عناصر الخطبة
1/الإسلام أحرص على صيانة المرأة ونيل حقوقها 2/آداب عمل المرأة وضوابطه 3/ عمل المرأة عن بعد وإنتاجها من منزلها أصلح لدينها وأنفع لدنياها 4/مفاسد عمل المرأة بدون الالتزام بالآداب الشرعية عليها وعلى الأسرة والمجتمع.اقتباس
لِيَعْلَمِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَكْرَمَ الْمَرْأَةَ، وَأَبَاحَ لَهَا مَا يُنَاسِبُ فِطْرَتَهَا وَقُدْرَتَهَا، وَمَنَعَهَا مِمَّا يُعْيِيهَا أَوْ يَفْتِنُ بِهَا، وَلَا حَرَجَ فِي عَمَلِ الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ مُلْتَزِمًا بِالضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ، أَوْ كَانَ فِي مَنْزِلِهَا، وَأَمَّا إِذَا حَادَتْ عَنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ فِي عَمَلِهَا فَمَا أَكْثَرَ الْمَفَاسِدَ الَّتِي تَنْتُجُ عَنْ ذَلِكَ!...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُسْلِمَةَ رُكْنٌ عَظِيمٌ فِي الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَسْعَدَ الْحَيَاةُ بِرِجَالٍ دُونَ نِسَاءٍ، وَلَا بِنِسَاءٍ دُونَ رِجَالٍ، وَلَا أَنْ يَقُومَ بُنْيَانُ الْمُجْتَمَعَاتِ عَلَى اسْتِقْرَارٍ وَتَقَدُّمٍ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي إِقَامَتِهِ شُرَكَاءَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ).
هَكَذَا قَرَّرَ الْإِسْلَامُ مَكَانَةَ الْمَرْأَةِ وَأَعْلَى مِنْ شَأْنِهَا، وَأَنْزَلَهَا الْمَكَانَ الَّذِي يَلِيقُ بِهَا، فَلَا يُوجَدُ دِينٌ أَحْرَصُ عَلَى صِيَانَةِ الْمَرْأَةِ وَإِعْطَائِهَا حُقُوقَهَا الْمَشْرُوعَةَ مِنْ هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ.
وَلَكُمْ أَنْ تَقْرَأُوا عَنْ مَكَانَةِ الْمَرْأَةِ فِي الدِّيَانَاتِ الْأُخْرَى وَالْقَوَانِينِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي تَزْعُمُ التَّقَدُّمَ وَالْحَضَارَةَ، وَهُنَاكَ تَجِدُونَ الْإِسَاءَةَ وَالتَّحْقِيرَ وَالِامْتِهَانَ لَهَا.. وَهُنَا نُدْرِكُ قِيمَةَ الْإِسْلَامِ وَعَدْلَهُ، وَكَفَانَا شَرَفًا بِهَذَا الدِّينِ أَنَّ اللَّهَ ارْتَضَاهُ لَنَا دِينًا؛ حَيْثُ قَالَ: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[الْمَائِدَةِ: 3].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاعِيَةَ فِي دِينِنَا الْحَنِيفِ لَا تَحْتَاجُ لِجِهَةٍ أَوْ مُنَظَّمَةٍ تُطَالِبُ بِحُقُوقِهَا أَوْ تُدَافِعُ عَنْهَا، فَقَدْ ضَمِنَ الْإِسْلَامُ لَهَا حُقُوقَهَا وَكُلَّ مَا يُسْعِدُهَا فِي دُنْيَاهَا وَأُخْرَاهَا.
غَيْرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تُدْرِكَ حُقُوقَهَا الَّتِي كَفَلَهَا لَهَا الْإِسْلَامُ، وَأَلَّا تُصْغِيَ لِأَعْدَاءِ الْفَضِيلَةِ وَالْجَاهِلِينَ بِقِيَمِ الْإِسْلَامِ النَّبِيلَةِ الَّذِينَ يَنْفُخُونَ فِي عَاطِفَتِهَا أَنَّ الْإِسْلَامَ ظَلَمَهَا وَقَيَّدَ حُرِّيَّتَهَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ.
فَتَعَالَوُا الْيَوْمَ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- لِنَفْهَمَ مَعًا الْحَدِيثَ عَنْ ثَقَافَةِ الْعَمَلِ الْأُنْثَوِيِّ مَا يَنْبَغِي مِنْهُ وَمَا لَا يَنْبَغِي.
وَكَمَا قِيلَ: "الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، أَيْنَ مَا وَجَدَهَا أَخَذَهَا، وَعِنْدَ مَنْ رَآهَا طَلَبَهَا، وَالْحِكْمَةُ حَقٌّ، وَالْحَقُّ لَا يُنْسَبُ إِلَى شَيْءٍ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ يُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى شَيْءٍ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ".
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الرِّجَالِ حُقُوقًا كَثِيرَةً لِلنِّسَاءِ؛ مِنَ النَّفَقَةِ، وَالْكُسْوَةِ، وَالْمَسْكَنِ، وَالدَّوَاءِ، وَالتَّعْلِيمِ، وَالْحِمَايَةِ، وَغَيْرِهَا، فَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟، قَالَ: "أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ.."(رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ)؛ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ حُقُوقَ الْمَرْأَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى وَلِيِّهَا وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَلَكِنَّ هَذَا الْأَصْلَ لَا يَمْنَعُ أَنْ تُشَارِكَ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فِي عَمَلٍ خَارِجَ الْبَيْتِ؛ فَقَدْ كَانَتْ نِسَاءُ الصَّحَابَةِ يَقُمْنَ بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ الْخَارِجِيَّةِ؛ مِمَّا يَعُودُ عَلَى الْأُسْرَةِ وَالْمَرْأَةِ بِالنَّفْعِ.
فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: طُلِّقَتْ خَالَتِي، فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: "بَلَى، فَجُدِّي نَخْلَكِ؛ فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا".
غَيْرَ أَنَّ الْعَمَلَ النِّسْوِيَّ خَارِجَ الْبَيْتِ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- لَهُ آدَابٌ وَضَوَابِطُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْتِزَامُهَا لِتَنَالَ سَلَامَتَهَا وَكَرَامَتَهَا وَعِفَّتَهَا، فَمِنْ ذَلِكَ:
أَنْ يَكُونَ عَمَلُهَا مُبَاحًا، فَإِذَا كَانَ مُحَرَّمًا فَلَا يَجُوزُ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 172]، وَأَنْ يَكُونَ عَمَلُهَا بَعِيدًا عَنِ الْفِتْنَةِ لَهَا، وَالْفِتْنَةِ بِهَا، كَالْعَمَلِ فِي الْبِيئَةِ الْمُخْتَلِطَةِ، أَوِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا خَلْوَةٌ، وَمِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ الْعَظِيمَةِ: "سَدُّ الذَّرَائِعِ" فَمَتَى أَفْضَى الْفِعْلُ إِلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ، أَوْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْإِفْضَاءَ إِلَى الْمَفْسَدَةِ، أَوْ قَصَدَ بِهِ فَاعِلُهُ الْإِفْضَاءَ إِلَى الْمَفْسَدَةِ وَجَبَ مَنْعُهُ. فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وَإِنَّهَا لَا تَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ مِنْهَا فِي قَعْرِ بَيْتِهَا"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
وَمِنْ ضَوَابِطِ عَمَلِ الْمَرْأَةِ خَارِجَ الْمَنْزِلِ: أَنْ يَكُونَ عَمَلُهَا لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ، وَبِإِذْنِ الزَّوْجِ أَوْ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَأَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى التَّقْصِيرِ فِي الْحُقُوقِ الْبَيْتِيَّةِ عَلَيْهَا، فَإِنْ تَخَلَّفَ ذَلِكَ فَلَا أَحْسَنَ لَهَا مِنَ الْبَقَاءِ فِي عَرْشِ بَيْتِهَا، قَالَ -تَعَالَى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الْأَحْزَابِ: 33].
وَمِنْ ضَوَابِطِ عَمَلِ الْمَرْأَةِ خَارِجَ الْمَنْزِلِ: الِالْتِزَامُ بِالْحِجَابِ الشَّرْعِيِّ السَّاتِرِ الَّذِي لَا يَكْشِفُ وَلَا يَصِفُ شَيْئًا مِنْ مَفَاتِنِهَا، وَلَا يَكُونُ عَلَى لِبَاسِهَا أَوْ رِيحِهَا مَا يَدْعُو الرِّجَالَ إِلَيْهَا. قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 59].
فَاعْرِضُوا -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- هَذِهِ الضَّوَابِطَ عَلَى عَمَلِ النِّسَاءِ الْيَوْمَ خَارِجَ الْمَنْزِلِ، فَكَمْ تَرَوْنَ فِيهِنَّ مَنْ تَلْتَزِمُ بِهَذِهِ الضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ؟ أَمْ أَنَّ الْجَمَّ الْغَفِيرَ، وَالْعَدَدَ الْكَثِيرَ خَالَفْنَ هَذِهِ الضَّوَابِطَ؟ بَلْ أَصْبَحْنَ يَعْرِضْنَ جَمَالَهُنَّ فِي طَرِيقِ الْوَظِيفَةِ وَمَقَرِّهَا، وَلَيْتَهُنَّ يَسْمَعْنَ لِسَانَ الرُّجُولَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ يَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ:
صُونِي جَمَالَكِ عَنَّا إِنَّنَا بَشَرٌ ** مِنَ التُّرَابِ، وَهَذَا الْحَسَنُ رُوحَانِي
أَوْ فَابْتَغِي فَلَكًا تَأْوِينَهُ مِلْكًا ** لَمْ يَتَّخِذْ شِرْكًا فِي الْعَالَمِ الْفَانِي
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْفُضَلَاءُ: فَهَذِهِ بَعْضُ الضَّوَابِطِ الْآدَابِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُرَاعِيَهَا إِذَا احْتَاجَتْ إِلَى الْعَمَلِ خَارِجَ بَيْتِهَا، وَيُمْكِنُ لِلْمِرْآةِ فِي عَصْرِنَا أَنْ تَعْمَلَ فِي وَظِيفَةٍ عَنْ بُعْدٍ وَهِيَ فِي بَيْتِهَا؛ كَالْخِيَاطَةِ، وَالطَّبْخِ، وَأَدَوَاتِ الزِّينَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَعْمَلَ فِي تِقْنِيَّةِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْبَرْمَجِيَّاتِ وَالتَّصْمِيمَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِفُهُ النِّسَاءُ أَكْثَرَ مِنَ الرِّجَالِ، وَكَمْ نِسَاءٍ نَجَحْنَ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ وَأَصْبَحْنَ يَعُلْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَأُسَرَهُنَّ، بَلْ وَيَتَصَدَّقْنَ وَيَكْفُلْنَ يَتَامَى وَأَرَامِلَ.
وَمِثْلُ هَذِهِ الْفُرَصِ تُسَاعِدُهَا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْعَمَلِ خَارِجَ بَيْتِهَا؛ فَالْإِنْتَاجُ الْبَيْتِيُّ الْيَوْمَ غَدَا مُنَافِسًا قَوِيًّا لِلْإِنْتَاجِ الْخَارِجِيِّ، خَاصَّةً فِي ظِلِّ تَوَفُّرِ شَبَكَةِ الْإِنْتَرْنِتْ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَهَذَا مِنْ تَيْسِيرِ اللَّهِ لِلْمَرْأَةِ الْحَرِيصَةِ عَلَى عِفَّتِهَا.
وَلَا شَكَّ أَنَّ عَمَلَهَا فِي بَيْتِهَا أَصْلَحُ لِدِينِهَا، وَأَنْفَعُ لِدُنْيَاهَا، وَأَبْعَدُ لَهَا عَنِ الْمَحْذُورَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْمُشْكِلَاتِ الْأُسَرِيَّةِ، وَالتَّقْصِيرِ فِي الْحُقُوقِ الْبَيْتِيَّةِ. قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطَّلَاقِ: 2-3].
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِرَجُلٍ: "إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَّا أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).
نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُصْلِحَ فَتَيَاتِنَا وَجَمِيعَ نِسَائِنَا.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية:
حَمْدًا لِمَنْ يُسْنَدُ إِلَيْهِ كُلُّ حَمْدٍ، وَشُكْرًا لِرَبِّنَا الْحَمِيدِ مِنْ غَيْرِ عَدٍّ، وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَعَمَلُ الْمَرْأَةِ بِدُونِ الِالْتِزَامِ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالضَّوَابِطِ الْإِسْلَامِيَّةِ يُؤَدِّي إِلَى مَفَاسِدَ عَلَيْهَا، وَعَلَى أُسْرَتِهَا، وَعَلَى الْمُجْتَمَعِ. فَمِنْ ذَلِكَ:
كَثْرَةُ الْمُضَايَقَاتِ وَالتَّحَرُّشِ بِالْمَرْأَةِ الْمُوَظَّفَةِ أَوِ الْعَامِلَةِ، سَوَاءٌ فِي الطَّرِيقِ أَمْ فِي مَحَلِّ الْعَمَلِ أَوِ الْوَظِيفَةِ، وَهَذِهِ الْمَفْسَدَةُ لَمْ تَعُدْ خَافِيَةً عَلَى أَحَدٍ؛ فَالْمَرْأَةُ هُنَاكَ -كَمَا قِيلَ فِي الْأَمْثَالِ-: "لَحْمٌ عَلَى وَضَمٍ إِلَّا مَا ذُبَّ عَنْهُ".
وَصَدَقَ الشَّاعِرُ:
تَعْدُو الذِّئَابُ عَلَى مَنْ لَا كِلَابَ لَهُ ** وَتَتَّقِي مَرْبِضَ الْمُسْتَأْسِدِ الْحَامِي
وَأَمَّا إِذَا بَدَرَتْ مِنَ الْمَرْأَةِ بَوَادِرُ فِتْنَةٍ؛ كَحَرَكَةٍ مُرِيبَةٍ، أَوِ ابْتِسَامَةٍ مُطْمِعَةٍ، أَوْ كَلِمَةٍ مُغْرِيَةٍ؛ فَهِيَ فَرِيسَةُ صَائِدٍ، وَمَطْمَعُ صَائِلٍ، فَلَيْتَ الْمَرْأَةَ هُنَاكَ تَسْمَعُ:
صُونِي جَمَالَكِ إِنْ أَرَدْتِ كَرَامَةً ** كَيْ لَا يَصُولَ عَلَيْكِ أَدْنَى ضَيْغَمِ
وَمِنْ مَفَاسِدِ عَمَلِ الْمَرْأَةِ بِدُونِ الِالْتِزَامِ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ: وُقُوعُ بَعْضِ النِّسَاءِ فِي الْفَاحِشَةِ بِالِاغْتِصَابِ، أَوْ بِالتَّرَاضِي بَعْدَ صَدَاقَةٍ وَطُولِ مُرَاوَدَةٍ، وَخُصُوصًا فِي عَمَلِ اللَّيْلِ وَأَمَاكِنِ الِاخْتِلَاءِ فِي الْمَكَاتِبِ الْوَظِيفِيَّةِ، إِلَّا مَنْ عَصَمَتْ نَفْسَهَا بِقُوَّةِ دِينٍ أَوْ حَيَاءٍ.
وَكَمْ مِنْ نِسَاءٍ عَفِيفَاتٍ تَرَكْنَ وَظَائِفَهُنَّ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْحَرَامِ، أَوِ التَّهْدِيدِ بِالْفَصْلِ مِنَ الْعَمَلِ عِنْدَ الْإِبَاءِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا؛ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).
وَمِنْ مَفَاسِدِ عَمَلِ الْمَرْأَةِ بِدُونِ الِالْتِزَامِ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ: فِتْنَةُ الرِّجَالِ الْمُوَظَّفِينَ أَوِ الْمُرَاجِعِينَ أَوِ الْمُشْتَرِينَ، إِنْ كَانَتْ بَائِعَةً أَوْ مُرَوِّجَةَ بِضَاعَةٍ.
فَيَا لَلَّهِ كَمْ يُلَاقِي الْإِنْسَانُ الْعَفِيفُ مِنْ عَنَاءٍ وَصِرَاعٍ دَاخِلِيٍّ عِنْدَمَا يَصِلُ إِلَى إِدَارَةٍ أَوْ مَحَلٍّ تَسْتَقْبِلُهُ فِيهِ امْرَأَةٌ!
لِمِثْلِ هَذَا يَذُوبُ الْقَلْبُ مِنْ كَمَدٍ ** إِنْ كَانَ فِي الْقَلْبِ إِسْلَامٌ وَإِيمَانُ
وَكَمْ رِجَالٍ سَلَكُوا مَسَالِكَ الْحَرَامِ بِسَبَبِ مُوَظَّفَةٍ أَوْ عَامِلَةٍ أَوْ بَائِعَةٍ، حِينَ أَطْلَقُوا سِهَامَ النَّظَرِ، وَلَمْ يُفَكِّرُوا فِي سُوءِ الْأَثَرِ. قَالَ تَعَالَى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[النُّورِ: 30].
وَمِنَ الْمَفَاسِدِ فِي عَمَلِ الْمَرْأَةِ خَارِجَ بَيْتِهَا: ضَيَاعُ الْحُقُوقِ وَضَعْفُ الْإِنْجَازِ وَقِلَّةُ الْأَدَاءِ؛ وَبِالتَّالِي فَلَا الطَّرَفَانِ سَلِمَا مِنَ الْفِتْنَةِ وَلَا هُمُ الَّذِينَ أَدَّوْا مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَهَامِّ وَالْوَاجِبَاتِ.
عِبَادَ اللَّهِ: لِيَعْلَمِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَكْرَمَ الْمَرْأَةَ، وَأَبَاحَ لَهَا مَا يُنَاسِبُ فِطْرَتَهَا وَقُدْرَتَهَا، وَمَنَعَهَا مِمَّا يُعْيِيهَا أَوْ يَفْتِنُ بِهَا، وَلَا حَرَجَ فِي عَمَلِ الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ مُلْتَزِمًا بِالضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ، أَوْ كَانَ فِي مَنْزِلِهَا، وَأَمَّا إِذَا حَادَتْ عَنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ فِي عَمَلِهَا فَمَا أَكْثَرَ الْمَفَاسِدَ الَّتِي تَنْتُجُ عَنْ ذَلِكَ!
فَهَلْ مِنْ وَاعِيَةٍ تَعِي شَرْعَ رَبِّهَا، وَتَفْهَمُ كَيْفَ رَسَمَ لَهَا دِينُهَا طَرِيقَ سَعَادَتِهَا، فَأَبَاحَ لَهَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يَنْفَعُهَا وَلَا يَضُرُّهَا، فَطُوبَى لِمَنْ وَعَتْ فَاتَّبَعَتْ، وَعَنْ مَسَالِكِ الشَّرِّ أَعْرَضَتْ.
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ نِسَاءَنَا، وَيَهْدِيَهُنَّ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ، حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى النِّعَمِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات