عناصر الخطبة
1/ أثر الصيام في تحقيق التقوى 2/ تأملات في قول النبي الكريم: \"والصيام جُنّة\" 3/ التنبُّه لحفظ الصيام وصيانته من المفسدات والمنقصات 4/ انتهاز مواسم التجارة الرابحة للتزود بالتقوى والطاعات
اهداف الخطبة

اقتباس

فالصيام -أيها المؤمنون- وُصلة مباركة، وسببٌ عظيم، ومعونةٌ للمسلم لتحقيق تقوى الله -جل وعلا-؛ وذلكم -معاشر المؤمنين- لما يترتب على الصيام من زكاءٍ وصفاءٍ، وصدقٍ مع الله، وإخلاصٍ في التعبُّد لله -جل وعلا-، ومجانبةٍ للآثام والذنوب، ومِرانٍ للنفس في اتقاء شهواتها، وتتبُّع ملذاتها؛ مما جعل للصيام الأثر المبارك والثمرة العظيمة في تحقيق تقوى الله -جل وعلا-.

 

 

 

 

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له.

 

وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه -جل في علاه- مراقبة من يعلمُ أنَّ ربَّه يسمعُه ويراه.

 

وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.

 

أيها المؤمنون: لقد شرع الله -جل وعلا- لعباده عبادة الصيام في شهر الصيام شهر رمضان المبارك لحكمةٍ عظيمة، وغايةٍ جليلة، جاء تبيانها في قول الله -جل شأنه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].

 

فالصيام -أيها المؤمنون- وُصلة مباركة، وسببٌ عظيم، ومعونةٌ للمسلم لتحقيق تقوى الله -جل وعلا-؛ وذلكم -معاشر المؤمنين- لما يترتب على الصيام من زكاءٍ وصفاءٍ، وصدقٍ مع الله، وإخلاصٍ في التعبُّد لله -جل وعلا-، ومجانبةٍ للآثام والذنوب، ومِرانٍ للنفس في اتقاء شهواتها، وتتبُّع ملذاتها؛ مما جعل للصيام الأثر المبارك والثمرة العظيمة في تحقيق تقوى الله -جل وعلا-.

 

أيها المؤمنون: ويعظم حظ الصائم من التقوى وتحصيلها ونيلها بحسب حفظه لصيامه وعنايته به، وإبعاده عن كل مُنقصٍ أو مُفسدٍ أو مُضرٍّ بهذه العبادة.

 

أيها المؤمنون عباد الله: لقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، وفي رواية وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ".

 

تأمل -رعاك الله- في قول النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ"، والجُنَّة: التُّرْس، والسِّتْر، والواقي؛ فكم في الصيام من صيانة للعبد ووقاية له من الذنوب والآثام إن كان حقق عبادة الصيام كما ينبغي.

 

فالصيام جُنَّة؛ قيل: أي جُنَّة من المعاصي والآثام؛ وذلك عندما تعظم عناية العبد بهذه العبادة تحقيقًا لها وتتميما في ضوء قول النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث: "فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ".

 

وهذه كلها -معاشر المؤمنين- تأكيداتٌ على الصائم أن يُعنى بصيامه، وأن يبعده عن هذه الأعمال والأقوال السيئة التي تضر بالصيام، وتُضعِف من مكانته وأثره.

 

وقيل الصيام جُنَّة: أي: جُنَّة من النار، ووقاية للعبد من دخولها.

 

والمعنيان متلازمان، أحدهما مترتب على الآخر؛ فإن الصيام إذا كان فعلًا جُنة للعبد بالبعد عن المعاصي والآثام في هذه الحياة الدنيا كان له يوم القيامة جُنة من دخول النار، وإن لم يكن صيام المرء جنةً له في هذه الحياة من الذنوب والآثام لم يكن يوم القيامة جُنة له من النار، فأحد المعنيين مترتبٌ على الآخر.

 

عباد الله: وهذا يستوجب من العبد الناصح أن يحفظ صيامه، وأن يحقق فيه هذا المعنى، بأن يكون صيامه فعلًا جنة له، بأن يكون جُنَّة من الذنوب والآثام، ليكون يوم القيامة جُنة له من دخول النار.

 

معاشر المؤمنين: وعندما يقع الصائم في مثل هذه الآثام ونظائرها من غيبةٍ أو سخريةٍ أو كذبٍ أو غشٍ أو ظلمٍ أو اعتداءٍ أو غير ذلك من صنوف الآثام وأنواعها فإن هذا الوقوع في هذه الذنوب له أثره في صيامه من حيث تحصيل ثواب الصيام، ونيل أجره العظيم، يوم يلقى الله -تبارك وتعالى-.

 

وتأمل -ليتضح لنا هذا المعنى جليًّا- ما رواه الإمام مسلم في كتابه الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟" قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".

 

تأمل! فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر من جملة العبادات التي يؤخذ من حسنات العبد منها يوم القيامة عبادة الصيام؛ قال: "يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ"، ومعنى ذلك: إذا كان المرء يصوم ولا يحفظ صيامه من مثل هذه الأعمال فإنه كأنه بهذا الصيام يُعِدُّ أجر صيامه هديةً للآخرين فلا يجد عليه يوم القيامة ثوابًا ولا أجرا، وإنما الذي يجد أجر صيامه يوم القيامة من نالهم منه الأذى سبًّا أو شتما أو غيبةً أو نميمةً أو سخرية أو غير ذلكم من التعديات والمظالم.

 

أيها المؤمنون: إن الواجب على الصائم أن ينصح في صيامه، وأن يتقي الله ربه، وأن يكون في عمله مراقبًا لله -جل وعلا-؛ يخشى عقابه، ويرجو ثوابه، ويعمل على تتميم صيامه وتكميله، لينال عظيم موعود الله -تبارك وتعالى- وجزيل أجره للصائمين، فإنهم يوفَّون أجورهم يوم القيامة بغير حساب.

 

نسأل الله -جل وعلا- أن يوفقنا أجمعين لحفظ صيامنا وصيانته من المفسدات والمنقصات، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يهدينا إليه صراطًا مستقيما، إنه سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، أحمده -جل في علاه- بمحامده التي هو لها أهل، وأثني عليه الخير كله، لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

أما بعد: أيها المؤمنون، اتقوا الله -تعالى-؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

 

ثم اعلموا -رعاكم الله- أن هذه الحياة دار مرٍ وعبور وليست دار إقامةٍ وخلود، والعاقل الحصيف من يتزوَّد في داره دار المرور والعبور لدار الخلود والبقاء، الدار الآخرة، كما قال الله -جل وعلا-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:197].

 

والحصيف -أيها المؤمنون- ينتهز المواسم المباركة، مواسم التجارة الرابحة، ليتزود من تقوى الله -جل وعلا- ومن الأعمال الصالحات، والطاعات الزاكيات، وأنواع القربات؛ ليجِد أجر ذلك يوم يقف بين يدي الله يوم القيامة، "والكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتْبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".

 

واعلموا أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإنَّ يد الله على الجماعة.

 

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.

 

وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعِينا، وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم احفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين.

 

اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

 

اللهم يا ربنا جنِّبنا والمسلمين في كل مكان الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنَّا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنَّا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا رب العالمين. اللهم وولِّ على المسلمين أينما كانوا خيارهم، واصرف عنهم شرارهم يا رب العالمين.

 

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.

 

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.

 

اللهم يا رب العالمين وفِّقنا في هذا الشهر لحُسن الصيام وحُسن القيام، اللهم وأعنَّا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 

ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

المرفقات
الصيام جُنة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life