الخطبة الأولى:

الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون, وبعدله ضل الضَّالون, ولحكمه خضع العباد أجمعون, لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسألون، لا مانعَ لما وَهَب، ولا مُعْطيَ لما سَلَب، طاعتُهُ للعامِلِينَ أفْضلُ مُكْتَسب، وتَقْواه للمتقين أعْلَى نسَب . بقدرته تهبُّ الرياحُ ويسير الْغمام، وبحكمته ورحمته تتعاقب الليالِي والأيَّام.

أحمدُهُ -سبحانه- على جليلِ الصفاتِ وجميل الإِنعام, وأشكرُه شكرَ منْ طلب المزيدَ وَرَام, وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له, لا تحيطُ به العقولُ والأوهام, وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه أفضَلُ الأنام, صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ السابق إلى الإِسلام, وعلى عمَرَ الَّذِي إذا رآه الشيطانُ هَام, وعلى عثمانَ الَّذِي جهَّزَ بمالِه جيشَ العُسْرةِ وأقام, وعلى عليٍّ الْبَحْرِ الخِضَمِّ والأسَدِ الضِّرْغَام، وعلى سائر آلِهِ وأصحابِه والتابعين لهم بإِحسانٍ على الدوام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: 

معشر المؤمنين: بعد أن تعرّفنا على القوم وعلى عقائدهم الكفرية الضالة التي يحملونها؛ نتحدّث اليوم عن أبعاد مشروعهم والمؤامرة الخطيرة التي يستهدفون بها تقويض ديننا وتخريب أوطاننا و تفتيت قدراتنا.  فنقول مستعينين بالله:  

إنه لمن أشد الأمور خطورةً, أن يسريَ الخطر في مفاصلنا, وتصلَ الحرائق إلى أطراف أثوابنا، ونحن نائمون غافلون, أو مُخَدَّرون بالشعارات المزيّفة التي تطلقها الصفوية من أمثال مقاومة الصهيونية, ومقاومة المشروع الأميركي، فهم ما رفعوها إلا تقيةً؛ من أجل لفت الانتباه عن المشروع الحقيقي الإيرانيّ الصفوي الشعوبيّ, الذي هو سائر في طريق الهيمنة والاختراق والتفتيت!. 

معشر المؤمنين: نظرة في السياسة الإيرانية الصفوية والتحرّكات التي تنتهجها والتغلغل الصفوي داخل العديد من البلدان العربية والإسلامية، وسلوك التحريض وتحريك الأنصار ودعمهم داخل هذه البلدان... تجعلنا نتأكّد أن خطة الاختراق تسير قُدُماً في غفلةٍ من العرب والمسلمين.

فبعد انهيار العراق واحتلاله وسيطرة عملاء إيران عليه بدأت السياسة الإيرانية بالتحرّر من عقالها, وانطلقت في الفضاء الواسع لمنطقتنا العربية والإسلامية, وقد ارتكزت على ركيزتَيْن أساسيَّتَيْن:

غَرْس بذور الفتنة الداخلية داخل مجتمعاتنا, والدفع باتجاه تفتيت الكيانات السياسية العربية والإسلامية القائمة أو إضعافها, نعم -معشر المؤمنين- إنهم يبثُّون الفتنة بيننا ويحركونها ويدعمونها بكل ما عندهم من قوة و مكر و دهاء, و يعملون على تشتيت وتفتيت الأوطان وزعزعة استقرار الأنظمة, والهدف من كل ذلك في النهاية هو تحقيق الهيمنة الإيرانية على المنطقة, وكسب أكبر كَمٍّ ممكنٍ من أوراق النفوذ و السيطرة, مما يؤدي إلى فتح الطريق أمام انتزاع اعترافٍ إقليميٍ ودوليٍ بإيران الصفوية, التي سيتوجَّب إشراكها في تحديد معالم المنطقة, وصياغة مستقبلها القريب والبعيد، بعيداً عن مصالح أهلها وشعوبها, وهذا ما نراه الآن في العلاقة الأمريكية الإيرانية, نسأل الله السلامة والعافية.

وإذا حصل هذا -والعياذ بالله- فإننا نعلم كيف سيُصاغ واقع ومستقبل المسلمين, وقد عرفنا عقائدهم وأفكارهم ومنهج حياتهم التي لا تمت للإسلام ولا للعقل بصلة!.     

وعلى هذا الأساس -معشر المؤمنين-  يتغلغل الإيرانيون الصفويون الشعوبيون في مفاصل بلداننا، اقتصادياً واجتماعياً وديموغرافياً وأمنياً وسياسياً وعسكرياً وثقافياً ومذهبياً, ويقومون ببناءٍ نشطٍ لتجمّعات الارتكاز، التي تكمن بانتظار الفرص السانحة؛ لتفجير مجتمعاتنا من داخلها, بعد توفير كل عوامل التناقضات فيها, ومن ثم الانقضاض عليها لجني المكاسب, والتقدّم باتجاه تحقيق الهدف القوميّ الإيرانيّ الشعوبيّ، المحكوم بأحلام إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية!.  

ولعلّ أوضح ما يدلّ على ذلك منذ مدة أحداث البقيع، وانكشاف الاختراق الإيراني للمغرب ومصر والجزائر, والاضطرابات التي تقوم بها حركة الحوثي في اليمن الآن, وكل ما يجري في العراق المحتل من عمليات تغلغلٍ ونفوذٍ وسيطرةٍ وتطهيرٍ مذهبيٍّ, وتفتيتٍ وقضمٍ للأرض ونهبٍ للنفط والثروة، وذلك من قِبَل إيران التي تستغلّ جيداً وجودَ القوّة الأميركية المحتلة للبلاد.

وكل ما يلعبه حزب الله اللبنانيّ في لبنان، وانكشاف بعض عمليات الاختراق في الأردن وفلسطين ودول الخليج العربيّ، والاختراق الواسع للمجتمع السوريّ، وهو اختراق يحميه النظام الحاكم ويدعمه بقوّة؛ فضلاً عن التهديدات الإيرانية لدولة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، والتمسّك باحتلال عربستان والجزر الإماراتية الثلاث، وما تناقلته الأخبار الموثّقة مؤخّراً، عن السيطرة الإيرانية على الأراضي العراقية الحدودية بعمق 5-10 كيلو متر، فضلاً عن احتلال جزيرة أم الرصاص العراقية، وذلك تحت سمع الجيش الأميركي المحتلّ للعراق وبصره!.

فانظُر كيف تجلّت خطورة المشروع الإيرانيّ الشعوبيّ الصفويّ الفارسيّ في غفلة وذهول الأمة عمّا يراد بها!. يقول الخميني : "إن إيران إن انتصرت في هذه الحرب وألحقت الهزيمة بالعراق فإن العراق سيلحق بإيران وإن ارتبط العراق بإيران فإن بقية هذه الدول الصغيرة القائمة في المنطقة ستضم إلينا، إن طريقنا هو متابعة قضية لبنان عن طريق إلحاق الهزيمة بالعراق, علينا ألا نترك العراق يقف على قدميه" [خطاب خطير للخميني 22 يونيو 1982 طهران].    

معشر المؤمنين: وللمجرمين وسائلهم وأساليبهم في تحقيق الاختراق, ولعل القدرة على اختراق مجتمعاتنا تحت ستار المذهب والدين ومزاعم المقاومة والدعوة الإسلامية، واستخدام قناع الإسلام والدين وأكاذيب حُبّ آل البيت، ثم بناء المرتكزات الموالية (للوليّ الفقيه) القابع في قُمّ وطهران، وتحويل كل ذلك إلى أدواتٍ فعّالةٍ تأتمر بأمره، وتنفِّذ سياساته، وتتحرك ضد مصلحة الوطن الأصليّ؛ لعل ذلك هو أشد معالم الخطر الذي يتهدّدنا, أي يصير بموجب هذا في أراضينا ومن بيننا مستوطنون وليس مواطنين, يعملون لصالح المشروع الصفوي وهم من أبنائنا و يحملون جنسيتنا!.

نسأل الله السلامة والعافية , ونسأله التوفيق إلى ما يحب ويرضَى, أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

أيها الأحبّة في الله: ليس من تراه وتعرفه كمن لا تراه ولا تعرفه: فالمشروع ) الصهيو أميركي) معروف واضح لكل الشعوب العربية والإسلامية وأبنائها، حتى للبسطاء منهم، ومن السهل حشد الطاقات لمقاومة هذا المشروع الاستعماريّ الخبيث.

وأصحاب هذا المشروع لا يستطيعون اختراق مجتمعاتنا بالشدة التي يستطيعها الإيرانيون الشعوبيون!,أما المشروع الإيرانيّ الشعوبيّ فهو يجتاحنا من داخلنا، ويقوّض بنيتنا الاجتماعية والثقافية والعقدية والتربوية والإسلامية والأخلاقية، ويهدّد استقرارنا الداخليّ والأمنيّ, ويستخدم أدواته المتعدّدة الأشكال، فهو عنيف قاتل مجرم سفّاح في العراق, وكريم سَخِيٌّ دبلوماسي مُفسِد خبيث، يتحرّك تحت عمامةٍ مزيَّفةٍ ينسبها لآل البيت في سورية, ومتآمر مخرِّب خادع يفتعل الضجيج ويرفع الشعارات البرّاقة المزيّفة في لبنان, ووقح متحفِّز في دول شماليّ إفريقية والخليج العربيّ .

الصفويون -للأسف الشديد- ابتلعوا العراق على مرأى ومسمع منا, وها هم يدافعون عن مشروعهم الحيوي لسلخ سوريا عن جذورها, وبالأمس القريب هددوا البحرين تهديدًا وجوديًا, وما زال كيدهم في اليمن ينذر بشر مستطير!, وقل الأمر ذاته بشأن تحريك عملائهم في المنطقة الشرقية من السعودية لزعزعة أمن البلاد, وكذلك الإمارات ومصر والمغرب الإسلامي بشكل عام. كل هذا -معشر المؤمنين- مشهود وملموس يحتاج إلى وعي و معالجة. 

وهاهنا سؤال يحتاجُ منّا إلى جواب: هل تكفي معرفتنا بهذا الخطر الصفوي بجميع أبعاده, وكثرة حديثنا عنه عبر وسائل الإعلام ومنابر المساجد؛ لتحقيق الأمن والتماسك والسلامة؟.

إننا لسنا نشك -معشر المؤمنين- في أهمية التوعية بالأخطار المحيطة بنا، وضرورة استمرارها، ولكن يجب أن نعلم أن مجرد المعرفة بالخطر والحديث عنه مهما بلغ حجمه ليس من ضمن الأسباب الحقيقية التي تجنبنا ذلك الخطر، وإنما هي وسائل للتنبيه, وجرس إنذار يُطرق؛ لنبدأ في اتخاذ الأسباب الحقيقية التي ذكرها الله -عز وجل- في كتابه الكريم في آيتين شريفتين, قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) [النساء: 71] أي أن النفير هو الموقف العملي الذي يجب أن يكون في حالة وجود الأخطار, وينبغي أن ينفر الجميع كل في مجال اختصاصه و بما يجود به اتّساعه.

وقال ربنا -سبحانه تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال: 60] فلا بُدّ من الإعداد والاستعداد بجميع أصناف القوّة الإيمانية و السياسية والاقتصادية و التكنولوجية والإدارية والاجتماعية والعسكرية وغيرها.

فالقضية -معشر المؤمنين-  ليست مجرد معرفة بذلك الخطر وحديثًا عنه، وإنما أمرٌ بالحذر، وإعدادٌ واستعداد.

ويجب علينا  -معشر المؤمنين- تجنب تكرار أخطاء الماضي, ذلك أن خطة تصدير الثورة الصفوية تقوم على خطة سريّة قوامها بث الفرقة بين المسلمين وولاة أمورهم,  والواجب علينا -نحن أهل السنة- أن لا نقع في هذا الفخ المنصوب لنا وهو العداء مع السلطات القائمة لأن هذا يصب في مصلحة الصفوية الرافضة.

إن خطة مثل هذه -معشر المؤمنين-  لا يمكن محاربتها بالفوضى والارتجال وردود الأفعال, وإن كسب السلطات جزء من الدعوة الإسلامية, وعامل مهم في كسب النصر على الصفوية , ولذلك يجب مراجعة ودراسة كيفية تسرب الفكر الثوري الانقلابي لأهل السنة في هذا الزمن الذي تخلى فيه اليساريون عن العنف الثوري, ومن بعدهم الشيعة, وأصبح للأسف المنتسبون إلى أهل السنة هم قادة العنف الثوري في العالم!, فكيف حصل هذا؟!, وهل حقق هذا العنف مقاصده؟!.