عناصر الخطبة
1/موقف المسلم الحق مع الأحداث العظيمة 2/ أسباب طبيعية وشرعية في الظواهر الكونية 3/ الحكمة من الخسوف والكسوف 4/ حال النبي صلى الله عليه وسلم مع الكسوف وخطبته 5/ عواقب المعاصي على الديار 6/ المسارعة إلى التوبة .
اهداف الخطبة

اقتباس

ويعلم المسلم أن الكون بإنسه وجنّه وسمائه وأرضه وكواكبه ونجومه ومخلوقاته ما علمنا منها وما لم نعلم - إنما هي مسخرة بأمر الله يتصرف فيها كيف يشاء سبحانه، ولا معترض عليه، والمسلم بما يحمل من عقيدة التوحيد، يعلم أن الضر والنفع بيد الله، وأن ما يجري من زلازل وبراكين وأمطار وأعاصير ورياح وكسوف وخسوف إنما هي بقدر من الله لحكمة يريدها الله، علمها البشر أو غابت عنهم..

 

 

الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا..) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا..). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).[الأحزاب 70: 71]

معاشر المسلمين: إن المسلم الحق عندما يمر عليه من الأحداث العظيمة وغيرها المتعلقة بالكون من حوله؛ ككسوف الشمس وخسوف القمر، ينبغي أن يكون له وقفة تأمل واعتبار. وهذه الوقفة تنطلق من العقيدة التي رسخت في قلبه وانعكست على تصوراته للكون من حوله، فقلب المسلم معلق دائماً بالله، ما يرى من نعمة إلاّ ويعلم أنها من عند الله، وما يرى من مصيبة إلاّ ويعلم أنها بما كسبت يداه ويعفو عن كثير.

ويعلم المسلم: أن الكون بإنسه وجنّه وسمائه وأرضه وكواكبه ونجومه ومخلوقاته ما علمنا منها وما لم نعلم، إنما هي مسخرة بأمر الله يتصرف فيها كيف يشاء سبحانه، ولا معترض عليه.

والمسلم بما يحمل من عقيدة التوحيد، يعلم أن الضر والنفع بيد الله، وأن ما يجري من زلازل وبراكين وأمطار وأعاصير ورياح وكسوف وخسوف إنما هي بقدر من الله لحكمة يريدها الله، علمها البشر أو غابت عنهم.

والمسلم دائماً يتأثر قلبه بالآيات الكونية التي يراها ماثلة أمام عينيه، وهذه الآيات تذكره بالله وتحيي قلبه وتجدد الإيمان فيه، وتجعله متصلاً بالله ذاكراً له، شاكراً لنعمه، مستجيراً بالله من نقمته وسخطه.

أيها المسلمون: إن مما يحزن له المسلم أن يجد بعض المسلمين ينسى مثل هذه الحقائق الإيمانية العظيمة في خضم الأحداث التي قد تفجأه.

وإننا نحن المسلمين نقر بأن لهذه الظواهر الكونية أسباباً طبيعية وأن أهل الفلك يستطيعون معرفة وقوعه قبل وقوعه، عن طريق حسابات دقيقة ويحدد باليوم والساعة والدقيقة، ونقر أيضاً ونعتقد بأن لهذه الظواهر أسباباً شرعية أيضاً وهي المهمة، وأنها ابتلاءات يخوف الله بها عباده، من عاقبة ما يفعلون، ومن جرم ما يرتكبون، جعلها الله أسباباً لنستيقظ من غفلتنا، ولنحاسب أنفسنا ولنلتفت إلى واقعنا، فنحدث بعدها توبة، ونصحح ما عنّ فيه من أخطاء.

إن ذهاب نور الشمس والقمر كله أو بعضه -أيها الأحبة- ما هو إلا إنذار وتذكير للعباد؛ ليقوموا بما يجب عليهم من أوامر الله، ويبتعدوا عما حرم عليهم من نواهي. ولذلك كثر الخسوف في هذا العصر عما كان عليه الحال فيما مضى، فلا تكاد تمضي السنة حتى يحدث كسوف أو خسوف في الشمس أو القمر أو فيهما جميعاً، بل ربما حدث ذلك في السنة عدة مرات؛ وذلك لكثرة المعاصي والفتن في هذا الزمن مع أنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحصل إلا مرة واحدة. لقد انغمس كثير من الناس في شهوات الدنيا ونسوا أهوال الآخرة، أترفوا أبدانهم، وأتلفوا أديانهم، أقبلوا على الأمور المادية المحسوسة، وأعرضوا عن الأمور الغيبية الموعودة، التي هي المصير الحتمي والغاية الأكيدة (فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الَّذِى يُوعَدُونَ) [الذاريات:60].

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لماّ كسفت الشمس على عهده خرج فزعاً يجر رداءه مستعجلاً يخشى أن تكون الساعة، جاء في رواية مسلم أنه من فزعه صلى الله عليه وسلم أخطأ فخرج بدرع بعض نسائه لظنه رداءه حتى أدركوه بالرداء، قال ابن حجر: "يعني أنه أراد لبس ردائه فلبس الدرع من شغل خاطره بذلك، وكان يوماً شديد الحر حتى أتى المسجد ونودي بـ"الصلاة جامعة"، فصلى بهم صلاة طويلة، وسُمع وهو في سجوده يقول: "رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم، ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون".

ثم خطب الناس ووعظهم موعظة بليغة، وبيّن أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا للصلاة، فافزعوا إلى المساجد، فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره، وفي رواية: "فادعوا وتصدقوا وصلوا"، ثم قال: "يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وأيم الله لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لَاْقُوْهُ من أمر دنياكم وآخرتكم، ما من شيء لم أكن رأيته إلا رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار. رأيت النار يحطم بعضها بعضاً، فلم أر كاليوم منظراً قط أفظع منه، ورأيت فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه، ورأيت فيها امرأة تعذب في هرة لها، ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ولقد رأيتكم تفتنون في قبوركم كفتنة الدجال، يؤتى أحدكم فيقال :ما علمك بهذا الرجل، فأما المؤمن فيقول: محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا، وآمنا واتبعنا، فيقال: نم صالحاً، وأما المنافق فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، ثم ذكر الدجال وقال: لن تروا ذلك حتى تروا أموراً يتفاقم شأنها في أنفسكم، وحتى تزول جبال عن مراتبها، ثم قال: ثم جيء بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي، ولقد مددت يدي فأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه، ثم بدا لي أن لا أفعل" إلى آخر تلك الخطبة العظيمة البليغة الجامعة؟!.

فيا أيها المسلمون: هل تظنون أن فزع النبي صلى الله عليه وسلم وخروجه إلى المسجد، ثم الصلاة، ثم بعدها تلك الخطبة وما حصل له فيها من أحوال .. هل كل ذلك يكون لأمر عادي؟! لا والله. إنه لا يكون إلا لأمر عظيم مخيف.

فعلينا في مثل هذه الأحوال، أن نفزع كما فزع نبينا صلى الله عليه وسلم وأن نلجأ إلى مساجد الله للصلاة والدعاء والاستغفار، وأن نتصدق لندفع عن أنفسنا البلاء؛ فأسباب البلاء والانتقام بسبب فعل العباد، عند حدوث الكسوف أو الخسوف قد انعقدت، والفزع إلى الصلاة والصدقة، يدفع تلك الأسباب.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه واتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

أقول هذه القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

 

الحمد لله معزِّ من أطاعه واتقاه، ومذلِّ من خالف أمرَه وعصاه، أحمد ربي وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، اصطفاه ربه واجتباه، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

عباد الله: آيات حريُّ بنا إذا ما شاهدناها في هذه الدنيا قبل انقضائها، حريُّ بنا أن نتذكر الساعة التي تكون فيها هذه الآيات مؤذنة بنهاية الدنيا وبداية القيامة، وبداية الحساب (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ). [التكوير 1: 14]

لقد عمّ قومَ نوحٍ الغرقُ، وأهلكت عاداً الريحُ العقيم، وأخذت ثمودَ الصيحةُ، وقُلبت على اللوطية ديارُهم، فجعل الله عاليها سافلها، وأمطر عليها حجارة من سجيل، فساء مطر المنذرين (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـاكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت:40]، إنها الحقيقة الصارخة: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ) تلكم الذنوب، وتلكم عواقبها وما هي من الظالمين من أمثالنا ببعيد.

ما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها، ولا تخلخلت في دولة إلا أسقطتها. إنه ليس بين أحد وبين الله نسب، ولا يعني أن أقواماً أو مجتمعات لم يصبها شيء أنها على الاستقامة، كلا، ولكن الله يمهل حتى يعتبر الناس، ولا يهمل.

والعقوبات الربانية تختلف؛ فقد تكون زلزالاً، وقد تكون حروباً، وقد تكون تدهوراً في الاقتصاد وسوءاً للأوضاع المالية، وقد تكون.. وقد تكون.. وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أَخَذَه، أَخَذَه أَخْذَ عزيزٍ مقتدرٍ..

ولنعلم -عباد الله- أن الذي خوف عباده وأنذرهم بالكسوف والخسوف قادر على أن يزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وقادر على أن يرسل عليهم من جنده ما لا قبل لهم به، (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) [الملك 16: 18] نعم.. (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ)، فالذنوب سبب كل بلاء وعقوبة، (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

عباد الله: إن من نعم الله تعالى أن باب التوبة مفتوح، والتوبة عباد الله تجب ما قبلها، وفضل الله واسع، بل إن العبد إذا صدق في توبته وأحسن إسلامه يبدل الله سيئاته حسنات. وإن من أعظم الذنوب التي يجب التوبة منها عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الله عز وجل يهلك أقواماً مع صلاحهم لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن أعظم الذنوب انتشار محلات الغناء والشيشة والدخان وبنوك الربا، والمجاهرة بها، ودعمها بالشراء منها أو الإيداع فيها أو الثناء عليها..

ألا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، كما أمركم بذلك ربكم فقال جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقد قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً". اللهم فصل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العلي العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون .

 

 

 

 

المرفقات
943.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life