اقتباس
وفي ذات اللحظة ناقش الليبراليون في صفحاتهم وعلى حساباتهم القضية من منظور المنطوق لا المفهوم، فبالمدلول اللفظي فقط دون المفهوم - وهي اللعبة الخفية لهم - لا توجد أية في القران فيها نص يقول "حرمت عليكم الخمر" كما هو الحال في غيرها من المحرمات، ولا يوجد نص على عقوبة شاربه في القرآن أيضا، وهنا يتملصون من الفكرة التي يفهم بها النص إلى المنطوق فقط، ويلبسون ويدلسون على العامة بهذه الكلمات ليظهروا بذلك العلماء والغيورين بأنهم ليسوا بأهل علم ولا فكر ولا نقاش وأنهم يكفرون الناس.
مركز تأصيل للدراسات
بين الفينة والأخرى وكلما هدأت الساحة الفكرية قليلا كلما قام واحد من العلمانيين بكتابة تغريدة أو بالأحرى نعقة يطعن فيها في ثابت من الثوابت؛ لينشغل به الناس ويردوا عليه وتموج الساحة بالردود المتبادلة والاتهامات المحفوظة، لتستمر الساحة الفكرية عندنا نحن المسلمين في حالة غليان دائم وحروب فكرية ومطاحنات مستمرة.
وعادة ما يقدم العلمانيون على هذا الفعل بالطعن في الثوابت التي يمكن لأي طفل مسلم تعلم بعض مسائل الدين الكبرى لا دقائقه الرد عليها، وبالتالي يرد عليه كبار أهل العلم ويرد أيضا طلبة العلم بمختلف درجاتهم ومراتبهم وينضم للرد أيضا قليلو العلم غيرة على دينهم، لتحدث حالة من السباب المتبادل بين سفهاء العلمانية وبين البسطاء الغيورين على الدين، ومن ثم لا تهدأ الساحة الفكرية أبدا، ليعود بعدها العلماني الذي وكل إليه هذا الدور إلى تبرير ما قال تبريرا يبرئ ساحته أو يعتذر لا لينتهي الموقف عند هذا بل للاستعداد لجولة جديدة من حالة الفوضى الفكرية وحالة الإرباك في المشهد للتشغيب على أهل العلم وإشغالهم في معارك جانبية ولتفتيت الأمة بل لتفتيت أبناء البيت الواحد، وهكذا هي العلمانية دوما.
ودأب العلمانيون على صياغة الشبهات جيدا قبل إلقائها على الناس لتكون صياغة مائعة غير محكمة ولا قاطعة لتحدث نتيجتين هامتين:
أولهما: لتلقي بذرة من بذور الشك للمسلم البسيط في دينه ليتم تغذيتها بعد ذلك وتحدث هزة في الثوابت لديه.
وثانيهما: أن تحدث أكبر قدر من ردود الأفعال لتوجد حالة من الجدل، يتمسك فيها هو بمدلول اللفظ ولابد وان يتدخل مع علماني مثله أو أكثر لدعم كلمته وتأييدها، ثم يرد المنكرون عليه على مفهومه لتكون الإشكالية الكبرى في الفراغ بين اللفظ والمفهوم هي المساحة الفارغة التي يتحرك فيها العلماني ومن على شاكلته، ومن ثم يستغلون أي رد علمي على المفهوم ليبدءوا رحلة جديدة حول تكفير العلماء لهم وحول عدم قدرة العلماء على النقاش ويتهمونهم بالظلامية والرجعية والتخلف.
وتحت نسق هذه الفكرة جاءت تغريدة على حساب الكاتب العلماني عبد الله بن بخيت التي قال فيها نصا "لم أجد في القرآن نصا يحرم الخمر ولا توجد له عقوبة", وتدخل علماني آخر ليسانده ويدعمه وهو السينمائي والإعلامي "صالح الفوزان" الذي قال كرد داعم له: "لم يثبت أن النبي حدّ شارب الخمر، وقد شربها الجمّ الغفير بعد التحريم"، وهنا لابد وأن نتدارس اللعبة العلمانية المكررة والتي يجب أن ننتبه لها لنحسن التعامل معها.
فمفهوم تغريدته إنكار تحريم الخمر في الإسلام، وهو استحلال لما حرمه الله سبحانه، والقضية الواضحة أن استحلال ما حرمه الله افتئات على حق الله سبحانه في الحكم والتشريع وهو كفر، ومفهوم تغريدته أيضا أن الخمر ليس فيه في النهي عنه في القرآن ولا في السنة نص واضح بالتحريم والنهي، ومن مفهومها أيضا أن الكاتب العلماني أتى بما لم يقل به إجماع المسلمين منذ الصدر الأول منذ أن نزلت أية النهي عن شرب الخمر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة 90-91].
وبعدها التهب موقع تويتر للرد عليه حيث دشّن مغردون وسمًا حمل اسم "#عبدالله_بخيت_يح لل_الخمر"، شاركوا فيه بآلاف التغريدات، استهجنوا كلامه وتعجبوا من فتواه في أمور شرعية لا تمت لمجال تخصصه بصلة واختلفوا في أساليبهم في الرد عليه كل بحسب سعة علمه وضبط ألفاظه، وكان لابد من رد العلماء - وهو رد حق ليس فيه فسحة الترك ولا التأجيل- حول المفهوم من هذه النعقة الآثمة، فكان ممن ردوا عليه من أهل العلم الشيخ عبد العزيز الطريفي الذي رد على المفهوم من هذه التغريدة فقال: "إن تحريم الخمر متواتر في الوحيين، وأن من علامات الساعة استحلالها ومستحلها كافر بالإجماع"، كما كتب في تغريدة أخرى أن "الليبرالية طريق أوله هوى وفسوق، وأوسطه كفر، وآخره إلحاد، لا يمكن أن ينتهي به تسلسله الفكري إلا إلى ذلك".
وفي ذات اللحظة ناقش الليبراليون في صفحاتهم وعلى حساباتهم القضية من منظور المنطوق لا المفهوم، فبالمدلول اللفظي فقط دون المفهوم - وهي اللعبة الخفية لهم - لا توجد أية في القران فيها نص يقول "حرمت عليكم الخمر" كما هو الحال في غيرها من المحرمات، ولا يوجد نص على عقوبة شاربه في القرآن أيضا، وهنا يتملصون من الفكرة التي يفهم بها النص إلى المنطوق فقط، ويلبسون ويدلسون على العامة بهذه الكلمات ليظهروا بذلك العلماء والغيورين بأنهم ليسوا بأهل علم ولا فكر ولا نقاش وأنهم يكفرون الناس.
وهذا بالفعل ما حدث، فانتشرت على المواقع الإخبارية المعروفة بصلتها القوية بالليبراليين عناوين لافتة للنظر لتزيد النار اشتعالا مثل "داعية سعودي يكفر الكاتب عبدالله بن بخيت بسبب الخمر ( موقع محيط )، وأيضا " الشيخ "الطريفي" يكفر الكاتب "عبدالله بن بخيت" (صحيفة الوطن السعودية )، " شيخ سعودي يكفر كاتب (صحيفة القدس العربي ) وغيرها الكثير، ومن هنا تتضح أبعاد اللعبة الليبرالية المتكررة.
فكان لابد من مناقشة الأمر من الزاوية التي يجب مناقشتها منها وهي العلاقة بين النهي والتحريم في الأمر الإلهي المكون من الجزئين القرآن والسنة الصحيحة الثابتة، فما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وحي من الله ولا ينبغي التفرقة بينه وبين القرآن الكريم، ويجب على العلماء تفصيل القاعدة الفقهية التي تقول بان "النهي يقتضي التحريم ما لم يصرفه صارف وهو قول جمهور الأصوليين" وتعليمها للعوام لينقلب السحر على الساحر، فكما يقول قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "أن النهي من قبل الله إذا ورد فحكمه التحريم، إلا أن يزيحه عن ذلك دليل يبين المراد منه، ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما علمت أن الله حرمها. ثم قال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها)" [1]
حتما لابد وأن يختلف التناول والتعامل مع الخبث الليبرالي في طرح الشبهات، فالرد يجب أن يكون على منطوقهم وعلى مفهومهم لكي يلقمهم العالم أحجارا يصمتون بعدها ولا يجترئون على ثوابت الشريعة.
ــــــــــ
[1] التمهيد ( 4 / 141 )
التعليقات