عناصر الخطبة
1/أهمية تدبر القرآن 2/من بركات التدبر 3/من مفاتيح التدبر

اقتباس

فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ؛ فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بالتَّدَبُّر؛ لاشْتَغَلُوا بِهَا عْنْ كُلِّ مَا سِوَاهَا...

الْخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

عِبَادَ الله: إِنَّهُ مِفْتَاحُ القُلُوب، والطَّرِيْقُ إلى عَلَّام الغُيوب، وَهُوَ سِرُّ العُلْوم، وأَعْظَمُ الكُنُوزِ؛ إِنَّهُ تَدَبُّرُ القُرْآن.

 

وَتَدَبُّرُ الْقُرْآنِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِإِنْزَالِه؛ قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)[ص:29].

 

قال الْحَسَنُ: "نَزَلَ الْقُرْآنُ لِيُتَدَبَّرَ وَيُعْمَلَ بِهِ؛ فَاتَّخِذُوا تِلَاوَتَهُ عَمَلًا".

 

وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ بِالتَّدَبُّر أَنْفَعُ شَيءٍ لِلْقَلْب، قال ابنُ القَيِّم: "فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ؛ فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بالتَّدَبُّر؛ لاشْتَغَلُوا بِهَا عْنْ كُلِّ مَا سِوَاهَا".

 

وَلَوْ رُفِعَتِ الأَقْفَالُ عَنِ الْقُلُوبِ؛ لَبَاشَرَتْهَا حَقَائِقُ القُرآنِ، وَاسْتَنَارَتْ فِيهَا مَصَابِيحُ اليَقِينِ والإِيمَان، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[محمد:24]. قال بَعْضُهُمْ: "اللَّهُمَّ عَلَيْهَا أَقْفَالُهَا، وَمَفَاتِيْحُهَا بِيَدِكَ، لا يَفْتَحُهَا سِوَاك".

 

وَمِنْ بَرَكَاتِ التَدَبُّر: الهِدَايَةُ إلَى مَعَالِمِ الْخَيْرِ بِحَذَافِيْرِه، (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)[الإسراء:9].

 

فَتَدَبَّر الْقُرْآنَ إِنْ رُمْتَ الهُدَى ***  فَالْعِلْمُ تَحْتَ تَدَبُّرِ القُرْآنِ

 

وَمِنْ بَرَكَاتِ التَّدَبُّر: أَنَّهُ تُرِيْ القَارِئَ صُوْرَةَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي قَلْبِهِ، وتُشْهِدُهُ الآخِرَةَ حَتَّى كأَنَّهُ فِيهَا، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "شَيَّبَتْنِي هُودٌ وأَخَوَاتُهَا: الْوَاقِعَةُ، وَالْحَاقَّةُ، وَ(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)[التكوير:1]"(رواه الترمذي، وصححه الحاكم)

 

قال العُلَمَاء: "لِاشْتِمَالِهِنَّ على أَهْوَالِ الآخِرَة، وأَحْوَالِ الهَالِكِيْنَ والمُعَذَّبِين، مَا تَذْهَلُ مِنْهُ النُّفُوس، وَتَشِيْبُ مِنْهُ الرُّؤُوْس". يقولُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّار: "الآيَةُ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ: (وَلَو تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ)[الأنعام: 27]، وَكُنْتُ فِيْمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ رَحِمَهُ اللهُ".

 

وَمِنْ بَرَكَاتِ التَّدَبُّرِ: شِفَاءُ الأَرْوَاحِ والأَبْدَان، فَإِذَا نَزَلَتِ الآيَةُ على الدَّاء؛ بَرِئَ بِإِذْنِ الله، (وَنُنَزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[الإسراء:82].

 

وَتَدَبُّرُ القُرْآن يُعْطِي القَلْبَ قُوَّةً وَبَهْجَةً؛ فَيَصِيْرُ فِي شَأْنٍ، وَالنَّاسُ فِي شَأْنٍ آخَرَ، قال عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْه: "لَوْ طَهُرَتْ قُلُوبُكُمْ؛ مَا شَبِعَتْ مِنْ كَلَامِ اللهِ".

 

والإِعْرَاضُ عَنْ تَدَبُّرِ القُرآنِ؛ يُوْجِبُ لَهُ مِنَ الشَّقَاءِ بِحَسَبِ إِعْرَاضِه، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[طه:124].

 

وَاسْتِشْعَارُ عَظَمَةِ الرَّحْمَن يُعِيْنُ على تَدَبُّرِ القُرْآن؛ حَتَّى كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَاطِبُكَ بِهِ، فَتَجْمَعُ قَلْبَكَ عَلَى فَهْمِهِ وَتَدَبُّرِهِ، وَتَعْزِمَ عَلَى تَنْفِيذِ أَوَامِرِه، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق:37].

 

قال بَعْضُ المُفَسِّرِيْن: "فَإِذا حَصَلَ الْمُؤثِّر: وَهُوَ الْقُرْآن، وَالْمَحَلُّ الْقَابِل: وَهُوَ الْقَلْب الْحَيّ، وَوُجِدَ الشَّرْط: وَهُوَ الإِصْغَاء. وَانْتَفَى الْمَانِع: وَهُوَ اشْتِغَالُ الْقلب؛ حَصَلَ الْأَثر: وَهُوَ الِانْتِفَاع والتَّذَكُّر".

 

وَمِنْ مَفَاتِيْحِ التَّدَبُّر: تَرْدِيْدُ الآيَات؛ لِأَنَّهُ يُعِيْنُ على التَّفَكُّر، والنَّظَرِ في المَعْنَى، يَقُوْلُ أَبَو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْه: "قَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[المائدة:118]"(رواه ابن ماجه، وصححه الحاكم).

                            

وَمِنْ مَفَاتِيحِ التَّدَبُّر: تَفْسِيرُ القُرْآن،  قالَ تعالى: (إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُوْن)[الزخرف:3].  قال ابنُ جَرِير: "إِنّي لَأَعْجَبُ مِمَّنْ قَرَأَ القُرْآنَ، وَلَمْ يَعْلَمْ تَأْوِيْلَه؛ كَيْفَ يَلْتَذُّ بِقِرَاءَتِه؟!".

 

وَمِنْ مَفَاتِيْحِ التَّدَبُّر: اسْتِشْعَارُ هَيْبَةِ القُرْآنَ، قالَ تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ)[الحشر:21]. قَالَ مَالِكُ بنُ دِينار: "أُقْسِمُ لَكُمْ، لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ بِهَذَا الْقُرْآنِ؛ إِلَّا صُدِعَ قَلْبُهُ".

 

وَمِنْ مَفَاتِيْحِ التَّدَبُّر: تَطْهِيْرُ القَلْبِ مِنَ الأَخْلَاقِ الرَّدِيْئَة؛ قال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، قَالَ قَتَادَةُ: "سَأَمْنَعُهُمْ فَهْمَ كِتَابِي".

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:

 

عِبَادَ الله: مِفْتَاحُ حَيَاةِ القَلْب تَدَبُّرُ القُرْآن، (وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا)[الشورى:52].

 

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ لِكُلِّ خَيْر

 

وَصَلَّىَ اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنِا مُحَمَّد، وآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن.

 

المرفقات
RUpf5SSsVMTCQTGtb2MtFbOe2PgZyJbYZYekDSvl.doc
wnMGzSSD26WTUBju12exnqrHtptif3wiUP2tBZ0w.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life