عناصر الخطبة
1/الكرامة في عبودية الله 2/عبودية الجوارح لله 3/خطر اللسان وفضائل استعماله في الطاعة وصونه عن الحرام 4/لا استقامة للسان إلا باستقامة القلب 5/بعض مثالب اللسان وآثاره السيئةاقتباس
جارِحَةُ اللِسان سِلاحٌ ذُو حَدَّيْن، نِعْمَةٌ تُغْتَنَم، وشِراكٌ يُتَوَقَّى، تَرْفَعُ صاحِبَها إِن طابَت، وتَخْفِضُهُ إِنْ خَابَت. لسانٌ بهِ المرءُ يَنْطِقُ، بِهِ يَشْكُرُ أو يَكفُر، بِهِ يُحسِنُ أَو يُسيءُ ويَمْكُر، بِه يَصْدُقُ الحديثَ فَيَبَرُّ ويَرْقَى، أَو...
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ سرَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 70]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أيها المسلمون: كرامةُ الإنسانِ بكمالِ عبودِيَّتِه لله، وهوانُهُ وذُلُّهُ بإعراضِهِ وبُعْدِهِ عَن الله يَقَعُ الإِنسانُ قاعِداً عَن القَدْرِ الذي رَفَعَهُ الله إليه، ويُرَدُّ مُنَكَّساً عَن المقامِ الذي هداهُ اللهُ إليه حِينَ يَتَمَرَّدُ عن مُرادِ اللهِ، وَحِيْنَ يُعرِضُ عَن شَرِيعةِ الله فَيَظَلُّ يَلْهَثُ خَلْفَ سَرَابٍ خَادِعٍ، وَيَتَخَبَّطُ في ظُلماتٍ مُتراكِمَة.
إنسانٌ بكامِلِ قُوّتِهِ وقَوَامِهِ وعَقلِه يَزِيْنُهُ في الناسِ خُلُقٌ كريمٌ، وَمَنْطِقٌ سَلِيْم، وأدبٌ جَمٌّ، ولسانٌ عفيف، وَيَشِيْنُه في الناسِ خُلُقٌ غليظٌ، ومَعْشَرٌ خَشِنٌ، ولِسانٌ سليطٌ.
جوارِحُ الإنسانِ يَسْنُدُ بَعْضُها بَعْضاً، جوارِحُ ظاهِرةٌ، وأُخْرَى بَاطِنَةٌ، وَلِكُلِّ جارحةٍ دَورُها في رَسْمِ الإنسانِ وبِنائِهِ وصِياغَتِه، وكُلُّ جارِحَةٍ من جوارِح الإنسانِ لها عُبودِيَّةٌ تلِيْقُ بِها، قلبٌ وعقلٌ وسمعٌ وبصرٌ ويَدٌ وقَدَم.
وجارِحَةٌ مِنَ الجَوَارِحِ هِيَ أَشَدُّ وأَخْطَر، جارِحَةٌ راجِحَةٌ بِعَقْلِ المرءِ أَو هِيَ جارِحَة إِن استقاَمَت رَجَحَت، وإن اخْتَلَّتْ جَرَحَتْ. تَسْتَقِيمُ فَيَرْجَحُ بحصادِها الميزان، أَو تَجْنَحُ فَتجرحُ وتُورِدُ مَوارِدَ الهَوان.
جارِحَةُ اللِسان سِلاحٌ ذُو حَدَّيْن، نِعْمَةٌ تُغْتَنَم، وشِراكٌ يُتَوَقَّى، تَرْفَعُ صاحِبَها إِن طابَت، وتَخْفِضُهُ إِنْ خَابَت.
لسانٌ بهِ المرءُ يَنْطِقُ، بِهِ يَشْكُرُ أو يَكفُر، بِهِ يُحسِنُ أَو يُسيءُ ويَمْكُر، بِه يَصْدُقُ الحديثَ فَيَبَرُّ ويَرْقَى، أَو يكذِبُهُ فَيَفْجُرُ وَيَشْقى، بِه يُفصِحُ المرءُ عَما في ضَمِيْرِه، ويَكشِفُ بِه عما في مَكْنونِه، يَطِيْبُ اللسانُ حينَ يكونُ رَطباً بذكرِ الله، وَيَخِيْبُ وَيَفْسُدُ حينَ يَخُوْضُ فيما لا يُرْضِي الله.
للسانِ فَضِيْلَةٌ لَمْ تُدْرِكها الجوارِحُ كُلُها، نالَ كرامةً لا تُنال، وبلغَ منزلَةً لا تُدرَك حِيْنَ كانَ بِكَلِمَةِ التوحيدِ ناطِقاً، وبكلامِ الله مُتَرَنِّماً، وبالمعروفِ آمراً، وعن المنكرِ ناهياً، بِهِ يُدخَلُ السرورُ على المَهْمُوْم، وبِهِ يُجَلي الضِّيقُ عَنِ المَكْرُوْب، وبِهِ يَقُولُ المرءُ التي هِيَ أَحسَنُ، ولا يُدْرِكُ نعمةَ اللسانِ إلا إنسانٌ تَعطَّلَ عن الحديثِ لِسانُه، وانعقَدَ عَن الإفصاحِ بَيانُه امْتَنَّ الله على الإنسانِ باللسان: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)[البلد: 8-10].
ضَمانُ المرءِ للسانِه، ضَمانٌ لِدُخوْلِه الجنة، قالَ سَهْلُ بنُ سعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمنْ لهُ الجَنَّة"(رواه البخاري).
وعلى مُخْرَجاتِ اللسانِ رَقَابَةٌ قَاسِيَةٌ وحِفظٌ وتدوينٌ وتَثْبِيْت فلا تَفْلُتُ مِنْ اللسانِ كلمةٌ إلا رُصِدَت: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ)[ق: 17].
كُلُّ عبدٍ وُكِّلَ بِهِ ملكانِ يُلازِمانِهِ في لَيْلِهِ ونَهارِه يَتَلَقَيَانِ أَعْمَالِهِ يَكْتُبَانِها عَن اليمين مَلَكٌ يكتبُ الحسناتِ، وَعَنِ الشِّمالِ مَلَكٌ يَكْتُبُ السيئاتِ (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18].
مَا يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ إِلا وَلَها مَنْ يُرَاقِبُهَا مُعَدٌّ لِذَلِكَ يَكْتُبُهَا، لا يَتْرُكُ كَلِمَةً ولا حَرَكَة إلا أَثْبَتَها: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)[الإنفطار: 10-12].
عبادَ الله: وَمَنْ اسْتَحْضَرَ هَذِهِ الحقيقةَ، وأَنَّ مِيزانَ الآخرةِ غداً أَعظَمُ ما يُعرضُ فيه حَصَائِدُ الألسنةِ كان للسانِه حَافِظاً وَلَهُ راعياً يُمْسِكُ عَن الخَوْضِ فِيما يَضُرّ، ويَنْطَلِقُ رَطْبَاً بِذِكْرِ اللهِ، وبِكُلِّ ما يَنْفَع، في وَصِيَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمعاذٍ -رضي الله عنه-: قال: "أَلَا أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟" قال معاذٌ: قُلْت بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْك هَذَا، قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: "ثَكِلَتْك أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِ علَى وجوهِهِم، أو علَى مَناخِرِهِم، إلَّا حَصائِدُ أَلْسِنَتِهِم"(رواه الترمذي)، وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"(متفق عليه).
طُوبَى للسانٍ طابَ مِنْهُ الكلامُ فَعُرِضَ على اللهِ.. فَرَضِيَ عن صاحِبِه (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)[فاطر: 10] قال السعدي -رحمه الله-: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) مِنْ قِراءَةٍ وَتَسْبِيْحٍ وتَحْمِيْدٍ وَتَهْلِيْلٍ، وَكُلِّ كَلامٍ حَسَنٍ طَيِّب، فَيُرْفَعُ إِلى اللّهِ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ سُبحانَه، وَيُثْنِي اللّهُ عَلَى صَاحِبِهِ بَيْنَ الملأ الأعلى".
إنها الكلمةُ الطيبةُ تَخْرُجُ من فَمٍ طَيِّبٍ فلا نهايَةَ لجلالَتِها، وإنَّها الكلمةُ الخبيثةُ تَخْرُجُ مِنْ فَمٍ خاطئٍ فلا نهايةَ لوخامَتِها، روى البخاري أَنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ -تَعَالى- مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ، وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ -تَعالى- لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم".
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ -رضي الله عنه- أَنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إنَّ الْعَبْد لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مَا يَتَبيَّنُ فيهَا يَزِلُّ بهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بيْنَ المشْرِقِ والمغْرِب"(متفقٌ عليهِ).
قَالَ ابنُ بُرَيْدَةَ: "رَأَيْتُ ابنَ عَبَاسٍ آخِذًا بِلِسَانِهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: وَيْحَكَ قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، أَو اسْكُتْ عَنْ سُوْءٍ تَسْلَمْ، وإِلا فاعْلَمْ أَنَّكَ سَتَنْدَمْ فَقيلَ لَهُ: يا ابنَ عَباسٍ لِمَ تَقُوْلُ هَذا؟ قَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِيْ أَنَّ الإنسانَ لَيْسَ عَلَى شَيءٍ مِنْ جَسَدِهِ أَشَدُّ حَنَقًا أَو غَيْظًا يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْهُ على لِسَانِهِ إِلا مَنْ قَالَ بِهِ خَيْرًا، أَوْ أَمْلَى بِهِ خَيْرًا".
(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ)[النور: 24- 25].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد الله رب العالمين، وِأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله -عبادَ الله- لعلكم ترحمون.
أيها المسلمون: يُحشَرُ العبادُ يومَ الحِسابِ إلى ربهم فلا يَنْفَعُ يَوْمَئِذٍ (مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 88-89]، وسلامةُ القلبِ تَسْرِي إِلى كُلِّ الجوارِحِ.
إذا سَلِمَ القَلْبُ واستقامْ تَبِعَتْهُ بِسلامَتِها الجوارِحُ، وأَنى للسانِ الإنسانِ أَن يستقيمْ ما لم يَكُن لُه قلبٌ سليمٌ يأَخُذُ بِزِمامِهِ فيأَمُرُهُ بالحُسْنى وعَن السوءِ ينهاه، وما سَعى ساعٍ في إصلاحِ لِسانِه بأصدَقَ مِن سَعْيِهِ في إصلاحِهِ لقَلْبِه يَعْمُرُه بخوفِ اللهِ ورجائِه، وتَعظِيْمِه وتوقِيرِه، ومَحَبَّتِهِ وطَلَبْ مَرْضاتِه، فَيَنْقادُ اللسانُ مُؤْتَمِراً بأَمرِ القَلْب.
ويَضعُفُ الإيمانُ بالقلبِ فلا يَكُفَّ اللسانَ عَن غيبةٍ ولا عَن نميمةٍ، ولا عَن سُخريةٍ ولا عن لَمزْ، ولا عَن سَبٍّ ولا عَن شَتْمٍ، ولا عَن قذفٍ ولا عَن كَذِبٍ، ولا عَنْ بُهتانٍ ولا عَن أذى، ولا عَن دعوةٍ للمنكرِ، ولا عَن قَولٍ فاحِشٍ، ولا عَن كلامٍ بَذيء، ولا يَكُفُّ عَنِ القولٍ على الله بغيرِ علمٍ، ولا عَن الفُتيا بِدِينِ اللهِ بَغَيْرِ دَلِيلٍ.
وما صَنَعَ عداوةً بَيْنَ الناسِ، ولا أحدَثَ فُرْقَةً بِيْنَ زوجينِ ولا بَيْنَ صديقينِ ولا بَيْنَ أخوينِ مِثلُ لسانٍ يَرمِيْ بكلماتٍ مُؤلِمَة، وبعباراتٍ جارِحَة، لا يَصْطَفِيْ من الكلامِ أطيَبَه، ولا ينتقي من القولِ أَلْيَنَه، وقديماً قِيل: "رُبَّ قَوْلٍ صَدَّع جَمْعاً، وسُكُوتٍ شَعَبَ صَدْعَاً"، وقَولُ اللهِ -أَجَلُّ وأَكرَم-: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا)[الإسراء: 53]، وَما نالَ كَرِيمٌ بَيْنَ الأنامِ كرامَةً إلا ولَه لِسانٌ عفيفٌ حَفِظَ بِهِ حَقَّ اللهِ، ورَعى بِه حقوقَ عبادِه.
عباد الله: ومما يقومُ مقامُ اللسانِ في كثيرٍ من المعاني والأحكام، ما يخُطُه القَلَمُ وما يُسَطِرُهُ البَنان فلئِن كانَ اللسانُ بَرِيْدُ القَلْبِ، فَالْقَلَمُ بَرِيْد اللسان مِنَ الِّلسَانِ تَصْدُرُ الكلماتُ المسموعةُ، ومن القلمِ تَصْدُرُ الكلماتُ المقروءة.
ولَرُبما تضاعَفَ أَثرُ القَلَمِ أضعافَ ما يُحدِثُهُ أَثَرُ اللسان إَنْ خَيْراً فَخَيْرٌ، وإِنْ شَرَّاً فَشَرّ، فَكْم أَبْقَى القَلَمُ مِن علمٍ مَوْرُوثٍ امْتَد نَفْعُهُ في الأَمَّةِ على مَرَّ القُرون؟ وكَمْ نُشِرَ سفي الكتابَةِ والقَلَمِ من معروفٍ؟ وكَمْ بُثَّ مِنْ خيرٍ، وكَمْ أُحْيِيَتْ مِنْ سُنَّة؟ وكَم أُشيْعَ مِنْ كِذْبَةٍ؟ ونُشِرَ مِنْ فِرْيَةٍ؟ وكَمْ دُعيَ فيهِ إلى مُنْكَرٍ وبِدْعَة؟ وبرامِجُ التقنيةِ ووسائلُ التواصُلِ تُنْبِيْكَ عَنِ هذهِ الحقيقةِ بالخبِرِ اليقين؟
وَما مِنْ كَاتِبٍ إِلا سَيَفنَى *** ويُبْقِي الدَهرُ ما كَتَبتَ يَداهُ
فَلا تَكتُب بِكَفِّكَ غَير شَيءٍ *** يَسُرُّكَ فِيْ القِيامةِ أَنْ تَراهُ
اللهم احفظ علينا ديننا...
التعليقات