العواقب الحميدة لإصلاح ذات البين

الشيخ محمد سرندح

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/إصلاح ذات البين من أَوْلى المهمات 2/العواقب الوخيمة لإفساد ذات البين 3/وجوه المعروف لإصلاح ذات البين 4/تحية تقدير للمرابطين والمصلين في المسجد الأقصى

اقتباس

قضية الخصومة والتفرق والشقاق والنزاع، ليست منحصرة بالأفراد أو في النزاعات بين الأسرة الواحدة، أو شقاق بين الزوجين، وليست منحصرة بين الجار وجاره، كل ذلك موجود ولا بد من السعي لإصلاح ذات البين فيه، ولكنَّ الأخطر وجود فساد ذات البين على مستوى الأمة جمعاءَ...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، بلَّغَنا رمضانَ، ووفَّقَنا للقيام، وأنعَم علينا بالرباط، الحمد لله، (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[النِّسَاءِ: 114]، الحمد لله، (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[الْأَنْفَالِ: 1]، الحمد لله، (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا)[الْأَنْبِيَاءِ: 90]، سبحان الله، بالحق تنزيها، الحمد لله، للرباط ثوابا، لا إله إلا الله، للقلوب ثباتًا، الله أكبر للنصر استبشارًا؛ (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)[الْبَقَرَةِ: 186]، اللهم بك نستنصر فانصرنا، وبك نستجير فأَجِرْنا، وبكَ يستغيث الصائمون المرابطون والمحاصَرون فأغثنا، بفضلك شددنا الرحال لأقصانا، بفضلك صامدون هنا، بنورك سنبقى هنا، بنورك هذا مسجدنا، فالأقصى عقيدتُنا، هو حقٌّ لنا، لا يقبل شِركًا ولا شراكةً ولا إشراكًا.

 

وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، كان الله ولا شيء معه، يبقى ربنا ولا شيء معه، إذا أراد الله أن يجمع شيئًا جمَّعَه، وإذا حفظ شيئًا فلا يملك مخلوق أن يضيعه، نسألك أن تحفظ علينا ديننا، وأن تحفظ علينا أقصانا، وأن تحفظ علينا رباطنا واعتكافنا يا ربَّ العالمينَ، وأن تتقبل شهداءنا وتشفي جرحانا، وتُحرِّر أَسرانا، وأن تجمع كلمتنا، فالأقصى يُوحِّدنا.

 

اللهم أصلح أحوالنا واجعلنا من المقبولين في هذا الشهر المبارك يا كريم.

 

وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، سيد المصلحين، أزكى الناس نفسًا، وأنفس الخلق عُربًا وعَجَمًا، أرجحهم عقلًا وفكرًا، وأعلاهم علمًا وفهمًا، وأوفاهم يقينًا وعزمًا، ملأ اللهُ قلبَه رأفةً ورحمةً، زكَّاه الله روحًا وجسمًا، وفتح الله به عيونًا عُميًا، وقلوبًا غُلفًا، وآذانًا صُمًّا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

الصحابة الكرام، البدريون الثقاة، العدول المرضيون، بعد موقعة بدر الكبرى حيث رفع الله بها شأن المسلمين في رمضان، سألوا عن الغنائم، نِقاش عارض عن الأنفال والأموال، خلاف في ذات البين؛ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)[الْأَنْفَالِ: 1]، لا يليق بكم فساد ذات البين أيها المؤمنون، لا يليق بكم فساد ذات البين يا أهل الرباط، يا أهل بيت المقدس، يا أهل فلسطين، العدو يتربص بكم، فاتقوا الله وأصلِحوا ذاتَ بينكم، العدو يترقب انقسامكم، فاتقوا الله وأصلِحوا ذاتَ بينكم، سارع أهل الفداء، وأهل البذل والنصرة بإصلاح ذات البين، وكلما حل شقاق أو نزاع أو تفرق أو خصومة بأهل التضحية وأهل القوة تذكَّرُوا؛ (فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الْأَعْرَافِ: 201]، تذكَّرُوا؛ (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ)[الْمَائِدَةِ: 91]، تذكَّرُوا؛ (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الْأَنْفَالِ: 46]، (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 100].

 

هذا شأنُ أعدائنا من حولنا، على مستوى الأمة؛ إفساد ذات البين، إفسادٌ بين الدول، إثارةُ النزاعات بين الشعوب وخلط الصفوف؛ لتبقى الأمة مشرذمةً، استخدَمُوا المالَ والإعلامَ، والسلاحَ المشبوهَ؛ لتغذية النزاع بين الأمة لتفشل وتذهب قُوَّتُها، وليستبيح الأعداءُ مُقدَّساتِها.

 

قضية الخصومة والتفرق والشقاق والنزاع، ليست منحصرة بالأفراد أو في النزاعات بين الأسرة الواحدة، أو شقاق بين الزوجين، وليست منحصرة بين الجار وجاره، كل ذلك موجود ولا بد من السعي لإصلاح ذات البين فيه، ولكنَّ الأخطر وجود فساد ذات البين على مستوى الأمة جمعاءَ؛ "فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: إنها تَحلِق الشَّعْرَ، ولكن تَحلِق الدِّينَ"، بفساد ذات البين ينمحي الدين يا مسلمون، وتُنتَهَك الحرماتُ، (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)[الْأَنْفَالِ: 1].

 

تفرَّقت الأمةُ فيما بينَها، تفرقت في الأفكار، تفرقت بالسياسات والتبعيات، تفرقت بالتوجهات والآراء والأهداف، تنازعت دُوَلُنا الإسلاميةُ والعربيةُ، وتفرَّد العدوُّ بنا وبأقصانا، بل وصل النزاعُ والتفرقُ بين دولنا، أن يستبيح بعضهم مالَ بعض، ويستبيح بعضُهم دماءَ بعضٍ، ويستبيح أعراض بعض، ويخون بعضُهم بعضًا، وأصوات الاستغاثات تدوي جنوبًا وشمالًا، في خاصرة الأمة: هل من مغيث؟ وبقي الجرح الفلسطيني يتأوَّه، وينادي على الأحرار، حصارات متزايدة، وأصوات استفزازية، واقتحامات متكررة، وأن مَنْ يتحمَّل تدهورَ الأوضاع في المنطقة هو الذي يحمي المنتهكين للأقصى يوميًّا، ولا تنفكُّ المسؤوليةُ عمَّن يُعطي الضوء الأخضر لهؤلاء المستفزين لمشاعر المسلمين، تجاهَ المسجد الأقصى المبارَك، وأن الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك وعلى المصلين الآمنين لا يزيد الأمور إلا تدهورًا وسوءًا، وعيون الأقصى تنظر لحال المسلمين، دولة تفقر دولة، وتحاصر أخرى، وتتعاهد مع أخرى، وتُثار التهم الإعلامية والعرقية لتصبح الأمة الإسلامية محل الابتزاز مِنْ قِبَل أعدائنا، بينما أنظار العالَم للحروب الدائرة هنا وهناك، تزهق أرواح المسلمين نساء ورجالًا وأطفالًا وتُستباح المقدَّساتُ، هذا معنى فساد ذات البين، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[هُودٍ: 117].

 

أمَّا فرعونُ موسى لولا أن الله فضَحَه وأخبرنا القرآن به لكتب المنافقون عن فرعون: أنه غرق وهو يلاحق الفئةَ الخارجةَ عن القانون، وكلما تكرَّر فرعونُ تكرَّر المنافقون، وبرروا له أفعاله باسم الدين؛ (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)[النَّمْلِ: 48]؛ لذلك وجَّه اللهُ نداءه للمؤمنين، للمسلمين، للمخلصين، للثابتين المرابطين؛ (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)[النِّسَاءِ: 114]، فالنجوى والاجتماعات السرية لا خير فيها، إلا إذا كانت للإصلاح، فلا خير في الاجتماعات السرية والعلنية التي تحاك بالنجوى ضد الأمة وشعوبها، في سراب الصحراء وغيرها، فلا خير في الاتفاقيات التي توقع في ظلمات الليل لهدم الأمة وأخلاقها، وللهدم والنَّيْل من مقدساتها؛ (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ)[النِّسَاءِ: 114]، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)[الْبَقَرَةِ: 11]، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل.

 

(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ)[النِّسَاءِ: 114]، وليس موضوع الصدقة حديثنا اليوم؛ فأهل بيت المقدس، أهل فلسطين سبق درهمهم ألف درهم، جادوا بأموالهم لإيواء إخوانهم المشرَّدين المضطهَدين، سطَّر المرابطون قصصَ الإخلاص كصاحب النقب ولا زالت أيادي المرابطين البيضاء في كل فلسطين يشد بعضها أزر بعض، يتحسسون الفقراء في مخيماتنا وقرانا.

 

(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ)[النِّسَاءِ: 114]، إن قدمت مساعدة لأبناء وطنك وللمؤمنين فأنت من أهل المعروف، وإن زرت مصابًا جريحًا فأنتَ من أهل المعروف، وإن كفلتَ أيتامًا ثكلى فأنتَ من أهل المعروف، وإن يسرتَ على المسلمين في رمضان فأنتَ من أهل المعروف، إن ساندتَ أهلَ بلدكَ وحفظتَ غيبتَهم فأنت من أهل المعروف، إن ساعدت مرابطًا شدَّ الرحالَ للأقصى وهيأتَ له طعامًا وخدمةً فأنتَ من أهل المعروف، إن آزرتَ الثابتينَ في أرضهم فأنتَ من أهل المعروف، مَنْ شدَّ الرحالَ ورابَط واعتكف بالأقصى فهو من أهل المعروف، قال عليه الصلاة والسلام: "أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وهم أهل الإحسان في الآخرة"، (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرَّحْمَنِ: 60]، فإن لم تكن رجلًا في مواقفك ولم تكن من أهل المعروف فلا تُصفِّق للباطل، ولا تكن من الخائنين، فأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، لا إلهَ إلَّا اللهُ، محمدٌ رسولُ اللهِ.

 

(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)[النِّسَاءِ: 114]، أو إصلاح بين الناس، هي عبادة الإصلاح، لا تُقنع نفسك أنك مشغول بالتطوع من الصلاة والصيام والقيام وتترك مهماتك الإصلاحية؛ فإن إصلاح ذات البين عبادة يُبعِدك الشيطانُ عنها، ويُزيِّن لكَ ألوانًا من العبادات، يُزيِّن لكَ أن تُطعم طعامًا بيدك اليمنى، وتوقع تخاذلًا بيدك اليسرى، ويبقى الشيطان يوسوس للإنسان، ويُزيِّن لكَ الشيطانُ الدخولَ بأعراض الخَلْق من العلماء والعاملين؛ ليُبعدك عن الإصلاح، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين".

 

يا رجالَ الإصلاح، يا أهلَ الإقدام، يا أهلَ الميدان: الناس تُتابِع الاقتتالَ والنزاعاتِ خلفَ شاشات الإعلام، وعبرَ مواقع التواصل الاجتماعي وأنتم تتابعون من الميدان، أنتم بشجاعتكم تتقدمون مُبادِرينَ للإصلاح ولفرض الأمن وحقن الدماء ووأد الفتنة، ففيكم الخير وفيكم الأمل، ونشدُّ على أيديكم بالحق وللحق؛ (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[النِّسَاءِ: 114]، (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)[الْمُؤْمِنَونَ: 61]، عن أنس بن مالك قال: "فزع أهلُ المدينة ذاتَ ليلة، كما فزع أهلُ القدس فانطلق الناسُ قبل الصوت، فاستقبلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- راجعًا من مكان الحدث، قد سبَقَهم إلى الصوت، وتفحَّص الخبرُ على فرس لأبي طلحة بدون سرج والسيفُ في عُنُقِه وهو يقول: لن تُراعُوا"، بأبي أنتَ وأمي يا رسول الله! ما أشجعَكَ! علَّمْتَنا الإقدامَ، نهيتنا عن الأنانية والتنصُّل من المسؤولية، فكم من نفس في فلسطين رُوعت، وكم من حُرُمات في بيت المقدس انتهكت، وكم من أرواح أُزهقت، والعالم في صمت لا يحرك ساكنًا.

 

قال صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري: ألَا أدلُّكَ على صدقة يحب اللهُ موضعَها؛ تُصلِح بينَ الناس؛ فإنها صدقة يحب الله موضعها. ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي استخلف الإنسان في الأرض ليعمرها، وجعل للمساجد أوتادا ورجالًا لتعمرها، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، جعل من عباده هداة للحق بإذنه، وجعل منهم أهلا للمعروف يلجأ الناس إليهم، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، الهادي إلى سبيل الهداية، والصلاح للإنسانية جمعاء، ورضي الله عن آل بيته الأطهار، الذين وأد الله بهم الفتنة، وأصلح بهم فئات المسلمين.

 

أيها الصائمون، أيها المرابطون، يا أوتاد المسجد الأقصى الثابتون، يا أهل فلسطين عامةً: وصفَكم اللهُ بأهل الرباط، شددتم الرحال للمسرى، مصلون صائمون، قائمون معتكفون، رغم التضييقات، يومكم خير من الدنيا وما عليها؛ فأنتم أهل الإسراء والمعراج، ينظر العالم لثباتكم على الحق، تعلَّقَتْ أرواحُكم بالأقصى، فامتلأت نفوسُكم عزةً وأنفةً ورفعةً وشموخًا، ففيكم العقلاء والحكماء، الذين يُفوِّتون الفرصةَ على المعتدينَ، وعلى مَنْ أراد بالمسجد الأقصى سوءًا، (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)[فَاطِرٍ: 43]، فلن يضركم مَنْ خالفكم، وقهرتم برباطكم كلَّ من تداعى عليكم، وأحبطتم بثباتكم كل استفزاز حول مسجدكم، قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس. هنيئا لكم؛ يومكم بألف يوم، روى الترمذي بسنده عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل".

أنتم نزلاء الله في بيته، يكرم الملوك من نزل بساحتهم فكيف النزول بساحة الرحمن، إلى بابك الأعلى مددنا يد الرجا ومن جاء ذاك الباب لا يخشى الردى.

 

اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك وإمائك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا وذهاب همنا.

 

اللهم إن المرابطين واقفون ببابك فلا تجعلنا من المطرودين، اللهم اغفر لنا وارحمنا وارزقنا وعافنا، ووفقنا للخيرات، ووفق المسلمين للثبات بفضلك، ومُنَّ علينا بقائد مؤمن رحيم، ومصلح ملهم أمين، يجمعنا تحتَ رايةِ دِينكَ.

 

اللهم طهِّر بيتك الأقصى من تدنيس الكفر والكافرين، واعتداء المعتدين، اللهم اصرف عنا البلاء ما علمنا منه وما لم نعلم، وأنت به أعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، اللهم حرر أسرانا وارحم شهداءنا، وفك الحصار عن محاصرينا، اللهم اكتب الصحة والسلامة لكل من شد الرحال للمسجد الأقصى، اللهم أرجعهم إلى ديارهم سالمين، آمنين، مطمئنين، اللهم ضاعف الثواب والأجر للمعتكفين منهم، بما أننا نترحم على شهدائنا الأبرار، فإنه من الوفاء لهم أن نصلي عليهم صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة إن شاء الله.

 

وارض اللهم عن الصحابة والمبشرين العشرة، وآل البيت الأطهار البررة، ونجعل مسك الختام الصلاة والسلام على مسك الختام، اللهم يا من جعلت الصلاة على النبي من القربات، نتقرب إليك بكل صلاة صليت عليه من أول النشأة إلى ما لا نهاية للكمالات؛ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصَّافَّاتِ: 180-182]، وأقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات
rQOgv6nxOoJzdcMy8VuU6yTe7X97a7q7ChFyxjcm.pdf
QCmbSRFLvR89s4ITtyzmLZ4UnRmtm8vctFb0VCsR.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life