عناصر الخطبة
1/ زهد النبي الكريم 2/ المحاسبة على النعيم 3/ معاناة آبائنا الشديدة 4/ نعم الله علينا 5/ معصية الله بنعمه 6/ حفظ النعم بشكرهااهداف الخطبة
اقتباس
إن كثيراً من الناس لم يعرف لنعمة الله حقها، فتراهم يعصون الله بنعمه، وليس بخافٍ عليكم حال أولئك الذين لما منَّ الله عليهم بالمال أودعوه في بنوك الربا وأخذوا على ذلك الفوائد، أو ساهموا في تجارتها وأسهمها، وكل ذلك محاربة لله ورسوله. وما ظنكم بمن آذنه الله بالحرب؟ إنه والله لمن الخاسرين ..
أما بعد: سنعرض في هذه الخطبة إلى شيء من أحوال نبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- الذي عن نفسه -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم عن أبي هريرة: "أنا سيِّدُ ولد آدم، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مشفَّع ".
وقد كان أمره -صلى الله عليه وسلم- عجباً فلقد كان يستطيع أن يتربع على عروش فارس والروم، ولقد كان يستطيع أن يرتع في ألوان النعيم في هذه الدنيا؛ لكنه آثَر ما عند الله تعالى: (وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الشورى:36].
لقد عاش هذا النبي الكريم عيشة الكفاف والقناعة بعيداً عن الترف والتنعُّم والترفُّه، فما كان رزقه إلا قوتاً، وهو ما يسد الرمق من الطعام.
تقول عائشة -رضي الله عنها- فيما رواه الشيخان: ما شبع آل محمد -صلى الله عليه وسلم- من خبز شعير يومين متتابعين حتى قُبض.
وقالت لعروة بن الزبير -وهو ابن أختها أسماء، رضي الله عنهم-، قالت لـه: والله يا ابن أختي! إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال: ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات النبي -صلى الله عليه وسلم- نار. قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء. متفق عليه.
ويقول النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-، لقد رأيت نبيكم -صلى الله عليه وسلم- وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. رواه مسلم. وما هو الدقل؟ إنه ردئ التمر!.
واستمعوا إلى هذه القصة العجيبة التي حدثت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً: خرّج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، فقال: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟" قالا: الجوع يا رسول الله. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "وأنا، والذي نفسي بيده، لَأَخْرَجَني الذي أخرجكما". ثم قال: "قوما".
فقام أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- معه فأتوا رجلاً من الأنصار فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحباً وأهلاً! فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أين فلان؟" قالت: ذهب يستعذب لنا الماء. فجاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه ثم قال: الحمد لله، ما أحدٌ اليوم أكرمُ أضيافاً منى، فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا.
وأخذ المدية، فقال لـه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إياك والحلوبَ!" فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق، وشربوا، فلما أن شبعوا وروُوا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: "والذي نفسي بيده! لتُسألنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة؛ أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم"!.
الله أكبر! الله أكبر! يا عجباً لتلك الحال! ويا عجباً لأولئك الرجال الذين تركوا الضياع والأموال طلباً لما عند الله مما أعده لعباده الصالحين.
ولم تزل تلك حال النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى توفي ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير، ثم توالت الشهور والدهور، ومضت مئين السنين، والنعم في إقبال وإدبار، بحكمة العزيز الجبار.
ثم أتى عصرا آبائنا وأجدادنا، ومرت عليهم أزمان عصيبة؛ فكثرت الأوبئة، وعم الجفاف، وكثر الجوع في الناس، حتى فتح الله باب خيره وبره على الناس، فكثر الخير، وقل الجوع، وتقدم الطب، وتراجعت الأوبئة؛ والله ذو فضل عظيم، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34].
وليس شيء بعزيز، فالله يعطي ويمنع، لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب؛ لكن العجب ليس من سعة فضل الله تعالى، فهذا مما لا يشك فيه مسلم؛ إنما العجب من قوم بدلوا نعمة الله كفراً، وما عرفوا لنعم الله قدراً، ولم يُحْدِثوا توبة ولا ذكراً ولا شكراً.
إن كثيراً من الناس لم يعرف لنعمة الله حقها، فتراهم يعصون الله بنعمه، وليس بخافٍ عليكم حال أولئك الذين لما منَّ الله عليهم بالمال أودعوه في بنوك الربا وأخذوا على ذلك الفوائد، أو ساهموا في تجارتها وأسهمها، وكل ذلك محاربة لله ورسوله. وما ظنكم بمن آذنه الله بالحرب؟ إنه والله لمن الخاسرين! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة:278].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال هم سواء". وهذا الأمر من أخطر الأمور، فعلينا أن نحذَره ونحذِّر منه أهلينا وأحبابنا وأصحابنا.
ومِمَّن لم يراع حق النعمة أولئك الذين يأتون بالراقصين والراقصات أو المغنين والمغنيات في حفلات الأعراس، وما شابهها من الحفلات، وهذا منكر عظيم يجب علينا إنكاره والتحذير منه.
ومن منهم من يُدخِل في بيته أنواعاً والأجهزة المفسدة لبيته وعياله، وينفق في ذلك الكثير من الأموال، وهذا مما لا شك في تحريمه؛ كيف لا؟ ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في الحديث المتفق عليه: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة". وفي رواية "فلم يُحِطْها بنصحة لم يجد رائحة الجنة".
فاجتهدوا يا إخوتي في الله في حفظ نعم الله بشكرها وعدم جحودها وكفرها، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
التعليقات