المسح على الجوربين - موت العلماء

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/التفكر في تقلبات الأجواءِ، وبعض العِبرةِ المستفادة من الشتاءِ 2/عشر مسائل في أحكامِ المسحِ على الجوربين 3/شدة الحاجة إلى العلماءِ الربانيِين ومصيبة رحيلهم

اقتباس

أيُها المؤمنونَ: نحن بحمدِ اللهِ نَنعمُ برغدِ العيشِ، فقد أنعمَ علينا بالعديدِ مما نَدفعُ به عنا أذى البردِ، فالملابسُ الدافئةُ متوفرةٌ، وأجهزةُ التدفئةِ متيسرةٌ، يبيتُ أحدُنا مطمئناً على عيالهِ ومالهِ مُتسربِلاً. ومِن يُسرِ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ الذي شمِلتْ قدرتُه كل مقدورٍ، وجرتْ مشيئتُه في خلقهِ بتصاريفِ الأمورِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، إلهًا جلَ عن المثيلِ والنظيرِ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، الذي هدى اللهُ بهِ من الضلالةِ، وعلمَ بهِ من الجهالةِ، فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ، وطهّرَ آله.

 

أما بعدُ: فاتقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، وتفكروا في أحوالِكم؛ فإن من وراءِ تصريفِ الأحوالِ لخبَراً، وإن في تقلُبِ الأجواءِ لعبرًا، فمن حرٍ إلى قَرٍ ومن صيفٍ إلى شتاءٍ، ولو كان الزمانُ كُلُه فصلاً واحدًا لفاتتِ مصالحُ شتَى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)[النور: 44].

 

ومنَ العِبرةِ بالشتاءِ: أنه يُذكرُ بزمهريرِ جهنمَ، ويدعُو للاستعاذةِ منها، وأن عذابَها نوعانِ: برودةٌ وحرارةٌ، قالَ اللهُ -تعالى-: (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ)[ص: 57] قالَ ابنُ عباسٍ: "الغساقُ الزمهريرُ الباردُ الذي يُحرِقُ من بَردِهِ"، فاللهم أعِذنا من جهنمَ حميمِها وزمهريرِها.

 

أيُها المؤمنونَ: نحن بحمدِ اللهِ نَنعمُ برغدِ العيشِ، فقد أنعمَ علينا بالعديدِ مما نَدفعُ به عنا أذى البردِ، فالملابسُ الدافئةُ متوفرةٌ، وأجهزةُ التدفئةِ متيسرةٌ، يبيتُ أحدُنا مطمئناً على عيالهِ ومالهِ مُتسربِلاً: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ)[النحل: 81] فهل تأملْنا في هذهِ النعمِ وأسلَمْنا؟!

ومن شفقةِ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنه كانَ إذا حضرَ الشتاءُ تعاهَدَ الغُزاةَ، وأوصاهُم قائلاً: تأهَبوا له أُهبته، فإن البردَ عدوٌ سريعٌ دخولُه، بعيدٌ خروجُه.

 

ويا أيُها الأبناءُ والبناتُ: لا تزيدُوا والدِيكم رَهَقًا، بأن تمتنِعوا من لُبْس ما يُدفئُكم، واحتسِبوا في ذلكَ أمرينِ: حفظُ صحتِكم التي هي أمانةٌ، وبرُ والدِيكم الرحماءِ بكم.

 

معاشرَ المتطهرِينَ: ومِن يُسرِ الشرعِ في الشتاءِ جوازُ المسحِ على الجوربينِ، وإليكم عشرَ مسائلَ من أحكامِ المسحِ؛ فمنها أنه: إذا تمتِ المدةُ وأنتَ على طهارةٍ، فطهارتُك باقيةٌ حتى تنتقضَ، ومَن نسيَ ومسحَ بعد تمامِ المدةِ فعليهِ أن يُعيدَ الصلاةَ التي صلاها، وتبدأُ مدةُ المسحِ مِن أولِ مسحةٍ، فإن لَبِسَ خفيهِ بعد وضوئهِ لصلاةِ الفجرِ، ولم يَمسحْ عليهِما إلا عند صلاةِ الظهرِ، فابتداءُ المدةِ من صلاةِ الظهرِ، لا من صلاةِ الفجرِ.

والجَوربُ الخفيفُ والذي به خروقٌ وثُقوبٌ يجوزُ المسحُ عليهِ.

لا حرجَ أن يُدخِلَ يدَه لحكِ رِجلِه من داخلِ الجوربِ، ولا يَنتقِضُ مسحُه بذلك ما دامَ لم يَخلعْه تحتَ الكعبِ.

إذا لَبِسَ ومسَحَ ثم سافرَ فيتم مسحَ مسافرٍ.

إذا لبِسَ ومسحَ، ثم لبِسَ فوقَه جوربًا، فالحكمُ للفَوقانيِ من حيثُ المسحُ والمدةُ.

 

يجوزُ المسحُ على كلِ ما يشقُ نزعُه على الرأسِ كالقُبْعِ المُغطِي للرأسِ والرقبةِ كاملَينِ، ولا يَظهرُ منه إلا الوجهُ.

أما ما يُوضعُ على الرأسِ فقط فلا يُمسحُ عليهِ.

يُمسحُ على أعلى لُفافةِ الجرحِ وأسفلِها، بعكسِ الجواربِ فلا يُمسحُ إلا أعلاها.

 

فاللهم فقِّهنا في دينِك، هذا والهجُوا بالدعاءِ في ثوانِيكم القادمةِ؛ فإنها فاضلةٌ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الذي جعلَ في كل زمانِ فترةٍ من الرسلِ بقايا من أهلِ العلم يُبَصِّرونَ أهل العمَى، ويَصبرونَ على الأذَى، وصلى اللهُ وسلمَ على إمامِ الهُدى، وآلهِ ومن اقتفَى.

 

أما بعدُ: فاعلموا أن حاجتَنا إلى العلماءِ الربانيِين فوقَ كلِ حاجةٍ، فهم في الناسِ كالشمسِ للدنيا، والعافيةِ للناسِ.

 

فلولاهمُ كانت ظلامًا بأهلِها *** ولكنْ هُمُ فيها بُدورٌ وأنجُمُ

 

فإذا ماتَ العلماءُ تحيرَ الناسُ، واندرس العلمُ، وانتشرَ الجهلُ والفسادُ، وحصلَ ما كان يخشاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَولِهِ: "إِنَّ اللهَ لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ، فَيَرْفَعُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ، وَيُبْقِيْ فِي النَّاسِ رُءُوسًا جُهَّالًا، يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ"(متفقٌ عليهِ).

والعبرةُ من ذهابِ العلماءِ أن يجتهدَ طلابُ العلمِ للازديادِ منه، بأخذِهِ عن أهلهِ الأكابرِ قبل ذهابهِم، لتعويضِ النقصِ الذي حصلَ في الأمةِ.

 

نسألُ اللهَ أن يغفرَ للشيخِ صالحٍ اللحيدانِ، وأن يرفعَ درجتَه في المهديينَ، وأن يباركَ بمن بقيَ من علمائِنا، إنه سميعٌ مجيبٌ.

 

اللهم أصلحْ وسددْ أئمتَنا وولاةَ أمورنِا، وافرجْ لهم في المضائقِ، واكشفْ لهم وجوهَ الحقائقِ.

اللهم اجزِ جنودَنا وحماةَ حدودِنا خيرًا كثيرًا.

اللهم مَن أرادَنا أو أرادَ بلادَنا ومقدساتِنا وحرُماتِنا بسوءٍ فاقطعْ دابرَهُ.

اللهم صُدَ عنا غاراتِ أعدائِنا المخذولينَ وعصاباتِهِم المتخوِنينَ.

 

اللهم الطف بنا في تيسير كل عسير فإن تيسير كل عسير عليك يسير.

 

اللهم ادفعْ عنا الوباءَ والبلاءَ، وسوءَ الفتنِ، ما ظهرَ منها وما بطنَ.

 

اللهم إنا نعوذ بك من عمل يخزينا، ومن غنى يطغينا، ومن فقر ينسينا، ومن صاحب يردينا.

 

اللهم صلِ وسلِم على رسولِك القائلِ: "أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَإِنَّ صَلَاةَ أُمَّتِي تُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً كَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً"(حسنهُ المنذريُ وابنُ حجرٍ والعَجلونيُ والألبانيُ).

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

المرفقات
GzJEQkkOdh8y3hm3nWfBH1qN7oU5HUVmxCOh3Rdb.doc
AJ2G5ghhsLh5LfFWpCnsgpN1fpeqqVYwbh4wuLPS.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life