عناصر الخطبة
1/ خطورة الجرأة على الدماء 2/ نصوص شرعية تحذر من سفك الدماء 3/ إنكار جريمة القديح 4/ آثار جريمة القديح وواجبنا نحو بلادنا 5/ وجوب المحافظة على أمن بلاد الإسلام.اهداف الخطبة
اقتباس
هذا الاعتداء جرمٌ بيِّن في باعثه وغايته وتنفيذه وأثره.. فباعثه ضلالُ الفكر وفسادُ المنهج، والفهم الخاطئ للدين، وسوء تنزيل الأدلة على الوقائع.. وأما غايته فإشاعة الفُرقة وخلق العداوة وضرب اللُّحمة الوطنية التي دعا إليها الدين وقامت عليها هذه البلاد منذ توحيدها قبل ما يزيد على ثمانين عاماً. أما تنفيذه فهو تنفيذ لجريمة قتل عمد لأنفس معصومة حرم اللهُ إزهاقها.. ومنفذوه متأثرون بلوثات فكرية خارجية، ويصدرون بفعلهم من فكر خوارج العصر الذين ينزعون يد الطاعة لولي الأمر، ويستحلون الدماء ويتجاسرون على القتل وتعمد الأذية والتخريب بدعاوى كاذبة وحجج واهية بلا مبالاة بحرمتها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي هدنا للإسلام والسنة وما كنا لنهتدي لولا أن هدنا الله.. ونشكره أن وفّقنا للاستقامة وأعاذنا من الغواية.. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى اله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها الإخوة: في زمن أحوج ما نكون فيه في هذا البلد لوحدة الصفوف ورصها.. ووأد الفرقة ومسبباتها.. لأننا نعيش في زمن عصيب يتربص بنا فيه أهل الشرور، وتعصف حولنا الفتن من كل جانب..
في هذا الزمن الذي تخوض فيه بلادنا -حرسها الله- وحلفاؤها حرباً لوأد المعتدين وفرض الأمن في بلاد اليمن وتثبيت الشرعية فيه.. نتفاجأ في يوم الجمعة الماضي بحادث مؤلم في عُقْرِ دارنا وفاجعة كبرى من أحد أبنائنا وجّهه لمواطنين عزل قد أمُّوا أحد المساجد للصلاة في يوم الجمعة، وبينما هم في صلاتهم إذ بانفجار ضخم يدوي بينهم فتتطاير الأشلاء ويسقط العشرات بين قتيل وجريح.
لقد أقضت حادثة التفجير هذه والتي وقعت في مسجد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في بلدة القديح مضاجعنا.. ونعدها حادثًا إجراميًّا لا يقره من له أدنى معرفة صحيحة بشرع الله.. ولا يقبله من له عقلٌ سوي، أو صاحب فطرة سليمة لم تمسخ..
إن هذا العمل من أعظم المنكرات وأشد المحرمات والموبقات.. وينكر ذلك ويجرّمه كل مسلم، ولا يراه أو يقره بحال من الأحوال عموم أهل هذه البلاد وعموم المسلمين..
أيها الإخوة: هذا التفجير الانتحاري وأمثاله حرام بكتاب الله، حرام بسنة رسول الله، حرام بإجماع علماء الأمة.. لما فيه من إزهاق للأنفس المعصومة.. وشناعته وضرره تطال القاتل والمقتول والمجتمع بأسره. قال الله –تعالى- بعد ذكر أول قصة قتل وقعت على وجه الأرض: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [المائدة:32].
أي: من أجل وجود هذه النماذج في البشرية، ومن أجل الاعتداء على المسالمين الوادعين، الذين لا يريدون شراً ولا عدواناً، جعل الله جريمةَ قتلِ نفس واحدة كبيرة تعدل جريمة قتل الناس جميعاً، لأنه ليس معه داع يدعوه إلى التبيين، وأنه لا يُقْدَمُ على القتلِ إلا بحق، فلما تجرأ على قتل النفس التي لم تستحق القتل علم أنه لا فرق عنده بين هذا المقتول وبين غيره، وإنما ذلك بحسب ما تدعوه إليه نفسه الأمارة بالسوء. فتجرؤه على قتله، فكأنه قتل الناس جميعا..
وجعل العمل على دفع القتل وإحياء نفس واحدة عملاً عظيماً يعدل إنقاذ الناسِ جميعاً، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ"(متفق عليه). "كفل": الكفل الجزاء والنصيب.
وعظَّم النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جريمة القتل فَقَالَ: "يَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ: هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ:لِمَ قَتَلْتَهُ؟! فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ، فَيَقُولُ: فَإِنَّهَا لِي. وَيَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟! فَيَقُولُ: لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِفُلَانٍ، فَيَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِفُلَانٍ، فَيَبُوءُ بِإِثْمِهِ". (رواه النسائي وصححه الألباني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ).
وقَالَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَجِيءُ المَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ: قَتَلَنِي هَذَا، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ العَرْشِ". (رواه الترمذي وصححه الألباني عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ).
أحبتي: ولعظم أمر الدماء وكثرة خطرها جعلها الله أول ما يُقضَى فيه بين الناس؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ". (متفق عليه).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا". (رواه البخاري). والفسحة: السِّعَة. أي: لا يزال في رجاء رحمة من الله على ما ارتكبه من الذنوب، فإذا أصاب الدم الحرام ضاقت عليه المسالك.
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "يَجِيءُ -المقتول- مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا. فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ: سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟!". (رواه النسائي وهو صحيح الإسناد).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: "إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ". (رواه البخاري). و(ورطات): جمع ورطة، وهي الهلاك، يقال: وقع فلان في ورطة أي في شيء لا ينجو منه، وقد فسرها في الخبر بقوله: "التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها".. لما فيه من سفك للدماء التي حرم الله سفكها.. وما فيها من شق لعصا الطاعة وانتهاك لحقوق الناس، وهز لأمنهم وسبب لتفريقهم.. ويدني إبليس من جنوده من يوسوس لبني آدم بالقتل وَيُلْبِسُهُ التَّاجَ وَيَقُولُ له: "أَنْتَ أَنْتَ".. كما صح ذلك عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أيها الإخوة: هذه الجريمة ليست من الإسلام في شيء فالإسلام جاء بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والبغي والعدوان، قال الله –تعالى-: (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
والقتل إفساد في الأرض وإسراف فيها والله لا يحب المسرفين.. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ" (رواه أحمد وابن حبان وقال الألباني حسن صحيح).
وزاد في حديث آخر عن أنس: "وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَبْدٌ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ".
هذه الجريمة لا يصح نسبتها إلى علماء الأمة وطلبة العلم والخطباء بإقرارها أو الفتيا بها.. ولا إلى تقصيرهم ببيان تحريمها وشناعتها، فما زالوا يتحدثون عن شناعة وتحريم مثل هذه الممارسات في دروسهم وخطبهم، وأنها ليست من الإسلام في شيء، بل الإسلام بريء منها.
ولا تصح نسبتها إلى المناهج الدراسية، ولا إلى دور تحفيظ القرآن، فهذه المناهج كتبها علماء موثوقون، ودور التحفيظ تخضع لجهات رسمية في الدولة، ويقوم عليها مجموعة خَيِّرةٍ من العلماء والقضاة..
اللهم آمنا في جميع ربوع بلادنا، واحفظ أمننا ووحّد صفوفنا واجعلنا هداة مهتدين.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه..
الخطبة الثانية:
أما بعد: إن هذا الاعتداء جريمة شنيعة لما فيها من الإفسادِ في الأرض وزعزعةِ الأمن في هذا البلد الطاهر، ولما فيها من سفكٍ للدم الحرام وبثّ لبذورِ الفُرقة وإشاعةٍ للفتنة التي قال الله عنها: (..وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ..) [البقرة:191]، وفي بطن هذا العمل جرٌّ للبلاد إلى بلايا وشرورٍ عريضة لا حدود لها.. وهذا الاعتداء جرمٌ بيِّن في باعثه وغايته وتنفيذه وأثره..
فباعثه ضلالُ الفكر وفسادُ المنهج، والفهم الخاطئ للدين، وسوء تنزيل الأدلة على الوقائع.. وأما غايته فإشاعة الفُرقة وخلق العداوة وضرب اللُّحمة الوطنية التي دعا إليها الدين وقامت عليها هذه البلاد منذ توحيدها قبل ما يزيد على ثمانين عاماً.
أما تنفيذه فهو تنفيذ لجريمة قتل عمد لأنفس معصومة حرم اللهُ إزهاقها، وقد سبق في الخطبة الأولى الأدلة على شناعته وتحريمه..
ومنفذوه متأثرون بلوثات فكرية خارجية، ويصدرون بفعلهم من فكر خوارج العصر الذين ينزعون يد الطاعة لولي الأمر، ويستحلون الدماء ويتجاسرون على القتل وتعمد الأذية والتخريب بدعاوى كاذبة وحجج واهية بلا مبالاة بحرمتها.
كما أن هذا التنفيذ للقتل الآثم افتئاتٌ على ولي الأمر وانتهاك لسلطانه.. ذلك أن حفظ دماء الرعية والأمر بالقتل هي من اختصاصه حسب الشرع، ولا يجوز لكائن من كان أن ينتهك هذه الولاية..
أما أثر هذا الجرم فكبير في الحاضر والمستقبل لما ينطوي عليه من استهانة بالولاية، وبث للفُرقة، وتعزيز العصيبة والحزبية والطائفية المقيتة، وإن لم يكن بتدبير خارجي فهو سيسر العدو ويفرحه، وقد يكون سبباً في فرقة بين أهل البلد لا تحمد عقباها.
أيها الإخوة: الواجب علينا استنكار هذا الحادث الآثم وتجريم فاعليه.. وحشانا أن نفرح بمثله. والحمد لله أن طهّر أيدينا منه، ونسأله أن يطهر ألسنتنا وقلوبنا من الاغتباط به..
ثم إن علينا أن ننتبه ونحذر كل الحذر من الأطروحات الشاذة التي تسبب شرخاً في وحدة الأمة حول دولتها من خلال إثارة النعرات المذهبية، ومحاولة إدخال المملكة في دوامة من العنف والعنف المضاد الذي تغذيه دوائر استخبارتية معادية، وقنوات فضائية ومواقع للتواصل الاجتماعي مغرضة خدمة لأعداء الإسلام، وعلينا أن نعرض كل ما يعنّ لنا أو يطرح علينا على أهل العلم الثقات الذين يصدرون من الفهم الصحيح للكتاب والسنة..
فأمن هذا البلد ليس أمناً لنا نحن المواطنين والمقيمين فحسب، بل هو أمن لأمة الإسلام التي تؤمه لما يحويه من الحرمين والمشاعر المقدسة..
اللهم احفظ أمننا ووفقنا للحق واحم شبابنا من كيد الكائدين وتربص المتربصين..
التعليقات