عناصر الخطبة
1/مكانة القمر 2/أحوال القمر 3/من عبر القمر 4/من علامات الساعة انشقاق القمر 5/صيام الأيام البيض وسبب تسميتها بهذااقتباس
وَالقَمَرُ كَالإِنْسَانِ يَتَقَادَمُ سِنُّهُ، وَيَتَقَوَّسُ ظَهْرُهُ، وَيَذْبُلُ جِسْمُهُ؛ فالقَمَرُ في لِيَالِيْهِ الأُوْلَى هِلَالٌ فِيْهِ نَضَارَةٌ وَفُتُوَّةٌ. وَفِي لِيَالِيْهِ الأَخِيْرَةِ يَغْشَاهُ شُحُوْبٌ وَذُبُوْلٌ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ جل جلاله، فَهِيَ سَبَبُ لِلْأَجْرِ العَظِيْم، والخَيْرِ العَمِيْم! (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[آل عمران: 179].
عِبَادَ الله: إِنَّهُ النَّجْمُ السَّاطِعُ، والنُّوْرُ اللَّامِع، وَهِيَ آيَةٌ مَلِيْئَةٌ بِالْعِبَرِ، وَيَغْفَلُ عَنْهَا البَشَر؛ إِنَّهُ القَمَر (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[يونس:5].
وَالقَمَرُ مِثَالٌ لِلْجَمَالِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَة، قال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ”(رواه البخاري ومسلم) وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: “رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ؛ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى الْقَمَرِ؛ فَلَهُوَ أَحْسَنُ فِي عَيْنِي مِنَ الْقَمَرِ!”(رواه الترمذي).
وَأَحْوَالُ القَمَرِ عِبْرَةٌ لِلْبَشَرِ، يَقُوْلُ ابْنُ الجَوْزِيّ: “إِنَّ اللهَ جَعَلَ لِأَحْوَالِ الآدَمِيِّ أَمْثِلَةً لِيَعْتَبِرَ بِهَا: فَمِنْ أَمْثِلَةِ أَحْوَالِهِ "القَمَر"، الَّذِي يَبْتَدِئُ صَغِيرًا، ثُمَّ يَتَكَامَلُ بَدْرًا، ثُمَّ يَتَنَاقَصُ، وَقَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ مَا يُفْسِدُهُ كَالْكُسُوْف؛ فَكَذَلِكَ الآدَمِي: أَوَّلُه نُطْفَة، ثُمَّ يَتَرَقَّى؛ فَإِذَا تَمَّ؛ كَانَ بِمَنْزِلَةِ البَدْر، ثُمَّ تَتَنَاقَصُ أَحْوَالُهُ بِالضَّعْفِ، فَرُبَّمَا هَجَمَ المَوْتُ قَبْلَ ذَلِكَ، هُجُوْمَ الكُسُوْفِ عَلَى القَمَرِ!.
وَرُؤْيَةُ القَمَر تَبْعَثُ الشَّوْقَ لِرُؤْيَةِ خَالِقِهِ؛ فَعَنْ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: “أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ: كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ -أي لا تَزْدَحِمُوْنَ على رُؤْيَتِه- فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا؛ فَافْعَلُوا”. يَعْنِي: الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا)[طه: 130] (رواه البخاري ومسلم).
وَالقَمَرُ كَالإِنْسَانِ يَتَقَادَمُ سِنُّهُ، وَيَتَقَوَّسُ ظَهْرُهُ، وَيَذْبُلُ جِسْمُهُ؛ فالقَمَرُ في لِيَالِيْهِ الأُوْلَى هِلَالٌ فِيْهِ نَضَارَةٌ وَفُتُوَّةٌ. وَفِي لِيَالِيْهِ الأَخِيْرَةِ يَغْشَاهُ شُحُوْبٌ وَذُبُوْلٌ، قال تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)[يس: 39]. قالَ المُفَسِّرُوْن: “الْعُرْجُونُ: عُودُ الْنَّخْلَةِ الَّذِي عَلَيْهِ البَلَح، فَإِذَا قَدُمَ: يَبِسَ وَتَقَوَّسَ وَاصْفَرّ؛َ فَشُبِّهَ الْقَمَرُ بِهِ"، فَالعُرْجُوْنُ: هُوَ الْعُودُ الَّذِي يَكُونُ الثَّمَرُ فِي مُنْتَهَاه، وَيَبْقَى مُتَّصِلًا بِالنَّخْلَةِ بَعْدَ قَطْعِ أَعْوَادِ التَّمْرِ”، وَيُشَبَّهُ بِهِ الْهِلَالُ في ثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ: الرِّقَّةُ، والاِنْحِنَاءُ، والصُّفْرَة”. والْقَدِيْمُ: هُوَ الْبَالِي؛ لِأَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ الثَّمَرُ: تَقَوَّسَ، وَاصْفَرَّ، وَتَضَاءَلَ”. يَقُوْلُ ابْنُ عُثَيْمِيْن: “القَمَرُ يُشْبِهُ الإِنْسَانُ؛ حَيْثُ إِنَّهُ يُخْلَقُ مَنْ ضَعْفٍ، ثُمَّ لا يَزَالُ يَتَرَقَّى مِنْ قُوَّةٍ إلى قُوَّةٍ، حَتَّى يَعُوْدَ إلى الضَّعْفِ مَرَّةً أُخْرَى! (فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِيْن)[الْمُؤْمِنُونَ: 14]”.
وَسَاعَةُ القَمَرِ مِيْقَاتٌ لِلْبَشَر، قال ابْنُ القيِّم: “خَصَّ اللهُ الْقَمَرَ بِذِكْرِ تَقْدِيْرِ الْمنَازِلِ دُوْنَ الشَّمْس؛ لِظُهُوْرِ ذَلِكَ فِي الْقَمَر، وَتَفَاوُتِ نُوْرِهِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي كُلِّ مَنْزِل” ؛ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَعْرِفَة الأَشْهُرِ والسِّنِيْن، وَحِسَاب آجَالِ العَالَم: مِنْ مَوَاقِيْتِ عِبَادَاتِهِمْ وَمُعَامَلاتِهِمْ، الَّتِي لا تَقُوْمُ مَصَالِحُهُمْ إِلَّا بِهَا!”. قال تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ)[البقرة:189].
وَالْقَمَرُ هُوَ سُلْطَانُ اللَّيْلِ في دَوْلَةِ الظَّلَام؛ "فَإِنَّ اللهَ أَعَانَ بِجُنْدٍ مِنَ النُّوْرِ عَلَى هَذِهِ الدَّوْلَةِ الْمظْلمَة، وَلم يَجْعَلْهَا ظُلْمَةً حَالِكَةً، بَلْ جَعَلَهَا مَشُوْبَةً بِنُوْرِ القَمَر؛ فَسُبْحَانَ الَّذِي (الَّذِيْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَه)[السَّجْدَةِ: 7]".
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ: اِنْشِقَاقُ القَمَر! وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِ سَيَّدِ البَشَر صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ تَكُنْ لِنَبِيٍّ قَبْلَهُ، قال تعالى: (اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَر)[القمر: 1]. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ القَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حَتَّى رَأَوْا "حِرَاءً" بَيْنَهُمَا!”(رواه البخاري ومسلم).
وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ الأَيَّامِ البِيْض، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَيَالِيَهَا بَيْضَاءَ مُقْمِرَة!” قال صلى الله عليه وسلم: “إِذَا صُمْتَ شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ؛ فَصُمْ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ”(رواه الترمذي وصححه الألباني).
قالَ ابْنُ عُثَيْمِيْنَ: “يَجُوْزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَصُوْمَ في أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ وَسْطَهُ أَوْ آخِرَهُ، مُتَتَابِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً، لَكِنَّ الأَفْضَلَ أَنْ تَكُوْنَ في الأَيَّامِ البِيْضِ الثَّلَاثَة”.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات