عناصر الخطبة
1/أهمية التعاون بين أبناء المجتمع المسلم 2/الحث على مساعدةِ الفقراء وذوي الحاجات 3/فضائل الأعمال التطوعية وأهميتها في دعم المجتمع المسلم 4/شمولية مفهوم العمل التطوعي في الإسلام 5/أفكار ومقترحات لتطوير وتوجيه العمل الخيري.اقتباس
ومِن فضائلِ دينِنا الحنيفِ أنَّه يحثُّ على التعاونِ في كلِّ خيرٍ يفيدُ المجتمعَ المسلمَ، ويأمرُ ببذلِ الجهدِ لمساعدةِ الفقراءِ والمساكينِ وذوي الحاجاتِ، والسعيِ في قضاءِ حوائجهِم، وكفايتهِم، وتيسيرِ أمورِهم، والوقوفِ بجانبهِم حتى ولو بالقليلِ..
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ؛ نحمدُهُ ونستعينُهُ، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسنَا ومنْ سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لهُ ومنْ يُضلِلْ فَلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ: فاتّقوا اللهَ -أيها المؤمنونَ-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
عباد الله: في كلِّ مجتمعٍ فئةٌ تعاني من الفقرِ والمرضِ والابتلاءاتِ والمحنِ، فمنهم من لا يجدُ بيتًا يؤويه، أو كسوةً تستره، أو طعامًا يأكله، أو عملاً يدرُّ عليه مالاً ليقتاتَ بهِ في حياتِهِ، ومنهم من يكونُ مريضًا فلا يجدُ علاجًا، أو معاقًا لا يجدُ رعايةً، أو صاحبَ أمراضٍ مزمنةٍ لا يجدُ من يساعدُهُ أو يساندُهُ، وهؤلاءِ لا يجدونَ الرعايةَ الكافيةَ على الرغمِ من قيامِ الدولةِ بتقديمِ ما تستطيعُه من أجلِهم.
عبادَ الله: ومِن فضائلِ دينِنا الحنيفِ أنَّه يحثُّ على التعاونِ في كلِّ خيرٍ يفيدُ المجتمعَ المسلمَ، ويأمرُ ببذلِ الجهدِ لمساعدةِ الفقراءِ والمساكينِ وذوي الحاجاتِ، والسعيِ في قضاءِ حوائجهِم، وكفايتهِم، وتيسيرِ أمورِهم، والوقوفِ بجانبهِم حتى ولو بالقليلِ. وقد وجَّه ربنا -جل وعلا- إلى ذلك بقوله، (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)[سورة المائدة:2]، وقوله: (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيم)[البقرة:158].
ولقد حثَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أمتَه على فعلِ الخيرِ، والمشاركةِ فيه بكلَّ ما يُستطاعُ، وبكلَّ ما يمكنُ تحصيلُه من أفرادِها، وبيَّن أن في هذه الأعمالِ التطوعيةِ الخالصةِ للهِ -تعالى- الأجرَ العظيمَ والثوابَ الجزيلَ في الدنيا وفي الآخرةِ. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(متفق عليه).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ"(متفق عليه).
ولقد حَرِصَ نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- مع ذلك على ترابطِ المجتمعِ، وتواصيهِ بالخيرِ والتوادَّ والرحمةِ بين أفرادِهِ، فقال -صلى الله عليه وسلم- موجهًا إلى ذلك: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"(رواه البخاري ومسلم).
وأثنى نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- على أهلِ الخيرِ والعطاءِ الذين يبذلونَ جهودَهم للوقوفِ بجانبِ كلِّ محتاجٍ وهم مخلصونَ في ذلك، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَئِنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ؛ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثَبِّتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامُ"(رواه الطبراني، وصححه الألباني).
واللهُ -جل وعلا- جعلَ الأعمالَ التطوعيةَ مقربةً إلى رحمتِهِ وجنَّتِهِ، -ويدلُّ على ذلك حديثُ المرأةِ البغيِّ التي سقتْ الكلبَ الذي كان يلهثُ من العطشِ، فغفرَ اللهُ لها، وحديثُ الرجلِ الذي أزاحَ غصنَ شجرةٍ من طريقِ المسلمينَ، فشكرَ اللهُ لهُ ذلكَ فأدخلهُ الجنةَ -، فهو سبحانه يُجازي العبادَ على كلِّ خيرٍ يقدمونهُ ولو كان قليلاً.
عبادَ الله: إنَّ كلَّ عملٍ تطوعيٍ يحقِّقُ الترابطَ والتاَلفَ والتآخِيَ بين أفرادِ المجتمعِ يُعتبرُ من الأعمالِ التي يحبُّها اللهُ -جل وعلا-، ويجزي فاعلَها الأجرَ الجزيل، قال -تعالى-: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء:114].
ولقد كانَ ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما- يقولُ: "لأن أعولَ أهلَ بيتٍ من المسلمين شهرًا أو جمعةً أو ما شاءَ اللهُ أحبُّ إلَّي من حجَّةٍ، ولطبقٌ بدرهمٍ أُهديه إلى أخٍ لي في اللهِ أحبُّ إليَّ من دينارٍ أنفقُه في سبيلِ اللهِ".
وهذا الحسنُ البصريُّ -رحمه اللهُ- يقولُ أيضًا: "لأن أقضيَ حاجةً لأخٍ أحبُّ إلىَّ من أنْ أصلِّيَ ألفَ ركعةٍ ولأن أقضيَ حاجةً لأخٍ أحبُّ إليَّ من أنْ أعتكفَ شهرين".
عبادَ اللهِ: مفهومُ العملِ التطوعيِ في الإسلامِ واسعٌ لا حدّ له، ومجالاتُه واسعةٌ جدًّا بحيثُ تستوعبُ جميعَ أعمالِ الخيرِ، من التطوّع بالنوافلِ والسننِ والقرباتِ، ونشرِ دينِ اللهِ بين الناسِ، وكفالةِ الأيتامِ، ومساعدةِ الفقراءِ، والمحتاجينِ، والأراملِ، والمرضَى والمعاقينَ، وتعليمِ القرآنِ الكريمِ حفظًا وأداءً وتدبرًا، وإعدادِ الدعاةِ، وكفالةِ طلابِ العلمِ، وإعانةِ الباحثينَ، وبناءِ المساجدِ، ودورِ تحفيظِ القرآنِ، وبناءِ أوقافٍ خيريةٍ تساهمُ بشكلٍ كبيرٍ في مسيرةِ المجتمعِ. والمساهمةِ في إنشاءِ مدارسَ ومعاهدَ، وجامعاتٍ، ومراكزَ أبحاثٍ، ورعايةِ الموهوبين، والقيامِ عليها ودعمِها.
عبادَ اللهِ: اعلموا أنَّ كلَّ عملٍ تطوعيٍ يُقدَّمُ للمجتمعِ يُساهِمُ في تحقيقِ التّنمية المجتمعيةِ، ويؤدي دورًا رائدًا في ترابطِ المجتمعِ المسلمِ، مصداقًا لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا. ثم شبك بين أصابعه"(رواه البخاري ومسلم).
ومن أروعِ صورِ الأعمالِ التطوعيةِ، موقفُ أبي بكر الصديقِ -رضي الله عنه- حينما كانَ ينفقُ على مِسْطَح بن أَثَاثَة لقرابتِهِ وفقره، وبعد علمِهِ بأنّه خاضَ مع من خاضُوا في عِرْض ابنتِه عائشةَ -رضي الله عنها- في حادثةِ الإفكِ، أقسمَ ألَّا يُنفقَ عليهِ، فعاتبهُ الله على ذلك بقوله -تعالى-: (وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم)[النور:22].
وكذلك ما روي أنَّ عمرَ بن الخطابِ -رضيَ اللهُ عنهُ- خرجَ في سوادِ اللّيْلِ فرآه طلحةَ -رضي الله عنه-، داخلاً بيتًا، فلما أصبح ذهبَ إلى ذلك البيتِ فإذا بعجوزٍ عمياءَ مُقْعَدَةٍ. فقال لها طلحةُ: ما بالُ هذا الرجل يأتيك؟ قالتْ: إنَّهُ يتعاهدُنِي منذ كذا وكذا، فيأتيني بما يُصلحني ويُخرجُ عنِّي الأذى، فقال طلحةُ: ثكلتك أمُّكَ طلحة؟ أعثراتِ عمرَ تتبع.
وروى البخاري عن عُثْمَان -رضي الله عنه- قال: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ، فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلاَءِ المُسْلِمِينَ" فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.
واعلموا -رحمكم اللهُ- أنَّ غايةَ تلك الأعمالِ التّطوعية هو حفظُ الترابطِ الاجتماعيِ للمجتمعِ، ومنحُ الفقراءِ والمساكينِ وأصحابِ الحاجاتِ حقَّهم المشروعَ في الحياةِ الكريمةِ، حتى تسودَ فيه معاني الإخاءِ والتوادِ والتلاحمِ بين أفرادِه.
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين)[آل عمران:133، 134].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكمْ بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفر لي ولكم إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين، نبيِّنا محمد صلى الله عليه وآلهِ وصحبهِ أجمعين، أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ -عبادَ اللهَ-، واعلمُوا أنَّ كلَّ عملٍ تطوعيٍ يحتاجُ إلى توجيهٍ وتطويرٍ، لإرشادِ المجتمعِ إلى أهميتِه وضروريتِه، ومن أهمِّ التوجيهاتِ في ذلك ما يلي:
أولاً: تنشئةُ الأجيالِ المسلمةِ على حبِّ الخيرِ وبذلِهِ، وغرسِ القيمِ الجميلةِ، وزرعِ روحِ العطاءِ والإيثارِ.
ثانيًا: وضعُ برنامجٍ خاصٍ يُوضحُ أهميةَ العملِ الاجتماعيِ التطوعيِ ودوره التنمويِّ في المجتمعِ، وما أجملَ أن ينبنيَ ذلك عن طريقِ برامجَ تطبيقيةٍ حياتيةٍ يراها الناشئةُ ويعيشونَها ويقومونَ بتطبيقِها في حياتِهِمْ.
ثالثًا: الحرصُ على دعمِ الجهاتِ الرّسميةِ التي تقومُ على العملِ التطوعيِ ماديًا ومعنويًا لإعانتِها على تأديةِ رسالتِها النبيلةِ.
رابعًا: الاهتمامُ بالعاملينَ في المجالِ التطوعي عن طريقِ إقامةِ دوراتٍ تدريبيةٍ وعمليةٍ لهمْ لإكسابهم الخبراتِ والمهاراتِ التي تزيدُ من كفاءتِهِم لخدمةِ هذا العمل.
خامسًا: أن تقوم وسائلُ الإعلامِ المختلفةِ بدورها المؤثِّرِ للتعريفِ بماهيةِ العملِ التطوعيِ وحاجةِ المجتمعِ إليهِ وأهميتِهِ في عمليةِ التنميةِ، وكذلك إبرازِ دورِ العاملينَ في هذا المجالِ وجهودِهم المبذولةَ، لنيلِ احترامِ المجتمعِ وتشجيعِ غيرهِم في السيرِ على منوالِهم.
أسألُ اللهَ -جل وعلا- أنْ يوفقنَا وإيّاكمْ لخدمةِ المجتمعِ بما يعودُ على الجميعِ بالنفعِ والخيرِ.
هذا وصلّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى؛ فقدْ أمركم اللهُ بذلكَ؛ فقالَ -جلّ مِنْ قائلٍ عليمًا-: (إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:٥٦].
التعليقات