عناصر الخطبة
1/ نظرة الناس للعين وعقيدتهم فيها 2/ كل شيء بقضاء الله وقدره 3/ الإصابة بالعين حقيقة 4/ بعض الأمور الواجبة على العائن 5/ صفات العائن وعلاماته 6/ وسائل الوقاية من العيناهداف الخطبة
اقتباس
تأثيرات النفوس بعضها في بعض أمر لا ينكره ذو حس سليم ولا عقل مستقيم, فإن تأثيرها في العالم يقوي جدا تأثيرا يعجز عنه البدن، وأعراضه أن تنظر إلى حجر عظيم فتشقه أو حيوان كبير فتتلفه أو إلى نعمة فتزيلها, وهذا أمر قد شاهدته الأمم على اختلاف أجناسها وأديانها وهو الذي يسمى...
الخطبة الأولى:
إن مما يتحدث عنه الناس كثيرًا في هذه الأيام تلك السهام القاتلة التي انطلقت من قوس الحسد والشر، فطالت كثيرا من الناس ممن تهاون بأمر الوقاية منها.
تلك هي الإصابة بالعين، وهي التي انقسم الناس فيها بين مكذب شاك في الوقوع، وبين غال يرجع كل حدث ومصيبة إلى عين عائن.
والتوسط بين هذا وهذا هو الحق الذي جاء به القرآن والسنة.
وقد ساهمت وسائل الإعلام المخادعة في التشويش على المسلمين في هذه القضية، فمنهم من يعرض قضية الإصابة بالعين على أنها خرافة لا يصدقها العقلاء، وهذا يأتي ضمن الحملة الماكرة التي يقوم بها هؤلاء في سبيل هدم المسلمات عند المسلمين فيعرضون القضايا الثابتة بالكتاب والسنة على التافهين والتافهات، والساقطين والساقطات، ليقولوا فيها رأيهم.
وأي رأي يقبل بعد قول الله وقول رسوله؟
ومنهم من يعرض هذا الأمر على أنه مناسبة للتندر، وإظهار العائن في موقف المفتخر وعلى أنه صاحب خارقة وصاحب ميزة، مع أنه في الحقيقة صاحب نفس شريرة، وخصلة ذميمة، وصاحب سوأة من سوءات النفس، وعورة من عورات الضمير, يجب عليه التخلص منها، أو كتمها، والاستحياء منها.
والمسلم الحق يعرف أن ما جاء في الكتاب والسنة هو الحق الذي تحرم مخالفته بأي حال من الأحوال؟
إن الله -تعالى- قد خلق عالم الأبدان وعالم الأرواح، وجعل لكل منهما خصائصه وتأثيراته، وكما أن الأجسام يؤثر بعضها في بعض، فإن النفوس كذلك يؤثر بعضها في بعض بإذن الله -تعالى-.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وتأثيرات النفوس بعضها في بعض أمر لا ينكره ذو حس سليم ولا عقل مستقيم, فإن تأثيرها في العالم يقوي جدا تأثيرا يعجز عنه البدن، وأعراضه أن تنظر إلى حجر عظيم فتشقه أو حيوان كبير فتتلفه أو إلى نعمة فتزيلها, وهذا أمر قد شاهدته الأمم على اختلاف أجناسها وأديانها وهو الذي يسمى "إصابة العين"، فيضيفون الأثر إلى العين وليس لها في الحقيقة, وإنما هو النفس المتكيفة بكيفية ردية سمية وقد تكون بواسطة نظر العين وقد لا تكون بل يوصف له الشيء من بعيد فتتكيف عليه نفسه بتلك الكيفية فتفسده، وأنت ترى تأثير النفس في الأجسام صفرة وحمرة وارتعاشا، ولم تزل الأمم تشهد تأثير النفوس وتستعين بها وتحذر أثرها".
ولنا -أيها الإخوة- في هذا الموضوع وقفات للذكرى:
الوقفة الأولى: أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن ما يحدث في هذا الكون لا يحدث إلا بتقدير الله الحكيم وقضائه النافذ، وأنه لا يجوز نسبة شئ من الحوادث في هذا الكون إلى مخلوق أبدا إلا على سبيل السبب.
فنحن أهل السنة لا ننفي أن الله جعل لكل شئ سببا، لكننا ننفي أن يقع شئ إلا بعد أن يقدر الله وقوعه على النحو الذي أراد.
وأنه ما شاء الله كان, وما لم يشأ لم يكن.
فما شاء كان وإن لم أشأ *** وما شئت إن لم يشأ لم يكن
والله -تعالى- يقول في السحر: (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) [البقرة: 102].
ويقول: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الإنسان: 30].
ويقول: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحديد: 22]، فالله -تعالى- هو القدير الحكيم, وهو المدبر المصرف وهو المالك المتصرف.
فإذا علمنا هذا حق العلم، وأدركناه حق الإدراك، حقيقة لا مجرد لفظ، فإننا نكون قد قطعنا نصف المسافة أو أكثر في علاج هذا الموضوع.
الوقفة الثانية: أن الإصابة بالعين حق كما أخبر بذلك الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، وكما أشار إليه القرآن في مواضع، يقول الله -تعالى- لنبيه الكريم: (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) [القلم: 51]، فهذه النظرات الحاقدة الحاسدة من الكفار تكاد تؤثر في أقدام الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فتجعلها تزل وتنزلق، وتفقد توازنها على الأرض وثباتها! وهو تعبير عما تحمله هذه النظرات من غيظ وحنق وشر وحسد ونقمة، وحمى وسم، وقد قال غير واحد من المفسرين في هذه الآية: "إنه الإصابة بالعين"، فأرادوا أن يصيبوا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنظر إليه قوم من العائنين، وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حجته.
وقال بعض المفسرين: "كان طائفة منهم تمر به الناقة والبقرة السمينة فيعينها ثم يقول لخادمه خذ المكتل والدرهم وأتنا بشيء من لحمها، فما تبرح حتى تقع فتنحر"، ثم قال: "كان رجل من العرب يمكث يومين أو ثلاثة لا يأكل ثم يرفع جانب خبائه فتمر به الإبل، فيقول: لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه، فما تذهب إلا قليلا حتى يسقط منها طائفة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعين ويفعل به كفعله في غيره, فعصم الله -تعالى- نبيه وحفظه، وأنزل عليه: (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ) [القلم: 51].
وأشار القرآن كذلك إلى تأثير العين على لسان نبي من أنبياء الله، وهو يعقوب -عليه السلام- عندما خاف على أبنائه، وقال لهم: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ) [يوسف: 67].
قال ابن عباس وغيره: "خشي عليهم العين, وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة, ومنظر وبهاء, فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم, فإن العين حق".
ومع ذلك، ومع شدة العاطفية الأبوية الخائفة على الأبناء، لا ينسى يعقوب -عليه السلام- أن هذا التدبير لا يغني عنهم من الله شيئا، وأن الحكم النافذ هو حكم الله وحده؛ وإنما هي حاجة في النفس لا تغني من الله وقدره، فاستدرك قائلا: (وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [يوسف: 67]، أخذ بالسبب ثم أوكل الأمر لله بعد ذلك.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا".
اغتسل سهل بن حنيف -رضي الله عنه- بالخرار فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر إليه، وكان سهل رجلا أبيض، حسن الجلد، فقال له عامر بن ربيعة: "ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء"، فوعك سهل مكانه واشتد وعكة، فأُتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبر أن سهلا وعك، وأنه غير رائح معك يا رسول الله، فأتاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعامر: "علام يقتل أحدكم أخاه, ألا بركت, إن العين حق, توضأ له"، فتوضأ له عامر فراح سهل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس به بأس.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن قتلى العين من هذه الأمة كثير، قال صلى الله عليه وسلم: "أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس" يعني بالعين.
فإذا كان هذا هو عدد الموتى فما بالك بعدد المرضى والمصابين في حوادث وكوارث.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر".
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن العين لتولع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا فيتردى منه" أي يدفع به تأثير العين حتى يصعد جبلا فيسقط منه.
قال جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: "رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- لآل حزم في رقية الحية, وقال لأسماء بنت عميس: "مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة؟" قالت: لا, ولكن العين تسرع إليه, قال: "أرقيهم" قالت: فعرضت عليه، فقال: "أرقيهم".
فهذه النصوص كلها تدل على هذا التأثير الخفي الذي تحدثه هذه النفوس التي تنزع إلى الحسد والشر.
وهذا يكفي عند المسلم في الإثبات، حتى ولو خالفه الأطباء والماديون، فكلام الله وكلام رسوله أولى بالاتباع.
وقد جرب الناس من تأثير الأرواح بعضها في بعض عجائب تفوت الحصر، فعالم الأرواح عالم آخر أعظم من عالم الأبدان وأحكامه وآثاره.
الوقفة الثالثة: أنه ينبغي على كل من عرف في نفسه هذه الخصلة القبيحة أن يتقي الله في إخوانه المسلمين, فإنه سوف يحاسب عن كل ضرر ألحقه بمسلم، وعليه أن يعالج نفسه بالعلاج النبوي، ومن ذلك:
1- أن يعلم أن الله -تعالى- هو الذي يقسم الرزق بين الناس لحكمة بالغة، فلا يعترض على حكم الله، ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، فإن الحسد صفة إبليس التي أخرجته من الجنة.
2- أن يعلم أنه مؤاخذ بنتيجة فعله، حتى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سمى هذا الفعل قتلا، فقال: "علام يقتل أحدكم أخاه؟".
3- أن يدعو بالبركة لأخيه المسلم إذا رأى منه شيئا يعجبه؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك الرجل: "ألا بركت؟" أي قلت: اللهم بارك عليه, وعليه أن يداوم على ذكر الله -تعالى-، وقراءة القرآن على كل أحواله.
4- أن يكف عن مخالطة الناس، ويلزم بيته إلا لحاجة، حتى قال كثير من العلماء: "إن من عرف بذلك حبسه الإمام, وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت".
5- على هذا الرجل، بل على كل واحد من المسلمين، أن لا يتكبر، ولا تأخذه العزة بالإثم، إذا طلب منه أن يغتسل، فقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين"، وقال صلى الله عليه وسلم: "وإذا استغسلتم فاغسلوا".
وقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يغسل العائن مغابنه، ومواضع القذر منه، ويتوضأ، ثم يصب ذلك الماء على المعين، فإنه يزيل عنه تأثير نفسه فيه.
فلا يمتنع المسلم عن الغسل لأخيه, فإن في ذلك عدة فوائد؛ منها: طلب الأجر بامتثال أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-, ومنها: إبراء الذمة إذ قد تصيب العين من غير قصد, ومنها: تطييب نفس أخيك المسلم, ومنها: الشعور برباط المجتمع الواحد.
الوقفة الرابعة: أن العائن له صفات ينبغي على كل مسلم أن يتجنبها، ومن ذلك: أن العائن دائم التسخط على أقدار الله -تعالى-، ينسى قول الله -تعالى-: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) [الزخرف: 32]، فتجده دائم الشكوى، يرى النعمة عليه نقمة، لا يرضيه شيء، يقول معاوية -رضي الله عنه-: "كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسدا على نعمة فلا يرضيه إلا زوالها".
والعائن يتصف بالبخل والشح, فكيف يعطي من ماله ما يزيده حسرة وهو الذي لو استطاع أن يمنع دون الناس قطر السماء، ونبت الأرض، لفعل لما في قلبه من الحسد؟
وقد قيل: البخيل يبخل بماله, والشحيح يبخل بمال غيره, والحسود يبخل بنعم الله على عباده.
ومن صفات العائن: اللؤم والخسة وبذاءة اللسان.
ومن صفات العائن: أنه يجيد عبارات الوصف، وكلمات التشبيه، ولذا تجد على لسانه دائما: "هذا كأنه كذا", "وهذا كأنه كذا", "وهذا أحسن من كذا", "وهذا أفضل من كذا".
الوقفة الخامسة: الوقاية من هذه الشرور، تكون بعدة أمور منها:
1- ملازمة ذكر الله -تعالى- في كل الأوقات كما شرع الله لنا ذلك، وبخاصة أذكار الصباح والمساء.
2- حسن التوكل على الله -تعالى-، وذلك بصدق إعتماد القلب على الله في دفع المضار، وجلب المنافع، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي إلا الله، ولا يمنع إلا الله، ولا يضر ولا ينفع سواه، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
3- ستر المحاسن التي يخشى عليها الإصابة من العين خاصة من النساء والأطفال، وقد رأى عثمان -رضي الله عنه- صبيا مليحا، فقال لأهله: "دسموا نونته لا تصيبه العين" أي اجعلوا على ذقنه شيئا من السواد حتى لا تستحسنه العيون.
4- إذا فعل الإنسان الأسباب السابقة، فإن عليه بعد ذلك أن ينسى هذا الموضوع، ولا يعيره اهتماما، ولا يفكر فيه، وليفرغ قلبه من هذا الأمر نهائيا فلا يجعل ذلك همه، ولا يلتفت إلى وساوس الشيطان، فإن نسيان هذا الأمر، وعدم ملء القلب به، هو من أقوى الأسباب على دفع شر العين, ودفع مرض الوسواس.
وليعلم المسلم أن أكبر الأسباب لدفع هذا الشر هو الالتجاء إلى مسبب الأسباب العزيز الحكيم الذي يقول: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ) [يونس: 107].
أسأل الله العظيم أن يجنبنا وإياكم الفتن والشرور.
الخطبة الثانية:
الوقفة السادسة: لنعلم أن الله -تعالى- قد قدر الأقدار، وسبب المسببات, وأنه ربما أراد أناسا بامتحان وبلاء، وأراد آخرين بتمحيص الذنب، أو رفع المنزلة في الجنة، فقدر عليهم بعض هذه الأمراض، فعليهم أن يصبروا ولا يجزعوا، ويعلموا أنه خير أراده الله -تعالى- بهم إن كانوا مؤمنين.
ويعلم المسلم أن الله -تعالى- ما أنزل داءً إلا وأنزل له دواءً، وأنه تعالى لم يجعل شفاء الناس فيما حرم عليهم.
وإن مما حرم الله -تعالى- أشد التحريم: إتيان السحرة والمشعوذين والدجالين الذين يرجمون بالغيب، وجعل ذلك نوعا من أنواع الكفر بالله -تعالى-.
وقد جعل الله هذا القرآن المعجزة شفاءً للمؤمنين من أدواء القلب والبدن.
ولم يشترط الله -سبحانه- واسطة بينه وبين خلقه، بل قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة: 186]، فلا تذهب لفلان وفلان من الذين يرقون، ولا تتعلق بأحد دون الله -تعالى-، وعليك فقط أن تحفظ بعض الآيات، وبعض الأدعية المأثورة، ثم تتجه إلى الله -تعالى- بقلب مؤمن مضطر يعلم أن الشافي هو الله، ثم تدعو الله الذي إذا علم صدقك فلن يخيبك أبدا.
فمن التعوذات والرقى: الإكثار من قراءة المعوذتين، وفاتحة الكتاب، وآية الكرسي، ومنها التعوذات النبوية، نحو: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق", ونحو: "أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة, ومن كل عين لامة", ونحو: "أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ, ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج, فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض, ومن شر ما يخرج منها, ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن".
ومنها: "أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون".
ومنها: "اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم، وكلماتك التامات، من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته, اللهم إنه لا يهزم جندك، ولا يخلف وعدك، سبحانك وبحمدك".
ومنها: "ربي الله لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم, ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن, لا حول ولا قوة إلا بالله, أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما, وأحصى كل شيء عددا, اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه, ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته إن ربي على صراط مستقيم".
وإن شاء قال: "تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء، واعتصمت بربي ورب كل شيء, وتوكلت على الحي الذي لا يموت، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله, حسبي الله ونعم الوكيل, حسبي الرب من العباد, حسبي الخالق من المخلوق, حسبي الرازق من المرزوق, حسبي الذي هو حسبي, حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه, حسبي الله وكفى, سمع الله لمن دعا, ليس وراء الله مرمى, حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم".
ومنها: رقية جبريل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك, من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك".
قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومن جرب هذه الدعوات والعوذ، عرف مقدار منفعتها، وشدة الحاجة إليها, وهي تمنع وصول أثر العائن، وتدفعه بعد وصوله، بحسب قوة إيمان قائلها، وقوة نفسه، واستعداده، وقوة توكله، وثبات قلبه، فإنها سلاح, والسلاح بضاربه".
التعليقات