عناصر الخطبة
1/نعمة الصحة 2/الصحة لا يعرف قدرها إلا من فقدها 3/المؤمن بين الشكر والصبر 4/بعض ما يجب على المريض 5/بعض ما يحرم على المريض 6/استثمار نعمة الصحة فيما ينفع 7/فضل زيارة المريض 8/آداب زيارة المريضاهداف الخطبة
اقتباس
إن من العجب الشديد -أيها الإخوة في الله-: أن كثيرا منا ممن منحهم الله الصحة في أبدانهم، والعافية في أجسادهم، يصبحون في عافية، ويمسون في عافية، يتقلبون في هذه النعمة صباحا ومساءا، وليلا ونهارا، ولكنهم -وللأسف الشديد- لم يرعوا هذه النعمة حقها، ولم يقدروها قدرها، فتلحظ في كثير من الأصحاء اليوم بعدا عن الله -عز وجل-، وتقصيرا في حقه سبحانه، وتثاقل في القيام بما أوجبه الله -عز وجل-، بل و...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن تبعهم واكتفى، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- في الضراء والسراء، وراقبوه سبحانه في الشدة والرخاء، واذكروه سبحانه في البأساء والنعماء، تكونوا من عباده المفلحين.
إخوة الإسلام: إن من النعم العظيمة التي يعيشها كثير منا: نعمة الصحة في الأبدان، هذه النعمة التي حرمها كثير من الناس اليوم، وإذا ما قمت بزيادة لإحدى المستشفيات، او مراجعة المستوصفات تجد ما يصدق هذا.
إن نعمة الصحة والعافية التي يعيشها كثير من الناس، هي منحة إلهية، هي عطية ربانية، تستوجب –والله- الشكر لله -عز وجل-، وتستدعي استثمارها في العمل بطاعة الله، واستغلال هذه الطاقة والقدرة في كل ما يقرب من الله -عز وجل-.
تأمل -أيها المسلم-: يا من منَّ الله عليك بالصحة في بدنك، تأمل جوارحك وأعضاءك لو أصابها شيء من المرض والألم، إنك عند ذلك ستفقد طعم الراحة واللذة، وستفوتك عبادات عظيمة كنت تقوم بفعلها.
لو أصبت في عينيك لحرمت نعمة النظر في المصحف، وقراءة القرآن، ولو أصبت في قدميك أو رجليك؛ لحرمت لذة القيام، وطول القنوت بين يدي الله -عز وجل- في الليل والنهار، ولو أصبت في معدتك بمرض فقد يحول هذا المرض بينك وبين الصيام، بل لو انحبس بولك ولو لحظة واحدة، ولو لثواني معدودة لتكدرت -والله- حياتك، وتنغصت معيشتك، ولبذلت كل ما تملك في سبيل العافية والصحة، فكيف لو أصاب المرض قلبك، أو قرر الأطباء استئصال عضو من أعضاءك، أو أصبت بمرض من الأمراض المنتشرة في هذا الزمان -نسأل الله العافية-.
إن من العجب الشديد -أيها الإخوة في الله-: أن كثيرا منا ممن منحهم الله الصحة في أبدانهم، والعافية في أجسادهم، يصبحون في عافية، ويمسون في عافية، يتقلبون في هذه النعمة صباحا ومساءا، وليلا ونهارا، ولكنهم -وللأسف الشديد- لم يرعوا هذه النعمة حقها، ولم يقدروها قدرها، فتلحظ في كثير من الأصحاء اليوم بعدا عن الله -عز وجل-، وتقصيرا في حقه سبحانه، وتثاقل في القيام بما أوجبه الله -عز وجل-، بل واستعمالا لأبدانهم وجوارحهم فيما حرم الله -عز وجل-.
فهل أمن هؤلاء الذين يتقلبون في النعمة والعافية صباحا ومساءا هل أمنوا من أن تتبدل صحتهم مرضا؟ وعافيتهم بلاءً في لحظة من اللحظات في طرفة عين أو أقل من ذلك؟ هل أمن هؤلاء من أن يفجأهم جند من جنود الله -عز وجل-، فيسلط الله عليه مرضا مما قدره الله عليه؟ أم أن ذلك هو الوقوع في التسويف، وإتباع الهوى والشيطان، وطول الأمل الذي يصد عن ذكر الله وطاعته، والاستعداد للقائه؟
تذكر -أيها الأخ المعافى- المنعم عليك: الصحة في بدنك، والعافية في جسدك!.
تذكر: أن ما بينك ويبن المرض إلا قدر الله -عز وجل-!.
وتذكر: أن ما تتمتع به من صحة ونعمة ستحاسب عليه يوم تقدم على ربك الذي أنعم عليك بذلك!.
تذكر: أن من عرف الله في حال الرخاء والسراء، في حال النعمة والعافية؛ عرفه الله في حال الشدة والبأساء والضراء.
تذكر: أخيرا قوله صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس" وذكر منها صلى الله عليه وسلم: "وصحتك قبل مرضك".
أيها الإخوة في الله: إن المؤمن حقا هو الذي يعيش لذة الإيمان، وحقيقة الرضا والشكر لله -عز وجل- في أحواله دائما في السراء والضراء، في الشدة والرخاء، إن أصابه خيرا من الله شكر ربه واستعان بما منحه الله من نعمة وخير على طاعة خالقه ومرضاته.
ولم تكن تلك النعمة لتكسبه طغيانا وتكبر وبعدا وإعراضا عن الله -عز وجل-.
وإن أصابته بلية صبر عليها، ورضي بقضاء الله وقدره، واحتسب مصابه عند ربه، وأيقن أن في ذلك تكفير سيئاته، ومحو خطيئاته، ولم تكن البلية والمرض سببا في اليأس والقنوط من رحمة الله -عز وجل-.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن".
احفظ -أيها المسلم-: الحديث، وافهمه فهما جيدا، واعمل بمقتضاه، تكسب السعادة في الدنيا والآخرة: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن".
فهو يقوم في حالة من الأحوال التي تمر به يقوم بواجبها، وفي حال السراء والنعماء والخير والعافية والصحة يقوم بواجب الشكر لله -عز وجل- بقلبه ولسانه وجوارحه.
وهو في حال البلية والبأساء والشدة والضراء والمرض يقوم بواجب ذلك كله من الرضا والصبر والاحتساب، والشكر لله -عز وجل- على ما أصابه.
وإذا كان المرض -أيها الإخوة المسلمون-: إذا كان المرض سنة من سنن الله -عز وجل- يصيب به من يشاء من عباده، ويكشفه عمن يشاء من خلقه، فإن من الواجب على المسلم إذا نزل به المرض أن يتذكر أمورا كثيرة.
منها: أن يعتقد المسلم أن ما أصابه إنما هو بقدر من الله -عز وجل-، قال الله -عز وجل- في محكم كتابه (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)[القمر: 49].
وقال صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك".
وإنما ذلك المرض ابتلاء واختبار من الله -عز وجل- لعبده: أيصبر على قدر الله ويرضى بقسم الله -سبحانه وتعالى- أم يضجر ويسخط؟
على المسلم إذا أصابه المرض أن يعلم أن واجبه في المرض الصبر والاحتساب والرضا بالمقدور، وعدم التسخط، كما أن واجبه في الصحة والثناء على الله -عز وجل-.
ومما ينبغي للمسلم: أن يعتقده أثناء مرضه: أن يعلم يقينا أن أفعال الله -عز وجل- وخلقه وتقديره كل ذلك لحكمة، كل ذلك عن علم وكمال إرادة وقدرة وعلم، وأنه سبحانه وتعالى لا يظلم أحدا، ولا يريد بعباده إلا الخير، مهما نزل بالإنسان من بلاء ومرض؛ لأن الأمور في ميزان المسلم إنما تقاس بالخواتيم، وعاقبة المسلم الصابر على البلاء أن يوفى أجره بغير حساب؛ كما قال الله -عز وجل-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: 10].
ولئن استوى معظم الناس في حال الصحة من الشكر لله، والاعتراف بالنعمة، فإن التباين إنما يظهر واضحا بين الناس حال المرض والبلاء، فقليلا ما ترى الصابر في مرضه الملتجأ إلى ربه، ولهذا قال الحسن البصري -رحمه الله-: "استوى الناس في العافية، فإذا نزل البلاء تباينوا".
إن مما يقوي رضا المسلم بقضاء الله وقدره، ويبعث الاطمئنان في نفس المريض: أن يعلم المسلم أن له في مرضه ثوابا عظيما أراده الله له، وأن فيه تكفيرا لذنوبه، ووصولا به إلى مراتب الخير، لم يكن ليصلها بمجرد عمله.
قال الله -تعالى- مبينا ما ينال الصابرين عند المصائب: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 156-157].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله -تعالى- إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط".
وبين صلى الله عليه وسلم أن البلاء إذا نزل بالمسلم كفر سيئاته، ومحا خطيئاته، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله -تعالى- وما عليه خطيئة".
إن كثيرا من الناس -أيها المسلمون-: إذا نزل بهم البلاء ظنوا -عياذا بالله- ظنوا بالله ظن السوء، وتلفظوا بألفاظ بذيئة، تنافي الرضا بالقضاء والقدر، يقول بعضهم: "ماذا عملت يا ربي في كذا وكذا؟!" أو يقول بعضهم: "ما الذي عملت يا ربي حتى تفعل بي كذا وكذا؟!" أو يقول بعضهم: "يا ربي أنا خير من فلان وفلان! وهذه المصائب تلاحقني دائما! وأولئك لا يصيبهم شيء من البلاء والمرض!".
وهذه الألفاظ وأمثالها -والعياذ بالله- مع ما فيها من سوء الأدب، وكره التلفظ والمعاملة مع الله -عز وجل-، هي تتضمن كذلك قدحا في عقيدة المسلم، ينبأ هذا عن فعل عظيم.
إن المؤمن بعقيدته يعلم أن البلاء إذا نزل به، فهو خير ساقه له الله -عز وجل-، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده خيرا عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه، حتى يوافى به يوم القيامة".
إن المرض إذا نزل بالمسلم، فإن المسلم إذا كان في حياته على طاعة وعبادة، كان ذلك المرض سببا لانكسار قلبه، وسببا لوصوله درجات عظيمة في الآخرة، لم يكن ليصل إليها بمجرد عمله السابق!.
وإن نزل المرض بالمسلم وهو مقصر في طاعة الله كان ذلك المرض سببا لتذكيره، سببا لوعظه حتى يرجع إلى ربه وينيب ويتوب، ويقلع عما هو عليه من ذنوب ومعاصي؛ لئلا يلقى الله -عز وجل- بتلك القبائح
كثير من الجهلة يسب المرض الذي ينزل به، وهذا كذلك سوء أدب مع الله -عز وجل- الذي قدر المرض والعافية؛ فعن جابر -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل على أم السائب أو أم المسيب، فقال: ما لك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: "لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد".
وإن مما يحسن التنبيه عليه في هذا المقام: أن يعلم المسلم أن الله -عز وجل- وحده هو الضار النافع، هو المعطي المانع، هو الذي يمرض من يمرض، ويشفي من يشفي، فالمرض بيده وحده، والشفاء منه وحده، قال تعالى حكاية عن إبراهيم -عليه السلام- إمام الموحدين: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشعراء: 80].
ولهذا لا ينبغي أن يقطع المسلم رجاءه بالله -عز وجل-، ولا أمله بخالقه -سبحانه- مهما اشتد مرضه، وساءت حالته، بل عليه أن يلح في دعاء ربه، ومناجاة خالقه، والله -عز وجل- يحب من عباده أن يلحوا في الدعاء، وأن ينطرحوا بين يديه، آملين عافيته، وكشف الضر عنه وهو وحده القادر على كشف الضرر، ورفع البلاء، متى شاء سبحانه وتعالى: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)[الأنبياء: 23].
إن الأدوية التي يتناولها المسلم، والعلاج الذي يتعاطاه، لو لم يقدر الله -عز وجل- فيه العافية لن ينفع متعاطيه، إنما هي أسباب، والمسبب هو الله وحده -عز وجل-، فمع تناولك للدواء والعلاج علق قلبك بخالقك، واسأل الله -عز وجل- أن يبارك في هذا الدواء والعلاج: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)[الأنبياء: 83-84]
وإن من الشرك ما يفعله بعض المرضى حينما يشتد بهم المرض، ويطول بهم البلاء، تخور همهم، وتضعف عزائمهم، ويضعف يقينهم بربهم -عز وجل-، فيلجئون -عياذا بالله- إلى المشعوذين والدجالين، والسحرة والكهان، يطلبون منهم دفع ما نزل بهم، وقد يطلبون منهم الذبح للجن والشياطين، وفعل بعض المنكرات، أو ترك الصلاة -عياذا بالله-، وغير ذلك، وهذا كله عين الشرك والكفر -والعياذ بالله عز وجل-.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم محذرا أمته من الذهاب إلى السحرة والكهان والعرافين: "من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوما".
وفي حديث آخر: "من أتى عرافا فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-".
فعلى المسلم: أن يقوي يقينه دائما بالله -عز وجل-، ويحذر من مكائد الشيطان، فإنما يريد الشيطان إهلاكه وإضلاله، ولا سيما في آخر حياته؛ لأن الشيطان لا ييأس دائما وأبدا من إضلال بني آدم، فهو عهد قطعه على نفسه ليغوين عباد الله أجمعين، وبخاصة إذا كان الإنسان في حال المرض والضعف يأتي إليه الشيطان، ويزين له عمل الباطل والمنكر.
فنسأل الله -عز وجل- بمنه وكرمه، وهو الذي بيده الخير والضر، والعافية والمرض؛ نسأله سبحانه وتعالى أن يمنحنا جميعا الصحة في القلوب والأبدان، والأمن في البلاد والأوطان، كما نسأله سبحانه وتعالى أن لا يعرضنا للفتن، وأن يختم لنا بخبر؛ إنه أكرم مسئول.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)[النمل: 62].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله أهل الحمد ومستحقه، أحمده سبحانه في السراء والضراء، وأسأله اللطف في البأساء، كما نسأله سبحانه الشكر في النعماء، وأصلي وأسلم على الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى، محمد بن عبد الله، عليه صلوات الله وسلامه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بجماعة المسلمين، فإن الله يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شد في النار.
أيها الإخوة المسلمون: اتقوا الله -عز وجل-، واستثمروا حال النعمة والعافية والصحة في طاعة الله -عز وجل-، والتزود من الأعمال الصالحة، والقربات النافعة، فإن العافية قد لا تدوم، واستثمروا حال المرض والشدة والبلاء في كثرة الاستغفار، وتجديد التوبة والإنابة، واللجوء إلى الله، والانطراح بين يديه، فتلك عبادات عظيمة يحبها الله -سبحانه وتعالى-، ويثيب صاحبها عليها.
واعلموا -رحمكم الله-: أن مما سنه الإسلام للمسلمين: عيادة المريض من أجل الاعتبار بحاله، والتخفيف عليه.
لقد رغب رسولكم -صلى الله عليه وسلم- في زيارة المريض في أحاديث كثيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا".
وعن ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن المسـلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة، حتى يرجع" قيل: يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: "جناها"
واسمع إلى هذا الحديث العظيم الذي يبين فيه صلى الله عليه وسلم ما أعده الله لمن زار مريضا؛ عن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من مسلم يعود مسلما غدوة، إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة"[رواه الترمذي وقال: حديث حسن].
وحذر صلى الله عليه وسلم من ترك عيادة المريض، وعدم زيارته، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله -عز وجل- يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده".
وينبغي لمن زار مريضا أن يضع يده على يدي المريض، أو رأسه، ويسأله عن حاله، ويظهر ارتياحه من حاله، وتحسن صحته، وظهور علامات الشفاء عليه، حتى يبعث الأمل في نفسه.
وعلى الزائر كذلك: أن يخفف الجلوس؛ لأن في الإطالة عند المريض إثقال على المريض وأهله، إلا إذا رغب المريض في ذلك، فلا بأس من إطالة الجلوس شيئا يسيرا.
ويستحب للزائر: أن يظهر الرقة والرأفة، ويدعو للمريض بالعافية؛ فعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: "عادني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً".
ويستحب للزائر: أن يرقي المريض؛ فعن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعود بعض أهله، يمسح بيده اليمنى، ويقول: " اللَّهُمَّ ربَّ النَّاسِ، أَذْهِب الْبَأسَ، واشْفِ، أَنْتَ الشَّافي لا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفاءً لا يُغَادِرُ سقَماً".
وأما المريض فعليه بحسن الصبر، وقلة الشكوى، والتضجر، والفزع إلى الدعاء، والتوكل على الله -عز وجل-، والرضا بما أصابه، واحتساب ذلك في سبيل الله -عز وجل-، يظهر رضاه بقضاء الله وقدره، وشكره لربه، وحمده سبحانه وتعالى.
زار بعضهم مريضا فوجده يحمد الله -عز وجل-، ويكثر من حمد الله، والثناء عليه، فتعجب الزائر من ذلك، وقال: "ما أرى في بدنك وجسدك ما يدعو للحمد والشكر؟!" وكان قد امتلأ بدنه بالقراح والصديد، فقال المريض: "الحمد لله الذي جعل لي لسانا لأذكره".
ثم قال المريض لذلك الزائر، تصور لو كانت هذه القروح في لسانك، تصور لو كانت هذه القروح في عينيك، تصور لو كانت هذه القروح في أذنيك، وأخذ يعدد نعم الله -عز وجل- عليه، حتى هانت على ذلك الزائر مصيبته.
فهذا دأب الصالحين عند نزول المرض، صبر واحتساب وشكر لله -عز وجل-، وتعلق بالله -عز وجل-، وإلحاح في دعاء لله -سبحانه وتعالى- بأن ينزل عافيته، وأن يرفع بأسه وبلاءه، ومع ذلك كله مع الصبر والاحتساب والرضا بالمقدور، لا بأس أن يظهر الإنسان ما يفيد توجعه على أن لا يكون ذلك تسخطا، أو إظهارا للجزع.
فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ".
وينبغي للمريض أن لا ينسى الدعاء لنفسه ولزائريه، فإن دعوة المريض مستجابة؛ عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلْتَ عَلَى مَرِيضٍ، فَمُرْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَكَ، فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ"
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يديم علينا نعمته وعافيته.
اللهم أدم علينا نعمتك وعافيتك.
اللهم أدم علينا نعمة العافية والصحة، واجعلها يا ربنا عونا لنا على طاعتك، وذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك في هذه الساعة المباركة واليوم المبارك أن تشفي مرضى المسلمين.
هذا، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صل وسلم وبارك...
التعليقات