عناصر الخطبة
1/ علو همة الصحابة والسلف 2/ ضعف الهمم والعزائم وكثرة المثبطات 3/ الاستعاذة من العجز والكسل 4/ أسباب الكسل 5/ علاج الكسلاهداف الخطبة
اقتباس
الكسل مرض خفي وداء مهلك يعوق نهضة الأمم والشعوب، ويمنع الأفراد من العمل والسعي النافع والبذل والعطاء، ما أصاب الكسل أمةً إلا أضعفها وأخّرها ودمرها، وما أصاب شعباً إلا ضيّعه وجهّله وأفشله وأضعفه، وما أصاب فرداً إلا أمرضه وأذله وأخزاه وأحقره. قال أحد حكماء الهند: "إذا أردت أن تكون ناجحاً في هذا العالم فعليك أن تتغلب على أُسس الفقر الستة: النوم والتراخي، والخوف والغضب، والكسل والمماطلة".
الخطبة الأولى:
عباد الله: كان الصحابة -رضي الله عنهم- على درجةٍ عاليةٍ من الهمة والنشاط وعندما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علو همتهم قال لهم: "خذوا من العمل ما تطيقون".
وفي هذا الزمن ضعفت الهمم والعزائم وكثرت المثبطات عن نيل المرادِ صار بعض الناس حين يطالب بأداء الواجبات والفرائض يكون جوابه إما أن يقول: أنا عاجز أو يقول أنا كسلان. قال أحد السلف:" مضيت سنتين أشتهي الهريسة لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس".
فهذا كان يطلب العلم والهريسة تباع عندهم في وقت محدد فمن شدة علو همته وحرصه على طلب العلم آثر العلم على شهوته. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "من أصبح منكم صائماً؟" قال أبو بكرٍ: أنا قال: "من عاد مريضاً؟" قال أبو بكرٍ: أنا قال: "من شهد جنازةً؟" قال أبو بكرٍ: أنا قال: "من تصدق؟" قال أبو بكرٍ: أنا فقال -صلى الله عليه وسلم- : " ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة " (رواه مسلم).
فانظر إلى علو همة أبي بكرٍ في العبادة. قالوا: من مال إلى الراحة والكسل فقد الراحة. وقالوا: إن أردت أن لا تتعب فاتعب حتى لا تتعب. نأخذ مثالاً على ذلك طالب في المدرسة جد وثابر وتعب في الدراسة، ثم ينجح ثم يدرس في الجامعة، ثم يتخرج بمعدلٍ راقٍ، ثم يتوظف ثم يعمل بوظيفته وبعلمه في المجتمع، ينفع مجتمعه وأمته بوظيفةٍ محترمةٍ ومالٍ طيبٍ حلالٍ، فإذا صار عمره خمسين سنةً تقاعد عن العمل وأصبح يأتيه دخل شهري وهو جالس في بيته، وعلى هذا قسْ. قال أحد حكماء الهند: "إذا أردت أن تكون ناجحاً في هذا العالم فعليك أن تتغلب على أسس الفقر الستة: النوم والتراخي، والخوف والغضب، والكسل والمماطلة".
عباد الله: الكسل مرض خفي وداء مهلك يعوق نهضة الأمم والشعوب، ويمنع الأفراد من العمل والسعي النافع والبذل والعطاء، ما أصاب الكسل أمةً إلا أضعفها وأخّرها ودمرها، وما أصاب شعباً إلا ضيّعه وجهّله وأفشله وأضعفه، وما أصاب فرداً إلا أمرضه وأذله وأخزاه وأحقره. قال لقمان لابنه: "يا بني إياك والكسلَ والضجرَ؛ فإنك إذا كسلت لم تؤدِّ حقاً، وإذا ضجرت لم تصبر على حقٍّ ".
عباد الله: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتعوذ من العجز والكسل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، والبخل، وأعوذ بك من فتنة القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات" (رواه مسلم).
إنما استُعيذَ بالله من الكسل؛ لأنه يبعد عن الأعمال الصالحة، ولأن الكسل من أسباب الخسارة والوقوع في المعاصي، ولأن الكسل فيه تثاقل عن الأمور الدينية والدنيوية فيمنع من القيام بالحقوق الواجبة. والعجز: ترك العمل مع عدم القدرة على عمله. والكسل: ترك العمل مع القدرة على عمله لعدم وجود الدافع للعمل ولقلة الرغبة في الخير.
قال ابن القيم-رحمه الله-: " إن الإنسان ما يفوته من الخير إلا بسبب أمرين إما إنه لا يقوى على هذا الأمر الخيَّر أو إنه يقوى عليه ولكنه لا يريده، فإن فاته هذا الخير بسبب عدم قدرته عليه فهذا هو العجز وإنه فاته هذا الخير ومعه القدرة على الإتيان به لكنه لا يريده فهو الكسل ". ولو تأملت أحوال الناس الذين فاتهم من الخير لوجدت أن السبب هو الكسل.
والكسل يؤدي إلى الفقر قال لقمان لابنه: "با بني استغنِ بالكسب الحلال فإنه ما افتقر أحدٌ إلا أصيب بثلاثِ خصالٍ: رقةٍ في دينه، وضعفٍ في عقله، وذهابِ مروءته، وأعظمُ من ذلك استخفاف الناس به". فلا ترى المتكاسل إلا وقد أصيب بالذل والهوان وفقد الكرامة.
وقد يقول قائل: إن العجز أمر ليس من طاقتي ولا من إرادتي؟ فيقال: إن الله جعل لك إرادةً ومشيئةً لكنك لما تثاقلت عاقبك الله.
عباد الله: لقد ذم الله الكسل وجعله من صفات المنافقين قال سبحانه: (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة: 53- 54]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمنِ الضعيف، وفي كُلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عملَ الشيطان" (رواه مسلم).
عباد الله: وللكسل أسباب كثيرة منها ارتكاب الذنوب والمعاصي قال ابن عباس: "وإن للسيئةِ وهناً في البدن"- أي ضعفاً في البدن.
ومنها ترك الصلوات خاصةً صلاةَ الفجر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "يعقد الشيطان على قافيةِ رأس أحدكم إذا هو نامَ ثلاثَ عُقَدٍ يضرب كُلَّ عقدةٍ؛ عليك ليلٌ طويل فارقدْ، فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدةٌ، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة؛ فأصبح طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلانَ" (رواه البخاري).
ومنها قلة ذكر الله، قال سبحانه: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 142]، فالذي لا يذكر الله كثيراً فهو شبيه بالمنافقين ويصيبه الله بالكسل ومنها كثرة الطعام قال لقمان لابنه: "يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاءُ عن العبادة". وقالوا: "من كثر طعامه كثر شربه، ومن كثر شربه كثر نومه".
ومنها كثرة السهر وللسهر أضرار كثيرة منها مخالفة الفطرة قال سبحانه: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا) [الأنعام: 96]، وقالوا: "نوم ساعة في الليل تعدل عن نوم ساعات في النهار".
ومن أضرار السهر: النوم عن صلاة الفجر، وحرمان وقت البكور، عن صخرٍ الغامدي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " اللهم بارك لأمتي في بكورها"، وكان صخرٌ تاجراً وكان يبعث تجارته أولَ النهار فيكثر ماله.
قال أهل العلم: "وقت البكور وقت الشباب، كما أن عمر الإنسان وقت شبابه فلا عجب أن يكون سبباً للنجاح.
ومنها طول الأمل قال بعض الحكماء: "يا بني! إياك والتسويفَ لما تهمّ به من فعل الخير؛ فإن وقته إذا زال لم يعد إليك، وإياك وطول الأمل فإنه هلاك الأمم"، ومنها مصاحبة أهل الكسل، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " المرء على دين خليله فلينظرْ أحدكم من يخالل"، فعلى المؤمن أن يصاحب الصالحين أصحابَ الهمةِ العالية؛ قال ابن القيم-رحمه الله-: "مجالسة الصالحين تحولك من ستٍّ إلى ستٍّ من الشكِّ إلى اليقين، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن عدم الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء النية إلى النصيحة".
الخطبة الثانية:
عباد الله: كيف نعالج الكسل؟
لعلاج الكسل أسباب كثيرة؛ منها ترك الذنوب والمعاصي قال ابن عباس: "وإن للحسنةِ قوةً في البدن".
ومنها المحافظة على الصلوات؛ فإن الصلاة مذهبة للكسل، وبالأخص صلاة الفجر كما تقدم معنا في الحديث، ومنها الإكثار من الاستغفار والذكر والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كان شيخ الإسلام ابن تيميةَ-رحمه الله- يجلس بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وهو يذكر الله ويقول: "هذه غدوتي، أستعين بها على عمل يومي؛ فإن تركتها خارت قواي".
جاءت فاطمة -رضي الله عنه- تطلب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خادمةً لتعينها على قضاء شؤون بيتها، فقال لها -صلى الله عليه وسلم-: "سبحي الله عند النوم ثلاثاً وثلاثين، واحمدي الله ثلاثاً وثلاثين، وكبري الله أربعاً وثلاثين؛ فهذا خيرٌ لك من خادمٍ". قال أهل العلم: " إن أصحاب المهن الشاقة إن اعتادوا على هذا الذكر فبإذن الله يستعينون على قضاء أعمالهم الشاقة بكلِّ سهولةٍ ويُسرٍ إذا استمروا عليه".
ومنها الصبر قال الشاعر:
لا تحسبِ المجدَ تمرًا أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وقال الشاعر:
اعملٍ العيسَ على علاتها *** فإنما ينجح أصحاب العمل
أي: اعمل بالإبل وإن كان بها علة؛ فإنما ينجح أصحاب العمل.
وقال الشاعر:
اطلبِ الخيرَ ولا تكسل *** فما أبعدَ الخيرَ عن أصحاب الكسل
عباد الله: قال سبحانه: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133]، فديننا الحنيف يدعونا إلى الهمة العالية والنشاط، ولا يقبل منها الكسل والضعف والفتور.
اللهم ارزقنا الهمة العالية والنشاط في أمور الدين والدنيا يا رب العالمين.
وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
التعليقات