكَافُلِ الْمُجْتَمَعِيِّ وَأَنْفَعِ وَسَائِلِهِ الْقِسْمَةُ الْعَادِلَةُ لِلْمِيرَاثِ، وَمَا يَصْحَبُهَا مِنْ تَسَامُحٍ وَتَنَازُلٍ، وَكَذَا إِذَا تَخَلَّلَهَا جَبْرٌ لِلْخَوَاطِرِ وَمُرَاعَاةٌ لِلنُّفُوسِ مِنْ أُعْطِيَاتٍ حَسَنَةٍ وَهِبَاتٍ كَرِيمَةٍ لِمَنْ حَضَرَهَا مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ أَوْ نَصِيبٌ، مُهْتَدِيًا بِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)[النِّسَاءِ: 8]، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَجْبُرُ الْخَوَاطِرَ؛ فَعَلَى الْأَقَلِّ رَدٌّ جَمِيلٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ.

 

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ وَهُوَ يَعْلَمُ بِمَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ الْمَالِ وَغَرِيزَةِ التَّمَلُّكِ؛ فَهُوَ الْقَائِلُ: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)[الْفَجْرِ: 20]، وَهَذَا الْغَرِيزَةُ الْجِبِلِّيَّةُ إِذَا أُهْمِلَتْ بَطَشَتْ وَبَغَتْ، وَإِذَا تَفَلَّتَتْ تَعَدَّتْ وَتَجَاوَزَتْ، وَمَتَى تُرِكَتِ الْغَرَائِزُ تَرْتَعُ فِي حَقٍّ وَبَاطِلٍ فَسَتَجْلِبُ لِصَاحِبِهَا وَيْلَاتِ الدُّنْيَا وَصَغَارَ الْآخِرَةِ؛ لِذَلِكَ صَوْنًا لِنَزَوَاتِ الْإِنْسَانِ وَإِحْجَامًا لِنَزَعَاتِهِ جَعَلَ اللَّهُ مَرَدَّ قِسْمَةِ الْمَالِ لَهُ، وَتَوَلَّى أَمْرَ تَوْزِيعِهِ وَتَحْدِيدَ مُسْتَحِقِّيهِ وَمَعْرِفَةَ أَنْصِبَتِهِ وَأَسْهُمِهِ إِلَيْهِ؛ يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النِّسَاءِ: 11]؛ فَأَغْلَقَ الْبَابَ دُونَ الْبَشَرِ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ صَلَاحِيَةَ التَّحْدِيدِ؛ فَيَزِيدُ ظُلْمُهُمْ وَيَتَعَاظَمُ بَغْيُهُمْ زِيَادَةً عَلَى مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الضَّعْفِ وَالْجَهْلِ، وَفُطِرُوا عَلَيْهِ مِنَ الطَّمَعِ وَالْهَلَعِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي وَاقِعِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمَةِ وَالْمُتَتَبِّعَ لِأَحْوَالِهِمْ يَجِدُ تَجَاسُرًا عِنْدَ تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ وَفَرْطًا فِي التَّحَايُلِ فِيهَا وَذَلِكَ كَثِيرٌ وَمُخِيفٌ، وَقَدْ سَلَكُوا صُوَرًا عَدِيدَةً وَاتَّخَذُوا أَوْجُهًا مُتَنَوِّعَةً؛ فَمِنْ ذَلِكَ حِرْمَانُ الْمَرْأَةِ مِنْ حَقِّهَا فِي الْمِيرَاثِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ هَضْمُهَا مِنْهُ، وَمَا يَحْصُلُ فِي الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ الْيَوْمَ هُوَ تَرَاكُمَاتٌ جَاهِلِيَّةٌ وَمُخَلَّفَاتُ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ بِنِظَامِهِ الْعَدْلِ مُحَارِبًا هَذِهِ الْمُمَارَسَاتِ، وَمَانِعًا هَذِهِ التَّجَاوُزَاتِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا؛ فَقَالَ -تَعَالَى-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)[النِّسَاءِ: 11]، وَلَفْظُ الْأَوْلَادِ هُنَا يَشْمَلُ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ؛ وَقَالَ -تَعَالَى-: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)[النِّسَاءِ: 7]؛ فَبَيَّنَ الْمُشَرِّعُ الْحَكِيمُ أَحَقِّيَّةَ الْجَمِيعِ رِجَالًا وَنِسَاءً فِي التَّرِكَةِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا.

 

وَمِنْ ذَلِكَ؛ تَأْخِيرُ تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَعَدَمُ الْبَتِّ فِي تَوْزِيعِهَا، وَتَمْلِيكُ كُلِّ صَاحِبِ حَقٍّ حَقَّهُ، وَإِعْطَاءُ كُلِّ وَرِيثٍ نَصِيبَهُ، وَهَذَا شَائِعٌ بَيْنَ النَّاسِ وَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ سِوَى قَلِيلٍ، وَاسْتِئْثَارُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِالِانْتِفَاعِ بِالتَّرِكَةِ دُونَ بَقِيَّتِهِمْ أَكْلٌ لَهَا بِالْبَاطِلِ، وَهُوَ مِنَ الْغُلُولِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ صَاحِبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 161].

 

وَمِنَ الْمَظَاهِرِ السَّيِّئَةِ؛ أَنْ تُنَحَّى الْمَرْأَةُ مِنْ جَمِيلِ التَّرِكَةِ أَوْ نَفِيسِهِ؛ بِحُجَّةِ أَنَّهُ مِمَّا يَخُصُّ الرِّجَالَ كَالسِّلَاحِ مَثَلًا؛ بَيْنَمَا هُمْ يُشَارِكُونَهَا فِيمَا يَخُصُّهُنَّ مِنْ ذَهَبٍ مَثَلًا، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)[النِّسَاءِ: 7].

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّحَايُلِ؛ أَنْ يُخَصَّ الْكَبِيرُ بِشَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ زَايِدًا عَلَى نَصِيبِهِ، أَوْ يُخَصَّ بِالثَّمِينِ وَالنَّفِيسِ مِنْهَا؛ بِحُكْمِ كِبَرِ سِنِّهِ، أَوْ لِأَنَّهُ مِنَ الزَّوْجَةِ الْأُولَى أَوْ مِنَ الثَّانِيَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الشَّرْعِ حُجِّيَّةٌ.

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّحَايُلِ؛ إِخْفَاءُ بَعْضِ أَمْوَالِ الْمُوَرِّثِ وَعَدَمُ الْإِفْصَاحِ بِجَمِيعِهَا، أَوِ ادِّعَاءُ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَالًا مُعَيَّنًا لَهُ، مُسْتَدِلًّا بِمِلْكِيَّةِ ذَلِكَ بِأَوْرَاقٍ سَلِيمَةٍ لَا خِلَافَ عَلَيْهَا، لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ أَنَّ وُجُودَهَا بِاسْمِهِ لَا يَعْنِي مِلْكِيَّتَهُ لَهَا، بَلْ كُتِبَتْ بِاسْمِهِ لِحَاجَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ بِسَبَبِ ظُرُوفٍ مَا، وَإِلَّا فَهِيَ مِلْكُ الْمُورِّثِ.

 

وَمِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ؛ مَا يُسَمَّى بِالْمُزَارَعَةِ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ أَنْ يُعْطَى الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ مِنَ التَّرِكَةِ مَا يَعْمَلُونَ عَلَيْهِ وَيَسْتَفِيدُونَ مِنْهُ دُونَ تَمَلُّكٍ أَوْ قِسْمَةٍ، وَفِي الْغَالِبِ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لِهَذَا الْجُزْءِ مِنَ التَّرِكَةِ هُوَ أَقَلُّ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ تُسَاوِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُهَا وَلَيْسَ لَهُ أَحَقِّيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي بَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ مُنَاقَلَةٍ وَغَيْرِهَا، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ لَيْسَتْ سِوَى حِيلَةٍ لِإِسْكَاتِ صَاحِبِ الْحَقِّ عَنْ حَقِّهِ، أَوْ تَوْقِيفِهِ عَنِ الْمُطَالَبَةِ بِتَوْزِيعِ التَّرِكَةِ وَأَخْذِ نَصِيبِهِ مِنْهَا.

 

وَمِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ وَالتَّحَايُلِ فِي تَوْزِيعِ التَّرِكَةِ؛ أَنْ يُخَصَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِالْمَالِ الْبَعِيدِ الْقَاصِي أَوْ مَا لَيْسَ لَهُ مَرْدُودٌ وَمَقْبُولٌ أَوْ مَا عَلَيْهِ خِلَافَاتٌ أَوْ تَدُورُ حَوْلَهُ نِزَاعَاتٌ، أَوْ يُعْطَى الشَّيْخُ الْهَرِمُ الْبَالِيَ الرَّدِيءَ؛ بَيْنَمَا يَخُصُّ بَعْضَهُمْ مِنَ التَّرِكَةِ الْقَرِيبُ السَّهْلُ أَوْ مَا لَهُ مَرْدُودٌ كَبِيرٌ، أَوِ الْجَدِيدُ النَّافِعُ النَّفِيسُ.

 

وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ؛ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ، أَوِ الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، أَوْ بَيْعُ الْمَالِ وَهِبَتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَوْ طَلَاقُ الزَّوْجَةِ؛ كُلُّ ذَلِكَ بِقَصْدِ حِرْمَانِ الْوَرَثَةِ مِنْ نَصِيبِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا جَوْرٌ وَظُلْمٌ وَتَعَدٍّ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَرَغْمَ أَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ جَاءَتْ مُحَدِّدَةً الْوَرَثَةَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَنْصِبَتَهُمْ بِمَا لَا يَدَعُ مَجَالًا لِلشَّكِّ أَوْ يَتْرُكُ فُرْصَةً لِلتَّنَازُعِ؛ إِلَّا إِنَّهُ -لِلْأَسَفِ- لَا يَزَالُ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ مَنَاطِقِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ يُمَارِسُونَ هَذَا الظُّلْمَ وَيَتَوَارَثُونَ هَذَا التَّحَايُلَ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا لَهُمْ وَلَهُمُ السَّلَامَةَ وَالرِّزْقَ الْحَلَالَ وَالْهِدَايَةَ.

 

قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ، وَلِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ؛ وَبَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: قَضِيَّةُ الْمِيرَاثِ وَأَحْكَامُهُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ -تَعَالَى- الَّذِي تَوَعَّدَ الْجَائِرِينَ فِيهَا وَالْخَائِضِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ بِعَذَابِ النَّارِ وَالْخُلُودِ فِيهِ، وَوَعَدَ الْمُلْتَزِمِينَ حُدُودَهَا وَالضَّابِطِينَ تَشْرِيعَهَا بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ وَالْفَوْزِ الْمُبِينِ؛ يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)[النِّسَاءِ: 13-14].

 

مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ لَا شَكَّ أَنَّ أَيَّ مُخَالَفَةٍ شَرْعِيَّةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا آثَارٌ سَيِّئَةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْصِيَةَ ظُلْمِ الْوَرَثَةِ وَالتَّحَايُلِ عَلَيْهِمْ فِيهَا يُعَرِّضُ الْمُجْتَرِئَ عَلَيْهَا لِهَذِهِ الْآثَارِ وَالْمَخَاطِرِ؛ وَلَعَلَّ مِنْ أَسْوَئِهَا أَنْ يُعَرِّضَ الْمُتَحَايِلُ نَفْسَهُ لِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ؛ كَمَا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ.

وَمِنْ آثَارِهَا السَّيِّئَةِ؛ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ؛ فَقَهْرُ صَاحِبِ الْحَقِّ وَالتَّحَايُلُ عَلَيْهِ وَحِرْمَانُهُ حَقَّهُ وَنَصِيبَهُ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ، يُعَرِّضُ مُرْتَكِبَ ذَلِكَ لِنَفْسِ النَّتِيجَةِ مِنْ حِرْمَانِ وَقَهْرِ وَظُلْمِ الْآخَرِينَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةِ السَّيِّئَةِ فِي الْآخِرَةِ، إِنْ لَمْ يَتُبْ وَيَتَحَلَّلْ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ.

 

وَمِنْ مَخَاطِرِ ذَلِكَ؛ أَنَّ الْمُتَحَايِلَ قَدْ تَسَبَّبَ فِي قَطْعِ الْعَلَاقَاتِ الْأُسَرِيَّةِ وَخَلْقِ الْعَدَاوَاتِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ؛ فَوَلَّدَ الْفِتْنَةَ وَقَطِيعَةَ الْأَرْحَامِ، وَبَثَّ رُوحَ الْكَرَاهِيَةِ وَالشَّحْنَاءِ بَيْنَ الْأُسْرَةِ الْوَاحِدَةِ، وَهَذَا -بِدَوْرِهِ- يَهْدِمُ مَقْصِدًا مِنْ مَقَاصِدِ الدِّينِ؛ وَهُوَ الْأُخُوَّةُ.

 

وَمِنْ شُؤْمِهَا؛ أَنَّ مَانِعَ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ وَالْمُتَحَايِلَ عَلَيْهِمْ يَتَسَبَّبُ فِي إِفْقَارِهِمْ وَعَوَزِهِمْ؛ مِمَّا يَجْعَلُهُمْ عُرْضَةً لِلْفَقْرِ أَوِ الْهِجْرَةِ، أَوْ يُحْوِجُهُمْ لِلسُّؤَالِ وَتَكَفُّفِ النَّاسِ، وَرُبَّمَا عَرَّضَهُمْ ذَلِكَ لِلِابْتِزَازِ وَالتَّحَرُّشِ.

 

وَمِنْ مَخَاطِرِهَا؛ إِرْهَاقُ الْمَحَاكِمِ الْقَضَائِيَّةِ وَالْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ وَالْأَهْلِيَّةِ لِلْفَصْلِ فِيهَا، وَبِرَغْمِ وُضُوحِهَا وَبَيَانِهَا؛ إِلَّا إِنَّ جَشَعَ الْمُسْتَأْثِرِ وَطَمَعَ الْمُتَحَايِلِ تَسَبَّبَ فِي جَعْلِهَا خُصُومَاتٍ وَمُنَازَعَاتٍ رُفِعَتْ لِتِلْكَ الْجِهَاتِ فَانْشَغَلُوا بِهَا.

 

وَمِنْهَا؛ أَنَّ حِرْمَانَ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالتَّحَايُلَ عَلَيْهِمْ، يَتَسَبَّبُ -فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ- فِي نُشُوبِ الِاقْتِتَالِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ؛ فَتُزْهَقُ أَرْوَاحٌ، وَتَسِيلُ دِمَاءٌ، وَبَعْضُهَا يُفْضِي إِلَى السُّجُونِ، وَلَا تَسْأَلْ عَنْ تَبِعَاتِ ذَلِكَ!

 

عِبَادَ اللَّهِ: لِلظُّلْمِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَاسْتِئْثَارِ بَعْضِهِمْ وَتَحَايُلِهِمْ بَوَاعِثُ كَثِيرَةٌ وَمُسَوِّغَاتٌ؛ مِنْهَا حُبُّ الدُّنْيَا، وَالطَّمَعُ فِي جَمْعِهَا، مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ سَلَامَةِ مَوَارِدِ ذَلِكَ الْمَالِ وَصِحَّةِ مَصَادِرِهِ؛ فَلَا يَهُمُّهُ جَمْعُهُ مِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ، وَهَذِهِ -لَعَمْرُ اللَّهِ- الرَّزِيَّةُ.

 

وَمِنْ أَسْبَابِ ظُلْمِ الْوَرَثَةِ وَالتَّحَايُلِ عَلَيْهِمْ؛ دَنَاءَةُ النَّفْسِ وَخِسَّتُهَا وَسُقُوطُهَا وَطَمَعُهَا وَقَسْوَةُ الْقَلْبِ وَشِدَّتُهُ؛ فَمَنْ يَمْلِكُ نَفْسًا زَكِيَّةً وَقَلْبًا تَقِيًّا وَخُلُقًا رَفِيعًا لَا يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يَكْسِرَ قَلْبًا أَوْ يَمْنَعَ وَارِثًا حَقًّا وَخُصُوصًا الْوَرَثَةَ، وَبِالْأَخَصِّ الضَّعِيفَانِ، اللَّذَانِ حَرَّجَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَقَّهُمَا؛ فَقَالَ: "إِنِّي أُحَرِّجُ عَلَيْكُمْ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ، وَالْمَرْأَةِ"، وَقَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النِّسَاءِ: 10].

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ؛ تَمَسُّكُ الظَّالِمِ وَالْمُتَحَايِلِ بِمُسَوِّغَاتٍ وَاهِيَةٍ وَغَيْرِ شَرْعِيَّةٍ؛ كَالْأَكْبَرِ -مَثَلًا- أَوْ أَنَّهُ مَنْ بَذَلَ أَكْثَرَ، أَوْ خَدَمَ الْمُوَرِّثَ، وَغَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ اعْتِبَارَاتٍ شَرْعِيَّةً لَوَجَّهَ الْإِسْلَامُ إِلَيْهَا وَأَفْصَحَ عَنْهَا وَاعْتَبَرَهَا.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ تَهَاوُنَ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ وَالْمُخَوَّلَةِ فِي هَذَا الْخُصُوصِ بِعَمَلِهَا وَتَبَاطُؤَهَا فِي حَلِّ النِّزَاعِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ، وَعَدَمَ إِحَالَةِ الْمُتَلَاعِبِينَ لِلْعِقَابِ وَالْجَزَاءِ، فَاقَمَ هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ وَزَادَ مِنِ انْتِشَارِهَا حَتَّى صَارَتْ ظَاهِرَةً أُسَرِيَّةً وَمُعْضِلَةً مُجْتَمَعِيَّةً؛ وَلَوْ تَفَحَّصْتَ بَعْضَ تِلْكَ الْمُنَازَعَاتِ وَقَضَايَا الْمِيرَاثِ لَوَجَدْتَ أَنَّ بَعْضَهَا تَجَاوَزَتْ عَشَرَاتِ السِّنِينَ دُونَ بَتٍّ فِيهَا وَلَا فَصْلٍ؛ مِمَّا سَهَّلَ لِمَرْضَى النُّفُوسِ وَالطَّامِعِينَ لِلتَّسَلُّطِ عَلَى حُقُوقِ الْآخَرِينَ، وَحُصُولِ مِثْلِ هَذَا التَّجَنِّي وَالْبَغْيِ، وَإِنَّ سُرْعَةَ فَصْلِهَا وَالتَّعْجِيلَ فِي حَلِّهَا وَمُعَاقَبَةَ الْجَانِي وَالْبَاغِي فِيهَا أَدْعَى لِوَقْفِ مِثْلِ هَذَا الْمَهْزَلَةِ بِحُدُودِ اللَّهِ وَالتَّجَاوُزِ عَلَى أَصْحَابِ الْحُقُوقِ، وَذَلِكَ أَقْوَى وَسِيلَةٍ لِمُحَارَبَتِهَا.

 

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ لَهُ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِمُوَرِّثٍ عَلَى وِرَاثٍ فَضْلٌ، وَلَا لِوَارِثٍ لِآخَرَ مَعْرُوفٌ؛ بَلِ الْفَضْلُ لِلَّهِ -سُبْحَانَهُ-؛ فَهُوَ مَنْ خَصَّ وَأَعْطَى وَفَصَّلَ وَقَنَّنَ، فَلَيْسَ عَلَى أَمِينِ التَّرِكَةِ وَالْمُوَكَّلِ بِتَوْزِيعِهَا إِلَّا أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَ الْحَقِّ حَقَّهُ دُونَ بَخْسٍ أَوْ زِيَادَةٍ، وَإِنَّ أَيَّ تَلَاعُبٍ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا يَأْكُلُ صَاحِبُهُ نَارًا، وَيُقَدِّمُ نَفْسَهُ لَهَا قُرْبَانًا؛ "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ؛ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ".

 

عِبَادَ اللَّهِ: الْتَزِمُوا شَرْعَهُ وَتَقَيَّدُوا حُدُودَهُ، وَتَخَلَّصُوا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، قَبْلَ أَلَّا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنَّمَا هُوَ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ، وَأَعْطُوا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ حَقُوقَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَا تَسْتَأْثِرُوا بِمَالٍ لَيْسَ لَكُمْ؛ فَتُعَرِّضُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْجَحِيمِ وَتُحْرَمُوا دَارَ النَّعِيمِ.

 

هَذَا وَصَلُّوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسَّرَّاجِ الْمُنِيرِ؛ فَقَدْ أَمَرَنَا رَبُّنَا بِذَلِكَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ فَقَالَ  -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ كَرِيمٍ-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا.

 

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَرَدُّنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاعْصِمْنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا.

 

اللَّهُمَّ كُنْ لِإِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life