عناصر الخطبة
1/التوحيد أساس دعوة الرسل 2/أهمية كلمة التوحيد ومكانتها 3/الركن الحصين لبناء الدين 4/بطلان الشرك وأمور الجاهلية 5/معنى كلمة التوحيد ودلائلها.اقتباس
لقد جهل أناس معنى كلمة التوحيد ولم يعملوا بمقتضاها، فطال عليهم الأمد، فاندثرت عندهم معالم الحنيفية السمحة، وسرت فيهم شوائب الشرك؛ فصرفوا أنواعاً من العبادة لغير الله، فذهبوا إلى أضرحة الموتى يطلبون المدد منها، ويذبحون لها النذور...
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا له عبد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير مَن صلَّى وتهجَّد، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومَن لله تعبد.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- فإنه -سبحانه- خلق الخلق ليعبدوه ويُوحِّدوه؛ فلم يخلقهم عبثاً ولا سدًى، ولا استغناءً بهم مِن فقر، ولا استكثاراً من قلة، ولا استئناساً من وحشة، بل هو الملك الجبار الغني؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ)[الذاريات: 56].
والتوحيد أول شيء بدأت به الرسل أقوامها، فما من نبي أرسل لقومه إلا قال: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)[الأعراف: 59].
وكلمة التوحيد "لا إله إلا الله، محمد رسول الله": هي الأصل الأصيل الذي أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه، وشرع لأجله شرائعه، ونصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وانقسمت الخليقة إلى مؤمنين أتقياء، وفُجّار أشقياء، وقامت سوق الجنة والنار، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وكلمة التقوى والإخلاص، والعهد والأساس، ومن قالها عصم دمه وماله، وحسابه على الله -تعالى-.
هي الركن الحصين لبناء الدين: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 256]؛ قال سعيد بن جبير والضحاك: هي كلمة التوحيد؛ فمن خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة غير الله، ووحَّد الله فعبده وحده، وشهد أن لا إله إلا هو (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى)؛ أي: فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم.
ولا يتحقَّق التوحيد إلا بالكفر بجميع ما يُعْبَد مِن دون الله؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قال لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبَد من دون الله؛ حرم ماله ودمه وحسابه على الله"(رواه مسلم).
وعلى كلمة التوحيد بنى الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعوته، وربَّى أُمّته؛ قال -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه- حين بعثه إلى اليمن: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله"(متفق عليه).
ولقد كان الناس قبل البعثة في ضلال وجهل وفوضى، يتخبَّطون في أوحال الخرافة، اتخذوا لأنفسهم معبودات وأصناماً من حجر وطين، وتمر وعجين، يقصدونها في الرخاء، وينبذونها في الضراء؛ (واتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُورًا)[الفرقان: 3]؛ فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فجدَّد الملة الحنيفية السمحة، وصدع بكلمة التوحيد الخالص؛ وأبطل كل شيء من أمر الجاهلية، ولم يزل على ذلك حتى أظهر الله الدين، وأتم النعمة.
عباد الله: إن كلمة التوحيد ليست كلمةً مجردةً تُقال باللسان فقط، دون أن يكون لها أثر في الجوارح والأعمال والسلوك؛ بل هي كلمة عظيمة الدلالة، واسعة المعنى؛ فهي تعني إثبات الألوهية لله وحده، ونفي الألوهية عما سواه، والبراءة من الشرك وأهله، وخلوص القلب من التعلق بغير الله وحده.
كلمة التوحيد تعني إفراد الله -تعالى- بالعبادة، والحب، والتعظيم، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والإنابة، والرهبة، فلا يُحَبّ غير الله، ولا يُخاف سواه، ولا يُرجى غيره، ولا يُتوكل إلا عليه، ولا يُرغب إلا إليه، ولا يُرهب إلا منه، ولا يُحلف إلا باسمه، ولا يُطاع إلا أمره، ولا يُسجد إلا له، ولا يُستعان عند الشدائد إلا به، ولا يُلجأ عند المضائق إلا إليه، ولا يُذبح إلا له وباسمه، وإنه لا يعلم الغيب، ويدفع الضر، ويجلب النفع إلا الله ؛ (قُل لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)[النمل: 65].
لقد كان المشركون يُقِرُّون بأنه لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ومع ذلك لم يُغْنِ عنهم شيئًا؛ لأنهم كفروا بمقتضاها؛ فقالوا: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)[ص: 5]، والمنافقون يقولونها بألسنتهم، وقلوبهم مشربة بنقيضها؛ فصاروا في الدرك الأسفل من النار، ولن تجد لهم نصيرًا.
لقد جهل أناس معنى كلمة التوحيد ولم يعملوا بمقتضاها، فطال عليهم الأمد، فاندثرت عندهم معالم الحنيفية السمحة، وسرت فيهم شوائب الشرك؛ فصرفوا أنواعاً من العبادة لغير الله، فذهبوا إلى أضرحة الموتى يطلبون المدد منها، ويذبحون لها النذور، ويصدقون السحرة، ويلهثون وراء المشعوذين والكهنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فاتقوا الله -رحمكم الله- حق التقوى، وحقّقوا التوحيد فهو أعظم ما تزكو به النفوس، وتُضاعَف به الأجور، وتُفرَّج به الكروب في الدنيا والآخرة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به دخل النار"(رواه مسلم).
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأزواجه الطيبين وصحابته الغرّ الميامين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفق خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحب وترضى، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم فرِّج همّ المهمومين من المسلمين، ونَفِّس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضاهم، واغفر لموتاهم، يا رب العالمين.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات