عناصر الخطبة
1/ ضرورة الاستفادة من الحوادث حولنا 2/ عبر ودروس من إعصار نيويورك 3/ عبر ودروس من انفجار ناقلة الغاز بالرياضاهداف الخطبة
اقتباس
كثيرة هي الحوادث من حولنا، فليكن نظرنا إليها نظر المعتبرين لا الشامتين، نظر من علم أن السعيد من وعظ بغيره، نظر من علم أن كل شيء بقدر الله، وأن أقدار الله لا تنفك عن حكمة. وإذا قلّب المرء نظره فيما حوله من الحوادث وجدها للأسف من ..
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: لا يزال المؤمن بخير مادام يستفيد بالحوادث من حوله، فيأخذ منها العبر والدروس.
إن هذه الحياة حوادث متكررة بين زمن وآخر وبين دولة وأخرى كما قال سبحانه: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران:140]، فمن أخذ العبر من الحوادث إذا مرّت به أو من حوله أوشك أن ينقلب بحسن العاقبة.
معاشر المؤمنين: كثيرة هي الحوادث من حولنا، فليكن نظرنا إليها نظر المعتبرين لا الشامتين، نظر من علم أن السعيد من وعظ بغيره، نظر من علم أن كل شيء بقدر الله، وأن أقدار الله لا تنفك عن حكمة.
وإذا قلّب المرء نظره فيما حوله من الحوادث وجدها للأسف من البلاء العظيم، سواء عندنا أم في مشارق الأرض ومغاربها، سواء عند المسلمين أم عند الكافرين.
عباد الله: سنلقي بالضوء على ذلك الإعصار الذي ضرب مدينة نيويورك الأمريكية وما سبَّب من أضرار، إنه إعصار يسير بسرعة شديدة يجر معه أمواج البحر، فيهدم البيوت ويقتلع الأشجار ويفسد الممتلكات، ولنا فيه عبر:
فمن ذلك: أن أمر الله إذا جاء فلا راد له، كما قال تعالى: (إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) [هود:76]، مع أن أمريكا من الدول العظمى كما يقولون والتي تتمتع بكافة الاحترازات والقوة والسيطرة، إلا أنها وقفت عاجزة أمام هذا الإعصار، ليعلم الجميع أن أمر الله نافذ، وأن الله غالب على أمره فتتحطم بهارج الحضارة الزائفة، ويعلم الجميع مصداقية قوله -عز شأنه-: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء:85]، رغم أنها لديها خبرًا مسبقًا عن وقت وصول الإعصار، ولكن لم تملك إلا إخلاء المدينة من أهلها فقط.
ومنها: معرفة معنى الآية على الواقع كما في قوله: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ) [المدثر:31]، فهذا مخلوق لله يسخره الله على من يشاء لحكمة أرادها -جل في علاه-، وهو جندي من جنود الله، فما بالك ببقية الجنود، تعالى ربنا وتقدس.
ومنها نعمة الله على الخلق بنعمة التوازن؛ حيث منع البحر من الهجوم على البر ليصلح للناس معاشهم، فلو طغى البحر على البر لهلك الناس، وانتهت الدنيا؛ ولهذا إذا جاءت القيامة تفجرت الأنهار، وسعرت البحار، وزال مبدأ التوازن، وخربت الدنيا.
وقد روي في الأثر: إن البحر ليستأذن الله كل ليلة ليغرق أهل الأرض، فيمنعه الله برحمته.
ومن العبر في تلك الحادثة أنه بمجرد طغيان البحر على البر أعلنت حالة الكارثة في تلك الديار، وتعطلت مصالحهم، وخسروا المليارات، ليعلم الناس سعة رحمة الله بخلقه على ما يقابلونه به من الكفر والنكران، وليعلم الجميع أنه لا معجز لله ولا مفر من قدره كما قال سبحانه: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ) [فاطر:44].
ومن العبر أن يسلط بعض جنده على من تكبّر وتغطرس ليعلم الناس ضعفه وذله بين يدي الله، فهذه أمريكا ظلمت كثيرًا وأفسدت كثيرًا وسكتت عن نصرة المظلوم عمدًا، وتكبرت على المساكين، وظنت أنها تتصرف في العالم كما تريد، حتى عُبدت من دون الله عند بعض الجهلة من حيث لا يشعرون، فسلط الله عليه بعض جنده ليبين ضعفها وليتعلق الجميع بالرب سبحانه، وأن مقاليد الأمور بيده -جلت قدرته-.
اللهم أعزّنا بعزك، وارفع عنا الذل يا رب العالمين.
أقول قولي...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: تكلّمنا في بداية الخطبة عما أصاب أمريكا من الأعاصير، وما نتج من ذلك من حكم وعبر يقتنصها العبد الموفق، لعل البعض يقول: تلك في ديار الكفر وما أصابهم فبذنوبهم، فأقول: نبّه المولى عن ذلك فقال: (وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود:83]، فليحذر العبد من مشابهة الكفار حتى لا يصيبه ما أصابهم، وما ذكر من عبر آنفًا يستفيد منها العبد ولو كان غير متشبهٍ بهم.
ولنأخذ حادثة قريبة منّا حصلت صباح الأمس؛ حيث انفجرت ناقلة غاز صار لانفجارها ضرر بالغ، عافنا الله وإياكم؛ حيث ذهب ضحيتها ما يربو عن عشرين شخصًا -رحمهم الله-، والمصابون فوق المائة؛ لقد دوى الانفجار في شرق الرياض وشمالها، وأحس به الناس على عشرات الكيلومترات، وفزع الناس لذلك، وتناقلوا صور الحادث بكل ألم، لكن ما العبر التي نستفيدها من تلك الحادثة.
فمن تلك العبر أن يعلم العبد أن ما حصل هو بقدر الله، ولا راد لقضائه، فليرضَ العبد وليسلم لأمر الله، وأن من أصيب فيها أصيب بقدر، ومن نجا نجا بقدر، ولا يقولن العبد: لو كنت مسافرًا لما أصابني ذلك، أو لو لم أسافر لأصبت، فالله -جل وعلا- يقول: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) [آل عمران:154].
ومن العبر: أن ما حدث من تفجير يسمعه إخواننا في سوريا كل يوم، بل أضعافه، وتزهق النفوس أضعاف أضعاف ذلك، فلنعرف نعمة الله علينا بالأمن والأمان، ولنحافظ عليه بشكرها واستخدامها في محاب الرب ومرضاته.
ومن العبر: أنه لا يجوز للمسلم -ولو كان مصابًا- أن يتسخط أو يعترض على القدر، فلله في كل حدث حكمة، وكل بلاء عل الناس فهو متجاذب بين الخير والشر، والله لا يقدّر الشر المحض، تعالى الله عن ذلك.
ولو رآه العبد شرًّا فالشر ليس إلى الله -جل في علاه-.
ومن العبر من هذا الحادث أن من مات من جراء اشتعال النار به فهو شهيد -بإذن الله- لما روى أحمد (23804) وأبو داود (3111) والنسائي (1846) عن جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟!"، قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ". والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ومن العبر في ذلك الحادث: أن ارتجاج الأرض لمَّا انفجرت الناقلة يذكّر العبد بارتجاج الأرض يوم القيامة كما قال سبحانه: (إِذَا رُجَّتْ الأَرْضُ رَجّاً ) [الواقعة:4]، فليتأمل العبد يوم القيامة يوم ترتج الأرض، فتندك الجبال، وتصبح قاعًا صفصفًا.
اللهم أرنا الحق حقًّا...
التعليقات