عناصر الخطبة
1/استمرار جرائم الحرب في الفلوجة 2/بشائر ومبشرات 3/صفحات مشرقة من تاريخ العراقاهداف الخطبة
اقتباس
أيها المسلمون: ما زال العالم يسمع صراخ النساء والأطفال من فلوجة العراق، وأزيز الطائرات الصليبية، وبنادقُهم وقنابلهم تصب على الأبرياء، ولا تفرق بين مدني وغيره، الدماء تسيل في الشوارع، والأشلاء ممزقة هنا وهناك، ورغم كل هذا تسمع صرخات التكبير مدوية، وسط كل هذه المناظر المؤلمة، نرى...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي وعد الأمة بالنصر والتمكين والنصر لمن نصره، وأخبرنا أن ما أصابنا من مصيبة فبما كسبت أيدينا ويعفو عن كثير، وأننا نتربص بعدونا إحدى الحسنيين، والصلاة والسلام على سيد المجاهدين الذي ما تخلف عن غزوة قط، وهو المؤيد بالوحي والموعود بالنصر، اللهم إنا نشكو إليك ضعفنا، وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، اللهم إنا نشكو إليك تسلط العدو وخذلان الصديق، وقلة الناصر، وغفلة العالم، وأشهد أن لا إله...
أما بعد:
أيها المسلمون: ما زال العالم يسمع صراخ النساء والأطفال من فلوجة العراق، وأزيز الطائرات الصليبية، وبنادقُهم وقنابلهم تصب على الأبرياء، ولا تفرق بين مدني وغيره، الدماء تسيل في الشوارع، والأشلاء ممزقة هنا وهناك، ورغم كل هذا تسمع صرخات التكبير مدوية، وسط كل هذه المناظر المؤلمة، نرى ضوء الفجر قد بزغ، وإذا بالتاريخ يسجل، والقنوات تصور وتعرض أعظم البطولات، وأسمى معاني الفداء والتضحيات، ورغم كل هذا نسمع صوت الأذان مرتفعاً: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وصدق الله إذ يقول: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[التوبة: 32].
لا إله الله وحده، نصر عبده، وصدق وعده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، سبحانك لا رب غيرك ولا إله سواك، حكمك نافذ، وأمرك مطاع ولا راد لقضائك، لك الحمد والنعمة والفضل.
أيها المسلمون: ورغم ألم المشاهد، وصعوبة المرحلة التي نعيشها، ولكن –والله- إن البشائر قد طغت على الخسائر، والتفاؤل هزم التشاؤم، وصدق الله إذ يقول ولا أصدق ولا أجل ولا أحكم منه سبحانه: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات: 173].
اسمعها -يا مؤمن يا عبد الله- وتأملها، وخذها بشارة من ربك، بشارة من الذي يدبر الكون، ويصرف الأمور، من الذي إذا قال للشيء كن فيكون: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات: 173].
نقول للذي قد تسلل اليأس إلى قلبه، وتملّكه شيء من الحزن والقنوط، نقول له: أحسن الظن بربك، وتأمل في هذه البشائر والايجابيات:
أولاً: ما شاهدناه وشاهده كل العالم من بطولات أحفاد سعد والمثنى الذين أعادوا لنا ربى حطين والقادسية واليرموك.
لكم الله يا أبطال الفلوجة، يا غرة الزمان ويا شامة الإسلام، يا من رفعتم جبين الأمة: إننا نكاد أن نذوب خجلاً وحياء من هذه البطولات التي فاقت كل التصورات، وكل تحليلات المحللين وتوقعات المنظرين والمخططين، هذه البطولات التي أخرست الألسنة اليائسة والنفوسَ المريضة، والقلوب الضعيفة، كم هي فرحتنا وأنتم تنتقمون لنا ممن ظلمنا، ممن هتك الأعراض، وخرب الديار، وسرق الخيرات، وجعل الأرض كلها بوارا.
لقد ثأرتم لكل أب مظلوم لكل حر أبيّ مكلوم، ثأرتم ورب الكعبة فأطفئتم الحسرة والحرقة في الفتاة التي هُتك عرضها، ونيل من كرامتها، لقد مرغتم كرامة دولة عاد، وأذهبتم هيبتها، وكسرتم حاجز الخوف من حامية الصليب.
بكم -يا شباب الفلوجة- تصنع الأمجاد، وعلى أيديكم تتعلم الشعوب معنى العزة والكرامة، لقد أعطيتمونا الدرس العظيم الذي لن ننساه بأن حياة العز والشرف خير من حياة الذل مع الترف.
إن بطولاتكم فضحت وعرّت الممارسات الرخيصة والقذرة في إعلامنا العربي.
عذراً -أيها الأبطال- أنتم تصنعون التاريخ ونحن نقدم البرامج التي تجعلنا في زبالة التاريخ.
عذراً -أيها الأبطال- كاد اليأس والإحباط أن يذهب بحشاشات القلوب، ونحن نشاهد العبث الذي أجمعت عليه القنوات الفضائية في زمن قل فيه الإجماع، فإذا بكم تبعثون الأمل، وترسلون الرسالة بالأفعال لا بالأقوال: إن في الأمة رجال، إن في الأمة أبطال يدافعون عن الدين والعرض والأرض والمقدسات.
يا أبطال الفلوجة الأباة: لقد أعطيتمونا درساً في معنى الإيمان الصحيح: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)[الأنفال: 74].
لئن فاتكم شيء من الدنيا ولم تتمتعوا بها، لئن لم تحوزوا على أوسمة الخيانة، والذل التي أعطاها المحتل للخونة من بني جلدتكم، فلن يفوتكم الوسام الذي أعطاكموه ربكم، إذ يقول مبيناً منزلتكم ودرجتكم: (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء: 95].
(دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)[النساء: 96].
فيا أبطال الفلوجة: سامحونا على تقصيرنا، وقاتلوا الذين يلونكم من الكفار من هذا التحالف الأنجلوصهيوني المعتدي علينا وعليكم: (وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[التوبة: 123].
لا تلتفتوا للمخذلين والعملاء، وصنائع الصليبية، وتوكلوا على الله فإنكم بإذنه على الحق المبين.
سيروا على خطى الصحابة المجاهدين، وسجلوا قادسية الفلوجة والرمادي والجولان على خطى قادسية سعد بن أبي وقاص، و(اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128].
لقد رفعتم رأس المسلمين، وأثبتم للناس أن النصر بالدعوات لا بالطائرات والدبابات، فهنيئاً لكم ما أنتم فيه من جهاد وتضحيات.
أنتم -والله- أصحاب البيع الرابح، لقد عجّلتم بالصليبيين إلى النار وهم يزفّون أبنائكم إلى الجنة: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 111].
اثبتوا ثبّت الله فؤادكم في الدنيا والآخرة، فإن مقام أحدكم ساعة في الثغر خير من أعمار أكثر المسلمين في الأرض، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السّيوف.
فلوجة العز أم فلوجة الغلب *** وموئل المجد والأبطال والنُجبِ
فيك الأباة الأولى قادوا جحافلنا *** لدحر كل بغاة الروم والشغب
لماّ أتى الباغيَ الملعون أرّقنا *** تخاذُل قد نما فينا ولم يغب
فقلت من ليتيم قد بكى حمماً *** من الدموع وأم قد بكت لأب
ومن لصولة طاغوت يجرعنا *** سماً زعافاً ولم يشبع من النهب
حتى إذا اقترب المأفون أرّقه *** صمود جيش من الأبطال والشبب
فأدركت كل نفس غير يائسة *** أن المعين لنا الرحمن في النوب
تلك الأيادي التي ما انفك ترفعها *** جموعنا وبقلب مشفق ترب
ثانياً: كم من نعمة يسديها العدو لكم وهو لا يشعر، لو قيل لدولة الصليب نريدكم أن تدربوا أبناء العراق على الجهاد والقتال والصبر، وتحمل الأعباء، لمدة طويلة، حتى يستطيعوا أن يقاوموا المحتل، هل تتصورون أن يتجاوبوا معكم؟
إن المتأمل في واقع خطط الأعداء في القديم والحديث هو إغراق الشعوب في الملذات والملهيات والشهوات، حتى تغدوا كالقطعان السائمة التي لا تعرف معروفاً، ولا تنكر منكراً، تغدوا شعوباً لا همّ لها إلا الترفيه والتسلية، كم تنفق دولة عاد وربيبتها دولة يهود على إضلال الشعوب، فهذا سلاحهم وطبعهم منذ القديم، فنحن إلى الآن مازلنا نتابع البرامج التي تعرض الرذيلة في أقبح صورها وتهدم الفضيلة بأحط الأساليب وأرذلها، وصدق الله إذ يقول: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا)[النساء: 27].
فيا أبطال العراق لقد أعطاكم عدوكم دورة تدريبية مكثفة على شظف العيش، فخرجتم أبطال الميادين، وصنّاع النصر، لقد حاصركم العدو ومنع منكم الغذاء والدواء فتربيتم على عين الله فخرجتم أقسى ما تكونون على عدوكم، وأصبر ما يتصوره منكم عباد الصليب وأحفاد القردة والخنازير، لقد حاصركم فأصبح الموت أسمى أمانيكم، والجنة أغلى مطالبكم، فلله كم هي تلك الأحداث في ظاهرها نقم ومحن، وفي حقيقتها نعم لا تقدر بثمن: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[الأنفال: 30].
ثالثاً: لقد عجزت وسائلنا الإعلامية بل تعاجزت عن فضح دول الصليب، وإبداء وجهها الكالح، عجزنا عن تعريتهم وبيان حقيقة حضارتهم التي يزعمون، وأنهم في حقيقة الأمر برابرة همج لا يراعون طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة ضعيفة.
لقد نُزعت الرحمة من قلوبهم، فالمساكن تدك على رؤوس العزل من أصحابها، والمساجد تهدم على الآمنين المطمئنين في جوار ربهم، أي حضارة التي تبشر بها دول الغرب الصليبية؟ وهي تستخدم الأسلحة والقنابل المحرمة دولياً، أي نظام تحترم؟ وأي شعوب تقدر؟ وأي عدالة تدعوا لها؟ وأي حقوق تريد؟!.
فيا أبطال العراق: لقد غيرتم وسائل الإعلام رغماً عنها، فجعلتموها تفضح الحضارة الغربية وتعريها للعالم عبر عدسات المصورين وهم يشاهدون همج المبشرين بالدين المحرف المكذوب على المسيح -عليه السلام-، فإذا بالعالم يزداد قناعة بفشل المشروع الغربي التي تبشر به حامية الصليب وعباد الشهوات.
وعلى صعيد آخر: أين كلاب الغرب النابحة إعلامياً وسياسياً ضد المسلمين فقط؟ أين العلمانيون الممسوخون الذين طالما نهشوا في أعراض العلماء والمجاهدين ووصفوهم بالإرهاب لمجرد أنهم أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله؟ بينما يخنسون كالقطط وهم يرون العدو المحتل يفعل ذلك كله في حق الأبرياء، واصفون من يفكر بالدفاع عن نفسه بالإرهابي! لم لا تكون لهم وقفة يستنكرون فيها هذا العدوان الهمجي؟
حقا إنهم جحوش الاستعمار، ولن يرحمهم التأريخ وسيلحقون بأسيادهم إلى مزابله، فنحن (نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا)[التوبة: 52].
رابعاً من البشائر والايجابيات: فشل مخططات العدو في المنطقة، وتأخير مشاريعها التغريبية والتوسعية، فدول التحالف تعيش تخبطاً كبيراً في العراق الآن.
فنقول لأبطال العراق: إن النصر الحقيقي هو في ثباتكم على مبادئكم وليس في نصر يكون بالتنازل عن الدين والمبادئ.
إن حقيقة النصر أن لا يستطيع العدو أن يحقق أهدافه، ويرجع خائباً خاسراً على عقبيه، فها هو لم يستطع أن يتنعم بالنفط الذي كان يحلم به، ولا بالاستثمارات التي كان يتمناها، ولا بالتوسع الذي كان ينشده، فيا أبطال العراق تذكروا قول ربكم فهو تسلية لكم وتطييباً لنفوسكم: (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ)[النساء: 104].
وتذكروا قول ربكم ومولاكم: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 155-157].
خامساً: ومن المبشرات: كثرة دعوات المسلمين في أرجاء الدنيا، شعوراً منهم بفداحة ما وقع على أهل العراق من ظلم وإجرام، وليتكم -يا أهل العراق- تسمعون ضجيج الأصوات بالدعوات من المساجد والبيوت والمجامع، من العجائز والأطفال والصغار والكبار والرجال والنساء، يدعون الله لكم بالنصر والثبات، ولعدوكم بالهزيمة والخذلان، فلستم وحدكم في الساحة، فكم من جنود لله مجاهيل تقاتل معكم: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)[المدثر: 31].
يحييون الليالي، ويتهجدون في الظلام، ويدعون الواحد الأحد، ويستمطرون لكم النصر: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ)[الأنفال: 9].
إن العدو قد جاء بقضه وقضيضه، لمعركة واسعة شاملة بعيدة المدى، معركة حاسمة يراد من وراءها اقتلاع الإسلام من جذوره، ونزع سلاح الإيمان من القلوب، وفصل أمة الإسلام، وإبعادها عن مصدر عزها كتاب الله، الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت: 42].
إنها حرب جديدة، جمعت بين الاستعمار في الماضي والتغريب في الحاضر، إنه تطور جديد في أسلوب الحرب على المسلمين، يجمع بين تجربة الماضي والحاضر.
إن أعداء الإسلام جادون غير هازلين في فتنة المسلمين وصدهم عن دينهم وعما أنزل إليهم، ليتطلعوا إلى مناهج أخرى، ويتعاملوا مع مبادئ غير ملة الإسلام: (وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ)[المائدة: 49].
إنها حرب عقدية سياسية عسكرية اقتصادية توسعية، ذات أهداف كثيرة، وأبعاد عديدة، قد اخْتُطت مشاهدها، ونُظمت حلقاتُها منذ سنين.
إنها حرب أكبر مما نتصور، ومعركة أفظع مما نخمن ونظن، معركة أعد لها كل الإعداد، ورصد لدراستها ملايين الدولارات.
إن أول خطوة نضعها في الطريق الصحيح لمواجهة هذه الأزمة: الفهم الصحيح لطبيعة المعركة بيننا وبين الصليب، إذا أدركنا حجم المعركة وطبيعتها بعيداً عن السطحية والغثائية، فإنه يمكن لنا حينئذ أن نعد لها إعدادًا سليمًا، ويمكن لنا أن نُنشئ الأجيال تنشئة صالحة متينة، لا تتأثر بالأعاصير ولا تتكدر بالرياح.
هذا هو أول واجب علينا تجاه هذه الحرب الجديدة، التي نسأل الله أن يجعل عاقبتها عزًا للإسلام وأهله، وذلاً للصليب وأهله.
حكّم سيوفك في رقاب العذل *** وإذا نزلت بدار ذل فارحل
وإذا بليت بظالم كن ظالماً *** وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهل
واختر لنفسك منـزلاً تعلو به *** أو مت كريماً تحت ظل القسطل
لا تسقني ماء الحياة بذلة *** بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
اللهم انصر المجاهدين في الفلوجة ومن نصرهم، واخذل أعداء المجاهدين في الفلوجة ومن خذلهم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
أما بعد:
أيها المسلمون: فعندما تضعف أمة الإسلام، فإن كلاب الأمم تطمع بخيراتها ومقدّراتها، بل تتجرأ على غزو ديارها، وإن كلاب الأمم بعامة لا يُجدي معها سوى لغة إلقام الحجر! ولا يردعها سوى لغة: "خمسٌ فواسق، يُقتلن في الحلّ والحرم!".
ولا يردّها خاسئة ذليلة حقيرة، إلا منطق سليمان -عليه الصلاة والسلام-: (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ)[النمل: 37].
ولا يقطع دابرها سوى مقولة: "مَنْ لِكعب بن الأشرف، فإنه قد آذى الله ورسوله"[رواه البخاري].
ولا يردّها عما عزمت عليه غير منطق: "الجواب ما ترى لا ما تسمع".
لقد كان هذا هو منطق أمير المؤمنين، وخليفة المسلمين في زمانه، هارون الرشيد، يوم أطلقها مُدوّية من بغداد.
لله درك يا هارون الرشيد، والله إن الأمة بحاجة إلى مُخاطبة طاغية الروم اليوم بهذا الخطاب، وبهذه القوّة، وبهذه اللغة، وكم هو بحاجة إلى أن يُعرّف قدره.
يا ألف مليون تكاثر عدّهم *** إن الصليب بأرضنا يتبخترُ
فالحرب دائرة على الإسلام يا *** قومي، فهل منكم أبيٌّ يثـأرُ
يتقاسم الأعداء أوطاني على *** مرأى الورى وكأننا لا نشعرُ
أين النظام العالمي ألا ترى *** شعباً يُباد وبالقذائف يُقبرُ؟
أين العدالة أم شعار يحتوي *** سفك الدماء وبالإدانة يُسترُ؟
ما دام أن الشعب شعب مسلمٌ *** لا حل إلا قولهم: نستنكرُ!
يا أمتي والقلب يعصره الأسى *** إن الجراح بكل شبرٍ تُسعِرُ
والله لن يحمي رُبى أوطاننا *** إلا الجهاد ومصحف يتقدّر
إن العراق منبت العلم والعلماء، والفقه والفقهاء، والحكمة والحكماء، بلد أمير المؤمنين هارون الرشيد، وإمام أهل السنة أحمد بن حنبل، والقائد المظفر المثنى بن حارثة.
وأنتم -يا أبنائها اليوم- رمز الأمة، وحملة لواء بطولاتها، فلا تخذلوها ولا تبتغوا بإسلامكم بديلاً، فهو سر عزتكم وكرامتكم.
ما عُرفت بلادكم بحضارة آشور ولا بابل، ولكن بحضارة الدين والإسلام، ولا استمدت إمامتها من حمورابي ولا بختنصر، ولكن من خلفاء الإسلام وأئمة الدين.
ارفعوا لواء الجهاد وهوية الإسلام، وأخلصوا الدين لله، وتبرؤوا من كل راية جاهلية، قومية وبعثية وقبلية، واجعلوها جهاداً صادقاً ناصعاً، بعد تصحيح الاعتقاد، وتحكيم الشريعة، حتى يكون قتيلكم شهيداً وتليدكم عزيزاً.
في العراق سقط العرش الكسروي، ودمر البيت الأبيض، إيوان كسرى، كما قال صلى الله عليه وسلم: "عُصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى"[رواه مسلم].
ومن العراق انطلقت ألوية فتح الهند والسند والصين والروس.
فصبراً -يا أيها العراقيون المسلمون- لا يكن هؤلاء الصليبيون أشد بأساً منكم، فإنما هم لفيف من اللقطاء والبغايا، وهاهم يهاجمونكم -يا أحفاد الصحابة والعرب الأباة- في عقر داركم، وعلى مرأى ومسمع من العالم، فلا يكن النساء الفاجرات أشد منكم بأساً.
إياكم أن تتراجعوا في وجوه نساء الغرب، إنها سبة التاريخ ووصمة العار، قاتلوا حتى النهاية فإما الفوز وإما الشهادة، واعلموا أن قضيتكم عادلة، وأنتم مظلومون معتدى عليكم في دياركم: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ)[الحـج: 40].
وكل هذه الصفات محققة فيكم قوتلتم وُظلمتم وأراد الغزاة إخراجكم من دياركم، وسلب أموالكم وبترولكم، فلا تكونوا عبيداً للغرب، اثبتوا واصبروا إن الله يحب الصابرين.
واعلموا أن عدوكم غاشم ظالم، مستبد متكبر، مغرور بقوته، ظان أن لا غالب له، وهذه أمارات الزوال والهزيمة: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا)[الكهف: 59].
فعسى أن يكون موعد هلاكهم على أيديكم وفي دياركم.
واعلموا أن قتال أهل الكتاب من أفضل القتال والجهاد، وقد ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أفضل الشهداء في زمانهم، من يقتلهم النصارى في الملحمة بينهم وبين المسلمين، هذا قدركم -يا أهل العراق- جاءكم الجهاد في دياركم يسعى، ودخلت عليكم الشهادة أرضكم وبيوتكم، فقولوا: مرحباً بلقاء الله.
واعلموا أنها سوق الجنة، قامت في أرضكم، فبيعوا واشتروا مع الله، وانووا الجهاد الصادق، وحققوا الدين الخالص، والتوحيد الحق، وتجردوا من كل أنواع الشرك والضلالات والبدع والمحدثات، فوالله لا نحب أن يودعنا منكم ذاهب، إلا إلى جنة عرضها السماوات والأرض.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم واحفظ دماء المسلمين وأعراضهم في العراق، اللهم وارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، ووحد صفهم، وبلغهم فيما يرضيك آمالهم، واجمع كلمتهم على الحق والهدى، وانصرهم على عدوك وعدوهم، يا أرحم الراحمين.
اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل اللهم تدبيره تدميراً عليه، اللهم أحقن دماء المسلمين في العراق، واحم اللهم نساءهم وأطفالهم وشيوخهم وبلادهم وأموالهم.
اللهم عليك بالنصارى الصليبيين، فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، وأهلكهم بدداً، ولا تغادر يا ربي منهم أحداً.
اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والكفر والزيغ والعناد، وانشر رحمتك على العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المآب.
اللهم يا ولي الصالحين، ويا ناصر عبادك المستضعفين، نسألك اللهم أن تعين وتنصر إخواننا في العراق.
اللهم آمن روعاتهم، واستر عوراتهم، واحفظهم اللهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم.
اللهم يا منزل الكتاب، ويا مجري السحاب، ويا سريع الحساب، ويا هازم الأحزاب، اهزم الصليبيين المحاربين للإسلام والمسلمين في العراق، اللهم اهزمهم وزلزلهم، اللهم اِقذف الرعب في قلوبهم، اللهم فرق جمعهم، اللهم شتت شملهم، اللهم خالف بين آرائهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم أرنا بهم عجائب قدرتك، يا قوي يا قادر.
اللهم أرسل عليهم الرياح العاتية، والأعاصير الفتاكة، والقوارع المدمرة، والأمراض المتنوعة.
اللهم أشغلهم بأنفسهم عن المؤمنين، اللهم لا تجعل لهم على مؤمن يداً، وعلى المؤمنين سبيلاً.
اللهم أتبعهم بأصحاب الفيل، واجعل كيدهم في تضليل، اللهم أرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل.
اللهم خذهم بالصيحة، وأرسل عليهم حاصباً، اللهم صب عليهم العذاب صباً، اللهم اخسف بهم الأرض، وأنزل عليهم كسفاً من السماء، اللهم اِقلب البحر عليهم ناراً، والجو شهباً وإعصاراً، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم.
اللهم إن بالمسلمين في العراق من الجهد والضنك والضيق والظلم، مالا نشكوه إلا إليك، لا اله إلا الله العظيم الحليم، لا اله إلا الله رب العرش الكريم، لا اله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم.
اللهم اجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً.
التعليقات