عناصر الخطبة
1/ فتنة الطبق الأسود 2/ المقصود بالطبق الأسود والتحذير منه 3/ أرقام وإحصائيات حول خطر القنوات الفضائية 4/ بعض أضرار ومخاطر القنوات الفضائية 5/ أعذار المفتونين بالقنوات الفضائية والرد عليها 6/ وسائل التخلص من القنوات الفضائية الهدامة 7/ رسائل مهمة لأولياء الأموراهداف الخطبة
اقتباس
كفاك من بلائها: أنها متعددة الأطياف والألوان، قد أخذت بلبّ الرجال والنساء والولدان. كفاك من بلائها: أنها في صورة لص مجرم أثيم، لكن للأسف أنه قد تجاوز كثيراً من الجدران، بل واستقر في قلب المكان، ورفع رايته السوداء دونما خجل أو حياء، رفعها فوق هام العمران، مجاهراً بالسوء والقبح والرذيلة والعصيان. نعم إنه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي تفرد بعلو كمال، واختص بأبهى جمال، وأعلى جلال، وتفضل على عباده بجزيل النوال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، المنزّه عن الأشباه والأنداد والأمثال، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، كريم السجايا، وشريف الخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وأفضل آل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل.
أما بعد:
فهذا منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينادي: "الصلاة جامعة، الصلاة جامعة"، فيجتمع الناس من كل جانب، وتتقاطر سكك المدينة الكل فيها إلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذاهب، ليستخبر الخبر، ويستفهمون الأمر، فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب في الناس، ويقول: "إن لم يكن نبيٌّ قبلي إلا كان عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء الفتنة، فيرمق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه، هذه.. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر" [رواه مسلم].
وما أكثر -والله- الفتن اليوم التي تحلّق في سماء المسلمين، كلما لاحت واحدة، إذا بأخرى تتبعها أدهى منها، فالله الله في التقوى، الله الله في الطريق القويم، والخوف من العلي العظيم، حتى تفضي النفوس إلى باريها، فتلقوا نبيكم -صلى الله عليه وسلم- ينتظركم على الحوض.
فاللهم لا تحرمنا ذلك اللقاء.
عباد الله: صدر خطبتنا هذه يوحي أن حديثنا سيكون عن فتنة من فتن هذا الزمان، وبلية من بلايا هذا الأوان.
كفاك من بلائها: أنها متعددة الأطياف والألوان، قد أخذت بلبّ الرجال والنساء والولدان.
كفاك من بلائها: أنها في صورة لص مجرم أثيم، لكن للأسف أنه قد تجاوز كثيراً من الجدران، بل واستقر في قلب المكان، ورفع رايته السوداء دونما خجل أو حياء، رفعها فوق هام العمران، مجاهراً بالسوء والقبح والرذيلة والعصيان.
نعم! إنه الطبق الأسود، أسود المظهر والمخبر، إنه الدش وإنها القنوات الفضائية، وإن شئت قل: القنوات الفضائية.
ومن قبح المنبت تعرف ماذا ستنبت لك هذه الشجرة الخبيثة، لك أن تعرف أن ملاك شبكات التلفزيون العالمية الشهيرة، وكثير الأقمار الصناعية هم من بني يهود.
وتشير دراسات من هيئات أوربية متخصصة: أن البث الفضائي نسبة 75% إلى 80% برامج تسلية وترفيه، ومنها الرقص والغناء، ونسبة 5% إلى 10% برامج ثقافية، ونسبة 2% إلى 10% برامج للرياضة.
ولذا تنادى عقلاء الغرب بالصيحات على بني قومهم: أن أدركوا الأجيال التي بدأت تغزوها الثقافات الأخرى.
وكم كانت صدورنا مليئة بالمخاوف من مخاطر الغزو الفكري الغربي لمجتمعاتنا عبر أثير الفضاء، فإذا بأساتذة الغرب يرسلون تلاميذهم ممن لبوسهم العرب والمسلمين ليديروا دفة الفساد لأمتهم، ويا للأسف! يديرون ذلك في قنوات عربية همها التسابق في عالم الفن الرخيص، والابتذال الخسيس في عروض مخزية، ومناظر مزرية، تبكي عليها العيون دماً لا دمعاً.
نعم -والله- ما انقطعت أصوات الغيورين من الدعاة والمصلحين، وهم يحذرون من قنوات الغناء المتبذل، والفيديو كليب، وترويج بضائع الغانيات والقينات باسم الغناء، حتى فجئنا بل طعنا بقنوات فضائية عربية تقدم نوعاً جديداً من الفساد في بث حي ومباشر للخلاعة والمجون، في الوقت الذي تمر فيه دوائر الذل والهوان على كثير من نبي الإسلام، في الوقت الذي نشاهد فيه كل يوم على الشاشات وصفحات الجرائد نشاهد دموع الثكالى والعجائز عند بيوتهم المدلهمة، نرى فيه سوم إخواننا سوم العذاب، نعم في كل ساعة تأتينا نشرات الأخبار بذلك وعلى ضفاف تلك النشرات وقبلها وبعدها سيل من الرقصات الداعرة، والمناظرة العاهرة، لماذا؟ نعم لماذا؟ ليتدثر المسلمون في فراش الغفلة الوثير فلا يستيقظوا.
سيلٌ من المناظر الفاضحة لتغيب الأمة عن قضاياها المصيرية، ولتتناسى أزماتها ونكباتها.
وآخر فتن ذاك الطبق الأسود قناة عربية بأموال مسلمين، تبث أربعاً وعشرين ساعة موسومة بالعار أكاديمي في تصوير لإقامة مختلفة بين نساء وأشباه رجال في وكرٍ دعارة، تنقل تلك القناة بالصوت والصورة خزيهم وعارهم، الفائز منهم من هو أكثر تفسخاً وتخلّفاً.
ومن يصوّت على الفائز هم المشاهدون من شباب المسلمين وبناتهم، أكثر من ثمانين مليون اتصال في أيام معدودة، مبدين إعجابهم، وبعضهم يتمنى أن يكون مثل فلان أو فلانة.
إحدى المعلمات الفاضلات تقول: دخلت في الصف الرابع الإبتدائي بدلاً من معلمة أخرى، قالت: فسألت إحدى الطالبات عن أمنيتها في المستقبل، فقالت تلك الصغيرة: أتمنى أن أكون مثل فلانة، قالت المعلمة: ومن تكون هذه؟ قالت الطالبة: هذه فتاة تظهر في قناة عار أكاديمي، وإذا بزميلتها بجانبها تجيب بنفس الجواب.
هكذا القنوات تقدم القدوات، بل في إحدى القنوات الفضائية وفي شهر رمضان وبعد الإفطار تستضاف إحدى الراقصات فتسألها مقدمة البرنامج: كيف وصلت إلى ما وصلت إليه من مجد؟
فتجيب بأنها هربت من أسرتها وعمرها 12 سنة، ومارست حياتها حتى أصبحت صاحبة الشهرة والملايين.
وعندما تسألها المذيعة عن الزواج فأجابت بأنها تزوجت 4 مرات رسمياً، أما العرفي فلا أعرف له عدداً ["مجلة البيان عدد 141"].
وقبل أيام قلائل إحدى الفضائيات العربية تبث سهرة غنائية على الهواء مباشرة لتدخل مطربة عربية، فيسجد لها مطرب عربي فرحاً بدخولها.
يا لله! أي شرع؟ وأي دين؟ يقرّ ذلك الفعل؟! بل أي أعراف تقرّ ذلك السعار الجسدي، والتفسّخ الأخلاقي؟!
وكم هي الأضرار في جانب العقيدة والتصورات والأفهام، قنوات أورثت ضعف الإيمان بالله -تعالى-، والإعراض عن عبادته، والاستعباد للشهوات، بل وسوغّت لتلك الشهوات البهيمية، وبررت لها أنها حريات شخصية، لا شأن للدين بها.
كم سوغت تلك القناوت بأفلامها للجريمة وتعليمها، وعُدّ ذلك فنّاً ودهاءً وبطولة؟
والعجب -يا رعاكم الله- من اختلاق المعاذير، ومغالطة النفس، جلب أناس تلك الصحون السوداء والقنوات الرعناء، وتعذروا بأنهم يتابعون أخبار العالم، ونشرة الأخبار، ولهؤلاء نقول: إن الله لن يسألكم يوم القيامة عن ترككم متابعة الأخبار، لكن سيسألكم عما سمعتم وما رأيتم وما فيه أنفقتم أموالكم.
وهل تقف النفس عند الأخبار وحدها أما ما قبلها وما بعدها، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
وأين الأولاد والبنات عن هدفك هذا أم لهم شأنهم ولك شأنك؟ والبديل موجود عبر الإذاعة وغيرها.
ومن معتذر أن الأمر يسير لا يستحق كل تلك الهجمة، ولا حتى تلك الخطبة، فأقول: سلوا المعلمين ومربي الأجيال، سلوا رجال الهيئات وقضاة المحاكم ودور الأحداث والسجون تنبيكم عن مصائب تشيب لها الرؤوس من أسبابها الرئيسية تلك القنوات الفضائية، وهذا ما ظهر وما خفي فالله أعلم به.
ومن قائل: أن المشايخ والدعاة يخرجون في تلك القنوات؟ فنقول: هم خرجوا ليوقظوا القلوب الغافلة التي سمّرت عيون أصحابها فيها، واقتحموا تلك الميادين مزاحمين للشر الذي فيها، ليس -والله- محللين لها، ولك أن تسأل: أي واحد منهم في ذلك سؤالاً ولتنظر بماذا يجيبك؟
أُخي: لا تجعل الهوى إلهك، والمتعة كيف كانت رائدك، واعلم أنك غداً صائر إلى الله، فأعدّ للسؤال جواباً، وللجواب صواباً.
أقول قولي...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
وإننا أمام هذا السيل الجارف من البلايا والشرور التي تبثها تلك الأطباق السوداء، لا بد من حلول عاجلة، ووقفة صادقة ألخصها في نقاط:
1- إخراج تلك الأطباق وإزالتها من البيوت، وتطهير المنازل منها؛ لأن -والله- بقاءها خطأ فادح، وقد أفتى أهل العلم بتحريمها ومشاهدتها، كالشيخ ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهم -رحمهم الله-، ولذلك قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في خطبة الجمعة 25/3/1417هـ: "وما كان عندك من هذه الدشوش، فإن الواجب عليك أن تكسره وتحطمه؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا على وجه محرم غالباً".
وبعضهم يتعلل بأن يبقي هذه القنوات في بيته لكيلا يذهب أولاده لبيوت الآخرين لرؤيتها.
وبعضهم يقول: نحن نحدد القنوات ونحذف ما لا يتناسب.
فنجيب: أنه بالتربية الصالحة الهادفة، وبما سيأتي من العلاجات -بإذن الله- تغني أولادك عن الذهاب لغيرهم، وهب أنهم ذهبوا بغير إذنك وبدون علمك، فإنك إذا اجتهدت وبذلت ما في وسعك في إصلاحهم، فإن الله -عز وجل- يعينك، ولا يكلفك ما لا تطيق، ومن ثم ما تغلقه من القنوات لا تأمن فتحه ولو بعد حين، ومن يضمن لك ما يكون بعد موتك، فإن الإثم يلحقك؟ قال الشيخ ابن عثيمين عن صاحب الدش: "فإن عليه وزره بعد موته وإن طال الزمن وكثرة المعاصي".
2- التربية الإيمانية الصادقة لأهل البيت وأبنائه، تربط قلوب الناشئة بمراقبة الله، حببهم إلى حلقات القرآن، لاحظ جلساءهم، ووالله ثم والله ثم والله ما بليت الأمة إلا من سوء تربية كثير من الأولياء.
3- أحضر البدائل الثقافية والترفيهية والإعلامية الهادفة، لتحل محل هذا العفن الأسود، ومن البدائل قناة المجد الإسلامية ببرامجها الرائعة الهادفة، فهي قناة تربوية نافعة تأمن فيها على أسرتك وأبنائك.
ومن البدائل: جهاز الحاسب الآلي وبرامجه المفيدة مما يكون أن يملأ فراغ الناشئة.
4- التوعية والمناصحة، فإلى أئمة المساجد وإلى الدعاة والغيورين والناصحين تفقدوا جيرانكم وقراباتكم وإخوانكم، تعاهدوهم بالنصح بالفتوى والشريط الإسلامي الهادف، والكتاب النافع، بصروا الناس بالأضرار، وأقيموا الحجة وما على الرسول إلا البلاغ.
وأخيراً: هي رسالة أبعثها -والله- من قلب مشفق ناصح محب لإخوانه، رسالة إلى ذلك الأب أو الولي الذي ابتلي بيته ومنزله وأهله بذلك الطبق الأسود وتلك القنوات الفضائية:
أيها الأب، أيها الولي الفاضل: اتق الله -عز وحل- فيمن تحت يدك من الأبناء والبنات، تالله إنهم أمانة عظيمة، أراك تبكي لألمهم، وتفرح لفرحهم، من آفات الحر والبرد تؤويهم، ومن تبعات الجوع والظمأ، ولا ريب تلك عاطفة الأبوة.
أهان عليك أن تأتي لهم بما يفسد قلوبهم، وبالحرام يملأ عيونهم، وإلى القبائح والآثام يشق طريقهم، تذكر يوم أن ترتحل عنهم مغادراً دنياهم ويكون من إرثك ذلك الطبق المدمّر، بأي جواب ستجيب ربك، في كل صباح ومساء وهم يعبون من سيئات النظر إليها، تلحق بك أوزارها يوماً بعد يوم وأنت في قبرك.
تذكر يوم أن تقف أنت وإياهم في ذلك الموقف الرهيب والخطب العجيب بين يدي مولاك، تقفون في محكمة قاضيها الله، وإذا بك تُسأل عن فساد أبنائك وبناتك، إذ بهم يتعلقون بك يوم القيامة يصيحون بين يدي ربهم: يا رب كان سبباً في ضياعنا، يا رب كان سبباً في البعد عن طاعتك، وأنت أيها المسكين الضعيف، لا تستطيع عن نفسك دفاعاً، فأقرب الناس لك هم خصماؤك غداً.
يتعلقون بك وأنت فيما أنت فيه من الكرب والألم، والحزن والندم تتمنى أن لو تضحي بهم كلهم فداءً للعذاب: (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) [المعارج: 11 - 17].
أيها الولي الفاضل: أرِ الله من نفسك خيراً، وحطّم هذا البلاء، وابك بين يدي رحمن الأرض والسماء، وسله العفو عما مضى، والغفران لما من الذنب انقضى، وإياك والتسويف والمنى، واحذر متابعة لهوى، فعما قليل سيكون بيتك غياهب الثرى.
التعليقات