عناصر الخطبة
1/ خصلة جاهلية لا خير فيها 2/ مساوئ الافتخار بالأحساب 3/ حكم الفخر بالأحساب 4/الفرق بين الفخر بالأحساب وبين تعلم علم الأنساب.اهداف الخطبة
اقتباس
إنَّ عدَّ الرجل لمناقب آبائه وأجداده وعشيرته وقبيلته سواء كانت إمارة أو فروسية أو شجاعة أو كرماً أو سؤدداً ونحو ذلك هو الفخر الجاهلي الذي نهينا عنه قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ"؛ فالمؤمن يا عباد الله لا يقول كان أبي وكان جدي وكانت أسرتي وكانت قبيلتي يُفاخِرُ بها غيره..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, خلقنا ورزقنا وأمرنا ونهانا وأكرمنا ومن عظيم فضله أعطانا فله الحمد كله وله الشكر كله.
وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول رب العالمين وإمام المتقين وقدوة الناس أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون؛ فإنَّ التقوى خيرُ الزاد ليوم المعاد, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
عباد الله: مسألة مهمة انتشرت في الناس وبات بعض الآباء يُربي أبناءه عليها, وهي خصلة جاهلية لا خير فيها, ألا وهي الفخر بالأحساب، قال في تيسير الحميد "الفخر بالأحساب" أي: التشرف بالآباء والتعاظم بعدِّ مناقبهم ومآثرهم وفضائلهم وذلك جهل عظيم، إذ لا شرف إلا بالتقوى كما قال تعالى: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ: 37] وقال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13] (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد، ص: 389).
أيها المسلمون: إنَّ عدَّ الرجل لمناقب آبائه وأجداده وعشيرته وقبيلته سواء كانت إمارة أو فروسية أو شجاعة أو كرماً أو سؤدداً ونحو ذلك هو الفخر الجاهلي الذي نهينا عنه قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ" (أخرجه مسلم).
فالمؤمن يا عباد الله لا يقول كان أبي وكان جدي وكانت أسرتي وكانت قبيلتي يُفاخِرُ بها غيره, قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ" (أخرجه مسلم).
قال في الدرر السنية: فالأحساب: الذي يُذكر عن مناقب الآباء السالفين، التي نسميها: المراجِل; إذا تقرر هذا، ففخر الإنسان بعمله منهي عنه; فكيف افتخاره بعمل غيره؟! (الدرر السنية في الأجوبة النجدية: 2/ 153).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "الحسب: ما يحتسبه الإنسان من شرف وسؤدد، كأن يكون من بني هاشم فيفتخر بذلك، أو من آباء وأجداد مشهورين بالشجاعة، فيفتخر بذلك، وهذا من أمر الجاهلية; لأن الفخر في الحقيقة يكون بتقوى الله الذي يمنع الإنسان من التعالي والتعاظم" (القول المفيد على كتاب التوحيد: 2/ 23).
عباد الله: إذا تفاخر امرؤ بأصله وفصله وحسبه ونسبه فاسأله قائلاً: ما أصلك؟ وأجب قائلاً: أصلي وأصلك من تراب, خلقني الله وخلقك من نطفة, من ماء مهين, قال ابن الوردي -رحمه الله-:
لا تقلْ أصلي وفَصلي أبداً إنما *** أصلُ الفَتى ما قد حَصَلْ
قدْ يسودُ المرءُ من دونِ أبٍ *** وبِحسنِ السَّبْكِ قدْ يُنقَى الدَّغلْ
هكذا هو خُلُقُ المسلم لا يتفخر بأصله وفصله, ويعلم أنَّ الله خلق الناس من تراب, قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) [الروم: 20] قال السمعاني -رحمه الله-: "أَي: خلق أصلكم من تُرَاب؛ وَهُوَ آدم صلوَات الله عَلَيْهِ" (تفسير السمعاني: 4/ 204). انتهى ما قاله رحمه الله.
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[غافر: 67]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ, جَاءَ مِنْهُمُ الْأَبْيَضُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالْخَبِيثُ، وَالطَّيِّبُ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَبَيْنَ ذَلِكَ" (أخرجه أبو داود (4693) وصححه الألباني في الصحيحة رقم (1630).
أخرجه الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني والقبضة ملء الكف. قال الطيبي -رحمه الله-: قوله: "على قدر الأرض" أي: مبلغها من الأكوان, ولما كانت الأوصاف الأربعة من الأمور الظاهرة في الإنسان, والأرض أجريت على حقيقتها, وتركت الأربع الأخيرة مفتقرة إلى تأويل؛ لأنها من الأخلاق الباطنة؛ فإن المعني بالسهل الرفق واللين, وبالحزْن الخرَق والعنف, وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي نفع كله, وبالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة الكافر الذي هو ضر وخسران في الدارين) (شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن: 2/ 564).
وقال الهروي -رحمه الله-: «فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ» أَيْ: مَبْلَغِهَا مِنَ الْأَلْوَانِ وَالطِّبَاعِ «مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ، وَالْأَبْيَضُ، وَالْأَسْوَدُ» بِحَسَبِ تُرَابِهِمْ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أُصُولُ الْأَلْوَانِ، وَمَا عَدَاهَا مُرَكَّبٌ مِنْهَا) (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 1/ 176).
عباد الله: إنَّ الفخر بالحسب صفة جاهلية وصفة يتصف بها العاجز, حيث إنَّ بعضاً من الناس أقعده العجز والكسل وضعف النفس من أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة فيلجأُ إلى الفخر بغيره من آبائه وأجداده وقومه وعشيرته وقبيلته, وإلى هذا وأمثاله يقال: إنَّ فخرك بهم لا يرفع قدرك ولا يُبيِّنُ فضلك, وليس لك فيه مزيَّة عن غيرك قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:
لَعَمْرُكَ ما الإنسانُ إلا بِدينِهِ *** فَلا تترُكِ التَقوى اتِكالاً على النَسَبْ
فَقَدْ رَفَعَ الإسلامُ سلمانَ فارِسٍ *** وَقَدْ وَضَعَ الشِركُ الشَريفَ أبا لَهَبْ
أيها المسلمون: لقد ذكر علماء الإسلام أنَّ الفخر بالأحساب كبيرة من كبائر الذنوب قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عِنْدَ اللهِ مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ" (أخرجه أبو داود (5116) وحسنة الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم: 1787).
قال المباركفوري -رحمه الله-: "قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ رَجُلَانِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ فَهُوَ الْخَيِّرُ الْفَاضِلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسِيبًا فِي قَوْمِهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ فَهُوَ الدَّنِيءُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِهِ شَرِيفًا رَفِيعًا انْتَهَى. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ الْمُفْتَخِرَ الْمُتَكَبِّرَ إِمَّا مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ فَإِذَنْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ فَهُوَ ذَلِيلٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَالذَّلِيلُ لَا يَسْتَحِقُّ التَّكَبُّرَ فَالتَّكَبُّرُ مَنْفِيٌّ بِكُلِّ حَالٍ.. فَلَا يليق بمن أصله التراب النخوة والتجبر أو إذا كان الأصل واحدا فالكل إخوة، فلا وَجْهَ لِلتَّكَبُّرِ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْأُمُورِ عَارِضَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا حَقِيقَةً نعَمِ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَهِيَ مُبْهَمَةٌ، فَالْخَوْفُ أَوْلَى لِلسَّالِكِ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِهَذِهِ المسالك" (تحفة الأحوذي: 10/ 317).
أيها المسلمون: ربُّوا أنفسكم وربُّوا أبناءكم على تقوى الله تعالى وأياكم والتربية على المفاخِر بالأحساب والتعالي بالأنساب, واعلموا أنَّ ثمة فرق بين الفخر بالأحساب وبين تعلم علم الأنساب, فعلم النسب علم مستقل, وهو من العلوم النافعة؛ لأن صلة الرحم لا يمكن معرفتها إلا بمعرفة النسب وكذلك حقوق كالميراث لا بد فيه من معرفة النسب, ولقد كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- من أعلم الناس بالأنساب.
اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات