عناصر الخطبة
1/ طلب أحد الطرق الموصلة إلى الجنة 2/ التعليم والتربية هما الوسيلة الكبرى لإنشاء الأجيال 3/ وصايا للمعلمين والطلاب.اهداف الخطبة
اقتباس
إن التعليم بشتى أنواعه، والتربية بمختلف صورها، هما الوسيلة الكبرى لإنشاء الأجيال، التي تؤمِن بمبادئ الأمة وقيَمها، فالعلم ليس مجرد معلومات تُحشى في الأذهان، أو أرقام تُحفظ في الصدور، أو مناهج محددة يفترض أن المدرِّس يُنهيها في الوقت المحدَّد، كلا، فالأمر أعظم من ذلك! العلم لا فائدة منه إذا لم يُكسَ بخُلق، والتربية لا جدوى منها ما لم تُثمر عملاً صالحاً، وأيُّ خير في معارف تورِث بلبلات فكرية! وثقافاتٍ تشكِّك في ثوابت العقيدة! ويتطاول فيها الأقزام على عظماء الأمة، وينالون من سلفها الصالح!
الخطبة الأولى:
الحمد لله علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد ألا إله إلا الله، رفع قدر العلم وأهلَه، وأعلى منزلته ونوّه بفضله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه في الأميين يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين ظفروا بميراث الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم - عباد الله - بتقوى الله تعالى، فهي خيرُ زاد، وأوضَحُ سبيل للسلامة في الدنيا ويوم المعاد.
معاشر المسلمين: ملايين الأقدام تخطو ماشيةً إلى مرابع العلم، ومحاضن التربية، إنها الرحلة لتحصيل العلم، تلكم الغاية التي لا يساميها منزلة، فبالعلم ترتفع الأقدار، وتُحاز المغانم الكبار: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]، بل هو أحد الطرق الموصلة إلى الجنة: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل له به طريقًا إلى الجنّة" (مسلم ح(2699).
إن أول ما نزل من آيات القرآن قول الله لنبيه: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق: 1 - 5] "ليكون أول صَيحة تسمو بقدر القلم وتنوّه بقيمة العلم، وتعلن الحرب على الجهل والغفلة، وتجعل اللبنة الأولى في بناء كل رجل عظيم أن يقرأ وأن يتعلم"(ينظر: خلق المسلم (ص: 195).
ولئن كان العلم الشرعي له القدح المعلّى، والفضائل الكبرى؛ فإن الإسلام - وهو الدين الشامل الكامل - حثّ على طلب العلوم النافعة الأخرى، والاستفادة من أنواع المعارف التي تفيد الأمة.
أيها الإخوة: إن التعليم بشتى أنواعه، والتربية بمختلف صورها، هما الوسيلة الكبرى لإنشاء الأجيال، التي تؤمِن بمبادئ الأمة وقيَمها، فالعلم ليس مجرد معلومات تُحشى في الأذهان، أو أرقام تُحفظ في الصدور، أو مناهج محددة يفترض أن المدرِّس يُنهيها في الوقت المحدَّد، كلا، فالأمر أعظم من ذلك!
العلم لا فائدة منه إذا لم يُكسَ بخُلق، والتربية لا جدوى منها ما لم تُثمر عملاً صالحاً، وأيُّ خير في معارف تورِث بلبلات فكرية! وثقافاتٍ تشكِّك في ثوابت العقيدة! ويتطاول فيها الأقزام على عظماء الأمة، وينالون من سلفها الصالح!
وما أعظم الخيانة والتقصير حينما يأتيان من قِبَل من يفترض فيه رعاية الأمانة التي وُسّدت إليه من قِبَل الأمة!
سواء كان التقصير: في أداء المادة العلمية، أو في كون المعلم قدوة سيئةً لطلابه في كلامه وأفعاله!
أليس من التقصير أن يَرى المعلمُ طلابَه على أخطاء شرعية أو سلوكية ثم لا يُنبّههم، بحجة أنه لا دخل له إلا في إلقاء جملة من المعلومات ثم ينصرف؟!
أيها المربون الكرام: في بداية العام الدراسي لا تتقدم وصيةٌ على الوصية بالتقوى وإخلاص العمل لله وحده، فمن كانت التقوى قائدَه، والإخلاص لله - عز وجل - في طلب العلم وتعليمه تاجَ أعماله؛ وُفّق ونجح، وبقي أثرُه الحسن في نفوس طلابه.
أيها الأب، والمعلم: ما أجمل أن تذكِّر ابنَك وتلميذك بأن الإخلاص في قصدنا وطلبنا للعلم، وتعلّمنا له؛ له أثرٌ كبير في عظم الثواب من الله تعالى!
ما أحسن أن يسمع الابنُ من والديه ما قالته أمُّ سفيان الثوري لابنها وهي تجهّزه لطلب العلم: "اذهب، فاطلب العلم، حتى أعوْلَك بمغزلي، فإذا كتبتَ عدة عشرة أحاديث، فانظر هل تجد في نفسك زيادة، فاتبعه، وإلا فلا تَتعنّ" (سير أعلام النبلاء (7/ 269).
وما أحسن إشعارهم بأننا نطلب العلم، ونتعلم ما نتعلم، لا لنتوظف ونأكل بالشهادة! فالرزق مضمون، ولكننا نتعلم لنرفع الجهل عن أنفسنا وعن أمتنا، ولنساهم في رفع غبارِ الذل والتبعية عن هذه الأمة المنكوبة!
أيها المربون والمعلمون: لتكن الأهدافُ النبيلةُ من التربية والتعليم نصب أعينكم، وليكن تحقيقها في ناشئة المسلمين هو مطلبَكم ومسعاكم، حققوا غرسًا يدين للإسلام أولاً، وللأمة ثانيًا.
ابذلوا قصارى جهدكم لتربيةٍ تغرسُ في القلوب الولاءَ الصادق، والمحبةَ الحقيقيةَ لله ولدينه ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم لأمتهم وبلادهم المسلمة.
احرصوا على إبراز الإسلام - الذي جاء به المعلم الأول -صلى الله عليه وسلم- - بتصرفاتكم وأخلاقكم وسلوككم؛ فأنتم أكثر الناس اتصالاً بالتلاميذ، اعرضوا علمَكم بقالب الرحمة؛ فذلك أدعى للقبول.
ألم تروا كيف أثنى الله على الخضر بقوله: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)[الكهف: 65]؟ أما التعليم بالفظاظة أو الشدة في غير محلّها؛ فهي أعظم منفِر، وليس على الأرض من هو خيرٌ من أعظم معلم – وهو محمد صلى الله عليه وسلم- ومع هذا قيل له: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آل عمران: 159]، فمَن الناس بعده -صلى الله عليه وسلم-؟! إنك بالفظاظة قد تملك السيطرة بعض الوقت على أبدانهم داخل سور المدرسة، لكنك لن تكسب قلوبهم.
فاتقوا الله - أيها المعلِّمون والمربون- واجتهدوا في التمثّل بأخلاق المعلم الأول، صاحب الخُلق الأعظم، محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، أقول قولي هذا، وأستغفر لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ما اتصلت عينٌ بنظر، أو أذنٌ بخبر، وصلى الله وسلم وبارك على سيد البشر، الشافعِ المشفَّعِ في المحشر، وعلى آله وصحبه خير صحبٍ ومعشر، أما بعد:
فكانت الرسالة السابقة للمعلِّم، فليتسع صدرُ الأبناء من الطلاب والطالبات لهذه الوصايا:
1- كلّ ما تراه من مبانٍ ومعلمين، وكتب، وأموال تُبذَل؛ فهي من أجلك، فهل تعي حجم المسؤولية؟ وهل تقدّر أمل أمتك بك، وما تنتظره مِن تعلُّمك؟ فلا تخيّب ظنها فيك.
2 - عليك بإخلاص النية وأنت تتعلم، سواءٌ كنت تتعلم علوماً شرعية أم غيرها، قال شيخنا ابن عثيمين - رحمه الله - مبيناً علامة هذا الإخلاص، خصوصاً في حق طلبة العلم الشرعي: "أن ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره من الأمة، وعلامة ذلك أن الرجل تجده بعد طلب العلم متأثرًا بما طلب، متغيرًا في سلوكه ومنهاجه، وتجده حريصًا على نفع غيره، وهذا يدل على أن نيته في طلب العلم رفع الجهل عنه وعن غيره، فيكون قدوة، صالحًا مصلحًا، وهذا ما كان عليه السلف الصالح.
أما ما عليه الخلَف اليوم فيختلف كثيرًا عن ذلك، فتجد الأعداد الكبيرة من الطلاب في الجامعات والمعاهد، منهم مَن نيّته لا تنفعه في الدنيا والآخرة، بل تضره! فهو ينوي أن يصل إلى الشهادة لكي يتوصل بها إلى الدنيا فقط" (العلم للعثيمين ص: 138).
3- الأمّة ملَّت من الطلبة الكسالى الذين أرهقوا أهليهم وبلادَهم بما يُصرف عليهم بلا ثمرة تُذكر، فهلا عقدْتَ العزمَ لتكون رقماً مؤثّرا في تاريخ أمتك؟
إن كل مَن تسمع عنهم من أئمة الإسلام وعلمائه المؤثّرين في شتى العلوم النافعة كانوا يوماً من الدهر صغارًا مثلك، وكلكم تشتركون في قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا)[النحل: 78]، فتعلموا شيئاً فشيئاً حتى رفع اللهُ ذِكرهم، ونفع بهم.
لقد مرُّوا بمرحلة الشباب، وما فيها من ميل إلى الخمول والدَّعة، لكنهم - وبتوفيق الله - وضعوا لهم هدفاً كبيراً في نفع أنفسهم أولاً، ثم نفع أمتهم؛ فكانوا كما ترى.
يقول الأَصْمَعِيُّ -رحمه الله-: "رآني أعرابي وأنا أطلب العلم، فقال: يا أخا الحضَر! عليك بلزوم ما أنت عليه؛ فإن العلم زَين في المجلس، وصِلة بين الإخوان، وصاحب في الغربة، ودليل على المروءة، ثم أنشأ يقول:
تعلّم فليس المرء يخلق عالما ** وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده ** صغيرٌ إذا التفّت عليه المحافلُ(تاريخ دمشق لابن عساكر (37/ 62).
4 - ختاماً .. ما رأيتُ أثراً على الشاب أشدّ من الصحبة - سلباً أو إيجاباً - ها أنت قرأتَ اليوم في سورة الكهف: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا)[الكهف: 13، 14]، فانظر كيف حكى اللهُ قصّتهم بصيغة الجمع، فأهدافُهم واحدة، وحديثُهم واحد، تعاوَنوا على الثبات على الدين الحق، وفي المقابل..
فإن أثر أصحاب السوء لا يحتاج إلى برهان، فانظر بعين بصرك وبصيرتك إلى شِلل المدخنين، وشِلل أهل المخدرات، وعصاباتِ السرقة والسطو، وغيرها؛ تجد أن أول خطوة جرّت هؤلاء لمثل هذه المنكرات هو الصاحب والصديق، فاختر لنفسك يا بني ويا أُخي صديقاً لا تتبرأ منه يوم القيامة، إنه الصديق التقي: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف: 67]، "واستأنس بالوحدة من جلساء السوء" (الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي، للمعافى بن زكريا (306).
هذا وصلوا وسلمّوا على معلِّم الناس الخير ...
التعليقات