عناصر الخطبة
1/تحية إعزاز وتقدير للزاحفين للصلاة في المسجد الأقصى 2/لا مجال للمساومة على الأقصى 3/فضائل صلاة الجمعة في المسجد الأقصى في رمضان 4/الحكمة من سلسلة الشياطين في رمضان 5/التحذير من شياطين الإنس 6/وجوب حفظ المسلم لصيامه 7/ثلاث رسائل بشأن اتفاقية سيداو والأسرى والمسجد الأقصىاقتباس
هذا هو شهر التوبة والمغفرة، فأحسِنوا صيامَه وقيامَه وصلاتَه، وضاعِفوا فيه العبادةَ والطاعةَ، وحافِظوا على حرمته، وتزوَّدوا؛ فإن خير الزاد التقوى، واحفظوا ألسنتَكم من اللغو وفُحش الكلام وتجنَّبوا القولَ في أعراض المسلمين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي *** حتى اكتسيتُ من الإسلام سربالَا
الحمد لله الذي اختار شهر رمضان المبارك سيد الشهور، أفاض فيه الخير والنور، يعيش فيه المسلمون بسعة وحبور، إنه -سبحانه وتعالى- يغفر الذنوب، ويستر العيوب، ويُغيث المكروبَ، وهو علَّام الغيوب، لقد عمَّ فضلُه الأكوانَ، وأنعم بنعم كثيرة على الإنسان؛ إنه يقبل التوبة ويُنزل رحمتَه، على المؤمنين في كل زمان ومكان، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، فرَض علينا الصيامَ، تقوى للقلوب، وتهذيبًا للنفوس؛ لقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الْبَقَرَةِ: 183].
اللهم اجعل في قلوبنا نورًا، وفي أسماعنا نورًا، وفي أبصارنا نورًا، وبين أيدينا نورًا، اللهم يسر لنا أمورنا، ووحِّد صفوفَنا، واحقن دماءنا، وعليكَ بمن ظلمَنا وآذانا.
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ونبيه ورسوله، الصادق الأمين، إمام الأنبياء والمرسَلين، الذي غفَر اللهُ ذنبَه، وشرَح له صدرَه، ووضع عنه وزرَه، ورفَع له ذِكرَه، فكان عليه الصلاة والسلام مُجِدًّا، وأكثر ما يكون في رمضان، وكان كريمًا، وأفضل ما يكون في رمضان، القائل: "مَنْ صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه"، صلى الله عليكَ يا حبيبي يا رسول الله، ونحن في بيت المقدس نصلي عليكَ، وعلى آلكَ الطاهرين المبجَّلين، وصحابتك الغُرّ الميامين المحجَّلين، ومَنْ تَبِعَكم وجاهَد جهادَكم إلى يوم الدين.
أيها المسلمون، أيها المصلون، أيها الصائمون، أيها المرابطون، أيتها المرابطات وكلنا مرابطون، يا من وفدتم إلى الأقصى المبارك من أنحاء فلسطين المباركة المقدسة، من البحر إلى النهر، يا من تخطيتم الحواجز العسكرية الظالمة: أقول: إن زحفكم إلى الأقصى المبارك لصلوات الفجر، إن زحفكم إلى الأقصى المبارك لصلوات العِشاء والتراويح، إن زحفكم إلى الأقصى المبارك لصلوات الجُمَع والجماعات، لَيُذَكِّر المسلمينَ في العالَم، لَيُذَكِّر مليارَ مسلم بالأقصى المبارك الأسير، وإن هذه الجحافل المؤمنة إلى الأقصى لَتُمثِّل أيضًا ردًّا إيمانيًّا عمليًّا، ورسالةً واضحةً صريحةً موجَّهة للطامعين بالأقصى، وللمعتدين عليه، وللمقتحمين له، وللمطبعين، وللمتحالفين، نقول لهم: إنه لا مجال للمساومة على الأقصى، ولا للتفاوض عليه، ولا للتنازل عن ذرة تراب منه، ومن أرض الإسراء والمعراج أيضًا، كما أنها رسالة واضحة للمؤتمِرينَ المتآمِرينَ، في قمة النقب المذِلَّة وفي غيرها من القمم المنبطحة والمستسلِمة، فأنتم أنتم أيها المرابطون، أيتها المرابطات المعادَلة الصعبة، التي لا مجال للاختراق من خلالكم.
أيها المصلون، أيها الصائمون، أيها الأقصويون في العالَم كُلِّه: هذه هي الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك، فطوبى لمن صلى الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، في هذا الشهر الفضيل، فيكون المصلي قد جمَع ثلاث فضائل؛ الجمعة لها فضيلة، والأقصى له فضيلة، والصوم له فضيلة، فاحرصوا -أيها الصائمون- على الصلاة يومَ الجمعة بالأقصى المبارك.
أيها المصلون، أيها الأقصويون في العالَم أجمعَ: إننا نستظل بهذا الشهر المبارك العزيز على قلب كل مؤمن؛ إنه شهر الخيرات والبركات، شهر القُربات والعبادات، شهر الإنجازات والعزة والانتصارات، شهر التوبة والرحمات؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جاء رمضانُ فُتِّحت أبوابُ الجنة، وغُلِّقت أبوابُ جهنمَ، وسُلسِلتِ الشياطينُ"، وفي رواية: "صُفِّدَتِ الشياطينُ"، والمعنى واحد، والحكمة من ذلك حتى يكون للناس حافزٌ للإقبال على الله -سبحانه وتعالى-، وأن يكون باب التوبة النصوح مفتوحًا على مصراعيه، ينتظر التائبينَ المستغفرينَ، فلا سلطانَ ولا تأثيرَ لشياطين الجن على الإنسان، فإن الصوم عبارة عن عبادة مميَّزة؛ لأنها خَفِيَّة لا يعلم حقيقتَها إلا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، فهل من تائب ليتوب اللهُ عليه؟ هذا الشهر الذي أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
اللهم يا الله، يا ذا العرش المجيد، ارحمنا برحمتك، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، اللهم أعتِقْنا وإياكم من النار، قولوا: آمين، وقولوا بعدي: الحمد لله على نعمة الإسلام، الحمد لله على نعمة الإسلام، الحمد لله على نعمة الإسلام.
أيها المصلون، أيها الصائمون، أيها الأقصويون في العالَم كله: في هذا المجال نحذركم، نعم نحذركم من شياطين الإنس؛ فإن الله -عز وجل- قد رُبط شياطين الجِنّ بالسلاسل، ولكنَّ شياطين الإنس غير مقيَّدين، فهم يعيشون بيننا، إنهم يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون، إنهم سماسرة الأرض، إنهم الذين يُسرِّبون البيوت، إنهم قد فارقوا جماعةَ المسلمين، ومرَقُوا من الدين، لقد أشار إليهم القرآن الكريم بوجوب مقاطعتهم مدنيًّا، لا كلام معهم، لا بيع ولا شراء معهم، لا زواج ولا مصاهَرة معهم، بالإضافة إلى الفتوى الشرعية التي صدرت عن علماء المسلمين بالاستناد إلى الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، التي بمقتضاها أن البائع أو السمسار لا يُغسَّل ولا يُكفَّن ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفَن في مقابر المسلمين، ولا توبةَ لهم، فاحذروهم ولا تتعاملوا معهم، وأن كل من يتعامل معهم يكون آثمًا شرعًا.
أيها المصلون، أيها الصائمون، يا أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هذا هو شهر التوبة والمغفرة، فأحسِنوا صيامه وقيامه وصلاته، وضاعِفوا فيه العبادة والطاعة، وحافِظوا على حرمته، وتزودوا؛ فإن خير الزاد التقوى، واحفظوا ألسنتَكم من اللغو وفحش الكلام وتجنَّبوا القولَ في أعراض المسلمين؛ لقول رسولنا الكريم الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابَّكَ أحدٌ أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم"، هذا ونُحيِّي أصحابَ المطاعم والمقاهي الذين حافظوا على حرمة شهر رمضان فلم يفتحوا محلاتِهم خلالَ ساعات النهار، فالله -عز وجل- سيُعوِّضهم خيرَ العِوَض؛ فهو الرزاق ذو القوة المتين.
جاء في الحديث النبوي الشريف: "عينانِ لا تمسُّهما النارُ: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله"، صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمينَ، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أيها المصلون: أشير إلا ملاحظتين مهمتين سريعتين قبل البدء في الخطبة الثانية، أولا: بعد الخروج من الصلاة فتجنبوا التدافع والتزاحم على الأبواب، وليكن لديكم التريث والهدوء والمحافظة على حرمة هذا المسجد، وكذلك انتبِهوا على حاجاتكم الخاصة، خوفًا من المندسين، والملاحظة الثانية، سنصلي صلاة الغائب على أرواح الشهداء، وعلى مَنْ حضَر مِنْ أموات المسلمين إن شاء الله بعد الفرض.
أيها المصلون، أيها الأقصويون في العالَم كله: أتناول في هذه الخطبة ثلاثة رسائل وبإيجاز:
الرسالة الأولى: بشأن ما يعرف باتفاقية سيداو، وما ينبثق عنها وما يعرف بقانون حماية الأسرة من العنف، وفي الحقيقة أن هذه الاتفاقية الدخيلة هي لا تحمي الأسرة، بل هي تهدم الأُسرة، وتدعو إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، في مجتمعنا، وهي أصلًا مترجَمة عن القوانين الغربية الدخيلة.
أيها المصلون: إن من بنود هذه الاتفاقية الساقطة أنها تنص على الإباحية الجنسية، وعلى الشذوذ الجنسي، كما تدعو إلى إلغاء ولاية الأب على الأسرة؛ بحيث يتصرف الابن والابنة على ما يحلو لهما، دون رقابة ودون توجيه، وإذا حاول الأب تربية أولاده وتأديبهم فإن مصيره السجن، هكذا تَضِيع الأسرةُ، فاحذروا من هذه الاتفاقية، والتي تتعارض مع دين الدولة، الإسلام، وتتعارض مع الشريعة الإسلامية، وعليه فإن المسلمين في فلسطين من البحر إلى النهر، يرفضون اتفاقية سيداو، وما ينبثق عنها، ويُطالِبون بعدم تنفيذها مع التأكيد على أن ديننا الإسلامي العظيم يعطي المرأةَ حقوقَها، ويرفع عنها الظلمَ، ويمنع العنفَ بحقها، وإن المسلمين ليسوا بحاجة إلى قوانين دخيلة مستوردة، وليقل الساقطون عنا ما يقولون. اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد؟
أيها المصلون: الرسالة الثانية: بشأن توجيه تحية الاحترام والتقدير لأسرانا الأبطال الذين يقبعون في سجون وزنازين الاحتلال، والذين يطالِبون بالحد الأدنى من أساسيات الحياة الإنسانية والمعيشية، وهذا واجب الاحتلال؛ بالمحافَظة على حياة الأسرى، إلى أن يتم الإفراج عنهم قريبا، إن شاء الله، قولوا: آمين، هذا ونستنكر أساليب القمع التي تستخدمها سلطات الاحتلال بحقهم؛ فهم الأبطال الأشاوس، لديهم الشهامة والعزة والكرامة، فيستحقون منَّا كلَّ احترام وتقدير.
أيها المصلون: الرسالة الثالثة والأخيرة، بشأن المسجد الأقصى المبارك، وكما عودناكم، فإن الأخطار لا تزال محدقة به، وأن الاقتحامات مستمرة بشكل يومي، وأن عددًا من الحاخامات قد أدَّوْا يومَ الثلاثاء الماضي طقوسًا دينية في رحابه، بل إن أحد الحاخامات يُهدِّد ويتحدَّى بأنه سيُقدِّم قربانَ عيد الفِصح في باحات الأقصى، مساءَ هذا اليوم (الجمعة)، بهذا التحدي، وبهذا التمادي، وبهذه الغطرسة، يُعلن أحدُهم بأن سيُقدِّم قربان الفصح، إنهم يلعبون بالنار التي ستحرقهم إن شاء الله.
ومِنْ على منبر المسجد الأقصى المبارك نعلن للعالَم أجمعَ، رفضَنا لهذه الاعتداءات، ولهذه التجاوزات، ولهذا الفساد والإفساد، ونُحمِّل السلطاتِ المحتلةَ المسؤوليةَ الكاملةَ عن المسجد الأقصى وعن حرمته؛ لأن هذه السلطة هي التي تحمي المقتحمين، ولولا حمايتهم لَمَا تجرَّؤُوا على الاقتحام أصلًا، ولا يسعنا إلا أن نقول: حماكَ اللهُ يا أقصى، قولوا: آمين.
أيها المصلون: الساعةُ ساعةُ استجابةٍ، فأمِّنوا مِنْ بعدي: اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وفَرِّج الكربَ عنَّا، اللهم احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، اللهم تقبل صلاتنا وقيامنا وصيامنا وصالح أعمالنا، اللهم يا الله يا أمل الحائرين، ويا نصير المستضعفين، ندعوك بكل اليقين، إعلاء شأن المسلمين بالنصر والعز والتمكين.
اللهم ارحم شهداءنا، وشافِ جرحانا، وأطلِق سراحَ أسرانا، اللهم إنا نسألك توبة نصوحا، توبة قبل الممات، وراحة عن الممات، ورحمة ومغفرة بعد الممات، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
وأقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات