المروءة وبعض خوارمها

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2024-08-08 - 1446/02/04
عناصر الخطبة
1/أهمية المروءة 2/تعريف المروءة 3/مروءة البذل ومروءة الترك 4/خوارم المروءة 5/الحث على التحلي بمكارم الأخلاق.

اقتباس

والمروءةُ: صفةٌ من الصفات المُكمِّلة لشخصيَّة المسلمِ الحقّ، سواء كان ذكرًا أو أنثى، وهي وإن اختلفت من زمنٍ إلى آخر، ومن مكانٍ لآخر، ومن مجتمعٍ لآخر، ومن سِنٍّ لآخر؛ إلاّ أنَّ لها سمةً عامَّةً وهي المحافظة على رجوليّة المسلم ودينِه وهيبته.

معنى المروءة وبعض خوارمها

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الذي اختص هذه الأمة بكمال الخصال، وأسبغ علينا نِعَمه وهو الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى الصحب والآل وسلم تسليمًا.

 

أمّا بعد: أيّها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى، وَاعْلَموا أَنَّ الْمُرُوءَةَ مِنْ شَوَاهِدِ الْفَضْلِ، وَدَلَائِلِ الْكَرَمِ الَّتِي هِيَ حِلْيَةُ النُّفُوسِ، وَزِينَةُ الْهِمَم، والْمُرُوءَةُ تَزِيدُ فِي مَاءِ الْوَجْهِ وَبَهْجَتِهِ.

 

وعدَّها ابنُ القيم -رحمه الله- مِنْ مَنَازِل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وعَرَّفَهَا بما نُقِلَ عن الْفُقَهَاءِ بأَنَّ حَدَّهَا هِيَ اسْتِعْمَالُ مَا يُجَمِّلُ الْعَبْدَ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ. وَقِيلَ: الْمُرُوءَةُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَاجْتِنَابُ كُلِّ خُلُقٍ قَبِيحٍ.

 

وَحَقِيقَةُ الْمُرُوءَةِ تَجَنُّبُ الدَّنَايَا وَالرَّذَائِلِ، مِنَ الْأَقْوَالِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْأَعْمَالِ، وقيل: هي صفة في النفس تحمل مراعاتها على محاسن الأخلاق وجميل العادات.

 

فَمُرُوءَةُ اللِّسَانِ: حَلَاوَتُهُ وَطِيبُهُ وَلِينُهُ، وَاجْتِنَاءُ الثِّمَارِ مِنْهُ بِسُهُولَةٍ وَيُسْرٍ.

وَمُرُوءَةُ الْخُلُقِ: سَعَتُهُ وَبَسْطُهُ لِلْحَبِيبِ وَالْبَغِيضِ.

وَمُرُوءَةُ الْمَالِ: الْإِصَابَةُ بِبَذْلِهِ مَوَاقِعَهُ الْمَحْمُودَةَ عَقْلاً وَعُرْفًا وَشَرْعًا.

وَمُرُوءَةُ الْجَاهِ: بَذْلُهُ لِلْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ.

وَمُرُوءَةُ الْإِحْسَانِ: تَعْجِيلُهُ وَتَيْسِيرُهُ، وَتَوْفِيرُهُ، وَعَدَمُ رُؤْيَتِهِ حَالَ وُقُوعِهِ، وَنِسْيَانُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ. فَهَذِهِ مُرُوءَةُ الْبَذْلِ.

 

وَأَمَّا مُرُوءَةُ التَّرْكِ: فَتَرْكُ الْخِصَامِ، وَالْمُعَاتَبَةِ، وَالْمُطَالَبَةِ وَالْمُمَارَاةِ، وَالْإِغْضَاءِ عَنْ عَيْبِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ حَقِّكَ، وَتَرْكُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي طَلَبِهِ، وَالتَّغَافُلُ عَنْ عَثَرَاتِ النَّاسِ، وَإِشْعَارُهُمْ أَنَّكَ لَا تَعْلَمُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَثْرَةً، وَالتَّوْقِيرُ لِلْكَبِيرِ، وَحِفْظُ حُرْمَةِ النَّظِيرِ، وَرِعَايَةُ أَدَبِ الصَّغِيرِ.

 

والمروءةُ: صفةٌ من الصفات المُكمِّلة لشخصيَّة المسلمِ الحقّ، سواء كان ذكرًا أو أنثى، وهي وإن اختلفت من زمنٍ إلى آخر، ومن مكانٍ لآخر، ومن مجتمعٍ لآخر، ومن سِنٍّ لآخر؛ إلاّ أنَّ لها سمةً عامَّةً وهي المحافظة على رجوليّة المسلم ودينِه وهيبته.

 

قال القرطبي: "وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك، والعادة متباينة فيها، وأحوال العرب فيها خلافُ أحوال العجم، ومذهب أهل البدو غير مذهب الحضر، خصوصاً إذا كانت الحالة حالة ضرورة"(تفسير القرطبي: سورة القصص: 23).   

 

أيها الإخوة: وللمروءة خوارم كثيرة؛ منها ما هو من المحرمات، ومنها ما هو من المكروهات، ومنها ما هو من المباحات بالأصل، لكن تعارَف الناس على استنكاره، ونذكر بعضًا منها:

 

 كثرة التهكم والسخرية من كلام بعض المتكلمين في المجلس والضحك عليه، واحتقاره وجعله مقصدًا للتندر والسخرية وهذا حرام، فربنا يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحجرات:11].

 

قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "وهذا من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض، أن (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ) بكل كلام، وقول، وفعل دالّ على تحقير الأخ المسلم، فإن ذلك حرام، لا يجوز، وهو دالّ على إعجاب الساخر بنفسه، وعسى أن يكون المسخور به خيرًا من الساخر، كما هو الغالب والواقع، فإن السخرية، لا تقع إلا من قلب ممتلئٍ من مساوئِ الأخلاق، متحلٍّ بكلِ خُلُقٍ ذَمِيمٍ، ولهذا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ"(رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).

 

ومن خوارم المروءة: مخالفة لباس أهل بلدته، والتفنُّنُ في الغرابة في اللباس؛ فقد بدأ بعض الناس يتهاونون باللباس السائد في بلادنا، فصرتَ ترى بعض الرجال والشباب يلبسون ملابس غريبة، ومنها لبس السراويل القصيرة المسماة "الشورت"، والخروج بها في الأسواق، بل إن بعضهم يأتي بها للمساجد، وربما انكشف بعض عورته هو يصلي، وهذا يُبطِل الصلاة، ومنهم من يلبس ثياب شهرة، إما بلونها، أو شكلها، أو برسوماتها، أو بوجود كتابات غير لائقة أخلاقيًّا أو فكريًّا بأي لغة؛ ليلفت النظر إليه، وكذلك رفع صوت الموسيقى في الأحياء، ووضع آلات في السيارات من أجل إحداث الضجيج في الأسواق والميادين العامة، سعيًا للشهرة ويعدون ذلك من الحرية الشخصية.

 

ومنها: أن يتحدّث الرجل عن أمور المعاشرة الزوجية فيكشف غطاء بيته وستر الله عليه؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:  "أَلَا عَسَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَخْلُوَ بِأَهْلِهِ، يُغْلِقُ بَابًا، ثُمَّ يُرْخِي سِتْرًا، ثُمَّ يَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ حَدَّثَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ، أَلَا عَسَى إِحْدَاكُنَّ أَنْ تَغْلِقَ بَابَهَا، وَتُرْخِيَ سِتْرَهَا، فَإِذَا قَضَتَ حَاجَتَهَا حَدَّثَتْ صَوَاحِبَهَا"؛ فَقَالَتِ أَسْمَاءُ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُنَّ لَيَفْعَلْنَ، وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- : "فلَا تَفْعَلُوا، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةً عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَرَكَهَا"(رواه أحمد والطبراني والبزار وصححه الألباني).

وَهَذَا مَثَلُهُ فِي الْقُبْحِ وَالتَّحْرِيمِ.

 

وقال النووي: "تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمر الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه. فأمّا مجرد ذكر الجماع فإن لم يكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه؛ لأنّه خلاف المروءة".

 

أيها الإخوة: ومن خوارم المروءة: كثرة السؤال عن خصوصيات الناس؛ مثل: كم عمرك، كم وزنك، كم عيالك، كم راتبك، لماذا لم تتزوج، وغيرها، وهذا كله من خوارم المروءة، فالسائل إما أن يُحرج نفسه بسؤاله فيجاب عليه بما لا يحب، فَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ الشَّافِعِيَّ -رحمه الله- عَنْ سِنِّهِ، فَقَالَ: "لَيْسَ مِنَ الْمُرُوءَةِ أَنْ يُخْبِرَ الرَّجُلُ بِسِنِّهِ".

 

وَسَأَلَ رَجُلٌ مَالِكًا -رحمه الله- عَنْ سِنِّهِ؛ فَقَالَ: "أَقْبِلْ عَلَى شَأْنِكَ"(رواه أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء). وكأن الإمام مالك -رحمه الله- يقول لسائله: هذا الأمر لا يعنيك. وقيل: لعل السبب إِن كَانَ صَغِيرًا استحقروه، وَإِن كَانَ كَبِيرًا استهرموه، وربما أحرج المسؤول بسؤاله فأجاب بخلاف الواقع أو أخبر بما لا يحب الإخبار به.

 

جَمَّلنا الله بحسن الخصال وطيب الفعال، وحشرنا مع الصحب والآل، وبَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآَنِ العَظِيْمِ ونَفَعَني وَإِيَاكُم بِمَا فِيهِ مِنْ الآَيَاتِ والذِكرِ الحَكِيمِ.

 

 أَقُولُ قَولِي هَذَا، وأَستَغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُم وَلجميعِ المُسلِمَينَ مِنْ كُل ِذَنْبٍ وَخَطِيئةٍ فاسْتَغْفِرُوه إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ والشُكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعظِيماً لِشَأنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، المُؤيَّدُ بِبُرهَانِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً.

 

أَمَا بَعْدُ -أَيُهَا الإِخْوَة- فاتَقُوا اللهَ حَقَ التَقْوَى، واعْلَمُوا أَنَّ من خوارم المروءة كذلك: التحدث بما يُستقبَح على الطعام، أو فِعْل ما تنفر منه النفوس ويسدّ شهية مَن معه على الطعام، أو إحداث أصوات أو حركات مستقبَحة ينفر منها الحاضرون، وليكن أصل كل هذه الآداب ما رواه عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"؛ قِالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ(رواه البخاري ومسلم).

 

ومن خوارم المروءة: التحدث مع كبير السن بما لا يليق بمقامه، أو التقدم بين يديه في الدخول والخروج، أو مقاطعة حديثه، أو السخرية منه، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا"(رواه أحمد وغيره عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وصححه الأرناؤوط).

 

وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ"(رواه أبو داود عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وحسنه الألباني)؛ أَيْ: من تَبْجِيلِ اللهِ وَتَعْظِيمه تَعْظِيمُ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ فِي الْإِسْلَام، بِتَوْقِيرِهِ فِي الْمَجَالِس، وَالرِّفْقِ بِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَنَحْو ذَلِكَ.

 

وبعد: واعلموا أن المروءة تكسب الإنسان مكارم الأخلاق، وتُعلي شرف النّفس وقدرها، وتُضفي على الإنسان عزًّا، وعلى المجتمع ترابطًا، وتخلَّص الإنسان من غرور الهوى ونوازع الشَّهوة.

 

اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه واغفر لنا ووالدينا.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life