اقتباس
وللطهارة صور كثيرة وأنواع عديدة؛ فمن ذلك طهارة القلب من الشرك والحسد والكبر والغل والشح وغير ذلك من أمراضه الفاتكة بدين المرء ودنياه، وكذا طهارة اللسان من الزور والسباب واللعان والكلام البذيء والغيبة والنميمة، وطهارة الجسد من الحدث الأكبر والأصغر وما يتعرض له من...
ولم تكن الطهارة منظرا جماليا وسلوكا إنسانيا وثقافة مجتمعية فحسب؛ بل كانت توجيها ربانيا لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد توحيد الله وتعظيمه وتكبيره، قال سبحانه: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر: 3- 4]. كما كانت في تعاليم الإسلام شرطًا من شروط صحة كثير من العبادات، ومن أهمها الصلاة؛ قال الله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ..) [المائدة: 6]، وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأ" (رواه البخاري). ومنها -أيضا- المصحف قال تعال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة: 77 - 79]، وألزم الطهارة في الطواف بالبيت وكذا المساجد وغير ذلك. وقبل ذلك كله الجمال والحسن وصف اتصف به الرحمن وأحبه، ورد في حديث جابر بن عبدالله قال: "إنَّ اللهَ تعالى جَميلٌ يحبُّ الجَمالَ.." (الألباني صحيح الجامع ١٧٤٣).
ومن هنا يدرك العاقل أهمية الطهارة ومكانتها وعلو منزلتها ومرتبتها في شريعة الإسلام الذي حث عليها والاتصاف بها؛ حتى تكون سجية العباد وسلوك البشر ووصفهم الملازم لهم، وفي هذه السطور سنقف مع بعض الأمور التي تؤكد مطابقة ما أسلفنا. الطهارة شطر الإيمان، فقد جاء في صحيح الإمام مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الطَّهور شَطْر الإيمان" (خرجه مسلم (٢٢٣) مطولاً).
الطهارة متوافقة مع الفطرة التي فطر الله -تعالى- الناس عليها، فالإنسان مجبول على حب النظافة والجمال، والنفور من النجاسة والأقذار؛ لأن ديننا الإسلام هو دين الفطرة السليمة؛ فهو دين الجمال الروحي والبدني والجمال الفكري والتشريعي والجمال الذاتي والمجتمعي. الطهارة والنظافة تحمي صاحبها من العلل وتقيه من الأمراض، وتبعث في نفس صاحبها الجمال والراحة وفي جسده النشاط والحيوية، وتولد له في قلوب الآخرين محبته والقرب منه. عباد الله: وللطهارة صور كثيرة؛ فمن ذلك طهارة القلب من الشرك والحسد والكبر والغل والشح وغير ذلك من أمراضه الفاتكة بدين المرء ودنياه. وكذا طهارة اللسان من الزور والسباب واللعان والكلام البذيء والغيبة والنميمة. وطهارة الجسد من الحدث الأكبر والأصغر وما يتعرض له من الأوساخ، وكذا طهارة الثياب. وطهارة الأماكن العامة والخاصة والطرقات والممرات والحدائق والمنتزهات وحماية البيئة من النجاسات والقاذورات الحسية والمعنوية؛ حتى يعيش الناس في أمن على أرواحهم وأجسامهم وصحتهم، متمتعين بكل منظر طيب جميل وجو نقي عليل. وغير ذلك ليس إلا قذارة وأذى دعا الإسلام إلى إماطته كما في حديث أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام: "الإيمانُ بِضعٌ سَبعونَ بابًا، أدناها إماطةُ الأذَى عنِ الطَّريقِ، وأرفعُها قَولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ" (الألباني - صحيح الترمذي ٢٦١٤).
وحسب الطهارة -أيها المؤمنون- أن في تحقيقها الفوائد العظيمة والآثار الجميلة، فمن ذلك: محبة الله لأهلها: حيث قال في كتابه العزيز: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة:22]، وقال عن أهل مسجد قباء، فقال: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة:108]. تكفير الذنوب والمعاصي؛ فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي أن النبي -صلى الله عيه وسلم- قال: "إذا توضّأ العبد المؤمن خرجت خطاياه من فيهِ، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، وإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، وإذا غسل يديه خرجت الخطايا حتى تخرج من تحت أظفار يديه؛ فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من أظافر رجليه". أنها خصلة من خصال الإيمان الخفية التي لا يحافظ عليها إلا المؤمن كما أخرج الإمام أحمد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن".
كما أن من ثمارها: دعاء الملك لصاحبها بالمغفرة؛ فقد ثبت عند الإمام البزار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من بات طاهراً بات في شعاره ملك؛ فلا يستيقظ من الليل إلا قال الملك: "اللهم اغفر لعبدك كما بات طاهراً ". ومن ثمار الطهارة: أن الله يرفع صاحبها بها الدرجات؛ فقد روى مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى، قال: إسباغ الوضوء على المكاره".
أيها المسلمون: لنحافظ على الطهارة والنظافة؛ حتى نسلم الشرور والأمراض وننال ثمارها وفوائدها على القلب والجسد والبيئة ومرضاة الله ومحبته لنا في الدنيا والآخرة، وعلينا أن نحذر من كل ما هو مستقذر شرعاً؛ سواء كان حسيا، كالبول، والغائط، والميتة، أو معنويا؛ كنجاسة الكفار، والأصنام، والمعتقدات الشركية وغيرها من المحرمات. وبناء على ما سبق؛ فقد سعينا إلى جمع هذا الملف العلمي الذي -بإذن الله- نأمل أن يحقق المراد لكل باحث ومتصفح وخطيب وداعية ومهتم؛ وقد قسمنا محاوره على النحو التالي:
التعليقات