عناصر الخطبة
1/ مفهوم الأجنبي والتفريق بين حقوق المسلم والكافر 2/ حقوق العامل المستقدَم 3/ ظلم العاملين وأثره في الصد عن الإسلام 4/ من الإيجابيات الدعَوية في الاستقدام 5/ حقوق المستقدِم ومسؤوليات وواجبات العامل 6/ استثمار الوافد وجوده هنا في العبادات والتعلُّم 7/ دور العامل الوافد في الدعوة ونشر الفضيلةاهداف الخطبة
اقتباس
ومفهوم أمة المسلمين ينبغي أن يتجاوز الحدود المصطنعة، وألا تعيقه السدود الوهمية، يقال ذلك حتى نحرر المصطلح الأجنبي من جانب، ونفرق بين حقوق المسلم والكافر، ونحرص قدر الطاقة على استقدام العمالة المسلمة لهذه البلاد الطاهرة، فلا ينبغي أن يجتمع في جزيرة العرب دينان ..
الحمد لله رب العالمين، يثيب العاملين المخلصين، ويجزي المتصدقين والمحسنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قسم المعيشة بين خلقه ليتخذ بعضهم بعضاً سخريًّا، ورحمة ربِّك خير مما يجمعون. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، جاءت شريعته بالرأفة للمؤمنين، وأوصى بحسن المعاملة مع الخدم والمستأجرين، اللهم صلّ وسلم عليه وعلى سائر النبيين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اتقوا الله -عباد الله- في ذوات أنفسكم، وفيمن ولاَّكم الله أمرهم، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
إخوة الإسلام: سبق حديثٌ خاصٌّ ولفئة خاصة من العمالة الوافدة، أما حديث اليوم فيتناول قطاعاً كبيراً من العمالة الوافدة إلى هذه البلاد المباركة، ولا شك أن وجود الحرمين الشريفين، ومناسك الحج والعمرة، وما أنعم الله به على أهل هذه البلاد من رغد العيش، وتوفر فرص العمل، وظلال الأمن ونحو ذلك؛كل ذلك جعل هذه البلاد مأوى لأفئدة كثير من أبناء العالم الإسلامي، بل ولغيرهم.
ولئن أحوجتهم ظروف الحياة إلى المقام معنا فترة من الزمن فلا شك أن من هؤلاء أصحاب شهادات عالية، وتخصصات نادرة، ونفوس كبيرة، وقدرات علمية في شتى الحرف والصناعات، ولا يسوغ لنا بحال أن نذلهم، أو نغمطهم حقَّهم، ما بقوا مساهمين معنا في ميادين التربية والتعليم، والصحة، والهندسة، والزراعة، والعمران، والصناعة والصيانة، والنظافة، وغيرها من مجالات العمل.
وقبل الحديث عن حقوقهم وواجباتهم، لا بد من التفريق بين نوعين من العمالة (الأجنبية وغير الأجنبية)، وحتى نحرر المصطلح شرعاً، ونصحح مفهوماً خاطئاً يرد على ألسنتنا كثيراً نقول: إن الأجنبي هو الكافر ولو كان من بلاد عربية أو إسلامية، أما المسلم فليس أجنبيًّا وإن وفد إلينا من بلاد كافرة وغير عربية.
ففي شريعةِ الإسلام أنَّ المسلمين أمَّةٌ واحدةٌ ولو كانوا من أمم شتَّى، فكيف إذا كانوا جميعاً من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ قال تعالى -في سياق الحديث عن الأنبياء عليهم السلام-: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92]، وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10].
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "المسلم أخو المسلم"، وإذا نجح المستعمر في تقطيع أوصال المسلمين وتفريق دولتهم، واختلاف كلمتهم على المستوى السياسي، فينبغي أن يستمر الشعور بين أبناء المسلمين برابطة العقيدة، وأخوة الإيمان، مهما تباعدت أوطانهم، واختلفت ألوانهم أو لغاتهم، فاجتماع المسلمين سرُّ قوتهم، وتفرقهم بداية ضعفهم.
ومفهوم أمة المسلمين ينبغي أن يتجاوز الحدود المصطنعة، وألا تعيقه السدود الوهمية، يقال ذلك حتى نحرر المصطلح الأجنبي من جانب، ونفرق بين حقوق المسلم والكافر، ونحرص قدر الطاقة على استقدام العمالة المسلمة لهذه البلاد الطاهرة، فلا ينبغي أن يجتمع في جزيرة العرب دينان.
ففي صحيح مسلم عن عمر -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فلا أدع فيها إلا مسلماً".
وفي البخاري ومسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز؛ تنفيذا لوصية النبي -صلى الله عليه وسلم-، التي ورد في بعضها: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" رواه أبو داود.
أيها المؤمنون: أما حقوق العامل المستقدم، فيجمعها حسن التعامل معه، والرفق به، وعدم تكليفه ما لا يطيق، ومراعاة مشاعره، وإعطاؤه حقه قبل أن يجفَّ عرقه، والوضوح معه في نوع العمل، ومقدار الأجرة، وعدم التلبيس عليه، أو المماطلة في حقوقه، وألا نشعره بنوع من التفرقة في المعاملة لا داعي له، وبذلك جاءت نصوص الشرع: سواء كان المستقدم مملوكاً أو مؤجراً.
ففي حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" متفق عليه.
وفي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعام فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين، فإنه ولي علاجه"، أي تعب في إعداده وتحضيره، فمن الأدب ألا يحرم من تذوقه إن لم يسمح له بالأكل منه.
أيها المستأجرون: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"، كذا أمركم المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الحسن الذي أخرجه ابن ماجه، وأبو يعلى، والطبراني، وإياكم أن تستوفوا منهم عملهم ولا توفوهم أجرهم! فالله خصهم يوم القيامة، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا ثم أكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيراً واستوفى منه العمل ولم يوفّه أجره".
أيها المستأجرون والأجراء، وضِّحوا -فيما بينكم- نوع العمل ومقدار الأجر، واتقوا الله جميعاً في الوفاء، وليكن هديكم هدي الأنبياء -عليهم السلام-، ومن تبعهم بإحسان وضوحاً ووفاء، ورفقاً. قال تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) [القصص:27-28].
أيها المستأجرون: أنصفوا العمال، وإياكم ظلمَهم! فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، وإذا سوّلت لك نفسك أنك قادرٌ على ظلم العامل أو بخسه حقَّه فتذكر رقابة الله عليك، وإياك أن تسيء إلى الإسلام من حيث تشعر أو لا تشعر، فيتصور الجهلة أن هذه الأخلاق أخلاق الإسلام، وأن تلك سمات المسلمين، والواقع أنه خطؤك، والإسلام منه براء، وليس كلُّ المستقدمين يدرك هذا!.
ويتعاظم الخطأ ويكبر الخطر إذا ألزمت العامل بالعمل وقت الصلاة، أو أرهقته بالعمل وقت الصيام، أو كنت السبب في منعه من أداء فرض الحج والعمرة، أو حملته مفاهيم خاطئة عن الإسلام وسلوكيات المسلمين، فاضعفت صلته بربه، أو أفسدت عليه شيئاً من دينه، ولربما كنت حجر عثرة في سبيل اعتناقه للإسلام إن كان كافراً.
وفرقٌ بين هؤلاء وبين فئة أخرى من الكفلاء، اهتدى مكفولوهم إلى الإسلام على أيديهم، وذلك لحسن أخلاقهم، وطيب تعاملهم، وكما قسم الله أرزاق العباد بينهم، فقد قسم أخلاقهم، وفضل الله يؤتيه من يشاء.
إنني أذكِّر وأُحذِّر كلَّ مسلم أن تقع الفتنة في الدين على يديه، ولا سيما مع نوعية من العمالة قد لا تفهم الإسلام إلا من خلال سلوكيات المسلمين بشكل عام، وسلوكيات الكفيل على الخصوص، فهل نقدر هذه المسئولية حقَّ قدرها؟ وهل نرعى الأمانة التي استرعانا الله إياها، فيعود هؤلاء الوافدون إلى بلادهم وقد انشرحت صدورهم للإسلام، وتأخذون على عاتقهم دعوة بني قومهم لهذا الدين ويعود الاستقدام فرصة لتأليف المسلمين وتعارفهم، ودعوة غير المسلمين للدخول في دينهم؟ ذلك نوعٌ من إيجابيات الاستقدام، وهناك غيرها لو تأملناها.
والمهم ألا تكون الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، اللهم اهدنا واهد بنا، اللهم احفظنا واحفظ لنا، اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول كما نعوذ بك من فتنة العمل، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين.
وبعد: إخوة الإسلام، فإذا أخذ العامل أجره غير منقوص، ووفَّى له المستقدم حقَّه دون تدليس، كان عليه عدد من الواجبات لا بد له من الوفاء بها، وفاءً بالأمانة التي أمر الله بها (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء:58].
ورعاية للعهد، (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون:8]، ووفاءً بالعقود، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة:1]، وتحقيقاً للأداء والتقوى: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) [البقرة:283].
أيها الأجير المسلم، أيًّا كان موقعك، ومهما كان حجم مسؤوليتك، لا بد من رعاية الأمانة التي أؤتمنت عليها، وأشفقَت من حملها السماوات والأرض، سواء كان ذلك في حال رقابة الناس أو غفلتهم، فرقابة الله أولى وأعظم من رقابة البشر، و
إذا ما خلوتَ يوماً فلا تقُلْ *** خلَوتُ ولكنْ قُلْ عليَّ رقيبُ
وليكن هذا شأنك في حقوق الله أو حقوق الخلق، وتلك مسألة نحتاجها جميعاً، مستأجرين وأجراء، كفلاء ومكفولين.
ومن الواجبات المناطة بك في العمل: الإتقان، فإن الله يحبُّ إذا عمل العبد عملا أن يتقنه، فالإنهاء شيء والإتقان شيء آخر، والإخلاص في العمل سبيل لرضاء الله أولاً، وطريق لإتقانه ثانياً.
أيها العامل: هل تعلم أنك مسؤول عما استرعيت عليه، وفي حديث: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، قال -عليه الصلاة والسلام-: "والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته" متفق عليه.
أيها المستقدمون المسلمون: حين نتحدث عن أُخوَّة الإسلام وحقوقكم فيها، فلا بد أن تشملكم الواجبات، فأنتم شركاء لأهل البلد الذي تفدون إليه في المسؤولية، وينبغي أن تكونوا أعضاء مساهمين في كلِّ ما يحقق الخير لمجتمعكم الثاني، فتساهمون في نشر الفضيلة، وتساهمون في كشف أوكار الفساد والرذيلة، وتنظرون إلى العمل الذي تقومون به على أنه عملٌ في بلد من بلادكم ولإخوة لكم.
وأعيذكم من طغيان الأنانية المفرطة، فلا يبقى لأحدكم همٌّ إلا جمع بضع دريهمات في جيبه، دون النظر إلى حجم ونوعية العطاء الذي قدمه لمجتمع المسلمين.
وإياك إياك أيها العامل المسلم أن تعطي الفرصة لأحد أن يتهم العمالة المسلمة بالتقصير من خلال سلوكياتك! أو ترسخ بسلوكياتك الخاطئة مفهوماً خاطئاً عند بعض الناس بأن استقدام غير المسلمين أجدى من استقدام المسلمين!.
أيها العامل المسلم: وأنت مأجور في بحثك عن لقمة العيش لتستغني بها وتغني من وراءك، فهلا سألت نفسك عن حجم العوائد لك، لا سيما إذا يسر الله لك المكوث حيناً من الدهر في أرض الحرمين، ومنبع الرسالة.
إن بإمكانك أن تضيف إلى رصيدك المالي أرصدة أخرى لا تقل أهمية عن غيرها، وليس مستحيلا ولا صعباً أن تشمل رغبتك في طلب الرزق الهجرة في سبيل الله لطلب العلم ومعرفة العقيدة الحقة، وتصحيح الأخطاء الماضية، وليس عيباً أن تصحح مفهوماً خاطئاً، أو تعدّل سلوكاً معوجاً، إنما العيب أن تعلم الخطأ وتستمر عليه، أو يبدو لك الحقُّ ثم تحيد عنه!.
أيتها العمالة المسلمة: ما جمعتموه من عرق الجبين يعد من أطيب الكسب الحلال، وأعيذكم والمسلمين أن تفسدوا هذا الكسب الحلال بكسب محرمٍ بأي شكل من الأشكال.
أيها الوافد المسلم: رسالتك لا تنتهي عند استفادتك في ذات نفسك، فلإخوانك الوافدين معك حقُّ الدعوة إلى الخير، وظروف الغربة وطول الوقت، ووجودك في بلد تُرعى فيه الآداب الإسلامية، وتغيب فيه مظاهر الرذيلة أكثر من غيره، فلا يعينك على تقديم الخير والنهي عن الشر، "ولئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم".
أيها الوافد المسلم: أنصحك بالصبر على مشاق العمل، وظروف الغربة وتقوى الله خير معين لك على تجاوز العقبات كلها (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) [الطلاق:2]، احفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى.
احفظ الله في نفسك يحفظك في أهلك، وأدِّ للناس الذي ترغب في أن يؤدوه لك، ولا تغترَّ بستر الله عليك في الدنيا، فالفضيحة يوم القيامة على الملأ أشد وأنكى، وتذكر بسفرك في الدنيا السفر إلى الله، ولم يُكتب الخلود لأحد في الدنيا، ولكن الشأن في نوعية ومقدار الزاد الذي يرحل به المسافرون.
أخي: كلنا مسافرون، والسفر بعيد، والعقبة كؤود، والناقد بصير، فلْنَرْحَلْ بخير الزاد، ولْنَتَخَفَّفْ من الأوزار، ولنحذر الفساد أو الإفساد، ومن عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها.
التعليقات