الغنِيّ -جل جلاله-

د عبدالله بن مشبب القحطاني

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/حقيقة اسم الله الغني ودلائل كمال غناه سبحانه 2/مفتاح الغنى.

اقتباس

قَدْ يُعْطَى الْإِنْسَانُ أَمْوَالًا، أَوْ يُمْنَحُ عَقَارًا، أَوْ يُرْزَقُ عِيَالًا، أَوْ يُوهَبُ جَاهًا، أَوْ يَنَالُ مَنْصِبًا عَظِيمًا، أَوْ مَرْكَزًا كَرِيمًا، أَوْ زَعَامَةً عَرِيضَةً، أَوْ رِيَاسَةً مَكِينَةً.. قَدْ يَحُفُّ بِهِ الْخَدَمُ، وَيُحِيطُ بِهِ الْجُنْدُ، وَتَحْرُسُهُ الْجُيُوشُ، وَتَرْضَخُ لَهُ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: أَخْرَجَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ؛ فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ. فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ".

 

قَدْ يُعْطَى الْإِنْسَانُ أَمْوَالًا، أَوْ يُمْنَحُ عَقَارًا، أَوْ يُرْزَقُ عِيَالًا، أَوْ يُوهَبُ جَاهًا، أَوْ يَنَالُ مَنْصِبًا عَظِيمًا، أَوْ مَرْكَزًا كَرِيمًا، أَوْ زَعَامَةً عَرِيضَةً، أَوْ رِيَاسَةً مَكِينَةً.. قَدْ يَحُفُّ بِهِ الْخَدَمُ، وَيُحِيطُ بِهِ الْجُنْدُ، وَتَحْرُسُهُ الْجُيُوشُ، وَتَرْضَخُ لَهُ النَّاسُ، وَتَذِلُّ لَهُ الرُّؤُوسُ، وَتَدِينُ لَهُ الشُّعُوبُ... وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَالْكُلُّ مُحْتَاجٌ إِلَى اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فَاطِرٍ: 15].

 

وَرَبُّنَا هُوَ الْغَنِيُّ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ الَّذِي لَا أَغْنَى مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَالْكُلُّ فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ؛ فَرَبُّنَا غَنِيٌّ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَسُلْطَانِهِ، كَمُلَ فِي غِنَاهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ.

 

وَهُوَ الْغَنِيُّ بِذَاتِهِ فَغِنَاهُ ذَاتِيٌّ *** لَهُ كَالْجُودِ وَالْإِحْسَانِ

 

وَرَبُّنَا مِنْ كَمَالِ غِنَاهُ: أَنَّهُ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ الطَّائِعِينَ، وَلَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ الْعَاصِينَ؛ وَلَوْ كَفَرَ بِهِ كُلُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 97]، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ- حِكَايَةً عَنْ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 8]، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: "يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

 

وَمِنْ كَمَالِ غِنَاهُ: أَنَّهُ يُحْسِنُ إِلَى الْعِبَادِ، وَيُرِيدُ بِهِمُ الْخَيْرَ، وَيَكْشِفُ عَنْهُمُ الضُّرَّ؛ لَا لِشَيْءٍ إِنَّمَا رَحْمَةً بِهِمْ وَإِحْسَانًا؛ (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ)[الْأَنْعَامِ: 133].

 

وَمِنْ كَمَالِ غِنَاهُ: تَنَزُّهُهُ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ، وَكُلِّ مَا يُنَافِي غِنَاهُ، فَلَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا، وَلَا شَرِيكًا فِي الْمُلْكِ، وَلَا وَلِيًّا مِنَ الذُّلِّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، قَالَ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الْإِسْرَاءِ: 111].

 

وَمِنْ كَمَالِ غِنَاهُ وَكَرَمِهِ: أَنَّهُ يَأْمُرُ عِبَادَهُ بِدُعَائِهِ، وَيَعِدُهُمْ بِإِجَابَةِ دَعَوَاتِهِمْ؛ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غَافِرٍ: 60]، وَصَحَّ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنَّهُ قَالَ: "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الدُّعَاءِ"(حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

فَهَذَا أَكْمَلُ الْخَلْقِ عُبُودِيَّةً يَدْعُو رَبَّهُ مُظْهِرًا فَقْرَهُ وَحَاجَتَهُ إِلَيْهِ، وَعَدَمَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَقَدْ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "أَصْلِحْ لِي شَأْنِيَ كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ).

 

الْعَالَمُ أَجْمَعُ؛ جِنُّهُمْ وَإِنْسُهُمْ، وَغَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، وَكَبِيرُهُمْ وَصَغِيرُهُمْ، وَأَمِيرُهُمْ وَحَقِيرُهُمْ، وَقَوِيُّهُمْ وَضَعِيفُهُمْ؛ فُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ، مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ.

 

وَمِنْ كَرَمِ اللَّهِ: أَنَّهُ قَرَنَ اسْمَهُ: "الْغَنِيَّ" بِاسْمِهِ "الرَّحْمَنِ" فِي قَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ)[الْأَنْعَامِ: 133]، وَذَلِكَ لِإِخْبَارِ الْعِبَادِ أَنَّهُ: غَنِيٌّ عَنْ عِبَادَتِهِمْ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ قَدْ رَحِمَهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ حَتَّى فِي الْعِبَادَاتِ وَالتَّكَالِيفِ، بَلْ مِنْ رَحْمَتِهِ: أَنَّهُ يَقْبَلُ الْقَلِيلَ فَيُكَثِّرُهُ.

 

وَمِنْ كَرَمِهِ: أَنَّهُ قَرَنَ اسْمَهُ "الْغَنِيَّ" بِاسْمِهِ "الْحَمِيدِ"، قَالَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 8]، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فَاطِرٍ: 15] أَيْ: بَلِيغُ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْحَمْدِ؛ بِمَا لَهُ مِنْ عَظِيمِ النِّعَمِ.

 

تَبَرَّأْتُ مِنْ حَوْلِي وَطَوْلِي وَقُوَّتِي *** وَإِنِّي إِلَى مَوْلَايَ فِي غَايَةِ الْفَقْرِ

غِنَى الْمَرْءِ بِالرَّحْمَنِ أَغْنَى مِنَ الْغِنَى *** بِهِ يُكْتَسَى ثَوْبَ الْمَهَابَةِ وَالْقَدْرِ

لَهُ الْفَضْلُ كُلُّ الْفَضْلِ أَسْلَمْتُ مُهْجَتِي *** إِلَيْهِ فَمَا لِي حِينَ أَنْسَاهُ مِنْ عُذْرِ

 

أَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْغَنِيِّ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، فَبِقَدْرِ إِظْهَارِ فَقْرِكَ إِلَيْهِ يَكُونُ الْجَزَاءُ.

 

وَتَذَكَّرْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ، وَأَنَّ غِنَاهُ غِنًى ذَاتِيٌّ، بَلْ لَوْ سَأَلَهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ مِنْ مُلْكِهِ شَيْءٌ، جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: " ‌لَوْ ‌أَنَّ ‌أَوَّلَكُمْ ‌وَآخِرَكُمْ ‌وَإِنْسَكُمْ ‌وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ".

 

فَخَزَائِنُهُ مَلْأَى وَيَدُهُ الْكَرِيمَةُ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَخَيْرُهُ مِدْرَارٌ، جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَمُسْلِمٌ).

 

اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: أَمَّا مِفْتَاحُ الْغِنَى؟

 

فَالْجَوَابُ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: " ‌ابْنَ ‌آدَمَ، ‌تَفَرَّغْ ‌لِعِبَادَتِي ‌أَمْلَأْ ‌قَلْبَكَ ‌غِنًى وَأَمْلَأْ يَدَيْكَ رِزْقًا، يَا ابْنَ آدَمَ، لَا تَبَاعَدْ مِنِّي فَأَمْلَأْ قَلْبَكَ فَقْرًا وَأَمْلَأْ يَدَيْكَ شُغْلًا"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ).

 

فَمَتَى غَنِيَ الْقَلْبُ بِاللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَقَنِعَ بِهِ، وَفَرِحَ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ؛ أَصْبَحَ أَغْنَى خَلْقِهِ بِخَالِقِهِ، وَأَعَزَّ مَخْلُوقٍ بِرَازِقِهِ، وَأَقْوَى ضَعِيفٍ بِمَوْلَاهُ، فَهَذَا الْغِنَى بِلَا مَالٍ، وَالْقُوَّةُ بِلَا سُلْطَانٍ، وَالْعِزَّةُ بِلَا عَشِيرَةٍ، فَيَا لَهُ مِنْ غِنًى! مَا أَجَلَّ قَدْرَهُ! صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

 

لَنْ يَشْبَعَ الْإِنْسَانُ لَوْ مَلَكَ الدُّنْيَا؛ مَا لَمْ يَكُنِ الْغِنَى فِي قَلْبِهِ، وَكَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "يَا أَبَا ذَرٍّ! أَتَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ هِيَ الْغِنَى؟ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ، وَالْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْبِ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ).

 

مَنْ كَانَ الْغِنَى فِي قَلْبِهِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا لَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَنْ كَانَ الْفَقْرُ فِي قَلْبِهِ؛ فَلَا يُغْنِيهِ أَكْثَرُ مَا فِي الدُّنْيَا، صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ"(حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

فَالْغَنِيُّ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ مَنِ اسْتَغْنَى فِي قَلْبِهِ عَنِ النَّاسِ، وَافْتَقَرَ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

 

يَسِحُّ مِنَ الْخَيْرَاتِ سَحًّا عَلَى الْوَرَى *** فَيُغْنِي وَيُقْنِي دَائِمًا وَيُحَوِّلُ

إِذَا أَكْثَرَ الْمُثْنِي عَلَيْهِ مِنَ الثَّنَا *** فَذُو الْعَرْشِ أَعْلَى فِي الْجَلَالِ وَأَجْمَلُ

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.

 

اللَّهُمَّ أَعْطَيْتِنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ نَسْأَلَكَ؛ فَكَيْفَ إِذَا سَأَلْنَاكَ؟!

 

اللَّهُمَّ أَغْنِنَا بِالِافْتِقَارِ إِلَيْكَ، وَلَا تُفْقِرُنَا بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْكَ؛ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَنِيُّ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.

 

اللَّهُمَّ أَغْنِنَا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.

 

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات
Tdnc8pJVdUMa0FM3Gpi3Gdwvejq9N6rc5Z4G5wJ9.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life