عناصر الخطبة
1/تفسير سورة الفيل 2/من فوائد سورة الفيلاقتباس
تكثرُ أغصانُ أشواكِ الأخلاقِ والأعراضِ التي تؤذي المسلمين في المتنزهات والكافيهات تتأكد إزالتُها. حريٌّ بالمرأة التي تريد أن تتقلب في الجنة أن تزيل الأشواك التي تجرح القلب وتوقظ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أنكم ملاقوه، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)[البقرة:281].
عِبَادَ الله: فِي العَامِ الَّذِي وُلِدَ الرَّسُول؛ حَدَثَ أَمْرٌ مَهُوْل! وَتِلْكَ الحَادِثَة: مِنْ إِرْهَاصَاتِ دَعْوَتِه، وَمُقَدِّمَةِ رِسَالَتِه؛ إِنَّهَا قِصَّةُ أَصْحَابِ الفِيْل.
وَأَصْحَابُ الفِيْل: قَوْمٌ قَدِمُوا مِنَ الْيَمَنِ، يُرِيدُونَ تَخْرِيبَ الْكَعْبَةِ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَرَئِيسُهُمْ: أَبْرَهَة الْحَبَشِيِّ.
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ): وَهذا اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيْرِيّ، وَسُؤَالٌ تَعَجُّبِي، مِنْ هَذِهِ الحَادِثَةِ الرَّهِيْبَة، ودلالَتِهَا العَظِيْمَة! أَيْ: أَمَا رَأَيْتَ مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَةِ اللهِ، وَشِدَّةِ عِقَابِهِ، وَعَظِيْمِ شَأْنِهِ، وَصِدْقِ رَسُوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ ما فَعَلَهُ اللهُ بِـ(أَصْحَابِ الفِيل)، الَّذِيْنَ أَرَادُوا هَدْمَ الكَعْبَة؛ فَتَجَهْزُوا لِأُجْل ذلك، وَاسْتَصْحِبُوا الفِيَلَةَ العَظِيْمةَ لِهَدْمِه، وَجَاءُوْا بِجَمْعٍ عَظِيْم؛ جَعَلَ أَهْلُ مَكَّة؛ يَهْرُبُوْنَ خَوْفًا وفَزَعًا على أَنْفُسِهِمْ مِنْهُم.
فَلَمَّا وَصَلَ أَصْحَابُ الفِيْلِ إِلَى مَكَّة: وَقَفَ الفِيْل، وأَبَى أَنْ يَتَّجِهَ إلى الكَعْبَة! فَإِذَا وَجَّهُوْهُ إِلَى اليَمَنِ: اِنْطَلَقَ يُهَرْوِل، وَإِنْ وَجَّهُوْهُ إِلَى مَكَّةَ: وَقَفَ مَكَانَه.
قال تعالى: (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ)؛ أَيْ جَعَلَ مَكْرَهُمْ وَسَعْيَهُمْ وتَخْطِيْطَهُمْ فِي تَدْمِيْرِ الْكَعْبَةِ، وَمُحَاوَلَةِ هَدْمِهَا، وصَرْفِ النَّاسِ عَنْها: في ضَلَالٍ وَخَسَارٍ، وَضَيَاعٍ وَبَوَارٍ؛ فَخَيَّبَ اللهُ سَعْيَهُمْ، وأَبْطَلَ مُرَادَهُمْ، (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا)[الأحزاب: 25].
قال تعالى: (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ): يَعْنِي: جَمَاعَاتٍ كَثِيْرَة مُتَفَرِّقَة، يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، أَتَتْهُمْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وكَانَتْ طَيْرًا مِنَ السَّمَاءِ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، قال تعالى: (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ)؛ أَيْ تَحْمِلُ حِجَارَةً مِنَ الطِّيْنِ المَشْوِيِّ الصَّلْب! قالَ قَتَادَة: "مَعَ كُلِّ طَيْرٍ: ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ: حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، وَحَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ، لَا تُصِيبُ شَيْئًا إِلَّا هَشَمَتْهُ".
وَمَعَ صِغَرِ هَذِهِ الحِجَارَة؛ إِلَّا أَنَّهَا تَضْرِبُ الوَاحِدَ مَعَ رَأْسِهِ، وَتَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ! حَتَّى صَارُوْا كَبَقَايَا الزَّرْعِ المَأْكُوْل، الَّذِي تَحَوَّلَ بَعْدَ الخُضْرَةِ والنَّضْرَة، إِلَى أَنْ صَارَ مُلْقًى على الأَرْض، يُدَاسُ بِالأَقْدَام، قال تعالى: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ): أَيْ كَزَرْعٍ أَكَلَتْهُ الحَشَرَاتُ والدَّوَاب، وَوَطِأَتْهُ بِأَقْدَامِهَا حَتَّى تَفَتَّت، فَكَفَى اللهُ شَرَّهُمْ، وَرَدَّ كَيْدَهُمْ.
وَهكَذَا فَعَلَ اللهُ بِأَصْحَابِ الفِيْل، وَهَكَذَا سَيَفْعَلُ بِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الحَقَّ وأَهْلَهُ بِسُوْءٍ؛ فَإِنَّ اللهَ يَجْعُلُ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ، وَتَدْبِيْرَهُ في تَدْمِيْرِه، قالَ ابْنُ كَثِيْر: "هَذِهِ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهَا عَلَى قُرَيْشٍ، عِنْدَمَا صَرَفَ عَنْهُمْ أَصْحَابِ الْفِيلِ، الَّذِينَ عَزَمُوا عَلَى هَدْمِ الْكَعْبَةِ، وَمَحْوِ أَثَرِهَا؛ فَأَبَادَهُمُ اللَّهُ، وَأَرْغَمَ أُنُوْفَهُمْ، وَرَدَّهُمْ بِشَرِّ خَيْبَةٍ! وهَذَا مِنْ بَابِ التَّوْطِئَةِ لِمَبْعَثِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَإِنَّهُ وُلِدَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ! وَلِسَانُ حَالِ الْقَدَرِ يَقُولُ: لَمْ نَنْصُرْكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لِخِيْرَتِكُمْ! وَلَكِنْ صِيَانَةً لِلْبَيْتِ الْعَتِيقِ، الَّذِي سَنُشَرِّفُهُ بِبَعْثَةِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاء".
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: قِصَّةُ أَصْحَابِ الِفِيل: مِثَالٌ عَجِيْب؛ لِقُدْرَةِ اللهِ عَلَى عِقَابِ المُتَجَبِّرِيْن، وَأَنَّ البَاطِلَ مَهْمَا انْتَفَشَ وَطَال؛ فَإِنَّ مَآلَهُ إِلَى زَوَال! وَأَنَّ مَنْ حَاوَلَ هَدْمَ الإِسْلَام، أَوْ تَشْوِيْهَ صُوْرَتِه، أَوْ التَّشْكِيْكَ في ثَوَابِتِه، والعَبَثَ بِمُقَدَّسَاتِه؛ فَإِنَّ قَذَائِفَ الحَقِّ لَهُ بِالمِرْصَاد! قال تعالى:(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)[الأنبياء:18].
وَمِنْ فَوَائِدِ سُوْرَةِ الفِيْل: أَنَّ قَلِيْلَ التَّقْوَى، يَغْلِبُ كَثِيْرَ الجُيُوْش! وَ(أنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[البقرة:165] ، وَأَنَّ النَّصْرَ قَرِيْبٌ، وَالدِّيْنَ مَحْفُوْظٌ! وأَنَّ القُوَّةَ الرَّبَّانِيَّةُ: تَسْحَقُ القُوَّةَ البَشَرِيَّة، مَهْمَا تَوَرَّمَتْ وَتَضَخَّمَتْ! فَهَاهُمْ أَصْحَابُ الفِيْل، كانُوْا أَشَدَّ قُوَّةً، وَأَكْثَرَ جَمْعًا، وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللهُ بِأَصْغَرِ الطَّيْرِ وَأَضْعَفِه، وَأَبَادَهُمْ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيْهِمْ! (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ)[المدثر:31].
فَإِنْ أَرَادَ المُسْلِمُونَ النَّصْر؛ فَمَا عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَثِقُوْا بِرَبِّهِمْ، وَيَنْصُرُوْا دِيْنَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ! (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)[آل عمران:126].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
التعليقات