عناصر الخطبة
1/الزواج في الإسلام رباط وثيق وميثاق غليظ 2/الطلاق حل عندما تستنفد كل الحلول 3/بعض أسباب المشكلات الأسرية وطرق حلها 4/أسباب العزوف عن الزواج وتفنيدها 5/بعض الوسائل العملية لعلاج مشكلة الطلاقاقتباس
من وسائل العلاج العملية لظاهرة الطلاق إقامة دورات تدريبية تثقيفية للمقبِلين على الزواج، فالوقاية مقدَّمة على العلاج، ومعالَجة المشكلات قبل وقوعها عن طريق تدريب وتأهيل الأزواج يقلل من نسبة حالات الطلاق...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أما بعد: فمن المعلوم أن الزواج في الإسلام رباط وثيق يجمع بين الرجل والمرأة، وبه تسكن النفس وتقَرّ العينُ، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)[الرُّومِ: 21]، وقال جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الْفُرْقَانِ: 74]، والشارع الحكيم قد حرص على المحافظة على الأسرة وتماسكها، ورغَّب في الإبقاء على عقد النكاح، وأمَر الزوج بالمعاشَرة بالمعروف ولو مع كراهته لزوجته، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النِّسَاءِ: 19]، ووصف الله -تعالى- عقد النكاح بالميثاق الغليظ، فقال سبحانه: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[النِّسَاءِ: 21]، ومقتضى وصفه بذلك الاستدامة والسكن والاستقرار، وعلى هذا فيجب على الزوجين أن يقاوما كل ما يتهدد هذه المطالبَ السَّنِيَّةَ، فيتجاوزوا ما يقع من الخلافات الزوجية التي قد تُفسد تلك الرابطةَ المحكمةَ، والعلاقةَ المتينةَ.
وإذا كان ذلك كذلك -عباد الله- فإن حل عقد النكاح وطلب الانفصال مِنْ قِبَل الزوجة أمر محظور، لا يُلجأ إليه إلا عند تعذُّر استمرار الحياة الزوجية، وبعد استنفاد جميع وسائل الإصلاح الشرعي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة" كما ثبَت في الصحيح عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى فرقتُ بينَه وبينَ امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنتَ" وقد قال تعالى في ذم السحر: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)[الْبَقَرَةِ: 102]، وفي السنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المنتزعات والمختلعات هن المنافقات"؛ ولهذا لم يُبَح إلا ثلاث مرات، وحرمت عليه المرأة بعد الثالثة، حتى تنكح زوجا غيره، وإذا كان إنما أبيح للحاجة، فالحاجة تندفع بواحدة، فما زاد فهو باقٍ على الحظر.
عبادَ اللهِ: ومما يؤكد هذا المعنى ورودُ النصوص النبوية التي تحذِّر من المخالَفات الشرعية، المؤدية إلى الطلاق، فمن ذلك ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ليس منا مَنْ خَبَّبَ امرأةً على زوجها أو عبدا على سيده"(رواه أبو داود)، وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"(رواه أبو داود، والترمذي وابن ماجه)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل لامرأة تسأل طلاقَ أختها لتستفرغَ صفحتَها؛ فإنما لها ما قُدِّرَ لها"(متفق عليه، واللفظ للبخاري).
إذا تبيَّن ذلك -أيها الإخوة- فلنعلم أن الطلاق في مجتمعات المسلمين اليوم قد تجاوز الناسُ مفهومَه الشرعي وهدفه المرعي؛ إذ أصبح الطلاق الذي جعله الإسلام حلا للمشكلات المستعصية بين الزوجين، وعلاجا يُلجأ إليه آخِرَ المطاف أصبح مشكلة بذاته، حين صار ألعوبة في أيدي العابثين، ومساغا سهلا في أفواه المتهورين، الذين لا يعرفون للحياة الزوجية معنى، ولا يُقيمون لها وزنًا، يتزوجون اليوم ويطلقون غدا، استخفافا بهذه الرابطة الربانية.
أيها المسلمون: إن ممَّا يُؤسَف له أن معدلات الطلاق قد ارتفعت ارتفاعا كبيرا في السنوات القليلة الماضية، وصار ظاهرة متفشية؛ إذ انتشرت حالاته بصورة جلية، وتزايدت نِسَب الفراق بين الزوجين، وأصبحت الإحصاءات والنِّسَب الكبيرة من الطلاق أو الرغبة في فسخ عقد النكاح، مخيفة ومنذرة بخطر كبير على المجتمعات المسلمة، وعند النظر في الأخطاء والمشكلات الأسرية التي كدرت صفو الحياة الزوجية، وكانت سببًا في وقوع الطلاق، نجدها كثيرة ومتنوعة؛ فمن ذلك: سوء اختيار الزوجين أحدهما للآخَر؛ إذ قد يُقدِم أحدهما على الزواج وهو لا يعرف عن شريكه شيئا، لا في الدين ولا في الخُلُق، ويكتشف ذلك بعد المعاشَرة بينهما، ومن ذلك: ضَعْف الوازع الديني والتقصير في حق الله، وخاصة الصلاة، والتفريط في التحصين الشرعي بذكر الله وقراءة القرآن، وفي المقابل الوقوع في الذنوب وارتكاب المعاصي واستمراؤها؛ مما يؤدي إلى حصول الشرور والنزاع بين الزوجين، ومِنْ ثَمَّ الفراق، وما أخبار مدمِني المخدِّرات وشاربي المسكِرات في تعامُلِهم مع أزواجهم بخافية؛ من الاعتداء على أزواجهم بالضرب المبرِّح، والسب واللعن والطرد من المنزل والتلفُّظ بالطلاق.
ومن المشكلات الأسرية أيضا عدم تحمُّل المسئولية مِنْ قِبَل الزوجين؛ كترك الزوج إدارة شئون البيت وتوفير احتياجاته، وانشغاله بالجلسات والسهرات مع رفقائه، وكثرة الأسفار لغير حاجة، وتضييع حقوق رعيته، وكذلك إهمال بعض الزوجات بيتها، وانشغالها بوسائل التواصل عبر الجوَّال أكثرَ وقتها، دون مراعاة لحقوق زوجها أو عيالها، وهنا نشير إلى مبالغة بعض الناس في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وشدة إدمانهم عليها، وترددهم على المواقع السيئة من الشبكة؛ ممَّا أدَّى إلى مفاسد عظيمة، ذات أثر كبير على العقيدة والسلوك والأخلاق، ويدخل في ذلك افتتان بعض الأزواج بأن يُعجَب بامرأة غير زوجته، ويتعلَّق قلبُه بها، وقد يُقيم علاقةً محرمةً معها عياذًا بالله، فيحتقر زوجته ويزهد فيها، ويُهملها ثم يُطَلِّقها، ومثل ذلك افتتان بعض الزوجات بوسائل التواصل؛ فتقع في خيانة زوجها بمراسَلات ومحادَثات مع أجانب، في الجوَّال ومواقع الشبكة، وعندما يُكشَف أمرُها تعظُم هناك بليتُها.
ومن المشكلات عدم وجود الاستقرار الأسري بين الزوجين، وعدم فهم الحياة الزوجية؛ فلا يراعي أحدُهما حقَّ الآخَر، فيفقدان التفاهم والاتفاق بينهما، ويسود حياتَهما أجواءٌ من العداوة والشقاق، والمعانَدة والمناكَفة، ويستفحل الأمر ويتعاظم عندما يتهاونان في أمر الطلاق؛ فترى بعض الأزواج -هداهم الله- يهدِّد ويتوعَّد زوجته بالطلاق، ويجعله سيفًا مصلتًا عليها، وترى بعض الزوجات -هداهن الله- تُكثِر من طلب الطلاق، وتستفز زوجَها حتى يُطَلِّقها إلى غير ذلك من التجاوزات الشرعية.
ومن المشكلات التي قد تتسبب في الطلاق ما يصدر من أفعال خاطئة، وتصرفات غير رشيدة في الحياة الزوجية؛ كسوء الظن بين الزوجين، والشك المفرِط بينهما، والغيرة غير المحمودة، الزائدة عن الحد، وكتعيير الزوج لزوجته بكِبَر سِنِّها، أو بشيء في خِلْقَتِها، وكمَنع الزوجة من صلة والديها وقرابتها وزيارتهم؛ لغير مسوِّغ شرعي، وكبخله على زوجته بمنعه الواجب عليه من النفقة بالمعروف؛ وذلك يشمل توفيرَ المسكن والمطعم، والمشرب والملبس والعلاج والدواء، أمَّا ما عدا ذلك من الكماليات فلا تجب عليه ما دام أنه قائم بما أوجَب اللهُ عليه من النفقة؛ فمن الزوجات مَنْ تُرهِق كاهلَ زوجها بكثرة المطالب التي تفوق طاقتَه، ويعجز عن توفيرها، ومن الزوجات من تتعالى على زوجها وتترفَّع عليه بمستواها التعليمي، أو عملها الوظيفي، أو اختلاف الطبقة الاجتماعية بينهما.
ومن المشكلات أيضا ما يعاني منه بعضُ الأزواج من اضطرابات نفسية وسلوكية مختلفة، وعدم الشعور بالاستقرار؛ مما يجعله في مواجَهات دائمة مع زوجته، وكراهة لها ونفور منها، ولا يسعى في معالَجة نفسه؛ حرصا على بقاء المودة والمحبة والوئام مع زوجته.
ومما يتبع ذلك طبائع بعض الناس؛ من سرعة الغضب والحماقة، وسوء التصرف في المواقف، والافتقار إلى الحكمة، فكم من مشكلة نشبَت بين الزوجين، وكم من خلاف احتدم بينهما بسبب أمر تافه حقير؛ كأن يطلب الزوج من الزوجة شيئا فتنساه، أو تتأخر في فعله، أو تطلب الزوجةُ من زوجها شراء شيء فينشغل عن ذلك ويؤجله، وهكذا من الأمور الهينة التي لا ينبغي أن تُثير حفيظةَ المرء، وتُفقده السيطرةَ على نفسه، فيتصرف بغير عقل، ويشتعل الخلاف ويؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه.
ومن المشكلات عدم مراعاة الرجل خصائص المرأة الجسدية والنفسية والعقلية، وما تمر به من أحوال مختلفة، فعلى سبيل المثال: يعتري المرأةَ بعد الإنجاب تغيُّرٌ في هيئتها وجسمها، فيبدأ بعض الأزواج بالتهكم على زوجته والسخرية منها؛ فتتحطم مشاعرها، وتفضِّل الطلاقَ على البقاء مع رجل يُسيء إليها ولا يُحسِن عشرتَها.
ومن المشكلات تدخُّل أهل الزوج وأهل الزوجة في شئون الزوجين الخاصة، أو تدخُّلهم بغير حق فيما يقع بينهما من مشكلات وتأليب أحدهما على الآخَر؛ مما يؤدِّي إلى تفاقُم الخلاف، وقد ينتهي بالفراق بينهما.
ومن المشكلات متابَعة المسلسلات والأفلام التي تصوِّر الحياة الزوجية بأنها حياة رومانسية مثالية جدا، لا مشاكل فيها، أو العكس؛ بأن تصورها بأنها حياة مشاكل، كلها تعب وهموم؛ مما يستدعي الطلاقَ مباشرةً، وكِلَا الصورتين مجانِب للحقيقة، ومخالِف للصواب.
ومن المشكلات التي قد لا يُفطَن لها؛ أن تناوُلَ بعض النساء أقراص منع الحمل باستمرار له آثار جانبية صحية؛ كما ذكر ذلك بعضُ الناصحين من الأطباء، فقد يؤثِّر في تغيُّر مزاج المرأة، وإصابتها بالاكتئاب والأعراض العصبية الزائدة؛ ما يؤدي إلى التوتر في الحياة الزوجية وتزايد الخلافات بينهما، وقد يصل الأمر لحد الطلاق.
ومن المشكلات تطلُّع بعض الزوجات إلى أن تكون في مستوى معيشي راقٍ فلا تقنع بما هي فيه، بل تنظر إلى مَنْ هي فوقها، وقد تتأثر بما تصنعه سفيهات العقول اللاتي يتباهين بما يملكن، فلا تراعي حرمةَ بيتها وحياتها الزوجية الخاصة؛ فتقوم بتصوير الأثاث والملابس والمأكولات بالسنابات أو غيرها وتنشرها، فتُفسد على الأزواج بيوتهم وتكون سببا في خرابها؛ ممَّا يُسهِم في كثير من المشكلات الأسرية التي قد تنتهي بالطلاق.
كانت هذه -عباد الله- جملة من المشكلات الزوجية التي قد تؤدي إلى الطلاق، المقصِد منها أن نستفيد من أخطاء الآخرين، فلا نقع فيما وقعوا فيه، بل تكون لنا عبرة وعظة، فالعاقل مَنْ يتَّعِظ بغيره، ويتعلَّم مِنْ تجارب الناس دروسًا في الحياة المستقبلية.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن ما يحدث بين الزوجين من خلافات في أمور البيت والمعيشة، أمر طبيعي وسُنَّة من سنن الحياة الزوجية، وهو متوافِق مع طبيعة الحياة الدنيا التي لا تصفو ولا تخلو من كدَر، وبيت النبوة الطاهر -على صاحبه أفضل الصلاة والسلام- ربما كان يحدث فيه المرةَ بعد المرة شيء من ذلك التعب والتكدير، وكان بين نسائه -صلى الله عليه وسلم- من التغاير ما يحدث مثله أو شبيهه بين النساء، فيجب على الزوجين ألَّا يعتقدا أن الحياة الزوجية وسعادتها تعني أن تكون خالية من المشاكل، بل تعني القدرة على حل تلك المشاكل وحصرها، وألا يجعلاها تؤثِّر سلبًا على علاقتهما مع بعضهما.
عبادَ اللهِ: هناك أسباب متعددة للعزوف عن الزواج، أفرَزَها الواقعُ الاجتماعيُّ اليومَ؛ فمن ذلك: ما لبَّس به الشيطانُ على بعض الفتيات من امتناعها عن النكاح ورفضها له خوفًا من أن تتحمل المسئولية أو أن يسيطر هذا الزوجُ على حريتها، ويمنعها من الاستقلالية، وهذا ناتج عن ردة الفعل بسبب تصرُّفات خاطئة لبعض الأزواج وتجاوزهم في معاملتهم لأزواجهم مخالفين أمر ربهم؛ وإلا فإن القوامة أمر شرعي تعني قيام الزوج بما يُصلح شأنَ زوجته بالتدبير والصيانة، وهو تكليف للزوج وتشريف للمرأة وتكريم لها؛ بأن جعلها تحت قَيِّم يقوم على شئونها، وينظر في مصالحها، ويَذُبُّ عنها، ويبذل الأسبابَ المحققةَ لسعادتها ولطمأنينتها، ولعل هذا يصحِّح المفهوم الخاطئ لدى كثير من النساء من أن القوامة تسلُّط وتعنُّت، وقهر للمرأة وإلغاء لشخصيتها.
ومن أسباب عزوف بعض الفتيات عن الزواج أيضا: الخوف من أن يكون مصيرهن كمصير من طُلِّقت بعد فشل حياتها الزوجية ووُصِفت بأنها عانس، وهذا خطأ؛ فكم من فتاة تزوجت واستقرت أمورها وسعدت مع زوجها وعاشت حياةً هنيئةً، ولم يكن بينهما -بفضل الله- فراق، بل مودة ورحمة.
إن للطلاق -عبادَ الله- آثارا نفسية سيئة على المرأة؛ فكم تشعر بالحزن والاكتئاب والأرق بعد طلاقها من زوجها، لكن من أغرب الأمور والعادات الدخيلة ما تفعله بعضُ المطلَّقات -هداهن الله- مخالفةً للفطرة من إقامة حفل بمناسبة طلاقها من زوجها، يُدعى إليه الأهل والأقارب والصديقات تعبيرا عن فرحتها، وابتهاجا بتطليق زوجها لها.
معاشرَ المسلمين: لا يُفهَم تحذير المصلحين من كثرة حالات الطلاق أنهم يسعون إلى عدم حدوث الطلاق مطلقًا، ولا يَدْعُون إلى أن يصل المجتمع لحالة مثالية، بنجاح كل زواج واستمراره، كَلَّا، فلم يكن ذلك في العصور المفضَّلة، لكن الذي يجب علينا هو استشعار المشكلة القائمة، فأعظم ما يهدِّد الحياةَ الزوجيةَ التساهل بأمر الطلاق، وعدم الاكتراث لما ينتج عنه، من نتائج وخيمة، فكم هَدَمَ من بيوت وفَرَّقَ من أُسَر، وقطع من أرحام، وشتَّت من شمل، وجلَب من آثام، فالواجب علينا أن نتلمس أسباب هذه المشكلة وأن نعالجها، وأن يَهُبَّ المجتمعُ بكل مؤسساته للعلاج كلٌّ فيما يخصه، ويتداعى المصلحون بتوعية الناس بمدى التساهل الذي أصاب الكثيرين تجاه هذه القضية الخطيرة والسعي في علاج هذا الداء المستفحل.
أيها الإخوة: من وسائل العلاج العملية لظاهرة الطلاق إقامة دورات تدريبية تثقيفية للمقبِلين على الزواج، فالوقاية مقدَّمة على العلاج، ومعالَجة المشكلات قبل وقوعها عن طريق تدريب وتأهيل الأزواج يقلل من نسبة حالات الطلاق، فما يقدَّم لهم من معلومات ثَرِيَّة قَيِّمة، ونصائح علمية واجتماعية وتعريفهم بالمعارف المهمة والآداب المرعية في التعامل له فائدة عظيمة في حياتهم المستقبلة بعد الزواج؛ مما يُسهِم في قيام أسر على بناء راسخ، وأُسُس سليمة تضمَن لها النجاح بإذن الله.
ومن العلاج لذلك -أرشدني الله وإياكم- السعي في الإصلاح بين الزوجين وبين المختلفين عموما، فهو من أعظم القُرُبات عند الله -تعالى-، قال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[النِّسَاءِ: 114]، وكم في ذلك من الأجر العظيم؛ إذ يقول النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن أقول: تحلق الدين"(رواه أحمد، والترمذي وأبو داود).
وفي الحديث من الفوائد الحث والترغيب على إصلاح العلاقات بين الناس، وأن إفساد ذلك يهدم الدين والدنيا، والذي نؤكد عليه هنا، أن التدخل في الخصومات للإصلاح وبين الزوجين خاصة، عمل مرغَّب فيه، وعدم وجود الناصِحِين والمصلِحين الحكماء في الكثير من الحالات يكون من أسباب حصول الفراق بين الزوجين.
ألا واستشعروا -عباد الله- أنكم في يوم الجمعة، الذي هو من أفضل أيامكم؛ فأكثِروا فيه من الصلاة على النبي ممتَثِلِين أمرَ ربكم العلي (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، ودمر أعداء الدين، واجعل بأسهم بينهم شديدا، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم شتت شملهم وألق الرعب في قلوبهم، وخالف بين كلمتهم، اللهم أنزل عليهم بأسك ورجزك إله الحق، اللهم وانصر عبادك الموحدين المؤمنين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم احفظ بلاد الحرمين خاصة، وبلاد المسلمين عامة من كيد الكائدين، اللهم من أرادها بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه يا سميع الدعاء.
اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، من الأقوال والأفعال وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم انصر دعاة الخير وأئمة الهدى، والمصلحين والمجاهدين في سبيلك، وحماة الحدود والثغور والمضطهدين في سبيلك.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا به قاعدين، واحفظنا به راقدين، ولا تُشمِت بنا عدُوًّا ولا حاسدين، اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذاتَ بيننا، واهدنا سبلَ السلام ونجِّنا من الظلمات إلى النور، وجنِّبْنا الفواحشَ ما ظهَر منها وما بطنَ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا، وأزواجنا وذرياتنا، وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمك، مُثنِينَ بها عليك.
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الْفُرْقَانِ: 74]، وآخِرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التعليقات