الـرَّبُّ -جل جلاله-

د عبدالله بن مشبب القحطاني

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/اسم الله الرب ومعانيه 2/أنواع ربوبية الرب سبحانه 3/ثناء الرب على نفسه 4/حظ الأنبياء والأولياء من اسم الله الرب.

اقتباس

فَرَبُّنَا الْخَالِقُ الْمَالِكُ الْمُدَبِّرُ الْمُتَصَـرِّفُ، رَبُّ الْأَرْبَابِ وَمَعْبُودُ الْعِبَادِ، يَمْلِكُ الْمَمَالِكَ وَالْمُلُوكَ وَجَمِيعَ الْعِبَادِ، وَهُوَ الَّذِي دَبَّرَ لِخَلْقِهِ مَصَالِحَهُمْ، وَهُوَ جَابِرُهُمْ وَالْقَائِمُ بِأُمُورِهُمْ؛ -إِنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ-، قَيُّومُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ- لَهُ جَمِيعُ مَعَانِي الرُّبُوبِيَّةِ؛ الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ؛ لَا...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

يَا رَبِّ نَسْأَلُكَ بِعِزِّكَ وَذُلِّنَا، وَبِقُوَّتِكَ وَضَعْفِنَا، وَبِغِنَاكَ عَنَّا وَفَقْرِنَا إِلَيْكَ، نَوَاصِينَا الْكَاذِبَةُ الْخَاطِئَةُ بَيْنَ يَدَيْكَ، عَبِيدُكَ سِوَانَا كَثِيرٌ وَلَيْسَ لَنَا رَبٌّ سِوَاكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ.

 

نَسْأَلُكَ مَسْأَلَةً الْمِسْكِينِ، وَنَبْتَهِلُ إِلَيْكَ ابْتِهَالَ الْخَاضِعِ الذَّلِيلِ، وَنَدْعُوكَ دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ، سُؤَالَ مَنْ خَضَعَتْ لَكَ رِقَابُهُمْ وَرَغِمَتْ لَكَ أُنُوفُهُمْ، وَفَاضَتْ لَكَ عُيُونُهُمْ، وَذَلَّتْ لَكَ قُلُوبُهُمْ: أَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَتُدْخِلَنَا فِي رَحْمَتِكَ؛ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ بِمَنْ يَسْتَغِيثُ الْعَبْدُ إِلَّا بِرَبِّهِ.

 

وَمَنْ لِلْفَتَى عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ *** وَمَنْ مَالِكُ الدُّنْيَا وَمَالِكُ أَهْلِهَا

وَمَنْ كَاشِفُ الْبَلْوَى عَلَى الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ *** وَمَنْ يَدْفَعُ الْغَمَّاءَ وَقْتَ نُزُولِهَا

 

عِبَادَ اللَّهِ: فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ نَتَشَرَّفُ بِالْكَلَامِ عَنِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى، وَهُوَ؛ الرَّبُّ -سُبْحَانَهُ-؛ قَالَ تَعَالَى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الْفَاتِحَةِ: 2]، وَقَالَ تَعَالَى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)[النَّمْلِ: 26]، وَقَالَ تَعَالَى: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ)[الرَّحْمَنِ: 17]، وَقَالَ تَعَالَى: (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)[يَس: 58].

 

فَرَبُّنَا الْخَالِقُ الْمَالِكُ الْمُدَبِّرُ الْمُتَصَـرِّفُ، رَبُّ الْأَرْبَابِ وَمَعْبُودُ الْعِبَادِ، يَمْلِكُ الْمَمَالِكَ وَالْمُلُوكَ وَجَمِيعَ الْعِبَادِ، وَهُوَ الَّذِي دَبَّرَ لِخَلْقِهِ مَصَالِحَهُمْ، وَهُوَ جَابِرُهُمْ وَالْقَائِمُ بِأُمُورِهُمْ؛ -إِنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ-، قَيُّومُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ- لَهُ جَمِيعُ مَعَانِي الرُّبُوبِيَّةِ؛ الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ؛ لَا بَشَرٌ وَلَا مَلَكٌ، بَلْ هُمْ جَمِيعًا عَبِيدٌ مَرْبُوبُونَ لِرَبِّهِمْ، مَقْهُورُونَ خَاضِعُونَ لِجَلَالِهِ وَعَظَمِتِهِ -سُبْحَانَهُ-.

 

وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنَازِعَ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ- فِي رُبُوبَيِّتِهِ وَمُلْكِهِ الْأَعْلَى؛ كَفِرْعَوْنَ عِنْدَمَا قَالَ: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[النَّازِعَاتِ: 24]؛ يَكُونُ مَآلُهُ الْهَلَاكَ وَالذِّلَّةَ، قَالَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ-: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى)[النَّازِعَاتِ: 25].

 

وَرُبُوبِيَّـتُهُ لِخَلْقِـهِ نَوْعَـانِ: رُبُوبِيَّةٌ عَامَّةٌ: تَشْمَلُ جَمِيعَ الْخَلَائِقِ؛ بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ، مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ؛ حَتَّى الْجَمَادَاتِ، وَهِيَ؛ أَنْ يَرُبَّهُمْ بِالْخَلْقِ، وَالرِّزْقِ وَالتَّدْبِيرِ، وَالْإِنْعَامِ، وَالْعَطَاءِ.

 

وَرُبُوبِيَّةٌ خَاصَّةٌ، وَهِيَ: بِأَوْلِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ؛ فَيَرُبُّهُمْ بِالْإِيمَانِ وَيُوَفِّقُهُمْ لَهُ، وَيُصْلِحُ قُلُوبَهُمْ وَأَرْوَاحَهُمْ وَأَخْلَاقَهُمْ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَهِيَ: تَرْبِيَةُ تَوْفِيقٍ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَعِصْمَةٍ مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

وَلِذَا؛ حَمَدَتْ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ الرَّبَّ -سُبْحَانَهُ-؛ (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الزُّمَرِ: 75]؛ فَهُوَ مَحْمُودٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)[يس: 10].

 

وَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ- امْتَدَحَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الْفَاتِحَةِ: 2]، وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ؛ (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ)[الْأَنْعَامِ: 164].

 

وَمَدَحَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ، قَالَ تَعَالَى: (سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)[الزُّخْرُفِ: 82]، (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)[النَّمْلِ: 26].

 

وَمَدَحَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ فَقَالَ: (سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)[الزُّخْرُفِ: 82].

 

وَمَدَحَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّ آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ، قَالَ تَعَالَى: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)[الدُّخَانِ: 8].

 

وَمَدَحَ نَفْسَهُ -سُبْحَانَهُ- بِأَنَّهُ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، قَالَ تَعَالَى: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا)[الْمُزَّمِّلِ: 9].

 

فَمَا أَعْظَمَ شَأْنَهُ، وَأَعَلَى مَكَانَهُ، وَأَقْرَبَهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَلْطَفَهُ بِعِبَادِهِ.

 

وَرُبُوبِيَّةُ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ-؛ رُبُوبِيَّةُ عَظَمَةٍ وَجَلَالٍ؛ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)[الْأَعْلَى: 1].

 

وَرُبُوبِيَّتُهُ -جَلَّ فِي عَلْيَائِهِ-؛ (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[الْأَعْرَافِ: 54].

 

وَرُبُوبِيَّتُهُ -سُبْحَانَهُ- رِزْقٌ وَخَيْرٌ وَعَطَاءٌ؛ (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)[سَبَإٍ: 15].

 

وَرُبُوبِيَّتُهُ -سُبْحَانَهُ-؛ عِزَّةٌ وَقُوَّةٌ وَغَلَبَةٌ وَمَنَعَةٌ؛ (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ)[ص: 66].

 

وَرُبُوبِيَّتُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ رَحْمَةٌ؛ (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا)[النَّبَإِ: 37].

 

وَرُبُوبِيَّتُهُ -جَلَّ وَعَلَا- كَرَمٌ؛ (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)[الِانْفِطَارِ: 6].

 

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، مَا عَبَدْنَاكَ رَبَّنَا حَقَّ الْعِبَادَةِ؛ فَمَنْ عَرَفَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ رَبُّ الْأَرْبَابِ، لَمْ يَطْلُبْ غَيْرَ اللَّهِ رَبًّا لَهُ، وَرَضِيَ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَمَنْ رَضِيَ ذَاقَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ؛ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

 

لَـمَّا عَلِمَ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ بِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ: مِفْتَاحُ الدُّعَاءِ؛ تَضَرَّعُوا إِلَى اللَّهِ بِهِ فِي دُعَائِهِمْ؛ فَدَعَا بِهِ آدَمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَزَوْجُهُ حَوَّاءُ؛ (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23].

 

وَدَعَا بِهِ نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-؛ (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا)[نُوحٍ: 28].

 

وَدَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ وَإِسَمَاعِيلُ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-؛ (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127].

 

وَدَعَا بِهِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-؛ (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[الْأَعْرَافِ: 151].

 

وَدَعَا بِهِ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-؛ (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[الْمَائِدَةِ: 114].

 

وَدَعَا بِهِ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)[الْمُؤْمِنُونَ: 97-98].

 

وَلِبَرَكَةِ هَذَا الِاسْمِ فِي الدُّعَاءِ؛ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو كَثِيرًا بِهِ، وَيُعِظِّمُ اللَّهَ بِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ: مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ: أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ؛ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ -قَالَ-: وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا؛ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ؛ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؛ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَكَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ؛ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ؛ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ؛ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ؛ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ؛ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ؛ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ؛ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

 

وَكَانَ إِذَا افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِاللَّيْلِ قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ"؛ "اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِـمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"(حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)، وَإِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، وَحَلَّ بِهِ كَرْبٌ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

وَمِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي عَلَّمَهُ رَبُّهُ؛ (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه: 114]، قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَا زَالَ فِي زِيَادَةٍ مِنَ الْعِلْمِ حَتَّى تُوَفِّيَ وَمَنْ أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ؛ فَعَلَيْهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ؛ (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 118].

 

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: مَنْ لَمْ يَدْعُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ اخْتِيَارًا؛ رَجَعَ إِلَيْهَا اضْطِرَارًا، فَهَا هُوَ الْمَرِيضُ عَلَى فِرَاشِهِ، وَهُوَ يُصَارِعُ الْمَرَضَ يُنَادِي: يَا رَبِّ.. يَا رَبِّ فَإِذَا الْعَافِيَةُ تَدْلِفُ مِنْ لَدُنْهُ، وَإِذَا الشِّفَاءُ يَنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ -سُبْحَانَهُ-.

 

وَيَتَضَرَّعُ بِاسْمِهِ الْفَقِيرُ؛ الَّذِي لَا يَمْلِكُ قِطْمِيرًا، يَتَنَهَدُّ مِنَ الْبُؤْسِ، وَيَصِيحُ مِنَ الْفَاقَةِ: يَا رَبِّ.. يَا رَبِّ فَإِذَا بِهِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْحَاجَةَ، وَيَكْشِفُ الضَّائِقَةَ مِنْ عِنْدِهِ وَحْدَهُ.

 

وَيُنَادِي الْجَائِعُ، وَهُوَ يَتَضَوَّرُ جُوعًا، وَيَتَلَوَّى مِنَ الضُّرِّ: يَا رَبِّ.. يَا رَبِّ فَإِذَا بِالرِّزْقِ يَغْمُرُهُ، وَعَطَاءُ اللَّهِ يَنْهَمِرُ عَلَيْهِ.

 

وَيَسْتَجِيرُ بِهِ الْمَظْلُومُ، وَهُوَ يَمْسَحُ دَمْعَتَهُ الْحَارَّةَ، وَيُخْفِي أَنِينَهُ السَّاخِنَ: يَا رَبِّ.. يَا رَبِّ فَإِذَا النَّصْرُ الْأَكْبَرُ، وَالْعَاقِبَةُ الْحَمِيدَةُ.

 

نَادَى بِهَا السَّجِينُ الْمَظْلُومُ فِي زِنْزَانَتِهِ، وَهُوَ مُكَبَّلٌ بِالْحَدِيدِ، مَغْلُولٌ بِالْقُيُودِ: يَا رَبِّ.. يَا رَبِّ فَإِذَا الْأَبْوَابُ تُفْتَحُ -بِقُدْرَةِ الْقَادَرِ-، وَإِذَا الْقُيُودُ تُحَلُّ، وَالْفَرَجُ يَحْصُلُ.

 

وَلَجَأَتْ إِلَيْهِ الْأُمُّ وَهِيَ فِي وِلَادَتِهَا، وَقَدْ تَعَسَّرَتِ الْوِلَادَةُ وَصَعُبَتْ، وَأَوْشَكَتِ الْأُمُّ عَلَى الْهَلَاكِ: يَا رَبِّ.. يَا رَبِّ فَزَالَ أَنِينُهَا، وَخَرَجَ جَنِينُهَا.

 

الطَّائِرَةُ فِي السَّمَاءِ، يُؤَشِّرُ مُؤَشِّرُ الْخَلَلِ، وَيَظْهَرُ الْعُطْلُ؛ فَيُذْعَرُ الْقَائِدُ، وَتَضِجُّ الْأَصْوَاتُ، وَيَذْهَلُ الرِّجَالُ، وَتَصِيحُ النِّسَاءُ، وَيَفْجَعُ الْأَطْفَالُ، وَيَعْظُمُ الْفَزَعُ؛ فَيَهْتِفُ الْجَمِيعُ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ فَيَأْتِي لُطْفُهُ، وَتَنْزِلُ رَحْمَتُهُ، وَتَعْظُمُ مِنَّتُهُ؛ فَتَهْدَأُ الْقُلُوبُ، وَتَسْكُنُ النُّفُوسُ، وَتَهْبِطُ الطَّائِرَةُ بِسَلَامٍ.

 

رُحْمَاكَ يَا رَبَّ الْعِبَادِ رَجَائِي *** وَرِضَاكَ قَصْدِي فَاسْتَجِبْ لِدُعَائِي

نَادَيْتُ بِاسْمِكِ يَا إِلَهِي ضَارِعًا *** إِنْ لَمْ تُجِبْنِي فَمَنْ يُجِيبُ بُكَائِي؟

 

يَا رَبِّ رَحْمَتَكَ نَرْجُو؛ فَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ.

 

يَا رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.

 

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

المرفقات
gZzMZnYk3lYxjmnASIRDUh1Zr0ibfAWvdVmPcdj9.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life