عناصر الخطبة
1/العبادة قضية الحياة في حياة المسلم 2/العبادة لا تقتصر على أداء الفرائض فقط 3/عدة فوائد من حديث: يا غلام إني أعلمك كلمات... 4/رسالتان بشأن نكبة فلسطين والمسجد الأقصى المبارك 5/رسالة تأييد للمرابطين والمرابطاتاقتباس
إنَّها العبادة الشاملة التي تتمثَّل في التوحيد، وفي العبادات والطاعات والمعامَلات، والالتزام بأحكام الله في التصرفات وفي الإخلاص للدِّين، بالأعمال وفي الحركات والسكنات، فالمسلمُ لا تقتصر عبادتُه على الصلاة والزكاة والصلام والحج فحسبُ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ.
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي *** حتى اكتسيتُ من الإسلام سربالَا
الحمد لله حمدَ العابدين الشاكرين، ونستغفركَ ربَّنا ونتوب إليكَ، ونتوكل عليكَ، ونُثني عليكَ الخير كلَّه، أنتَ ربُّنا، ونحن عبيدكَ، لا معبود سِواكَ، لا ركوعَ، ولا سجودَ، ولا تذلُّلَ، ولا ولاءَ إلَّا إليكَ، سبحانكَ، فأنتَ ملاذُ المؤمنينَ الصادقينَ، حافظُ المسلمينَ المجاهدينَ، مُخزي السماسرةِ المرتدينَ، والبائعينَ الخائنينَ، هازمُ الكافرينَ المحتلينَ المتغطرسينَ.
ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، القائل في سورة الأحزاب: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[الْأَحْزَابِ: 39].
اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بعزك الذي لا يضام، واكلأنا بعنايتك في الليل والنهار، في الصحارى والآجام، ونشهد أن سيدنا وقائدنا وحبينا وشفيعنا محمدًا عبد الله ونبيه وسوله، إمام الأنبياء والمرسلينَ، وقدوة العلماء العاملينَ، صلَّى اللهُ عليكَ يا حبيبي يا رسولَ الله، ونحن في بيت المقدس نُصلِّي عليكَ، وعلى آلِكَ الطاهرينَ المبجَّلينَ، وصحابتك الغُرّ الميامين المحجَّلينَ، ومن تبعكم وجاهَد جهادكم إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فيقول الله -عز وجل- في سورة التوبة (براءة): (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[التَّوْبَةِ: 31]، ويقول سبحانه وتعالى في سورة الذاريات: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56]، ويقول رب العالمين في سورة البينة: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[الْبَيِّنَةِ: 5]، صدق الله العظيم.
أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: إنَّها العبادة الشاملة التي تتمثَّل في التوحيد، وفي العبادات والطاعات والمعامَلات والالتزام بأحكام الله في التصرفات وفي الإخلاص للدِّين، بالأعمال وفي الحركات والسكنات، فالمسلم لا تقتصر عبادتُه على الصلاة والزكاة والصلام والحج فحسبُ، بل طلَب الله -سبحانه وتعالى- منا أن نستمر في العبادة الشاملة؛ فعلى سبيل المثال: بعد أداء مناسك الحج يقول الله في سورة البقرة: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا)[الْبَقَرَةِ: 200]، وكذلك طلَب منا ربُّ العالمينَ أن نستمر في العبادة الشاملة أيضًا، بعد أداء فريضة الصيام بقوله -سبحانه وتعالى- في سورة البقرة أيضًا: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 185]، وعليه فإنَّ الموظف في مكتبه، والمعلِّم في مدرسته، والتاجر في متجره، والمزارع في مزرعته، والعامل في مصنعه هم في عبادة شاملة، ما داموا يقومون بعملهم بأمانة وإخلاص.
أيها المصلون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إن من مقتضيات هذه العبادة الشاملة بأن يكون المسلم على اتصالٍ مباشرٍ مع الله -عز وجل-، أينما حلَّ وارتحلَ، فقد روى الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَقَالَ: "يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، -وفي رواية: تَجِدْهُ أَمَامَكَ-، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ".
أيها المصلون: إن هذا الحديث النبوي الشريف قد تضمَّن عدة أمور مهمة؛ منها:
إن الله العلي القدير مع المسلم ما دام المسلم مع الله، وأن المسلم لا يسأل إلا الله -عز وجل- لقضاء حوائجه، لا يسأل غيره؛ وذلك حتى يكون المسلم عزيزًا كريمًا لا يذل لغيره، وأن النفع والضرر بيد الله العزيز الجبَّار؛ لذا لا يخشى المسلم إلَّا الله، فلا يخشى الطواغيت، ولا المتجبرين، ولا المستعمرين ولا المحتلين.
أيها المؤمنون: إزاء ذلك نقول: إن المسلم يكون قويًّا بإيمانه، وباتصاله المباشر بالله العلي القدير؛ فالمسلم يكون شجاعًا لا جبانًا، المسلم يكون أمينًا لا خائنًا، المسلم يكون كريمًا لا ذليلًا، المسلم يكون عزيزًا لا منافقًا، المسلم يكون مخلصًا لا جاسوسًا ولا عميلًا.
أيها المصلون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إن الله هو وحده خالق الكون والإنسان والحياة، فأسألكم فأجيبوني، أجيبوني أيها المصلون: مَنْ خالِقُنا؟ الله. مَنْ ينصرنا؟ الله. مَنْ يُوحِّدُنا؟ الله. مَنْ يُعِزُّنا؟ الله. مَنْ يرزقنا؟ الله. لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، فارفع رأسك أيها المسلم، فالله -عز وجل- قد حَفِظَ كرامتَكَ وعزتَكَ، وربَطَكَ به، ولم يربطك بإنسان آخَرَ؛ وذلك حتى لا تذل، ولا تخضع لغيركَ، والحمد لله على نعمة الإسلام؛ (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الْمُنَافِقُونَ: 8]، صدق الله العظيم.
جاء في الحديث النبوي الشريف: "عينانِ لا تمسُّهما النارُ: عينٌ بَكَتْ من خشيةِ اللهِ، وعينٌ بَاتَتْ تحرُسُ في سبيلِ اللهِ"، صدَق رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمينَ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، اللهم بَارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.
أيها المصلون، يا أبناء فلسطين المباركة المقدَّسة: أتناول في هذه الخطبة رسالتين اثنتين فقط، وباختصار:
الرسالة الأولى: بشأن ذكرى نكبة فلسطين عام (1948م) والتي توافق بعد غد الأحد؛ فإن هذه الذكرى الأليمة قد خططت لها ونفذتها دولة بريطانيا الاستعمارية، بالتآمر مع عدد من الدول الغربيَّة الحاقدة، حيث انسحب الجيش البريطانيّ من فلسطين بتاريخ (15/5/1948م) ليسلم بلاد فلسطين للعصابات الصهيونية اليهودية، والتي بدأت بارتكاب عشرات المجازر الوحشية، والاغتيالات الإجرامية، بحق الشعب الفلسطيني، حتى زاد عدد البلدات والقرى التي هُجِّرَ أهلُها منها عن خمسمائة بلدة وقرية، وأن المهجَّرين يصرون على العودة إلى ديارهم؛ لأن العودة هي حق شرعي، ولا يسقط هذا الحق بتقادم الزمان.
أيها المصلون، يا أبناء فلسطين المباركة المقدَّسة: هذا ولا تزال الجرائم والاغتيالات بحق الشعب الفلسطيني مستمرة، منذ ذلك التاريخ وحتى هذه الأيام، وكان آخرها ارتكاب الجريمة النكراء، التي وقعت أول أمس في مدينة "جِنِين"، جنين القسام؛ وذلك باغتيال الصحفيين والإعلاميين ظُلمًا وعدوانًا؛ لماذا؟ لأنهم يكشفون الحقائقَ، وجرائمَ الاحتلال، ومخططاتِهم العدوانيةَ، ونشير إلى أنَّه لا مبرر لتشكيل لجان تحقيق؛ فالجريمة واضحة، والإدانة ثابتة، ونحن إذ نستنكر هذه الجرائم التي يرتكبها الاحتلال كما استنكرها العالم بأجمعه.
أيها المصلون، أيها الأقصويون: الرسالة الأخرى بشأن المسجد الأقصى المبارك، والاعتداءات المتوالية عليه، فقد سبق أن حذرنا ما بعد عام (2017م)وحتى الآن، من محاولات سلطات الاحتلال المتكررة، لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، وبشكل تدريجي، إلى أن جاء ما يُسمَّى رئيس وزراء الاحتلال مؤخَّرًا ليدعي أنَّه صاحب القرار فيما يتعلَّق بالمسجد الأقصى المبارك.
أيها المصلون، أيها الأقصويون: إزاءَ ذلك نُعلِن من على منبر المسجد الأقصى المبارك: إن ادعاء المستوطن "بِنِتْ" هو ادعاء مرفوض، جملةً وتفصيلًا، وأن تصريحاته العدوانية هي قد تجاوزت جميعَ الخطوط الحمراء، وهي لَعِبٌ بالنار، ونُحمِّله كاملَ المسؤوليَّة عن أي مسّ لحرمة المسجد الأقصى المبارك، فأين التهدئةُ؟ أين التهدئةُ التي يتغنَّى بها؟ ومَنِ الذي يُصعِّد الأمورَ؟ هذا ونحن بدورنا نؤكد على مواقفنا الإستراتيجيَّة الإيمانية الثابتة، التي لا مجال للتنازل عنها، ولا للتفاوض حولها؛ بأن الأقصى هو الأقصى، وهو للمسلمين وحدَهم، إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها، ونؤكد -أيها المصلون- على شد الرحال إلى الأقصى، وبشكل مستمر، وإقامة صلاة الفجر العظيم، فأنتم أنتم أيها المرابطون والمعتكِفون، وأنتنَّ -أيتها المُرابِطات والمعتكِفات- المعادَلة الصعبة التي لا مجال للاختراق من خلالكم، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقول: حماك الله يا أقصى. قولوا: آمين.
أيها المصلون: الساعةُ ساعةُ استجابةٍ، فأمِّنوا مِنْ بَعديّ: اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وفَرِّج الكربَ عنَّا، اللهم احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، اللهم تقبل صلاتنا وقيامنا وصيامنا وصالح أعمالنا، اللهم يا الله يا أمل الحائرين، ويا نصير المستضعفين، ندعوكَ بكل اليقين، إعلاءَ شأن المسلمينَ، بالنصرِ والعزِّ والتمكينِ.
اللهم ارحم شهداءنا، وشافِ جرحانا، وأطلِق سراحَ أسرانا، اللهم إنا نسألك توبةً نصوحًا، توبةً قبل الممات، وراحةً عن الممات، ورحمةً ومغفرةً بعد الممات، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
وأقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات