اقتباس
الغيرة على الأعراض .. موضة قديمة!! (2)
منال المغربي
في "تحقيق سابق" كانت لنا وقفة تاريخية عن قيمة الغيرة على الأعراض (في الجاهلية والإسلام)، ثم قمنا باستجلاء آراء عدد من الرجال والنساء حول هذا المفهوم. وفي هذا العدد نسلط الضوء على أسباب وتجليات ومظاهر ضَعف مفهوم الغيرة على الأعراض في النفوس، حيث حاورنا كل من د. نهى قاطرجي أستاذة مادة الأخلاق في كلية الإمام الأوزاعي، والأستاذ حسام العيسوي إبراهيم من علماء مصر. فلنتابع:
تقول د. نهى قاطرجي: إن تجليات غياب مفهوم الغيرة على الأعراض كثيرة، منها انتشار الدياثة التي نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بقوله: «ثلاثة لا ينظر الله عزّ وجل إليهم يوم القيامة» وعدّ منهم: «الديوث» رواه النسائي. والديوث في اللغة هو «القُنْذُعُ، وهو الذي لا غَيرةَ له»... لذلك لا يتأثر الديوث بكل ما يشاهده ويسمعه من أفعال منكرة، بل وحتى محرّمة، تحدث في عائلته مع بناته وأبنائه بل وحتى مع زوجته.. الإباحية في اللباس والاختلاط غير المنضبط الذي قد يصل إلى حد الزنا!! وما ينتج عنه من انتشار للعلاقات المحرّمة مثل المساكنة التي بدأت تنتشر بين الشباب تحت حجة معرفة الآخر قبل الإقدام على الزواج، أو مثل ما يعرف بالزواج المدني (اللاديني) بين المسلمة وغير المسلم! ومن مظاهر غياب الغيرة لامبالاة المسلم في بعض الأحيان بما يرى أمامه من منكرات!!
وتحدثت عن الأسباب التي ساعدت على هتك أسوار الغيرة في نفوس كثير من الناس، منها: البُعد عن الدين والأخلاق، وهذا نجده كثيراً لدى الأسر التي تبتعد عن المنهج النبوي في التربية، وتتبع المناهج التربوية المعاصرة القائمة على إعطاء الحرية المطلقة للأبناء وعدم معاقبتهم مهما تمادوا بالخطأ؛ وذلك هرباً من أن يوصفوا بالمعنِّفين.. ولا ننسى عوامل التقليد للغرب والتماهي مع ثقافته!
بالنسبة للإعلام، فلا يخفى على أحد الدور الذي يقوم به في إثارة الغرائز وإشاعة الفساد بما يعرضه من مواد إباحية... مما يجعل المشاهد مع الوقت يصبح أكثر تقبلاً لهذا المنكر ويعتبره أمراً طبيعياً... ولا ننسى دور المذيعات اللواتي يظهرن باللباس الفاحش!!
كيف حفظ الإسلام الأعراض؟
يقول الأستاذ حسام العيسوي إبراهيم من علماء مصر الدعاة: وضع الإسلام حدوداً ثابتة وواضحة للمحافظة على الأعراض والحرمات، ومن هذه الحدود:
1- تعظيم حُرُمات المسلمين:
قال تعالى: ﴿ ومَن يُعَظِّم حُرُمات اللهِ فهو خيرٌ له عند ربِّه ﴾ [الحج: 30]، ومن حُرُمات الله أن يحافظ المسلم على عِرض أخيه، فلا يصيبه بأذى ولا سوء، مادي أو معنوي. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «... كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى ههنا...» رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
2- ستر عورات المسلمين:
يقول المولى تبارك وتعالى: ﴿ إن الذين يُحبّون أن تَشيعَ الفاحشةُ في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة ﴾ [النور:19]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة» رواه مسلم.
3- بيان فضل الحياء والحثّ على التخلّق به:
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياءً من العذراء في خِدْرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه» متفق عليه.
4- الحث على حفظ الأسرار:
قال تعالى: ﴿ وأَوْفوا بالعهدِ إن العهدَ كان مسؤولاً ﴾ [الإسراء: 34]. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنّ من أشَرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يُفضي إلى المرأة وتُفضي إليه ثم ينشر سرها» رواه مسلم.
5- تحريم الطعن في الأنساب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اثنتان في الناس هما بهم كُفُر: الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت» رواه مسلم.
6- الخوف على النفس والأهل من النار:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
وهذه الآية صريحة في وجوب المحافظة على النفس والأهل من النار، ومن وجوه المحافظة على الأهل: أن يخاف على أعراضهم، وأن يُحسن تربيتهم، وأن يراقب تصرفاتهم.
وتضيف د. نهى قاطرجي: إحياء هذه الفريضة في النفس والمجتمع يبدأ من البيت عن طريق التشديد على أهمية القدوة، فلا يكفي للأهل أن يربوا أبناءهم على الفضائل، بل ينبغي أن تكون هذه الفضائل مزروعة فيهم أولاً حتى يتمكنوا من نقلها إلى غيرهم. والمثل يقول: «كلُّ إناء بما فيه ينضح». وأول قدوة تستحق أن تُتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن الوسائل التربوية الفعّالة أيضاً: زرع تقوى الله عز وجل في نفوس الأبناء واستشعار مخافة الله عزَّ وجلَّ بداخلهم؛ فبغياب رقابة القانون المحلّي والقانون الاجتماعي القائمَيْن على العقاب والمحاسبة يبقى لهذا الرادع الداخلي دوره الفعّال في منع الإنسان من ارتكاب المنكر.. وبعد ذلك لا بد من العمل على إحياء سُنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قال عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لَتأمرُنَّ بالمعروف ولتنَهوُنَّ عن المنكر أو ليوشكنّ اللهُ عز وجل أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم» رواه الترمذي.
هذا ونختم بقول أحد الحكماء: «الذَّبُّ عن الشرفِ والعِرض أربَى من الذِّيَاد عن الحِمَى والأرض، ومَن أحبَّ المكارم غارَ على المحارم»... لذا؛ فإنَّ السعي إلى التطبيق الواقعي لهذا الخُلُق في حياتنا بات واجباً إسلامياً وتربوياً ودعوياً، مذكّرين بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ما من راع يسترعيه الله رعية يموت وهو غاشٌّ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة»، شاكرين لضيوفنا حُسنَ مشاركتهم وإثراءهم لهذا التحقيق.
التعليقات