بقلم: د. أحمد حسن
* (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ.....) (الأنبياء).
* (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39)) (مريم).
إخوتاه.. آآآه من هذا الداء!!
إخوتاه.. الداء هذه المرة عضال.
إخوتاه.. الداء موطنه القلب!!
إخوتاه.. الداء هذه المرة عاقبته مرّة!!
آآه للغافلين من سوء العاقبة، وكأني بأحدهم يُقال له عند الغرغرة، وقد جاءت سكرة الموت بالحق: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)) (ق)، نعم، حديد يرى الحقيقة، ويوقن بأنه كان غافلاً عن طريق النجاة.
أخي في الله، احذر أن تكون من الغافلين عما يهلكك، أو أن تكون من الغافلين عما ينجيك، أو أن تكون ممن غفلوا عن غايتهم ومهمتهم التي من أجلها ابتعثهم الله جلَّ وعلا، أو أن تكون من الذين ابتلوا بالغفلة عن الموت وما يتبعه من أهوال القيامة، نسأل الله العافية.
* أخي الحبيب.. احذر من ربك الذي لا يغفل عن عباده (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42)) (إبراهيم)، قد نزَّه الله جلَّ وعلا نفسه عن الغفلة، وكثيرًا ما ختمت الآيات بقوله تعالي: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة: من الآية 74)، فالحذر الحذر!
أنواع الغفلة:
1- الغفلة عن المهلكات.
2- الغفلة عن المنجيات.
3- الغفلة عن الأوقات والأعمار.
4- الغفلة عن المهمة التي من أجلها خلقك الله تعالى.
5- الغفلة عن واقع الإسلام والعمل لنصرته.
أولاً: الغفلة عن المهلكات:
والعجب كل العجب أن يغفل المرء عما يستوجب سخط الله عزَّ وجلَّ، ويودي به في أودية الهلاك.
1- الاستدراج: وهو أول المهلكات وأهمها, ويبدأ الاستدراج بالوسوسة، ثم يصبح همًّا، ثم يصبح نية، ثم تخطو خطوة على طريق المعصية، ثم حتمًا الوقوع في الفاحشة، ثم تزين للمرء الفاحشة، فتكثر الفواحش، ثم يموت القلب، ثم قد تكون النهاية ميتة على الشرك عياذًا بالله من ذلك.
والآن هل تعي معنى قوله تعالي: (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) (النور: من الآية 21)؟.
أخي الحبيب، تدبر ما قاله ابن مسعود وأنس رضي الله عنهما فيما أخرجه البخاري: "إنكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات"، والعجيب أنه كان يتحدث إلى التابعين!!!.
الغافل مستدرج إلى الخطر، ذلك أن الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عاقل يقظ، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل غافل.
واسمع إلى كلام ابن الجوزي وهو يقول: "من أعظم العقوبة الاغترار بالسلامة".
وكأني بالمرء قد سوَّل له الشيطان أنه معصوم، وأن مثله لن يدخل النار وهو مع الأصفياء الأخيار، فلمن تكون الجنة إن لم تكن له ولمثله؟!
2- الغفلة عن إنك غافل!! ولا تتعجب أخي في الله، فكم من واحد فينا وبيننا لا يرى في نفسه هذا المرض وهو متمكن من قلبه، ولسانه، وجوارحه، والأمر يحتاج إلى وقفة مع النفس؛ هل قلبي قلب ذاكر يمارس عبادة التفكر؟ هل قلبي قلب حامد، شاكر لأنعم الله؟ هل يخشع قلبي في الصلاة؟ ما وقع آيات الله إذ تُتلى على مسامعي؟ ما مساحة القسوة في قلبي؟ واستمتاعي بالحرام إلى أي مدى؟ والنفس اللوامة، أين هي؟!! أسئلة وأسئلة، تحتاج إلى وقفات وإجابات لتعلم، أقلبك يقظ أم غفلان؟
ولسانك، أهو لسان ذاكر أم لسان لا يذكر الله إلا قليلاً؟ (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ (205))
(الأعراف).
وجوارحك، أتغفل عن وظيفتها التي خلقت من أجلها؟ أم تراها ذاكرة؟! أتستعمل الأيدي والأرجل والآذان والعينان فيما يرضي ربها جلَّ وعلا؟ أم تراها قد تحقق فيها قول ربنا سبحانه: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179)) (الأعراف).
3- مهلكة الرياء: لا تغفل عنه فهو من محبطات الأعمال، واحذر ثم احذر من تقلب القلب من الإخلاص إلى الرياء، من عمل تريد به وجه الله ابتداءً فإذا به..واأسفاه!! قد أريد به السمعة، والوجاهة، وإعجاب الناس!! أما يكفيك أن تعلم أنه ثبت في الصحيح عند البخاري وأحمد والترمذي وغيره أن أكثر قسم النبي صلى الله عليه وسلم كان: "لا ومقلب القلوب".
وأذكِّرك بقوله جلَّ وعلا: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)) (الفرقان)، وأذكِّرك بقوله تعالى في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" (أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم).
أخي الحبيب.. رب مجاهد ليس له من جهاده شيء بل ربما يخرج بوزر!!
ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والنصب!!
ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش!!
ورب بانٍ لمسجد على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم!!
ورب عالم يدخل الناس بدوائه الجنة ويدخل هو النار بمرضه!!
ورب صاحب دعوة خير وهو آخر المستفيدين منها!
ورب طبيب يحتاج لدواء وعليل يظن في نفسه السلامة!!
وربما قُبل من العبد القليل المستحقر وأُحبط الكثير المزهو به!!
وربما غُفر لعبد الذنب العظيم وعُوقب بالذنب الحقير!!
ورب عمل عملاً صالحًا استوجب غضب الله بسبب ريائه!!
ورب مقترف ذنبًا كان هذا الذنب مفتاح هجرته إلى الله تعالى!!
أخي الحبيب.. لا تنسَ أوائل حطب النار، أنشدك بالله.. لا تنسَ أوائل المسعرين!!، إنهم.. شهيد!!!وعالم!!! ومنفق كريم!!!
علتهم، ومصيبتهم، هي غفلتهم عن الرياء، فلم تغنِ عنهم أعمالهم من الله شيئًا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كن حذيفة:
أتعرف طريقة حذيفة؟ اسمع إليه وهو يقول: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني... كان رضي الله عنه يسأل عن المهلكات ليعلمها أولاً، ثم يحترز منها بعد ذلك، ألا يشعرك ذلك بمعنى قوله تعالى: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران: من الآية 185).
* أخي الحبيب.. تزحزح أولاً عن النار، ابتعد أولاً عن غضب الله وعقابه، وهذا هو معنى موضوعنا الذي أقصده، ألا تغفل عن المهلكات، الموجبات لغضب الرب جل وعلا، وعند ذاك تكون قد وصلت إلى نقطة البداية، في مدارج السالكين إلى الله رب العالمين، ولتبدأ مرحلة جديدة من عدم الغفلة عن المنجيات التي ترتفع بك إلى جنات النعيم، (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)) (يونس)، وصلى الله على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم.
المصدر: إخوان أون لاين
التعليقات